تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعَۢا بَصِيرٗا} (58)

{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا }

الأمانات كل ما ائتمن عليه الإنسان وأمر بالقيام به . فأمر الله عباده بأدائها أي : كاملة موفرة ، لا منقوصة ولا مبخوسة ، ولا ممطولا بها ، ويدخل في ذلك أمانات الولايات والأموال والأسرار ؛ والمأمورات التي لا يطلع عليها إلا الله . وقد ذكر الفقهاء على أن من اؤتمن أمانة وجب عليه حفظها في حرز مثلها . قالوا : لأنه لا يمكن أداؤها إلا بحفظها ؛ فوجب ذلك .

وفي قوله : { إِلَى أَهْلِهَا } دلالة على أنها لا تدفع وتؤدى لغير المؤتمِن ، ووكيلُه بمنزلته ؛ فلو دفعها لغير ربها لم يكن مؤديا لها .

{ وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ } وهذا يشمل الحكم بينهم في الدماء والأموال والأعراض ، القليل من ذلك والكثير ، على القريب والبعيد ، والبر والفاجر ، والولي والعدو .

والمراد بالعدل الذي أمر الله بالحكم به هو ما شرعه الله على لسان رسوله من الحدود والأحكام ، وهذا يستلزم معرفة العدل ليحكم به . ولما كانت هذه أوامر حسنة عادلة قال : { إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا } وهذا مدح من الله لأوامره ونواهيه ، لاشتمالها على مصالح الدارين ودفع مضارهما ، لأن شارعها السميع البصير الذي لا تخفى عليه خافية ، ويعلم بمصالح العباد ما لا يعلمون .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعَۢا بَصِيرٗا} (58)

58

( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ؛ وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل . إن الله نعما يعظكم به . إن الله كان سميعا بصيرًا . . )

هذه هي تكاليف الجماعة المسلمة ؛ وهذا هو خلقها : أداء الأمانات إلى أهلها . والحكم بين( الناس ) بالعدل . على منهج الله وتعليمه .

والأمانات تبدأ من الأمانة الكبرى . . الأمانة التي ناط الله بها فطرة الإنسان ؛ والتي أبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها ، وحملها " الإنسان " . . أمانة الهداية والمعرفة والإيمان بالله عن قصد وإرادة وجهد واتجاه . فهذه أمانة الفطرة الإنسانية خاصة . فكل ما عدا الإنسان ألهمه ربه الإيمان به ، والاهتداء إليه ، ومعرفته ، وعبادته ، وطاعته . وألزمه طاعة ناموسه بغير جهد منه ولا قصد ولا إرادة ولا اتجاه . والإنسان وحده هو الذي وكل إلى فطرته ، وإلى عقله ، وإلى معرفته ، وإلى إرادته ، وإلى اتجاهه ، وإلى جهده الذي يبذله للوصول إلى الله ، بعون من الله : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) . . وهذه أمانة حملها وعليه أن يؤديها أول ما يؤدي من الأمانات .

ومن هذه الأمانة الكبرى ، تنبثق سائر الأمانات ، التي يأمر الله أن تؤدى :

ومن هذه الأمانات : أمانة الشهادة لهذا الدين . . الشهادة له في النفس أولا بمجاهدة النفس حتى تكون ترجمة له . ترجمة حية في شعورها وسلوكها . حتى يرى الناس صورة الإيمان في هذه النفس . فيقولوا : ما أطيب هذا الإيمان وأحسنة وأزكاه ؛ وهو يصوغ نفوس أصحابه على هذا المثال من الخلق والكمال ! فتكون هذه شهادة لهذا الدين في النفس يتأثر بها الآخرون . . والشهادة له بدعوة الناس إليه ، وبيان فضله ومزيته - بعد تمثل هذا الفضل وهذه المزية في نفس الداعية - فما يكفي أن يؤدي المؤمن الشهادة للإيمان في ذات نفسه ، إذا هو لم يدع إليها الناس كذلك ، وما يكون قد أدى أمانة الدعوة والتبليغ والبيان . وهي إحدى الأمانات . .

