{ و } قال بعضهم لبعض { لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم } أي : لا تثقوا ولا تطمئنوا ولا تصدقوا إلا من تبع دينكم ، واكتموا{[159]} أمركم ، فإنكم إذا أخبرتم غيركم وغير من هو على دينكم حصل لهم من العلم ما حصل لكم فصاروا مثلكم ، أو حاجوكم عند ربكم وشهدوا عليكم أنها قامت عليكم الحجة وتبين لكم الهدى فلم تتبعوه ، فالحاصل أنهم جعلوا عدم إخبار المؤمنين بما معهم من العلم قاطعا عنهم العلم ، لأن العلم بزعمهم لا يكون إلا عندهم وموجبا للحجة عليهم ، فرد الله عليهم بأن { الهدى هدى الله } فمادة الهدى من الله تعالى لكل من اهتدى ، فإن الهدى إما علم الحق ، أو إيثارة ، ولا علم إلا ما جاءت به رسل الله ، ولا موفق إلا من وفقه الله ، وأهل الكتاب لم يؤتوا من العلم إلا قليلا ، وأما التوفيق فقد انقطع حظهم منه لخبث نياتهم وسوء مقاصدهم ، وأما هذه الأمة فقد حصل لهم ولله الحمد من هداية الله من العلوم والمعارف مع العمل بذلك ما فاقوا به وبرزوا على كل أحد ، فكانوا هم الهداة الذين يهدون بأمر الله ، وهذا من فضل الله عليها وإحسانه العظيم ، فلهذا قال تعالى { قل إن الفضل بيد الله } أي : الله هو الذي يحسن على عباده بأنواع الإحسان { يؤتيه من يشاء } ممن أتى بأسبابه { والله واسع } الفضل كثير الإحسان { عليم } بمن يصلح للإحسان فيعطيه ، ومن لا يستحقه فيحرمه إياه .
وكان أهل الكتاب يقول بعضهم لبعض : تظاهروا بالإسلام أول النهار واكفروا آخره لعل المسلمين يرجعون عن دينهم . وليكن هذا سرا بينكم لا تبدونه ولا تأتمنون عليه إلا أهل دينكم :
( ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ) . .
وفعل الإيمان حين يعدى باللام يعني الاطمئنان والثقة . أي ولا تطمئنوا إلا لمن تبع دينكم ، ولا تفضوا بأسراركم إلا لهؤلاء دون المسلمين !
وعملاء الصهيونية والصليبية اليوم كذلك . . إنهم متفاهمون فيما بينهم على أمر . . هو الإجهاز على هذه العقيدة في الفرصة السانحة التي قد لا تعود . . وقد لا يكون هذا التفاهم في معاهدة أو مؤامرة . ولكنه تفاهم العميل مع العميل على المهمة المطلوبة للأصيل ! ويأمن بعضهم لبعض فيفضي بعضهم إلى بعض . . ثم يتظاهرون - بعضهم على الأقل - بغير ما يريدون وما يبيتون . . والجو من حولهم مهيأ ، والأجهزة من حولهم معبأة . . والذين يدركون حقيقة هذا الدين في الأرض كلها مغيبون أو مشردون !
( ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ) . .
وهنا يوجه الله نبيه [ ص ] أن يعلن أن الهدى هو وحده هدى الله ؛ وأن من لا يفيء إليه لن يجد الهدى أبدا في أي منهج ولا في أي طريق :
( قل : إن الهدى هدى الله ) . .
ويجيء هذا التقرير ردا على مقالتهم : ( آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون )تحذيرا للمسلمين من تحقيق الهدف اللئيم . فهو الخروج من هدى الله كله . فلا هدى إلا هداه وحده . وإنما هو الضلال والكفر ما يريده بهم هؤلاء الماكرون .
يجيء هذا التقرير قبل أن ينتهي السياق من عرض مقولة أهل الكتاب كلها . . ثم يمضي يعرض بقية تآمرهم بعد هذا التقرير المعترض :
( أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، أو يحاجوكم عند ربكم ) . .
بهذا يعللون قولهم : ( ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ) . . فهو الحقد والحسد والنقمة أن يؤتي الله أحدا من النبوة والكتاب ما آتى أهل الكتاب . وهو الخوف أن يكون في الاطمئنان للمسلمين وإطلاعهم على الحقيقة التي يعرفها أهل الكتاب ، ثم ينكرونها ، عن هذا الدين ، ما يتخذه المسلمون حجة عليهم عند الله ! - كأن الله سبحانه لا يأخذهم بحجة إلا حجة القول المسموع ! - وهي مشاعر لا تصدر عن تصور إيماني بالله وصفاته ؛ ولا عن معرفة بحقيقة الرسالات والنبوات ، وتكاليف الإيمان والاعتقاد !
