تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيۡرٖ مِّن ذَٰلِكُمۡۖ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞ وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (15)

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيۡرٖ مِّن ذَٰلِكُمۡۖ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞ وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (15)

1

فأما من أراد الذي هو خير . . خير من ذلك كله . خير لأنه أرفع في ذاته . وخير لأنه يرفع النفس ويصونها من الاستغراق في الشهوات ، والإنكباب على الأرض دون التطلع إلى السماء . . من أراد الذي هو خير فعند الله من المتاع ما هو خير . وفيه عوض كذلك عن تلك الشهوات :

( قل : أؤنبئكم بخير من ذلكم ؟ للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار - خالدين فيها - وأزواج مطهرة ، ورضوان من الله ، والله بصير بالعباد ) . .

وهذا المتاع الأخروي الذي تذكره الآية هنا ، ويؤمر الرسول [ ص ] أن يبشر به المتقين ، هو نعيم حسي في عمومه . . ولكن هنالك فارقا أساسيا بينه وبين متاع الدنيا . . إنه متاع لا يناله إلا الذين اتقوا . الذين كان خوف الله وذكره في قلوبهم . وشعور التقوى شعور مهذب للروح والحس جميعا . شعور ضابط للنفس أن تستغرقها الشهوات ، وأن تنساق فيها كالبهيمة . فالذين اتقوا ربهم حين يتطلعون إلى هذا المتاع الحسي الذي يبشرون به يتطلعون إليه في شفافية مبرأة من غلظة الحس ! وفي حساسية مبرأة من بهيمية الشهوة ! ويرتفعون بالتطلع إليه - وهم في هذه الأرض - قبل أن ينتهي بهم المطاف إلى قرب الله . .

وفي هذا المتاع النظيف العفيف عوض كامل عن متاع الدنيا . . وفيه زيادة . .

فإذا كان متاعهم في الدنيا حرثا معطيا مخصبا ، ففي الآخرة جنات كاملة تجري من تحتها الأنهار . وهي فوق هذا خالدة وهم خالدون فيها ، لا كالحرث المحدود الميقات !

وإذا كان متاعهم في الدنيا نساء وبنين ، ففي الآخرة أزواج مطهرة . وفي طهارتها فضل وارتفاع على شهوات الأرض في الحياة !

فأما الخيل المسومة والأنعام . وأما القناطير المقنطرة من الذهب والفضة . فقد كانت في الدنيا وسائل لتحقيق متاع . فأما في نعيم الآخرة فلا حاجة إلى الوسائل لبلوغ الغايات !

ثم . . هنالك ما هو أكبر من كل متاع . . هنالك ( رضوان من الله ) . رضوان يعدل الحياة الدنيا والحياة الأخرى كليهما . . ويرجح . . رضوان . بكل ما في لفظه من نداوة . وبكل ما في ظله من حنان .

( والله بصير بالعباد ) . .

بصير بحقيقة فطرتهم وما ركب فيها من ميول ونوازع . بصير بما يصلح لهذه الفطرة من توجيهات وإيحاءات . بصير بتصريفها في الحياة وما بعد الحياة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيۡرٖ مِّن ذَٰلِكُمۡۖ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞ وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (15)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ قُلْ أَؤُنَبّئُكُمْ بِخَيْرٍ مّن ذَلِكُمْ لِلّذِينَ اتّقَوْا عِندَ رَبّهِمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مّطَهّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ }

يعني جلّ ثناؤه : قل يا محمد للناس الذين زين لهم حبّ الشهوات ، من النساء والبنين ، وسائر ما ذكر جلّ ثناؤه : { أؤنبّئكم } أأخبركم وأعلمكم { بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ } يعني بخير وأفضل لكم . { مِنْ ذَلِكُمْ } يعني مما زين لكم في الدنيا حبّ شهوته من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة ، وأنواع الأموال التي هي متاع الدنيا .

