تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِذۡ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَلۡزَمَهُمۡ كَلِمَةَ ٱلتَّقۡوَىٰ وَكَانُوٓاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهۡلَهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (26)

{ 26 } { إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا }

يقول تعالى : { إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ } حيث أنفوا من كتابة { بسم الله الرحمن الرحيم } وأنفوا من دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين إليهم في تلك السنة ، لئلا يقول الناس : { دخلوا مكة قاهرين لقريش } وهذه الأمور ونحوها من أمور الجاهلية ، لم تزل في قلوبهم حتى أوجبت لهم ما أوجبت من كثير من المعاصي ، { فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ } فلم يحملهم الغضب على مقابلة المشركين بما قابلوهم به ، بل صبروا لحكم الله ، والتزموا الشروط التي فيها تعظيم حرمات الله ولو كانت ما كانت ، ولم يبالوا بقول القائلين ، ولا لوم اللائمين .

{ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى } وهي { لا إله إلا الله } وحقوقها ، ألزمهم القيام بها ، فالتزموها وقاموا بها ، { وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا } من غيرهم { و } كانوا { أهلها } الذين استأهلوها لما يعلم الله عندهم وفي قلوبهم من الخير ، ولهذا قال : { وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا }

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{إِذۡ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَلۡزَمَهُمۡ كَلِمَةَ ٱلتَّقۡوَىٰ وَكَانُوٓاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهۡلَهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (26)

قوله تعالى : " إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية " العامل في " إذ " قوله تعالى : " لعذبنا " أي لعذبناهم إذ جعلوا هذا . أو فعل مضمر تقديره واذكروا . " الحمية " فعيلة وهي الأنفة . يقال : حميت عن كذا حمية ( بالتشديد ) ومحمية إذا أنفت منه وداخلك عار وأنفة أن تفعله . ومنه قول المتلمس :

ألا إنني منهم وعِرْضِي عرضهم *** كذي الأنف يحمِي أنفَهُ أن يُكَشَّمَا{[14027]}

أي يمنع . قال الزهري : حميتهم أنفتهم من الإقرار للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة والاستفتاح ببسم الله الرحمن الرحيم ، ومنعهم من دخول مكة . وكان الذي امتنع من كتابة بسم الله الرحمن الرحيم ومحمد رسول الله : سهيل بن عمرو ، على ما تقدم . وقال ابن بحر : حميتهم عصبيتهم لآلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله تعالى ، والأنفة من أن يعبدوا غيرها . وقيل : " حمية الجاهلية " إنهم قالوا : قتلوا أبناءنا وإخواننا ثم يدخلون علينا في منازلنا ، واللات والعزى لا يدخلها أبدا . " فأنزل الله سكينته " أي الطمأنينة والوقار . " على رسوله وعلى المؤمنين " وقيل : ثبتهم على الرضا والتسليم ، ولم يدخل قلوبهم ما أدخل قلوب أولئك من الحمية .

قوله تعالى : " وألزمهم كلمة التقوى " قيل : لا إله إلا الله . روي مرفوعا من حديث أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم . وهو قول علي وابن عمر وابن عباس ، وعمرو بن ميمون ومجاهد وقتادة وعكرمة والضحاك ، وسلمة بن كهيل وعبيد بن عمير وطلحة بن مصرف ، والربيع والسدي وابن زيد . وقال عطاء الخرساني ، وزاد " محمد رسول الله " . وعن علي وابن عمر أيضا هي لا إله إلا الله والله أكبر . وقال عطاء بن أبي رباح ومجاهد أيضا : هي لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير . وقال الزهري : بسم الله الرحمن الرحيم . يعني أن المشركين لم يقروا بهذه الكلمة ، فخص الله بها المؤمنين . و " كلمة التقوى " هي التي يتقى بها من الشرك . وعن مجاهد أيضا أن " كلمة التقوى " الإخلاص . " وكانوا أحق بها وأهلها " أي أحق بها من كفار مكة ، لأن الله تعالى اختارهم لدينه وصحبة نبيه . " وكان الله بكل شيء عليما " .


[14027]:الكشم: قطع الأنف باستئصال.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{إِذۡ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَلۡزَمَهُمۡ كَلِمَةَ ٱلتَّقۡوَىٰ وَكَانُوٓاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهۡلَهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (26)

{ إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية } يعني : أنفة الكفر وهي منعهم للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين عن العمرة ومنعهم من أن يكتب في كتاب الصلح بسم الله الرحمن الرحيم ومنعهم من أن يكتب محمد رسول الله وقولهم لو نعلم أنك رسول الله لاتبعناك ، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك والعامل في إذ جعل محذوف تقديره اذكر أو قوله : { لعذبنا } و{ السكينة } هي سكون المسلمين ووقارهم حين جرى ذلك .

{ وألزمهم كلمة التقوى } قال الجمهور : هي لا إله إلا الله وقد روي : ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل : لا إله إلا الله محمد رسول الله وقيل : لا إله إلا الله والله أكبر ، وهذه كلها متقاربة وقيل : هي بسم الله الرحمن الرحيم التي أبى الكفار أن تكتب .

{ وكانوا أحق بها وأهلها } أي : كانوا كذلك في علم الله وسابق قضائه لهم وقيل : أحق بها من اليهود والنصارى .

 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{إِذۡ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلۡجَٰهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَلۡزَمَهُمۡ كَلِمَةَ ٱلتَّقۡوَىٰ وَكَانُوٓاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهۡلَهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٗا} (26)

{ إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليما }

{ إذ جعل } متعلق بعذبنا { الذين كفروا } فاعل { في قلوبهم الحمية } الأنفة من الشيء { حمية الجاهلية } بدل من الحمية وهي صدهم النبي وأصحابه عن المسجد الحرام { فأنزل الله سكينته على رسول وعلى المؤمنين } فصالحوهم على أن يعودوا من قابل ولم يلحقهم من الحمية ما لحق الكفار حتى يقاتلوهم { وألزمهم } أي المؤمنين { كلمة التقوى } لا إله إلا الله محمد رسول الله وأضيفت إلى التقوى لأنها سببها { وكانوا أحق بها } بالكلمة من الكفار { وأهلها } عطف تفسيري { وكان الله بكل شيءً عليماً } أي لم يزل منصفاً بذلك ومن معلومة تعالى أنهم أهلها .