{ 1 - 5 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ }
يقول تعالى مبينًا لفضل القرآن وعلو قدره : { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } كما قال تعالى : { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ } وذلك أن الله [ تعالى ] ، ابتدأ بإنزاله{[1461]} في رمضان [ في ] ليلة القدر ، ورحم الله بها العباد رحمة عامة ، لا يقدر العباد لها شكرًا .
وسميت ليلة القدر ، لعظم قدرها وفضلها عند الله ؛ ولأنه يقدر فيها ما يكون في العام من الأجل والأرزاق والمقادير القدرية .
الحديث في هذه السورة عن تلك الليلة الموعودة المشهودة التي سجلها الوجود كله في فرح وغبطة وابتهال . ليلة الاتصال المطلق بين الأرض والملأ الأعلى . ليلة بدء نزول هذا القرآن على قلب محمد [ صلى الله عليه وسلم ] ليلة ذلك الحدث العظيم الذي لم تشهد الأرض مثله في عظمته ، وفي دلالته ، وفي آثاره في حياة البشرية جميعا . العظمة التي لا يحيط بها الإدراك البشري :
والليلة التي تتحدث عنها السورة هي الليلة التي جاء ذكرها في سورة الدخان : ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة ، إنا كنا منذرين ، فيها يفرق كل أمر حكيم . أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين . رحمة من ربك إنه هو السميع العليم ) . . والمعروف أنها ليلة من ليالي رمضان ، كما ورد في سورة البقرة : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ) . . أي التي بدأ فيها نزول القرآن على قلب الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ليبلغه إلى الناس . وفي رواية ابن إسحاق أن أول الوحي بمطلع سورة العلق كان في شهر رمضان ، ورسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يتحنث في غار حراء .
وقد ورد في تعيين هذه الليلة آثار كثيرة . بعضها يعين الليلة السابعة والعشرين من رمضان . وبعضها يعين الليلة الواحدة والعشرين . وبعضها يعينها ليلة من الليالي العشر الأخيرة . وبعضها يطلقها في رمضان كله . فهي ليلة من ليالي رمضان على كل حال في أرجح الآثار .
واسمها : ( ليلة القدر ) . . قد يكون معناه التقدير والتدبير . وقد يكون معناه القيمة والمقام . وكلاهما يتفق مع ذلك الحدث الكوني العظيم . حدث القرآن والوحي والرسالة . . وليس أعظم منه ولا أقوم في أحداث هذا الوجود . وليس أدل منه كذلك على التقدير والتدبير في حياة العبيد .
وهي خير من ألف شهر . والعدد لا يفيد التحديد . في مثل هذه المواضع من القرآن . إنما هو يفيد التكثير . والليلة خير من آلاف الشهور في حياة البشر . فكم من آلاف الشهور وآلاف السنين قد انقضت دون أن تترك في الحياة بعض ما تركته هذه الليلة المباركة السعيدة من آثار وتحولات .
تفسير سورة القدر{[1]}
يخبر الله تعالى أنه أنزل القرآن ليلة القدر ، وهي الليلة المباركة التي قال الله ، عز وجل : { إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ } [ الدخان : 3 ] وهي ليلة القدر ، وهي من شهر رمضان ، كما قال تعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } [ البقرة : 185 ] .
قال ابن عباس وغيره : أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العِزّة من السماء الدنيا ، ثم نزل مفصلا بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهِم مّن كُلّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ هِيَ حَتّىَ مَطْلَعِ الْفَجْرِ } .
يقول تعالى ذكره : إنا أنزلنا هذا القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القَدْر ، وهي ليلة الحُكْم التي يقضي الله فيها قضاء السنة ، وهو مصدر من قولهم : قَدَر الله عليّ هذا الأمْرَ ، فهو يَقْدُر قَدْرا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثني عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، قال : نزل القرآن كله جملة واحدة في ليلة القدر في رمضان إلى السماء الدنيا ، فكان الله إذا أراد أن يُحدث في الأرض شيئا أنزله منه حتى جمعه .
حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا داود ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، قال : أنزل الله القرآن إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ، وكان الله إذا أراد أن يوحي منه شيئا أوحاه ، فهو قوله : { إنّا أنْزلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ } .
قال : ثنا ابن أبي عديّ ، عن داود ، عن عِكرِمة ، عن ابن عباس ، فذكر نحوه ، وزاد فيه ، وكان بين أوّله وآخره عشرون سنة .
قال : ثنا عمرو بن عاصم الكلابيّ ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان التيميّ ، قال : حدثنا عمران أبو العوّام ، قال : حدثنا داود بن أبي هند ، عن الشعبيّ ، أنه قال في قول الله : { إنّا أنْزلْناهُ في لَيْلَة الْقَدْرِ } قال : نزل أوّلُ القرآن في ليلة القدر .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حُصَين ، عن حكيم بن جُبير ، عن ابن عباس ، قال : نزل القرآن في ليلة من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة ، ثم فُرّق في السنين ، وتلا ابن عباس هذه الاَية : { فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النّجُومِ } قال : نزل متفرّقا . حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن داود ، عن الشعبيّ ، في قوله : { إنّا أنْزلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ } قال : بلغنا أن القرآن نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن مسلم ، عن سعيد بن جُبير : أنزل القرآن جملة واحدة ، ثم أنزل ربنا في ليلة القدر : { فِيها يُفْرَقُ كُلّ أمْرٍ حَكِيم } .
قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، في قوله { إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ } قال : أنزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر ، إلى السماء الدنيا ، فكان بموقع النجوم ، فكان الله ينزله على رسوله ، بعضُه في إثر بعض ، ثم قرأ : { وَقَالُوا لَوْلا نُزّلَ عَلَيْهِ الْقُرآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلكَ لِنُثَبّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتّلْناهُ تَرْتِيلاً } وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ليلة القدر : ليلة الحكم .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { إنّا أنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } قال : ليلة الحُكْم .
قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن محمد بن سْوقَة ، عن سعيد بن جُبير : يؤذن للحجاج في ليلة القدر ، فيكتبون بأسمائهم وأسماء آبائهم ، فلا يغادر منهم أحد ، ولا يُزاد فيهم ، ولا ينقص منهم .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، قال : حدثنا ربيعة بن كلثوم ، قال : قال رجل للحسن وأنا أسمع : رأيت ليلة القدر في كلّ رمضان هي ؟ قال : نعم ، والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي كلّ رمضان ، وإنها لليلة القدر ، فيها يُفرق كلّ أمر حكيم ، فيها يقضي الله كلّ أجل وعمل ورزق ، إلى مثلها .
حدثنا أبو كُرَيب قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عمر قال : ليلة القدر في كلّ رمضان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.