ثم الشهادة لهذا الدين بمحاولة إقراره في الأرض ؛ منهجا للجماعة المؤمنة ؛ ومنهجا للبشرية جميعا . . المحاولة بكل ما يملك الفرد من وسيلة ، وبكل ما تملك الجماعة من وسيلة . فإقرار هذا المنهج في حياة البشر هو كبرى الأمانات ؛ بعد الإيمان الذاتي . ولا يعفى من هذه الأمانة الأخيرة فرد ولا جماعة . . ومن ثم ف " الجهاد ماض إلى يوم القيامة " على هذا الأساس . . أداء لإحدى الأمانات . .

ومن هذه الأمانات - الداخلة في ثنايا - ما سبق - أمانة التعامل مع الناس ؛ ورد أماناتهم إليهم : أمانة المعاملات والودائع المادية . وأمانة النصيحة للراعي وللرعية . وأمانة القيام على الأطفال الناشئة . وأمانة المحافظة على حرمات الجماعة وأموالها وثغراتها . . وسائر ما يجلوه المنهج الرباني من الواجبات والتكاليف في كل مجالي الحياة على وجه الإجمال . . فهذه من الأمانات التي يأمر الله أن تؤدي ؛ ويجملها النص هذا الإجمال . .

فأما الحكم بالعدل بين( الناس )فالنص يطلقه هكذا عدلا شاملا بين( الناس )جميعا . لا عدلا بين المسلمين بعضهم وبعض فحسب . ولا عدلا مع أهل الكتاب ، دون سائر الناس . . وإنما هو حق لكل إنسان بوصفه " إنسانًا " . فهذه الصفة - صفة الناس - هي التي يترتب عليها حق العدل في المنهج الرباني . وهذه الصفة يلتقي عليها البشر جميعا : مؤمنين وكفارا . أصدقاء وأعداء . سودا وبيضا . عربا وعجما . والأمة المسلمة قيمة على الحكم بين الناس بالعدل - متى حكمت في أمرهم - هذا العدل الذي لم تعرفه البشرية قط - في هذه الصورة - إلا على يد الإسلام ، وإلا في حكم المسلمين ، وإلا في عهد القيادة الإسلامية للبشرية . . والذي افتقدته من قبل ومن بعد هذه القيادة ؛ فلم تذق له طعما قط ، في مثل هذه الصورة الكريمة التي تتاح للناس جميعا . لأنهم " ناس " ! لا لأية صفة أخرى زائدة عن هذا الأصل الذي يشترك فيه( الناس ) !

وذلك هو أساس الحكم في الإسلام ؛ كما أن الأمانة - بكل مدلولاتها - هي أساس الحياة في المجتمع الإسلامي .

والتعقيب على الأمر بأداء الأمانات إلى أهلها ؛ والحكم بين الناس بالعدل ؛ هو التذكير بأنه من وعظ الله - سبحانه - وتوجيهه . ونعم ما يعظ الله به ويوجه :

( إن الله نعما يعظكم به ) . .

ونقف لحظة أمام التعبير من ناحية أسلوب الأداء فيه . فالأصل في تركيب الجملة : إنه نعم ما يعظكم الله به . . ولكن التعبير يقدم لفظ الجلالة ، فيجعله " اسم إن " ويجعل نعم ما " نعمًا ومتعلقاتها ، في مكان " خبر إن " بعد حذف الخبر . . ذلك ليوحي بشدة الصلة بين الله - سبحانه - وهذا الذي يعظهم به . .

ثم إنها لم تكن " عظة " إنما كانت " أمرًا . . ولكن التعبير يسميه عظة . لأن العظة أبلغ إلى القلب ، وإسرع إلى الوجدان ، وأقرب إلى التنفيذ المنبعث عن التطوع والرغبة الحياء !

ثم يجيء التعقيب الأخير في الآية ؛ يعلق الأمر بالله ومراقبته وخشيته ورجائه :

إن الله كان سميعا بصيرًا . .

