تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَآ أَنتَ بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ بِمَجۡنُونٖ} (2)

وذلك أن القلم وما يسطرون به من أنواع الكلام ، من آيات الله العظيمة ، التي تستحق أن يقسم الله بها ، على براءة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، مما نسبه إليه أعداؤه من الجنون ، فنفى عنه الجنون{[1187]}  بنعمة ربه عليه وإحسانه ، حيث من عليه بالعقل الكامل ، والرأي الجزل ، والكلام الفصل ، الذي هو أحسن ما جرت به الأقلام ، وسطره الأنام ، وهذا هو السعادة في الدنيا .


[1187]:- في ب: عنه ذلك.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَآ أَنتَ بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ بِمَجۡنُونٖ} (2)

( ما أنت بنعمة ربك بمجنون ) . .

فيثبت في هذه الآية القصيرة وينفي . . يثبت نعمة الله على نبيه ، في تعبير يوحي بالقربى والمودة : حين يضيفه سبحانه إلى ذاته : ( ربك ) . وينفي تلك الصفة المفتراة التي لا تجتمع مع نعمة الله ، على عبد نسبه إليه وقربه واصطفاه . .

وإن العجب ليأخذ كل دارس لسيرة الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] في قومه ، من قولتهم هذه عنه ، وهم الذين علموا منه رجاحة العقل حتى حكموه بينهم في رفع الحجر الأسود قبل النبوة بأعوام كثيرة . وهم الذين لقبوه بالأمين ، وظلوا يستودعونه أماناتهم حتى يوم هجرته ، بعد عدائهم العنيف له ، فقد ثبت أن عليا - كرم الله وجهه - تخلف عن رسول الله أياما في مكة ، ليرد إليهم ودائعهم التي كانت عنده ؛ حتى وهم يحادونه ويعادونه ذلك العداء العنيف . وهم الذين لم يعرفوا عليه كذبة واحدة قبل البعثة . فلما سأل هرقل أبا سفيان عنه : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل نبوته ? قال أبو سفيان - وهو عدوه قبل إسلامه - لا ، فقال هرقل : ما كان ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله !

إن الإنسان ليأخذه العجب أن يبلغ الغيظ بالناس إلى الحد الذي يدفع مشركي قريش إلى أن يقولوا هذه القولة وغيرها عن هذا الإنسان الرفيع الكريم ، المشهور بينهم برجاحة العقل وبالخلق القويم . ولكن الحقد يعمي ويصم ، والغرض يقذف بالفرية دون تحرج ! وقائلها يعرف قبل كل أحد ، أنه كذاب أثيم !

( ما أنت بنعمة ربك بمجنون ) . . هكذا في عطف وفي إيناس وفي تكريم ، ردا على ذلك الحقد الكافر ، وهذا الافتراء الذميم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَآ أَنتَ بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ بِمَجۡنُونٖ} (2)

ما أنت بنعمة ربك بمجنون جواب القسم ، والمعنى ما أنت بمجنون منعما عليك بالنبوة وحصافة الرأي . والعامل في الحال معنى النفي ، وقيل بمجنون الباء لا تمنع عمله فيما قبله ، لأنها مزيدة وفيه نظر من حيث المعنى .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مَآ أَنتَ بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ بِمَجۡنُونٖ} (2)

وقوله : { ما أنت بنعمة ربك بمجنون } هو جواب القسم و { ما } هنا عاملة لها اسم وخبر ، وكذلك هي حيث دخلت الباء في الخبر ، وقوله : { بنعمة ربك } اعتراض ، كما يقول الإنسان : أنت بحمد الله فاضل .

وسبب هذه الآية ، أن قريشاً رمت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنون ، وهو ستر العقول ، بمعنى أن كلامه خطأ ككلام المجنون ، فنفى الله تعالى ذلك عنه وأخبره بأن له الأجر ، وأنه على الخلق العظيم ، تشريفاً له ومدحاً .