تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيۡرِ عَمَدٖ تَرَوۡنَهَاۖ وَأَلۡقَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمۡ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوۡجٖ كَرِيمٍ} (10)

{ 10 - 11 } { خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }

يتلو تعالى على عباده ، آثارا من آثار قدرته ، وبدائع من بدائع حكمته ، ونعما من آثار رحمته ، فقال : { خَلْقِ السَّمَاوَاتِ } السبع على عظمها ، وسعتها ، وكثافتها ، وارتفاعها الهائل . { بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا } أي : ليس لها عمد ، ولو كان لها عمد لرئيت ، وإنما استقرت واستمسكت ، بقدرة اللّه تعالى .

{ وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ } أي : جبالا عظيمة ، ركزها في أرجائها وأنحائها ، لئلا { تَمِيدَ بِكُمْ } فلولا الجبال الراسيات لمادت الأرض ، ولما استقرت بساكنيها .

{ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ } أي : نشر في الأرض الواسعة ، من جميع أصناف الدواب ، التي هي مسخرة لبني آدم ، ولمصالحهم ، ومنافعهم . ولما بثها في الأرض ، علم تعالى أنه لا بد لها من رزق تعيش به ، فأنزل من السماء ماء مباركا ، { فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } المنظر ، نافع مبارك ، فرتعت فيه الدواب المنبثة ، وسكن إليه كل حيوان .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيۡرِ عَمَدٖ تَرَوۡنَهَاۖ وَأَلۡقَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمۡ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوۡجٖ كَرِيمٍ} (10)

قوله تعالى : " خلق السماوات بغير عمد ترونها " تكون " ترونها " في موضع خفض على النعت ل " عمد " فيمكن أن يكون ثم عمد ولكن لا ترى . ويجوز أن تكون في موضع نصب على الحال من " السماوات " ولا عمد ثم البتة . النحاس : وسمعت علي بن سليمان يقول : الأولى أن يكون مستأنفا ، ولا عمد ثم . قاله مكي . ويكون " بغير عمد " التمام . وقد مضى في " الرعد " {[12570]} الكلام في هذه الآية . " وألقى في الأرض رواسي " أي جبالا ثوابت . " أن تميد بكم " في موضع نصب ، أي كراهية أن تميد . والكوفيون يقدرونه بمعنى لئلا تميد . " وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم " عن ابن عباس : من كل لون حسن . وتأوله الشعبي على الناس ؛ لأنهم مخلوقون من الأرض . قال : من كان منهم يصير إلى الجنة فهو الكريم ، ومن كان منهم يصير إلى النار فهو اللئيم . وقد تأول غيره أن النطفة مخلوقة من تراب ، وظاهر القرآن يدل على ذلك .


[12570]:راجع ج 9 ص 279.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيۡرِ عَمَدٖ تَرَوۡنَهَاۖ وَأَلۡقَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمۡ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٖۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوۡجٖ كَرِيمٍ} (10)

{[53704]}ولما ختم بصفتي العزة - وهي غاية القدرة - والحكمة - وهي ثمرة العلم - دل{[53705]} عليها باتقان أفعاله وإحكامها فقال : { خلق السماوات } أي على علوها وكبرها وضخامتها { بغير عمد } وقوله : { ترونها } دال{[53706]} على الحكمة ، إن قلنا إنه صفة لعمد أو استئناف ، إما أن قلنا بالثاني فلكون{[53707]} مثل هذا الخلق الكبير الواسع يحمل بمحض{[53708]} القدرة ، وإن قلنا بالأول{[53709]} فتركيب مثله على عمد تكون في العادة حاملة له وهي مع ذلك بحيث لا ترى أدخل في الحكمة وأدق في اللطافة والعظمة ، لأنه يحتاج إلى عملين : تخفيف الكثيف وتقوية اللطيف .

ولما ذكر العمد المقلة{[53710]} ، اتبعه الأوتاد المقرة فقال : { وألقى في الأرض } أي{[53711]} التي{[53712]} أنتم عليها ، جبالاً { رواسي }

والعجب أنها من فوقها وجميع الرواسي التي تعرفونها تكون من تحت{[53713]} ، تثبتها عن { أن تميد{[53714]} } أي تتمايل مضطربة { بكم } كما هو شأن ما على ظهر الماء .

ولما ذكر إيجادها وإصلاحها للاستقرار . ذكر ما خلقت له من الحيوان فقال : { وبث فيها } أي فرق { من كل دابة } ولما ذكر ذلك ، ذكر{[53715]} ما يعيش به ، فقال منبهاً لمظهر العظمة على أن ذلك وإن كان لهم في بعضه تسبب {[53716]}لا يقدر{[53717]} عليه إلا هو سبحانه : { وأنزلنا } أي بما لنا من العزة اللازمة للقدرة ، وقدم ما{[53718]} لا قدرة لمخلوق عليه بوجه فقال : { من السماء ماء } ولما تسبب عن ذلك تدبير الأقوات ، وكان من آثار الحكمة التابعة للعلم ، دل عليه بقوله : { فأنبتنا } أي{[53719]} بما لنا من العلو{[53720]} في الحكمة { فيها } أي الأرض بخلط الماء بترابها { من كل زوج } أي صنف من النبات متشابه { كريم* } بما له من البهجة والنضرة الجالبة للسرور والمنفعة والكثرة الحافظة لتلك الدواب .


[53704]:زيد في الأصل: كان هذا التقدير بحكمته، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[53705]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: دلت.
[53706]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: دالا.
[53707]:زيد من ظ وم ومد.
[53708]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: لمحض.
[53709]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: الثاني.
[53710]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: للقلة.
[53711]:زيد من ظ وم ومد.
[53712]:سقط من ظ ومد.
[53713]:في الأصل بياض، ملأناه من ظ وم ومد.
[53714]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: تميل.
[53715]:في الأصل بياض، ملأناه من ظ وم ومد.
[53716]:في الأصل بياض، ملأناه من ظ وم ومد.
[53717]:في الأصل بياض، ملأناه من ظ وم ومد.
[53718]:زيد من ظ وم ومد.
[53719]:سقط من ظ.
[53720]:في ظ: العلم.