والتناسق بين المأمور به من التكاليف ؛ وهو أداء الأمانات والحكم بالعدل بين الناس ؛ وبين كون الله سبحانه ( سميعا بصيرًا ) مناسبة واضحة ولطيفة معا . . فالله يسمع ويبصر ، قضايا العدل وقضايا الأمانة . والعدل كذلك في حاجة إلى الاستماع البصير وإلى حسن التقدير ، وإلى مراعاة الملابسات والظواهر ، وإلى التعمق فيما وراءالملابسات والظواهر . وأخيرا فإن الأمر بهما يصدر عن السميع البصير بكل الأمور .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعَۢا بَصِيرٗا} (58)

يخبر تعالى أنه يأمر بأداء الأمانات إلى أهلها ، وفي حديث الحسن ، عن سمرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك " . رواه الإمام أحمد وأهل السنن{[7769]} وهذا يعم جميع الأمانات الواجبة على الإنسان ، من حقوق الله ، عز وجل ، على عباده ، من الصلوات والزكوات ، والكفارات والنذور والصيام ، وغير ذلك ، مما هو مؤتمن عليه لا يطلع عليه العباد ، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض كالودائع وغير ذلك مما يأتمنون به{[7770]} بعضهم على بعض من غير اطلاع بينة{[7771]} على ذلك . فأمر الله ، عز وجل ، بأدائها ، فمن لم يفعل ذلك في الدنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة ، كما ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لتؤدن الحقوق إلى أهلها ، حتى يقتص للشاة الجماء من القرناء " {[7772]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عبد الله بن السائب ، عن زاذان ، عن عبد الله بن مسعود قال : إن الشهادة تكفر كل ذنب إلا الأمانة ، يؤتى بالرجل يوم القيامة - وإن كان قد قتل في سبيل الله - فيقال : أد أمانتك . فيقول وأنى أؤديها وقد ذهبت الدنيا ؟ فتمثل له الأمانة في قعر جهنم ، فيهوي إليها فيحملها على عاتقه . قال : فتنزل عن عاتقه ، فيهوي على أثرها أبد الآبدين . قال زاذان : فأتيت البراء فحدثته فقال : صدق أخي : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } .

وقال : سفيان الثوري ، عن ابن أبي ليلى عن رجل ، عن ابن عباس قوله : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } قال : هي{[7773]} مبهمة للبر والفاجر . وقال محمد بن الحنفية : هي مسجلة للبر والفاجر . وقال أبو العالية : الأمانة ما أمروا به ونهوا عنه .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد ، حدثنا حفص بن غياث ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق قال : قال أبي بن كعب : من الأمانة أن المرأة ائتمنت على فرجها .

وقال الربيع بن أنس : هي من الأمانات فيما بينك وبين الناس .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } قال : قال : يدخل فيه وعظ السلطان النساء . يعني يوم العيد . وقد ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت في شأن عثمان بن طلحة بن أبي طلحة ، واسم أبي طلحة ، عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب القرشي العبدري ، حاجب الكعبة المعظمة ، وهو ابن عم شيبة بن عثمان بن أبي طلحة ، الذي صارت الحجابة في نسله إلى اليوم ، أسلم عثمان هذا في الهدنة بين صلح الحديبية وفتح مكة ، هو وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص ، وأما عمه عثمان بن أبي طلحة ، فكان معه لواء المشركين يوم أحد ، وقتل يومئذ كافرا . وإنما نبهنا على هذا النسب ؛ لأن كثيرا من المفسرين قد يشتبه عليهم هذا بهذا ، وسبب نزولها فيه لما أخذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة يوم الفتح ، ثم رده عليه .

وقال محمد بن إسحاق في غزوة الفتح : حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور ، عن صفية بنت شيبة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل بمكة واطمأن الناس ، خرج حتى جاء البيت ، فطاف به سبعا على راحلته ، يستلم الركن بمحجن في يده ، فلما قضى طوافه ، دعا عثمان بن طلحة ، فأخذ منه مفتاح الكعبة ، ففتحت له ، فدخلها ، فوجد فيها حمامة من عيدان فكسرها بيده ثم طرحها ، ثم وقف على باب الكعبة وقد استكف{[7774]} له الناس في المسجد .