ويوجه الله سبحانه رسوله الكريم ليعلمهم - ويعلم الجماعة المسلمة - حقيقة فضل الله حين يشاء أن يمن على أمة برسالة وبرسول :
( قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ، والله واسع عليم . يختص برحمته من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم ) . .
وقد شاءت إرادته أن يجعل الرسالة والكتاب في غير أهل الكتاب ؛ بعد ما خاسوا بعهدهم مع الله ؛ ونقضوا ذمة أبيهم إبراهيم ؛ وعرفوا الحق ولبسوه بالباطل ؛ وتخلوا عن الأمانة التي ناطها الله بهم ؛ وتركوا أحكام كتابهم وشريعة دينهم ؛ وكرهوا أن يتحاكموا إلى كتاب الله بينهم . وخلت قيادة البشرية من منهج الله وكتابه ورجاله المؤمنين . . عندئذ سلم القيادة ، وناط الأمانة ، بالأمة المسلمة . فضلا منه ومنة . ( والله واسع عليم ) . .
وقوله : { وَلا تُؤْمِنُوا إِلا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ } أي : لا تطمئنوا وتظهروا سركم وما عندكم إلا لمن اتبع دينكم ولا تظهروا ما بأيديكم إلى المسلمين ، فيؤمنوا به ويحتجوا{[5172]} به عليكم ؛ قال الله تعالى : { قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ } أي هو الذي يهدي قلوب المؤمنين إلى أتم الإيمان ، بما ينزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الآيات البينات ، والدلائل القاطعات ، والحجج الواضحات ، وَإنْ كتمتم{[5173]} - أيها اليهود - ما بأيديكم من صفة محمد في{[5174]} كتبكم التي نقلتموها عن الأنبياء الأقدمين .
وقوله { أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ } يقولون : لا تظهروا ما عندكم من العلم للمسلمين ، فيتعلموه منكم ، ويساووكم{[5175]} فيه ، ويمتازوا{[5176]} به عليكم لشدة الإيمان{[5177]} به ، أو يحاجوكم{[5178]} به عند الله ، أي : يتخذوه حجة عليكم مما بأيديكم ، فتقوم{[5179]} به عليكم الدلالة وتَتَركَّب الحجةُ في الدنيا والآخرة .
قال الله تعالى : { قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ } أي : الأمورُ كلها تحت تصريفه ، وهو المعطي المانع ، يَمُنّ على من يشاء بالإيمان والعلم والتصور التام ، ويضل من يشاء ويُعمي بصره وبصيرته ، ويختم على سمعه وقلبه ، ويجعل على بصره غشاوة ، وله الحجة والحكمة{[5180]} .
{ وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }
وذكر الله تعالى عن هذه الطائفة من أهل الكتاب ، أنهم قالوا : { ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم } ولا خلاف بين أهل التأويل أن هذا القول هو من كلام الطائفة ، واختلف الناس في قوله تعالى : { أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم } ، فقال مجاهد وغيره من أهل التأويل . الكلام كله من قول الطائفة لأتباعهم ، وقوله تعالى : { قل إن الهدى هدى الله } اعتراض بين الكلامين .
قال القاضي : والكلام على هذا التأويل يحتمل معاني : أحدها : ولا تصدقوا تصديقاً صحيحاً وتؤمنوا إلا لمن جاء بمثل دينكم كراهة أو مخافة أو حذاراً أن يؤتى أحد من النبوة والكرامة مثل ما أوتيتم ، وحذراً أن يحاجوكم بتصديقكم إياهم عند ربكم إذا لم تستمروا عليه ، وهذا القول على هذا المعنى ثمرة الحسد والكفر ، مع المعرفة بصحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، ويحتمل أن يكون التقدير ، أن لا يؤتى فحذفت - لا - لدلالة الكلام ، ويحتمل الكلام أن يكون معناه ، ولا تصدقوا وتؤمنوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لمن تبع دينكم وجاء بمثله وعاضداً له ، فإن ذلك لا يؤتاه غيركم ، { أو يحاجوكم عند ربكم } ، بمعنى : إلا أن يحاجوكم ، كما تقول : أنا لا أتركك أو تقتضيني حقي ، وهذا القول على هذا المعنى ثمرة التكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم على اعتقاد منهم أن النبوة لا تكون إلا في بني إسرائيل ، ويحتمل الكلام أن يكون معناه : ولا تؤمنوا بمحمد وتقروا بنبوته ، إذ قد علمتم صحتها ، إلا لليهود الذين هم منكم ، و{ أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم } ، صفة لحال محمد فالمعنى ، تستروا بإقراركم ، ان قد أوتي أحد مثل ما أوتيتم ، أو فإنهم يعنون _ العرب _ يحاجوكم بالإقرار عند ربكم ، قال أبو علي و{ تؤمنوا } تعدى بالباء المقدرة في قوله
