تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَوۡلَآ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ لَّجَعَلۡنَا لِمَن يَكۡفُرُ بِٱلرَّحۡمَٰنِ لِبُيُوتِهِمۡ سُقُفٗا مِّن فِضَّةٖ وَمَعَارِجَ عَلَيۡهَا يَظۡهَرُونَ} (33)

{ 33-35 } { وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ *وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ }

يخبر تعالى بأن الدنيا لا تسوى عنده شيئا ، وأنه لولا لطفه ورحمته بعباده ، التي لا يقدم عليها شيئا ، لوسَّع الدنيا على الذين كفروا توسيعا عظيما ، ولجعل { لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ } أي : درجا من فضة { عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } على سطوحهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَوۡلَآ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ لَّجَعَلۡنَا لِمَن يَكۡفُرُ بِٱلرَّحۡمَٰنِ لِبُيُوتِهِمۡ سُقُفٗا مِّن فِضَّةٖ وَمَعَارِجَ عَلَيۡهَا يَظۡهَرُونَ} (33)

26

ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون . ولبيوتهم أبواباً وسرراً عليها يتكئون . وزخرفاً . وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا . والآخرة عند ربك للمتقين . .

فهكذا - لولا أن يفتتن الناس . والله أعلم بضعفهم وتأثير عرض الدنيا في قلوبهم - لجعل لمن يكفر بالرحمن صاحب الرحمة الكبيرة العميقة - بيوتاً سقفها من فضة ، وسلالمها من ذهب .

بيوتاً ذات أبواب كثيرة . قصورا . فيها سرر للاتكاء ، وفيها زخرف للزينة . . رمزاً لهوان هذه الفضة والذهب والزخرف والمتاع ؛ بحيث تبذل هكذا رخيصة لمن يكفر بالرحمن !

( وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا ) . .

متاع زائل ، لا يتجاوز حدود هذه الدنيا . ومتاع زهيد يليق بالحياة الدنيا .

( والآخرة عند ربك للمتقين ) . .

وهؤلاء هم المكرمون عند الله بتقواهم ؛ فهو يدخر لهم ما هو أكرم وأبقى ؛ ويؤثرهم بما هو أقوم وأغلى . ويميزهم على من يكفر بالرحمن ، ممن يبذل لهم من ذلك المتاع الرخيص ما يبذله للحيوان !

وإن عرض الحياة الدنيا الذي ضرب الله له بعض الأمثال من المال والزينة والمتاع ليفتن الكثيرين . وأشد الفتنة حين يرونه في أيدي الفجار ، ويرون أيادي الأبرار منه خالية ؛ أو يرون هؤلاء في عسر أو مشقة أو ابتلاء ، وأولئك في قوة وثروة وسطوة واستعلاء . والله يعلم وقع هذه الفتنة في نفوس الناس . ولكنه يكشف لهم عن زهادة هذه القيم وهوانها عليه ؛ ويكشف لهم كذلك عن نفاسة ما يدخره للأبرار الأتقياء عنده . والقلب المؤمن يطمئن لاختيار الله للأبرار وللفجار .

وأولئك الذين كانوا يعترضون على اختيار الله لرجل لم يؤت شيئاً من عرض هذه الحياة الدنيا ؛ ويقيسون الرجال بما يملكون من رياسة ، أو بما يملكون من مال . يرون من هذه الآيات هوان هذه الأعراض وزهادتها عند الله . وأنها مبذولة لشر خلق الله وأبغضهم عند الله . فهي لا تدل على قربى منه ولا تنبئ عن رضى ، ولا تشي باختيار !

وهكذا يضع القرآن الأمور في نصابها ؛ ويكشف عن سنن الله في توزيع الأرزاق في الدنيا والآخرة ؛ ويقرر حقيقة القيم كما هي عند الله ثابتة . وذلك في صدد الرد على المعترضين على رسالة محمد ؛ واختياره . واطراح العظماء المتسلطين !

وهكذا يرسي القواعد الأساسية والحقائق الكلية التي لا تضطرب ولا تتغير ؛ ولا تؤثر فيها تطورات الحياة ، واختلاف النظم ، وتعدد المذاهب ، وتنوع البيئات . فهناك سنن للحياة ثابتة ، تتحرك الحياة في مجالها ؛ ولكنها لا تخرج عن إطارها . والذين تشغلهم الظواهر المتغيرة عن تدبر الحقائق الثابتة ، لا يفطنون لهذا القانون الإلهي ، الذي يجمع بين الثبات والتغير ، في صلب الحياة وفي أطوار الحياة ؛ ويحسبون أن التطور والتغير ، يتناول حقائق الأشياء كما يتناول أشكالها . ويزعمون أن التطور المستمر يمتنع معه أن تكون هناك قواعد ثابتة لأمر من الأمور ؛ وينكرون أن يكون هناك قانون ثابت غير قانون التطور المستمر . فهذا هو القانون الوحيد الذي يؤمنون بثباته !

