تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِن تَمۡسَسۡكُمۡ حَسَنَةٞ تَسُؤۡهُمۡ وَإِن تُصِبۡكُمۡ سَيِّئَةٞ يَفۡرَحُواْ بِهَاۖ وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمۡ كَيۡدُهُمۡ شَيۡـًٔاۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ} (120)

{ إن تمسسكم حسنة } كالنصر على الأعداء وحصول الفتح والغنائم { تسؤهم } أي : تغمهم وتحزنهم { وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط } فإذا أتيتم بالأسباب التي وعد الله عليها النصر - وهي الصبر والتقوى- لم يضركم مكرهم ، بل يجعل الله مكرهم في نحورهم لأنه محيط بهم علمه وقدرته فلا منفذ لهم عن ذلك ولا يخفى عليهم منهم شيء .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِن تَمۡسَسۡكُمۡ حَسَنَةٞ تَسُؤۡهُمۡ وَإِن تُصِبۡكُمۡ سَيِّئَةٞ يَفۡرَحُواْ بِهَاۖ وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمۡ كَيۡدُهُمۡ شَيۡـًٔاۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ} (120)

93

والله سبحانه يقول :

( إن تمسسكم حسنة تسؤهم ، وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها ) . .

ومرة بعد مرة تصفعنا التجارب المرة ، ولكننا لا نفيق . . ومرة بعد مرة نكشف عن المكيدة والمؤامرة تلبس أزياء مختلفة ولكننا لا نعتبر . ومرة بعد مرة تنفلت ألسنتهم فتنم عن أحقادهم التي لا يذهب بها ود يبذله

المسلمون ، ولا تغلسها سماحة يعلمها لهم الدين . . ومع ذلك نعود ، فنفتح لهم قلوبنا ونتخذ منهم رفقاء في الحياة والطريق ! . . وتبلغ بنا المجاملة ، أو تبلغ بنا الهزيمة الروحية أن نجاملهم في عقيدتنا فنتحاشى ذكرها ، وفي منهج حياتنا فلا نقيمه على أساس الإسلام ، وفي تزوير تاريخنا وطمس معالمه كي نتقي فيه ذكر أي صدام كان بين أسلافنا وهؤلاء الأعداء المتربصين ! ومن ثم يحل علينا جزاء المخالفين عن أمر الله . ومن هنا نذل ونضعف ونستخذي . ومن هنا نلقى العنت الذي يوده أعداؤنا لنا ، ونلقى الخبال الذي يدسونه في صفوفنا . .

وها هو ذا كتاب الله يعلمنا - كما علم الجماعة المسلمة الأولى - كيف نتقي كيدهم ، وندفع أذاهم ، وننجو من الشر الذي تكنه صدورهم ، ويفلت على السنتهم منه شواظ :

( وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا . إن الله بما يعملون محيط ) . .

فهو الصبر والعزم والصمود أمام قوتهم إن كانوا أقوياء ؛ وأمام مكرهم وكيدهم إن سلكوا طريق الوقيعة والخداع . الصبر والتماسك لا الانهيار والتخاذل ؛ ولا التنازل عن العقيدة كلها أو بعضها اتقاء لشرهم المتوقع أو كسبا لودهم المدخول . . ثم هو التقوى : الخوف من الله وحده . ومراقبته وحده . . هو تقوى الله التي تربط القلوب بالله ، فلا تلتقي مع أحد إلا في منهجه ، ولا تعتصم بحبل إلا حبله . . وحين يتصل القلب بالله فإنه سيحقر كل قوة غير قوته ؛ وستشد هذه الرابطة من عزيمته ، فلا يستسلم من قريب ، ولا يواد من حاد الله ورسوله ، طلبا للنجاة أو كسبا للعزة !

هذا هو الطريق : الصبر والتقوى . . التماسك والاعتصام بحبل الله . وما استمسك المسلمون في تاريخهم كله بعروة الله وحدها ، وحققوا منهج الله في حياتهم كلها . . إلا عزوا وانتصروا ، ووقاهم الله كيد أعدائهم ، وكانت كلمتهم هي العليا . وما استمسك المسلمون في تاريخهم كله بعروة أعدائهم الطبيعيين ، الذين يحاربون عقيدتهم ومنهجهم سرا وجهرا ، واستمعوا إلى مشورتهم ، واتخذوا منهم بطانة وأصدقاء وأعوانا وخبراء ومستشارين . . إلا كتب الله عليهم الهزيمة ، ومكن لأعدائهم فيهم ، وأذل رقابهم ، وأذاقهم وبال أمرهم . . والتاريخ كله شاهد على أن كلمة الله خالدة ؛ وأن سنة الله نافذة . فمن عمي عن سنة الله المشهودة في الأرض ، فلن ترى عيناه إلا آيات الذلة والإنكسار والهوان . .