{ أن يؤتى } كما تعدى أول الآية في قوله ، { بالذي أنزل } واللام في قوله ، { لمن تبع } ، لا يسهل أن تعلق ب{ تؤمنوا } ، وأنت قد أوصلته بالباء فتعلق بالفعل جارين ، كما لا يستقيم أن تعديه إلى مفعولين إذا كان لا يتعدى إلا إلى واحد ، وإنما يحمل أمر هذه اللام على المعنى ، والمعنى : لاتقروا بأن الله يؤتي أحداً مثل ما أوتيتم إلا لمن ، فهذا كما تقول : أقررت لزيد بألف فتكون اللام متعلقة بالمعنى ولا تكون زائدة على حد { إن كنتم للرؤيا تعبرون }{[3247]} ولا تتعلق على حد المفعول ، قال أبو علي : وقد تعدى «آمن » باللام في قوله { فما آمن لموسى إلا ذرية }{[3248]} وقوله { آمنتم له }{[3249]} [ الشعراء : 49 ] وقوله { يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين }{[3250]} و{ أحد } إنما دخل في هذا الكلام بسبب النفي الواقع في أوله ، قوله : { ولا تؤمنوا } كما دخلت - من - في قوله { ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم }{[3251]} فكما دخلت - من - في صلة أن ينزل ، لأنه مفعول النفي اللاحق لأول الكلام ، فكذلك دخل { أحد } في صلة - أن - في قوله { أن يؤتى أحد } لدخول النفي في أول الكلام .
قال القاضي : وهذا لأن أحداً الذي فيه الشياع ، لا يجيء في واجب من الكلام ، لأنه لا يفيد معنى ، وقرأ ابن كثير وحده بين السبعة «آن يؤتى » بالمد على جهة الاستفهام الذي هو تقرير ، وفسر أبو علي قراءة ابن كثير على أن الكلام كله من قول الطائفة ، إلا الاعتراض الذي هو : { قل إن الهدى هدى الله } فإنه لا يختلف أنه من قول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم قال : فلا يجوز مع الاستفهام أن يحمل { أن يؤتى } على ما قبله من الفعل ، لأن الاستفهام قاطع ، فيجوز أن تكون - أن - في موضع رفع بالابتداء وخبره محذوف تقديره تصدقون به أو تعترفون ، أو تذكرونه لغيركم ، ونحو هذا مما يدل عليه الكلام ويكون { يحاجوكم } على هذا معطوفاً على { أن يؤتى } قال أبو علي : ويجوز أن يكون موضع - أن - منصوباً ، فيكون المعنى : أتشيعون أو أتذكرون { أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم } ؟ ويكون ذلك بمعنى قوله تعالى عنهم { أتحدثونهم بما فتح الله عليكم }{[3252]} فعلى كل الوجهين معنى الآية ، توبيخ من الأحبار للأتباع على تصديقهم بأن محمداً نبي مبعوث ، ويكون قوله تعالى :
{ أو يحاجوكم } في تأويل نصب أن أي أو تريدون أن يحاجوكم . قال أبو علي : و{ أحد } على قراءة ابن كثير هو الذي يدل على الكثرة{[3253]} ، وقد منع الاستفهام القاطع من أن يشفع لدخوله النفي الذي في أول الكلام ، فلم يبق إلا أن يقدر أن أحداً الذي في قولك ، أحد وعشرون وهو يقع في الإيجاب لأنه بمعنى واحد ، وجمع ضميره في قوله { أو يحاجوكم } حملاً على المعنى ، إذ ل { أحد } المراد بمثل النبوة اتباع ، فهو في معنى الكثرة ، قال أبو علي : وهذا موضع ينبغي أن ترجح فيه قراءة غير ابن كثير على قراءة ابن كثير ، لأن الأسماء المفردة ليس بالمستمر أن تدل على الكثرة .
قال القاضي : إلا أن أحداً في مثل النبوة يدل عليها من حيث يقتضي الاتباع ، وقرأ الأعمش ، وشعيب بن أبي حمزة - «إن يؤتى » - بكسر الهمزة بمعنى ، لم يعط أحد مثل ما أعطيتم من الكرامة وهذه القراءة يحتمل بمعنى فليحاجوكم ، وهذا على التصميم على أنه لا يؤتى أحد مثل ما أوتي ، ويحتمل أن تكون بمعنى ، إلا أن يحاجوكم ، وهذا على تجويز أن تؤتى أحد ذلك إذا قامت الحجة له ، فهذا ترتيب التفسير والقراءات على قول من قال : الكلام كله من قول الطائفة .
