جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{وَلَا تُؤۡمِنُوٓاْ إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمۡ قُلۡ إِنَّ ٱلۡهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ أَن يُؤۡتَىٰٓ أَحَدٞ مِّثۡلَ مَآ أُوتِيتُمۡ أَوۡ يُحَآجُّوكُمۡ عِندَ رَبِّكُمۡۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡفَضۡلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ} (73)

{ ولا تؤمنوا إلا لمن تبِع دينكم } : لا تعترفوا ، ولا تظهروا التصديق إلا لأشياعكم ، { قل إن الهدى هدى الله } : يهدي من يشاء ، { أن يؤتَى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجّوكم{[728]} عند ربكم } ، متعلق بلا تؤمنوا أي : لا تعترفوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من العلم ، والمعجزات ، ولا بأن يغالبوكم بالحجة يوم القيامة إلا لأشياعكم{[729]} ، ولا تفشوه لا إلى المسلمين ولا إلى المشركين يعني : إن علمكم بذلك حاصل ، لكن لا تظهروه وأوثر في العطف كلمة ( أو ليفيد العموم مثل : ( ولا تطع منهم آثما أو كفورا ) ( الإنسان : 24 ) ، وقوله : ( إن الهدى هدى الله ) جملة معترضة دالة على أن كيدهم لا طائل تحته ، وقيل : قد تم الكلام عنه عند قوله : ( إلا لمن تبِع دينكم ) ، والمعنى على الوجهين الأولين الآتيين ولا تؤمنوا هذا الإيمان الظاهر ، وهو إيمانكم وجه النهار إلا لمن تبع دينكم قبل ذلك ثم أسلم لعلهم{[730]} يرجعون ، فإن رجوعهم أرجى عندكم ، وأشجى لحلوق المسلمين حينئذ ، ففي موقع ( أنْ ) يؤتى ثلاثة أوجه :

الأول : أن يتعلق بفعل مضمر على حذف اللام أي وقل فعلتم ما فعلتم من الكيد لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ولما يترتب من غلبتهم بالحجة يوم القيامة ، أي : لم يكن لكم داع إلى هذا الكيد سوى الحسد ، ووجه العدول عن الواو إلى حينئذ الإشارة إلى أن كلا من الأمرين مستقل بكونه سببا للحسد .

الثاني : أن يكون الخبر إن الهدى وهدى الله بدل من الهدى وحين أو بمعنى إلى أن يعني حتى يحاجوكم فيدحضوا حجتكم .

الثالث : أن ينتصب بفعل مضمر تقديره{[731]} قل إن الهدى هدى الله ولا تنكروا أن يؤتي أحد أو يكون لأحد وسيلة غلبة عليكم عند الله ، ويدل على هذا المضمر لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ؛ لأن معناه حينئذ لا تقروا بحقية دين لأحد إلا لمن هو على دينكم فإنه لا دين سواه يماثله ، وهذا إنكار لأن يؤتي أحد مثل دينهم ، وقد بسطت الكلام هنالك فاستفده ، { قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع } فضله { عليم } : بكل شيء .


[728]:قال الواحدي: وهذه الآية من مشكلات القرآن وأصعبه تفسيرا وإعرابا ولقد تدبرت أقوال أهل التفسير والمعاني في هذه الآية فلم أجد قولا يطرد في الآية من أولها إلى آخرها مع بيان المعنى وصحة النظم/12 فتح.
[729]:قال بعض المفسرين: معناه لا تظهروا ما بأيديكم من العلم إلا لأتباعكم لا إلى المسلمين ليساووكم فيه ويحاجوكم به عند الله وعلى هذا (أن يوتي) علة للنهى كأنه قيل: لا تظهروا سركم وما عندكم؛ لأن يكون لكم المزية والغلبة في الدنيا والآخرة وقوله: (قل إن الهدى هدى الله) معترضة دالة على أن من يعلمه ويفضله فهو الهادي وهو الذي هدى المسلمين وفضلهم/12.
[730]:وحقيقة المعنى أنه لم يكن لكم باعث على هذا الكيد سوى علمكم بأن الإيتاء والمحاجة المذكورين كائنان ألبتة/12.
[731]:هو من جملة مقول الطائفة، وحاصله أظهروا الإيمان بدين المسلمين لكن كونوا على دينكم واستمروا عليه ولا تبدّلوا دينكم فقيل: (قل إن الهدى هدى الله فلا تنكروا أن يؤتى).