بهذا ينتهي هذا الدرس ؛ وينتهي كذلك المقطع الأول في السورة . وقد وصل السياق إلى ذروة المعركة ؛ وقمة المفاصلة الكاملة الشاملة .

ويحسن قبل أن ننهي هذا الدرس أن نقرر حقيقة أخرى ، عن سماحة الإسلام في وجه كل هذا العداء . فهو يأمر المسلمين ألا يتخذوا بطانة من هؤلاء . ولكنه لا يحرضهم على مقابلة الغل والحقد والكراهية والدس والمكر بمثلها . إنما هي مجرد الوقاية للجماعة المسلمة وللصف المسلم ، وللكينونة المسلمة . . مجرد الوقاية ومجرد التنبيه إلى الخطر الذي يحيطها به الآخرون . . أما المسلم فبسماحة الإسلام يتعامل مع الناس جميعا ؛ وبنظافة الإسلام يعامل الناس جميعا ؛ وبمحبة الخير الشامل يلقى الناس جميعا ؛ يتقي الكيد ولكنه لا يكيد ، ويحذر الحقد ولكنه لا يحقد . إلا أن يحارب في دينه ، وأن يفتن في عقيدته ، وأن يصد عن سبيل الله ومنهجه . فحينئذ هو مطالب أن يحارب ، وأن يمنع الفتنة ، وأن يزيل العقبات التي تصد الناس عن سبيل الله ، وعن تحقيق منهجه في الحياة . يحارب جهادا في سبيل الله لا انتقاما لذاته . وحبا لخير البشر لا حقدا على الذين آذوه . وتحطيما للحواجز الحائلة دون إيصال هذا الخير للناس . لا حبا للغلب والاستعلاء والاستغلال . . وإقامة للنظام القويم الذي يستمتع الجميع في ظله بالعدل والسلام . لا لتركيز راية قومية ولا لبناء امبراطورية !

هذه حقيقة تقررها النصوص الكثيرة من القرآن والسنة ؛ ويترجمها تاريخ الجماعة المسلمة الأولى ، وهي تعمل في الأرض وفق هذه النصوص .

إن هذا المنهج خير . وما يصد البشرية عنه إلا أعدى أعداء البشرية . الذين ينبغي لها أن تطاردهم ، حتى تقصيهم عن قيادتها . . وهذا هو الواجب الذي انتدبت له الجماعة المسلمة ، فأدته مرة خير ما يكون الأداء . وهي مدعوة دائما إلى أدائه ، والجهاد ماض إلى يوم القيامة . . تحت هذا اللواء . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِن تَمۡسَسۡكُمۡ حَسَنَةٞ تَسُؤۡهُمۡ وَإِن تُصِبۡكُمۡ سَيِّئَةٞ يَفۡرَحُواْ بِهَاۖ وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمۡ كَيۡدُهُمۡ شَيۡـًٔاۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ} (120)

ثم قال : { إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا } وهذه الحال دالة{[5608]} على شدة العداوة منهم للمؤمنين وهو أنه{[5609]} إذا أصاب المؤمنين خصب ، ونصر وتأييد ، وكثروا وعزّ أنصارهم ، ساء ذلك المنافقين ، وإن أصاب المسلمين سَنَة{[5610]} - أي : جَدْب - أو أُديل عليهم الأعداء ، لما لله في ذلك من الحكمة ، كما جرى يوم أُحُد ، فَرح المنافقون بذلك ، قال الله تعالى مخاطبا عباده المؤمنين : { وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا [ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ]{[5611]} } يرشدهم تعالى إلى السلامة من شر الأشرار وكَيْدِ الفُجّار ، باستعمال الصبر والتقوى ، والتوكل على الله الذي هو محيط بأعدائهم ، فلا حول ولا قوة لهم إلا به ، وهو الذي ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن . ولا يقع في الوجود شيء إلا بتقديره ومشيئته ، ومن توكل عليه كفاه .


