تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِنۡ خِفۡتُمۡ شِقَاقَ بَيۡنِهِمَا فَٱبۡعَثُواْ حَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهِۦ وَحَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصۡلَٰحٗا يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيۡنَهُمَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرٗا} (35)

{ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا }

أي : وإن خفتم الشقاق بين الزوجين والمباعدة والمجانبة حتى يكون كل منهما في شق { فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا } أي : رجلين مكلفين مسلمين عدلين عاقلين يعرفان ما بين الزوجين ، ويعرفان الجمع والتفريق . وهذا مستفاد من لفظ " الحكم " لأنه لا يصلح حكما إلا من اتصف بتلك الصفات .

فينظران ما ينقم كل منهما على صاحبه ، ثم يلزمان كلا منهما ما يجب ، فإن لم يستطع أحدهما ذلك ، قنَّعا الزوج الآخر بالرضا بما تيسر من الرزق والخلق ، ومهما أمكنهما الجمع والإصلاح فلا يعدلا عنه .

فإن وصلت الحال إلى أنه لا يمكن اجتماعهما وإصلاحهما إلا على وجه المعاداة والمقاطعة ومعصية الله ، ورأيا أن التفريق بينهما أصلح ، فرقا بينهما . ولا يشترط رضا الزوج ، كما يدل عليه أن الله سماهما حكمين ، والحكم يحكم ولو{[207]}  لم يرض المحكوم عليه ، ولهذا قال : { إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا } أي : بسبب الرأي الميمون والكلام الذي يجذب القلوب ويؤلف بين القرينين .

{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا } أي : عالمًا بجميع الظواهر والبواطن ، مطلعا على خفايا الأمور وأسرارها . فمن علمه وخبره أن شرع لكم هذه الأحكام الجليلة والشرائع الجميلة .


[207]:- في ب: وإن.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِنۡ خِفۡتُمۡ شِقَاقَ بَيۡنِهِمَا فَٱبۡعَثُواْ حَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهِۦ وَحَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصۡلَٰحٗا يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيۡنَهُمَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرٗا} (35)

24

ذلك حين لا يستعلن النشوز ، وإنما تتقى بوادره . فأما إذا كان قد استعلن ، فلا تتخذ تلك الإجراءات التي سلفت . إذا لا قيمة لها إذن ولا ثمرة . وإنما هي إذن صراع وحرب بين خصمين ليحطم أحدهما رأس الآخير ! وهذا ليس المقصود ، ولا المطلوب . . وكذلك إذا رئي أن استخدام هذه الإجراءات قد لا يجدي ، بل سيزيد الشقة بعدًا ، والنشوز استعلانًا ؛ ويمزق بقية الخيوط التي لا تزال مربوطة . أو إذا أدى استخدام تلك الوسائل بالفعل إلى غير نتيجة . . في هذه الحالات كلها يشير المنهج الإسلامي الحكيم بإجراء أخير ؛ لإنقاذ المؤسسة العظيمة من الانهيار . قبل أن ينفض يديه منها ويدعها تنهار :

( وإن خفتم شقاق بينهما ، فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها . إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما . إن الله كان عليمًا خبيرًا ) . .

وهكذا لا يدعو المنهج الإسلامي إلى الاستسلام لبوادر النشوز والكراهية ؛ ولا إلى المسارعة بفصم عقدة النكاح ، وتحطيم مؤسسة الأسرة على رؤوس من فيها من الكبار والصغار - الذين لا ذنب لهم ولا يد ولا حيلة - فمؤسسة الأسرة عزيزة على الإسلام ؛ بقدر خطورتها في بناء المجتمع ، وفي إمداده باللبنات الجديدة ، اللازمة لنموه ورقية وامتداده .