قال ابن إسحاق : فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على باب الكعبة فقال " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدعى ، فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحاج " . وذكر بقية الحديث في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ ، إلى أن قال : ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ، فقام إليه علي بن أبي طالب ومفتاح الكعبة في يده فقال : يا رسول الله ، اجمع لنا الحجابة مع السقاية ، صلى الله عليك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أين عثمان بن طلحة ؟ " فدعي له ، فقال له : " هاك مفتاحك يا عثمان ، اليوم يوم وفاء وبر " {[7775]} .

قال ابن جرير : حدثني القاسم حدثنا الحسين ، عن حجاج ، عن ابن جريج [ قوله : { إِنّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } ]{[7776]} قال : نزلت في عثمان بن طلحة قبض منه النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة ، فدخل به البيت يوم الفتح ، فخرج وهو يتلو هذه{[7777]} فدعا عثمان إليه ، فدفع إليه{[7778]} المفتاح ، قال : وقال عمر بن الخطاب لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكعبة ، وهو يتلو هذه الآية : فداه أبي وأمي ، ما سمعته يتلوها قبل ذلك .

حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا الزنجي بن خالد ، عن الزهري قال : دفعه إليه وقال : أعينوه{[7779]} .

وروى ابن مردويه ، من طريق الكلبي ، عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله عز وجل : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } قال : لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دعا عثمان بن طلحة ابن أبي طلحة ، فلما أتاه قال : " أرني المفتاح " . فأتاه به ، فلما بسط يده إليه قام العباس فقال : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، اجمعه لي مع السقاية . فكف عثمان يده{[7780]} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أرني المفتاح يا عثمان " . فبسط يده يعطيه ، فقال العباس مثل كلمته الأولى ، فكف عثمان يده . ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا عثمان ، إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فهاتني المفتاح " . فقال : هاك بأمانة الله . قال : فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتح باب الكعبة ، فوجد في الكعبة تمثال إبراهيم معه قداح يستقسم بها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما للمشركين قاتلهم الله . وما شأن إبراهيم وشأن القداح " . ثم دعا بحفنة فيها ماء فأخذ ماء فغمسه فيه ، ثم غمس به تلك التماثيل ، وأخرج مقام إبراهيم ، وكان في الكعبة فألزقه في{[7781]} حائط الكعبة ثم قال : " يا أيها الناس ، هذه القبلة " . قال : ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت شوطا أو شوطين ثم نزل عليه جبريل ، فيما ذكر لنا برد المفتاح ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } حتى فرغ من الآية{[7782]} .

وهذا من المشهورات أن هذه الآية نزلت في ذلك ، وسواء كانت نزلت في ذلك أو لا{[7783]} فحكمها عام ؛ ولهذا قال ابن عباس ومحمد بن الحنفية : هي للبر والفاجر ، أي : هي أمر لكل أحد .

وقوله : { وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ } أمر منه تعالى بالحكم بالعدل بين الناس ؛ ولهذا قال محمد بن كعب وزيد بن أسلم وشهر بن حوشب : إنما نزلت في الأمراء ، يعني الحكام بين الناس .

وفي الحديث : " إن الله مع الحاكم ما لم يَجُرْ ، فإذا جار وكله إلى نفسه " {[7784]} وفي الأثر : عدل يوم كعبادة أربعين سنة .

وقوله : { إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ } أي : يأمركم به من أداء الأمانات ، والحكم بالعدل بين الناس ، وغير ذلك من أوامره وشرائعه الكاملة العظيمة الشاملة .