[5608]:في جـ، ر، أ، و: "وهذا الحال دال".
[5609]:في جـ، ر، أ، و: "أنهم".
[5610]:في أ، و: "المؤمنين سيئة إما".
[5611]:زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي هـ: "الآية".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِن تَمۡسَسۡكُمۡ حَسَنَةٞ تَسُؤۡهُمۡ وَإِن تُصِبۡكُمۡ سَيِّئَةٞ يَفۡرَحُواْ بِهَاۖ وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمۡ كَيۡدُهُمۡ شَيۡـًٔاۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ} (120)

{ إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها } بيان لتناهي عداوتهم إلى حد حسدوا ما نالهم من خير ومنفعة ، وشمتوا بما أصابهم من ضر وشدة ، والمس مستعار للإصابة { وإن تصبروا } على عداوتهم ، أو على مشاق التكاليف . { وتتقوا } موالاتهم ، أو ما حرم الله جل جلاله عليكم . { لا يضركم كيدهم شيئا } بفضل الله عز وجل وحفظه الموعود للصابرين والمتقين ولأن المجد في الأمر ، المتدرب بالاتقاء والصبر يكون قليل الانفعال جريا على الخصم ، وضمه الراء للاتباع كضمه مد . وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب { لا يضركم } من ضاره يضيره . { إن الله بما يعملون } من الصبر والتقوى وغيرهما . { محيط } أي محيط علمه فيجازيكم مما أنتم أهله . وقرئ بالياء أي { بما يعملون } ، في عداوتكم عليم فيعاقبهم عليه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِن تَمۡسَسۡكُمۡ حَسَنَةٞ تَسُؤۡهُمۡ وَإِن تُصِبۡكُمۡ سَيِّئَةٞ يَفۡرَحُواْ بِهَاۖ وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمۡ كَيۡدُهُمۡ شَيۡـًٔاۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ} (120)

{ إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبهم سيئة يفرحوا بها }

زاد الله كشفا لِما في صدورهم بقوله : { إن تمسسكم حسنة نسؤهم } أي تصبكم حسنة والمسّ الإصابة ، ولا يختصّ أحدهما بالخير والآخر بالشرّ ، فالتَّعبير بأحدهما في جانب الحسنة ، وبالآخر في جانب السيِّئة ، تفنّن ، وتقدّم عند قوله تعالى : { كالذي يتخبطه الشيطان } من المس في سورة البقرة ( 275 ) .

والحسنة والسيِّئة هنا الحادثة أو الحالة الَّتي تحسن عند صاحبها أو تسوء وليس المراد بهما هنا الاصطلاح الشَّرعي .

وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضِرْكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ الله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } .

أرشد الله المؤمنين إلى كيفية تلقّي أذى العدوّ : بأن يتلقّوه بالصّبر والحذر ، وعبّر عن الحذر بالاتّقاء أي اتّقاء كيدهم وخداعهم ، وقوله { لا يَضِركم كيدهم شيئاً } أي بذلك ينتفي الضرّ كلّه لأنّه أثبت في أوّل الآيات أنّهم لا يضرّون المؤمنين إلاّ أذى ، فالأذى ضرّ خفيف ، فلمَّا انتفى الضرّ الأعظم الَّذي يحتاج في دفعه إلى شديدِ مقاومة من القتال وحراسة وإنفاق ، كان انتفاء ما بَقي من الضرّ هيّناً ، وذلك بالصّبر على الأذى ، وقلّة الاكتراث به ، مع الحذر منهم أن يتوسّلوا بذلك الأذى إلى ما يوصل ضرّاً عظيماً . وفي الحديث : « لا أحد أصبر على أذى يسمعه من اللَّهِ يدعون له نِدّاً وهو يرزقهم » .

وقرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، ويعقوب : { لا يضركم } بكسر الضاد وسكون الراء من ضارُه يضيره بمعنى أضرّه . وقرأه ابن عامر ، وحمزة ، وعاصم ، والكسائي ، وأبو جعفر ، وخلف بضم الضاد وضم الراء مشدّدة مِن ضرّهُ يضُرّه ، والضمّة ضمّة إتباع لحركة العين عند الإدغام للتخلّص من التقاء الساكنين : سكون الجزم وسكونِ الإدغام ، ويجوز في مثله من المضموم العين في المضارع ثلاثةُ وجوه في العربية : الضمّ لإتباع حركة العين ، والفتح لخفّته ، والكسر لأنَّه الأصل في التخلّص من التقاء الساكنين ، ولم يُقرأ إلاّ بالضمّ في المتواتر .