تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَٰحِهَا وَٱدۡعُوهُ خَوۡفٗا وَطَمَعًاۚ إِنَّ رَحۡمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ مِّنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (56)

{ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ } بعمل المعاصي { بَعْدَ إِصْلَاحِهَا } بالطاعات ، فإن المعاصي تفسد الأخلاق والأعمال والأرزاق ، كما قال تعالى : { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ } كما أن الطاعات تصلح بها الأخلاق ، والأعمال ، والأرزاق ، وأحوال الدنيا والآخرة .

{ وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا } أي : خوفا من عقابه ، وطمعا في ثوابه ، طمعا في قبولها ، وخوفا من ردها ، لا دعاء عبد مدل على ربه قد أعجبته نفسه ، ونزل نفسه فوق منزلته ، أو دعاء من هو غافل لاَهٍ .

وحاصل ما ذكر اللّه من آداب الدعاء : الإخلاص فيه للّه وحده ، لأن ذلك يتضمنه الخفية ، وإخفاؤه وإسراره ، وأن يكون القلب خائفا طامعا لا غافلا ، ولا آمنا ولا غير مبال بالإجابة ، وهذا من إحسان الدعاء ، فإن الإحسان في كل عبادة بذل الجهد فيها ، وأداؤها كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه ، ولهذا قال : { إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } في عبادة اللّه ، المحسنين إلى عباد اللّه ، فكلما كان العبد أكثر إحسانا ، كان أقرب إلى رحمة ربه ، وكان ربه قريبا منه برحمته ، وفي هذا من الحث على الإحسان ما لا يخفى .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَٰحِهَا وَٱدۡعُوهُ خَوۡفٗا وَطَمَعًاۚ إِنَّ رَحۡمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ مِّنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (56)

54

( وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ )

كما ينهى عن الفساد في الأرض بالهوى ، وقد أصلحها الله بالشريعة . . والنفس التي تتضرع وتخشع خفية للقريب المجيب ، لا تعتدي كذلك ولا تفسد في الأرض بعد إصلاحها . . فبين الانفعالين اتصال داخلي وثيق في تكوين النفس والمشاعر . والمنهج القرآني يتبع خلجات القلوب وانفعالات النفوس . وهو منهج من خلق الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير .

( وادعوه خوفاً وطمعاً ) . .

خوفاً من غضبه وعقابه . وطمعاً في رضوانه وثوابه .

( إن رحمة الله قريب من المحسنين ) . .

الذين يعبدون الله كأنهم يرونه ، فإن لم يكونوا يرونه فهو يراهم . . كما جاء في الوصف النبوي للإحسان .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَٰحِهَا وَٱدۡعُوهُ خَوۡفٗا وَطَمَعًاۚ إِنَّ رَحۡمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ مِّنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (56)

وقوله تعالى : { وَلا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا } ينهى تعالى عن الإفساد في الأرض ، وما أضره بعد الإصلاح ! فإنه إذا كانت الأمور ماشية على السداد ، ثم وقع الإفساد بعد ذلك ، كان أضر ما يكون على العباد . فنهى [ الله ]{[11833]} تعالى عن ذلك ، وأمر بعبادته ودعائه والتضرع إليه والتذلل لديه ، فقال : { وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا } أي : خوفا مما عنده من وبيل العقاب ، وطمعًا فيما عنده من جزيل الثواب .

ثم قال : { إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } أي : إن رحمته مُرْصَدة للمحسنين ، الذين يتبعون أوامره ويتركون زواجره ، كما قال تعالى : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ . [ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ ] }{[11834]} [ الأعراف : 156 ، 157 ] .

وقال : { قَرِيبٌ } ولم يقل : " قريبة " ؛ لأنه ضمن الرحمة معنى الثواب ، أو لأنها مضافة إلى الله ، فلهذا قال : قريب من المحسنين .

وقال مطر الوراق : تَنَجَّزوا موعود{[11835]} الله بطاعته ، فإنه قضى أن رحمته قريب من المحسنين ، رواه ابن أبي حاتم .