إنه يلجأ إلى هذه الوسيلة الأخيرة - عند خوف الشقاق - فيبادر قبل وقوع الشقاق فعلًا . . ببعث حكم من أهلها ترتضيه ، وحكم من أهله يرتضيه . يجتمعان في هدوء . بعيدين عن الانفعالات النفسية ، والرواسب الشعورية ، والملابسات المعيشية ، التي كدرت صفو العلاقات بين الزوجين . طليقين من هذه المؤثرات التي تفسد جو الحياة ، وتعقد الأمور ، وتبدو - لقربها من نفسي الزوجين - كبيرة تغطي على كل العوامل الطيبة الأخرى في حياتهما . حريصين على سمعة الأسرتين الأصليتين . مشفقين على الأطفال الصغار . بريئين من الرغبة في غلبة أحدهما على الآخر - كما قد يكون الحال مع الزوجين في هذه الظروف - راغبين في خير الزوجين وأطفالهما ومؤسستهما المهددة بالدمار . . وفي الوقت ذاته هما مؤتمنان على أسرار الزوجين ، لأنهما من أهلهما : لا خوف من تشهيرهما بهذه الأسرار . إذ لا مصلحة لهما في التشهير بها ، بل مصلحتهما في دفنها ومداراتها !

يجتمع الحكمان لمحاولة الإصلاح . فإن كان في نفسي الزوجين رغبة حقيقية في الإصلاح ، وكان الغضب فقط هو الذي يحجب هذه الرغبة ، فإنه بمساعدة الرغبة القوية في نفس الحكمين ، يقدر الله الصلاح بينهما والتوفيق :

إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما . .

فهما يريدان الإصلاح ، والله يستجيب لهما ويوفق . .

وهذه هي الصلة بين قلوب الناس وسعيهم ، ومشيئة الله وقدره . . إن قدر الله هو الذي يحقق ما يقع في حياة الناس . ولكن الناس يملكون أن يتجهوا وأن يحاولوا ؛ وبقدر الله - بعد ذلك - يكون ما يكون .

ويكون عن علم بالسرائر وعن خبرة بالصوالح :

إن الله كان عليمًا خبيرًا .

وهكذا نرى - في هذا الدرس - مدى الجدية والخطورة في نظرة الإسلام إلى المرأة وعلاقات الجنسين ومؤسسة الأسرة ، وما يتصل بها من الروابط الاجتماعية . . ونرى مدى اهتمام المنهج الإسلامي بتنظيم هذا الجانب الخطير من الحياة الإنسانية . ونطلع على نماذج من الجهد الذي بذله هذا المنهج العظيم ، وهو يأخذ بيد الجماعة المسلمة - التي التقطها من سفح الجاهلية - في المرتقى الصاعد إلى القمة السامقة على هدى الله . الذي لا هدى سواه . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِنۡ خِفۡتُمۡ شِقَاقَ بَيۡنِهِمَا فَٱبۡعَثُواْ حَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهِۦ وَحَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصۡلَٰحٗا يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيۡنَهُمَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرٗا} (35)

{ وإن خفتم شقاق بينهما } خلافا بين المرأة وزوجها ، أضمرها وإن لم يجر ذكرهما لجرى ما يدل عليهما وإضافة الشقاق إلى الظرف إما لإجرائه مجرى المفعول به كقوله : يا سارق الليلة أهل الدار أو لفاعل كقولهم نهارك صائم . { فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها } فابعثوا أيها الحكام متى اشتبه عليكم حالهما لتبيين الأمر أو إصلاح ذات البين ، رجلا وسطا يصلح للحكومة والإصلاح من أهله وآخر من أهلها ، فإن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال وأطلب للصلاح ، وهذا على وجه الاستحباب فلو نصبا من الأجانب جاز . وقيل الخطاب للأزواج والزوجات ، واستدل به على جواز التحكيم ، والأظهر أن النصب لإصلاح ذات البين أو لتبيين الأمر ولا يليان الجمع والتفريق إلا بإذن الزوجين ، وقال مالك لهما أن يتخالعا إن وجدا الصلاح فيه . { إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما } الضمير الأول للحكمين والثاني للزوجين ، أي إن قصدا الإصلاح أوقع الله بحسن سعيهما الموافقة بين الزوجين . وقيل كلاهما للحكمين أي إن قصدا الإصلاح يوفق الله بينهما لتتفق كلمتهما ويحصل مقصودهما . وقيل للزوجين أي إن أرادا الإصلاح وزوال الشقاق أوقع الله بينهما الألفة والوفاق ، وفيه تنبيه على أن من أصلح نيته فيما يتحراه أصلح الله مبتغاه . { إن الله كان عليما خبيرا } بالظواهر والبواطن ، فيعلم كيف يرفع الشقاق ويوقع الوفاق .