وقوله : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا } أي : سميعا لأقوالكم ، بصيرا بأفعالكم ، كما قال ابن أبي حاتم :

حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، حدثني عبد الله بن لهيعة ، عن يزيد{[7785]} بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن عقبة بن عامر قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرئ{[7786]} هذه الآية { سَمِيعًا بَصِيرًا } يقول : بكل شيء بصير{[7787]} .

وقد قال ابن أبي حاتم : أخبرنا يحيى بن عبدك القزويني ، أنبأنا المقرئ - يعني أبا عبد الرحمن - عبد الله بن يزيد ، حدثنا حرملة - يعني ابن عمران التجيبي المصري - حدثنا أبو{[7788]} يونس ، سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } إلى قوله : { إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا } ويضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه ويقول : هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها{[7789]} ويضع أصبعيه . قال أبو زكريا : وصفه لنا المقري ، ووضع أبو زكريا إبهامه اليمنى على عينه اليمنى ، والتي تليها على الأذن اليمنى ، وأرانا فقال : هكذا وهكذا{[7790]} .

رواه أبو داود ، وابن حبان في صحيحه ، والحاكم في مستدركه ، وابن مردويه في تفسيره ، من حديث أبي عبد الرحمن المقري بإسناده - نحوه{[7791]} وأبو يونس هذا مولى أبي هريرة ، واسمه سُلَيْم بن جُبَير .


[7769]:لم أجد من رواه من حديث سمرة رضي الله عنه: أ - وإنما رواه الإمام أحمد في مسنده (3/414) عن رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم. ب - ورواه الترمذي في سننه برقم (1264) وأبو داود في سننه برقم (3535) من طريق طلق بن غنام عن شريك وقيس عن أبي حصين عن أبي هريرة رضي الله عنه. قال الترمذي: "حديث حسن غريب"، وقال أبو حاتم: "حديث منكر لم يرو هذا الحديث غير طلق" العلل (1/375).جـ - ورواه الحاكم في المستدرك (2/64) والطبراني في المعجم الصغير (1/171) من طريق أيوب بن سويد عن ابن شوذب عن أبي التياح، عن أنس رضي الله عنه، وأيوب بن سويد ضعيف.، د - ورواه الطبراني في المعجم الكبير (8/150) من طريق يحيى بن عثمان، عم عمرو بن الربيع، عن يحيى بن أيوب عن إسحاق ابن أسيد عن أبي حفص عن مكحول عن أبي أمامة رضي الله عنه.قال الهيثمي في المجمع (8/128): "فيه يحي بن عثمان بن صالح المصري. قال ابن أبي حاتم: تكلموا فيه".هـ - ورواه الطبري في تفسيره (8/493) من طريق قتادة عن الحسن مرسلا.
[7770]:في أ: "فيه"
[7771]:في ر: "نبيه".
[7772]:مسلم في صحيحه برقم "2582".
[7773]:في أ: "فهي".
[7774]:في د: "استكن"، وفي ر، أ: "استلف".
[7775]:انظر: السيرة النبوية لابن هشام (3/413).
[7776]:زيادة من ر، أ، وفي هـ: "في الآية".
[7777]:في أ: "هذه الآية".
[7778]:في ر: "فناوله".
[7779]:في ر: "غيبوه".
[7780]:في أ: "اجمعه لي بين السقاية فكف عثمان بيده".
[7781]:في أ: "إلى".
[7782]:ذكره السيوطي في الدر المنثور (2/570) وإسناده تالف.
[7783]:في ر: "أم لا".
[7784]:رواه الترمذي في سننه برقم (1330) من حديث عبد الله بن أبي أوفي، وقال: "حديث حسن غريب".
[7785]:في أ: "زيد".
[7786]:في أ: "يقترئ".
[7787]:ذكره السيوطي في الدر (2/573).
[7788]:في أ: "ابن".
[7789]:في أ: "يقرأ بها".
[7790]:في أ: "هكذا وهذا".
[7791]:سنن أبي داود برقم (4728)، وصحيح ابن حبان برقم (1732)، "موارد" والمستدرك (1/24)، ورواه من طريق الحاكم البيهقي في الأسماء والصفات (ص179).