وقال السدي وغيره : الكلام كله من قوله { قل إن الهدى هدى الله } ، إلى آخر الآية هو مما أمر به محمد عليه السلام أن يقوله لأمته ، وحكى الزجّاج وغيره أن المعنى : قل إن الهدى هو هذا الهدى ، لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، وحكي عن بعض النحويين أن المعنى : أن لا يؤتى أحداً ، وحذفت -لا- لأن في الكلام دليلاً عليها ، كما في قوله تعالى : { يبين الله لكم أن تضلوا }{[3254]} أي أن لا تضلوا ، وحكي عن أبي العباس المبرد : لا تحذف لا ، وإنما المعنى كراهة أن تضلوا ، وكذلك هنا كراهة «أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم » ، أي ممن خالف دين الإسلام ، لأن الله لا يهدي من هو كاذب كفار ، فهدى الله بعيد من غير المؤمنين .
قال القاضي أبو محمد عبد الحق : وتبعد من هذا القول قراءة ابن كثير بالاستفهام والمد ، وتحمل عليه قراءة الأعمش وابن أبي حمزة - إن يؤتى- ، بكسر الألف ، كأنه عليه السلام يخبر أمته أن الله لا يعطي أحداً ولا أعطى فيما سلف مثل ما أعطى أمة محمد عليه السلام لكونها وسطاً ويكون قوله تعالى : { أو يحاجوكم } على هذه المعاني التي ترتبت في قول السدي ، تحتمل معنيين أحدهما «أو فليحاجوكم عند ربكم » ، يعني اليهود ، فالمعنى لم يعط أحد مثل حظكم وإلا فليحاجوكم من ادعى سوى ذلك ، والمعنى الثاني : أن يكون قوله ، { أو يحاجوكم } بمعنى التقرير والإزراء باليهود ، كأنه قال : أو هل لهم أن يحاجوكم أو يخاصموكم فيما وهبكم الله وفضلكم به ؟ وقوله : { هدى الله } على جميع ما تقدم خبر { إن }
وقال قتادة والربيع : الكلام من قوله { قل إن الهدى هدى الله } إلى آخر الآية ، هو مما أمر به محمد عليه السلام أن يقوله للطائفة التي قالت
{ لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم } وتتفق مع هذا القول قراءة ابن كثير بالاستفهام والمد ، وتقدير الخبر المحذوف { أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم } ، حسدتم وكفرتم ، ويكون قوله { أو يحاجوكم } محمولاً على المعنى ، كأنه قال : أتحسدون أو تكفرون لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ؟
{ أو يحاجوكم } على ما أوتوه فإنه يغلبونكم بالحجة ، وأما على قراءة غير ابن كثير بغير المد ، فيحتمل [ ذلك ] {[3255]}أن يكون بمعنى التقرير بغير حرف استفهام ، وذلك هو الظاهر من لفظ{[3256]} قتادة فإنه قال : يقول لما أنزل الله كتاباً مثل كتابكم وبعث نبياً مثل نبيكم حسدتموهم على ذلك ، ويحتمل أن يكون قوله : { أن يؤتى } بدلاً من قوله { هدى الله } ويكون المعنى : قل إن الهدى هدى الله ، وهو أن يؤتى أحد كالذي جاءنا نحن ، ويكون قوله { أو يحاجوكم } بمعنى ، أو فليحاجوكم ، فإنه يغلبونكم ، ويحتمل قوله ، { أن يؤتى } خبر - «إن » ويكون قوله
{ هدى الله } بدلاً من الهدى ، وهذا في المعنى قريب من الذي قبله ، وقال ابن جريج ، قوله تعالى : { أن يؤتى } هو من قول محمد صلى الله عليه وسلم لليهود ، وتم الكلام في قوله { أوتيتم } وقوله تعالى : { أو يحاجوكم } متصل بقول الطائفة { ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم } ، وهذا القول يفسر معانيه ما تقدم في قول غيره من التقسيم والله المستعان .
وقرا ابن مسعود : «أن يحاجوكم » بدل { أو } ، وهذه القراءة تلتئم مع بعض المعاني التي تقدمت ولا تلتئم مع بعضها ، وقوله { عند ربكم } يجيء في بعض المعاني على معنى عند ربكم في الآخرة ، ويجيء في بعضها على معنى عند كتب ربكم ، والعلم الذي جعل في العباد ، فأضاف ذلك إلى الرب تشريفاً ، وكأن المعنى أو يحاجوكم عند الحق ، وقرأ الحسن «إن يؤتى » أحد بكسر الهمزة والتاء ، على إسناد الفعل إلى { أحد } ، والمعنى : أن إنعام الله لا يشبهه إنعام أحد من خلقه ، وأظهر ما في القراءة أن يكون خطاباً من محمد عليه السلام لأمته ، والمفعول محذوف تقديره إن يؤتي أحد أحداً .