[11833]:زيادة من أ.
[11834]:زيادة من ك، م، أ.
[11835]:في أ: "فتنجزوا بوعد".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَٰحِهَا وَٱدۡعُوهُ خَوۡفٗا وَطَمَعًاۚ إِنَّ رَحۡمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ مِّنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (56)

{ ولا تفسدوا في الأرض } بالكفر والمعاصي . { بعد إصلاحها } ببعث الأنبياء وشرع الأحكام . { وادعوه خوفا وطمعا } ذوي خوف من الرد لقصور أعمالكم وعدم استحقاقكم ، وطمع في إجابته تفضلا وإحسانا لفرط رحمته { إن رحمة الله قريب من المحسنين } ترجيح للطمع وتنبيه على ما يتوسل به للإجابة ، وتذكير قريب لأن الرحمة بمعنى الرحم ، أو لأنه صفة محذوف أي أمر قريب ، أو على تشبيهه بفعيل الذي هو بمعنى مفعول ، أو الذي هو مصدر كالنقيض ، أو الفرق بين القريب من النسب والقريب من غيره .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَٰحِهَا وَٱدۡعُوهُ خَوۡفٗا وَطَمَعًاۚ إِنَّ رَحۡمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ مِّنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (56)

وقوله تعالى : { ولا تفسدوا في الأرض } الآية ، ألفاظ عامة تتضمن كل إفساد قلَّ أو كثر بعد إصلاح ، قل أو كثر ، والقصد بالنهي هو على العموم وتخصيص شيء دون شيء في هذا تحكم إلا أن يقال على وجهة المثال ، قال الضحاك : معناه لا تغوروا الماء المعين ولا تقطعوا الشجر المثمر ضراراً ، وقد ورد قطع الدينار والدرهم من الفساد في الأرض ، وقد قيل تجارة الحكام من الفساد في الأرض ، وقال بعض الناس : المراد ولا تشركوا في الأرض بعد أن أصلحها الله ببعثة الرسل وتقرير الشرائع ووضوح ملة محمد صلى الله عليه وسلم ، وقائل هذه المقالة قصد إلى أكبر فساد بعد أعظم صلاح فخصه بالذكر .

وقوله تعالى : { وادعوه خوفاً وطمعاً } أمر بأن يكون الإنسان في حالة ترقب وتحزن وتأميل الله عز وجل حتى يكون الرجاء والخوف كالجناحين للطائر يحملانه في طريق استقامة وإن انفرد أحدهما هلك الإنسان ، وقد قال كثير من العلماء ينبغي أن يغلب الخوف الرجاء طول الحياة ، فإذا جاء الموت غلب الرجاء ، وقد رأى كثير من العلماء أن يكون الخوف أغلب على المرء بكثير ، وهذا كله احتياط ومنه تمني الحسن البصري أن يكون الرجل الذي هو آخر من يدخل الجنة ، وتمنى سالم مولى أبي حذيفة أن يكون من أصحاب الأعراف لأن مذهبه أنهم مذنبون ، ثم أنس قوله تعالى : { إن رحمت الله قريب من المحسنين } فإنها آية وعد فيها تقييد بقوله { من المحسنين } .

واختلف الناس في وجه حذف التاء من { قريب } في صفة الرحمة على أقوال ، منها أنه على جهة النسب أي ذات قرب ، ومنها أنه لما كان تأنيثها غير حقيقي جرت مجرى كف خضيب ولحية دهين ، ومنها أنها بمعنى مذكر فذكر الوصف لذلك .

واختلف أهل هذا القول في تقدير المذكر الذي هي بدل منه فقالت فرقة الغفران والعفو ، وقالت فرقة المطر ، وقيل غير ذلك ، وقال الفراء : لفظة القرب إذا استعملت في النسب والقرابة فهي مع المؤنث بتاء ولا بد ، وإذا استعملت في قرب المسافة .

قال القاضي أبو محمد : أو الزمن - فقد تجيء مع المؤنث بتاء وقد تجيء بغير تاء ، وهذا منه ، ومن هذا قول الشاعر : [ الطويل ]

عشية لا عفراء منك قريبة*** فتدنو ولا عفراء منك بعيد

فجمع في هذا البيت بين الوجهين .

قال القاضي أبو محمد : هذا قول الفراء في كتابه ، وقد مر في بعض كتب المفسرين مقيداً ورد الزجّاج على هذا القول ، وقال أبو عبيدة { قريب } في الآية ليس بصفة للرحمة وإنما هو ظرف لها وموضع ، فيجيء ، هكذا في المؤنث والاثنين والجميع وكذلك بعيد ، فإذا جعلوها صفة بمعنى مقربة قالوا قريبة وقريبتان وقريبات .

وذكر الطبري أن قوله { قريب } إنما يراد به مقاربة الأرواح للأجساد أي عند ذلك تنالهم الرحمة .