فأما نحن - أصحاب العقيدة الإسلامية - فنرى في واقع الحياة مصداق ما يقرره الله من وجود الثبات والتغير متلازمين في كل زاوية من زوايا الكون ، وفي كل جانب من جوانب الحياة . وأقرب ما بين أيدينا من هذا التلازم ثبات التفاوت في الرزق بين الناس ، وتغير نسب التفاوت وأسبابه في النظم والمجتمعات . . وهذا التلازم مطرد في غير هذا المثال .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَوۡلَآ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ لَّجَعَلۡنَا لِمَن يَكۡفُرُ بِٱلرَّحۡمَٰنِ لِبُيُوتِهِمۡ سُقُفٗا مِّن فِضَّةٖ وَمَعَارِجَ عَلَيۡهَا يَظۡهَرُونَ} (33)

ثم قال تعالى : { وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً } أي : لولا أن يعتقد كثير من الناس الجهلة أن إعطاءنا المال دليل على محبتنا لمن أعطيناه ، فيجتمعوا على الكفر لأجل المال - هذا معنى قول ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، والسدي ، وغيرهم - { لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ [ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ] } {[26029]} أي : سلالم ودرجا من فضة - قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي ، وابن زيد ، وغيرهم - { عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } ، أي : يصعدون .


[26029]:- (5) زيادة من ت.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَوۡلَآ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ لَّجَعَلۡنَا لِمَن يَكۡفُرُ بِٱلرَّحۡمَٰنِ لِبُيُوتِهِمۡ سُقُفٗا مِّن فِضَّةٖ وَمَعَارِجَ عَلَيۡهَا يَظۡهَرُونَ} (33)

ثم استمرّ القول في تحقيرها بقوله تعالى : ( ولولا أن يكون الناس أمة واحدة )الآية ، وذلك أن معنى الآية أن الله تعالى أبقى على عباده وأنعم بمراعاة بقاء الخير والإيمان وشاء حِفظه على طائفة منهم بقية الدهر ، ولولا كراهية أن يكون الناس كفارا كلهم وأهل حب في الدنيا وتجرّد لها لوسّع الله تعالى على الكفار غاية التوسعة ومكّنهم من الدنيا ؛ إذ حقارتها عنده تقتضي ذلك ؛ لأنها لا قدر لها ولا وزن لفنائها وذهاب رسومها ، فقوله تعالى : ( أمة واحدة ) معناه : في الكفر ، قاله ابن عباس ، وقتادة ، والحسن ، والسدي ، ومن هذا المعنى قال عليه الصلاة والسلام : ( لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماءٍ ) ( {[10200]} ) ، ثم يتركب معنى الآية على معنى هذا الحديث ، واللام في قوله تعالى : ( لمن يكفر ) لام المِلْك ، واللام في قوله تعالى : [ لبيوتهم ] لام تخصيص ، كما تقول : هذا الكِساء لزيد لدابته ، أي : هو لدابّته حِلْسٌ( {[10201]} ) ولزيد مِلْك ، قال المهدوي : ودلت هذه الآية على أن السقف لربّ البيت الأسفل ؛ إذ هو منسوب إلى البيوت .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله :

وهذا تفقّه واهن .

وقرأ جمهور القراء : [ سُقُفاً ] بضم السين والقاف ، وقرأ مجاهد : [ سُقْفاً ] بضم السين وسكون القاف ، وهذا جمعان ، وقرأ ابن كثير ، وأبو جعفر : [ سَقْفاً بفتح السين وسكون القاف على الإفراد ، و " المعارج " : الأدراج التي يطلع عليها ، قاله ابن عباس ، وقتادة ، والناس ، وقرأ طلحة : [ وَمَعَارِيجَ ] بزيادة ياءٍ ، و[ يظْهَرُونَ ] معناه : يَعْلون ، ومنه حديث عائشة رضي الله تعالى عنها : ( والشمس في حجرتها قبل أن تظهر ) ( {[10202]} ) ،


[10200]:- أخرجه الترمذي وصححه، وابن ماجه، عن سهل بن سعد رضي الله عنه.
[10201]:- الحِلْس: كل ما وليَ ظهر الدابة تحت الرحل والقَتَب والسَّرج.
[10202]:- أخرجه البخاري في المواقيت، ومسلم في المساجد، وأبو داود، والدارمي، ومالك –في الموطأ- في الصلاة، والحديث طويل كما جاء في البخاري، وفيه أن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه أخر الصلاة يوما فدخل عليه عروة بن الزبير فأخبره أن المغيرة بن شعبة أخر الصلاة يوما وهو بالعراق فدخل عليه أبو مسعود الأنصاري يلومه، وفي آخر الحديث يقول عروة لعمر بن عبد العزيز: ولقد حدثتني عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حُجْرتها قبل أن تظهر.