ثم اختلف أهل العربية في الموضع الذي تناهى إليه الاستفهام من هذا الكلام ، فقال بعضهم : تناهى ذلك عند قوله : { مِنْ ذَلِكُمْ } ثم ابتدأ الخبر عما { لِلّذِينَ اتّقَوْا عِنْدَ رَبّهِمْ } فقيل : للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ، فلذلك رفع «الجنات » . ومن قال هذا القول ، لم يُجِز في قوله : { جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ } إلا الرفع ، وذلك أنه خبر مبتدإ غير مردود على قوله بخير ، فيكون الخفض فيه جائزا . وهو وإن كان خبرا مبتدأ عندهم ، ففيه إبانة عن معنى الخير الذي أمر الله عزّ وجلّ نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس أؤنبئكم به ؟ والجنات على هذا القول مرفوعة باللام التي في قوله : { لِلّذِينَ اتّقَوْا عنْدَ رَبّهِمْ } .

وقال آخرون منهم بنحو من هذا القول ، إلا أنهم قالوا : إن جعلت اللام التي في قوله «للذين » من صلة الإنباء جاز في الجنات الخفض والرفع : الخفض على الردّ على «الخير » ، والرفع على أن يكون قوله : { لِلّذِينَ اتّقُوا } خبر مبتدإ على ما قد بيناه قبل .

وقال آخرون : بل منتهى الاستفهام قوله : { عِنْدَ رَبّهِمْ } ثم ابتدأ : { جَنّاتٌ تَجرِي مِنْ تَحتِها الأنهَارُ } وقالوا : تأويل الكلام : قل أؤنبئكم بخير من ذلكم ؟ للذين اتقوا عند ربهم ، ثم كأنه قيل : ماذا لهم ، أو ما ذاك ؟ أو على أنه يقال : ماذا لهم أو ما ذاك ؟ فقال : هو جنات تجري من تحتها الأنهار . . . الاَية .

وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من جعل الاستفهام متناهيا عند قوله : { بِخَيرٍ مِنْ ذَلِكُمْ } والخبر بعده مبتدأ عمن له الجنات بقوله : { لِلّذِينَ اتّقَوْا عِندَ رَبّهِنْ جَنّاتٌ } فيكون مخرج ذلك مخرج الخبر ، وهو إبانة عن معنى الخير الذي قال : أؤنبئكم به ؟ فلا يكون بالكلام حينئذ حاجة إلى ضمير .

قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري : وأما قوله : { خالِدِينَ فِيها } فمنصوب على القطع¹ ومعنى قوله : { لِلّذِينَ اتّقَوْا } للذين خافوا الله فأطاعوه ، بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه . { عِندَ رَبّهِمْ } يعني بذلك : لهم جنات تجري من تحتها الأنهار عند ربهم ، والجنات : البساتين ، وقد بينا ذلك بالشواهد فيما مضى ، وأن قوله : { تَجرِي مِنْ تَحتِها الأنهَارُ } يعني به : من تحت الأشجار ، وأن الخلود فيها دوام البقاء فيها ، وأن الأزواج المطهرة : هن نساء الجنة اللواتي طهرن من كل أذى يكون بنساء أهل الدنيا من الحيض والمني والبول والنفاس وما أشبه ذلك من الأذى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . وقوله : { وَرِضْوَانٌ مِنَ اللّهِ } يعني : ورضا الله ، وهو مصدر من قول القائل : رضي الله عن فلان ، فهو يرضى عنه رضا منقوص ، ورُضْوانا وَرِضْوانا ومرضاة . فأما الرّضوان بضم الراء فهو لغة قيس ، وبه كان عاصم يقرأ . وإنما ذكر الله جل ثناؤه فيما ذكر للذين اتقوا عنده من الخير : رضوانه ، لأن رضوانه أعلى منازل كرامة أهل الجنة . كما :

حدثنا ابن بشار ، قال : ثني أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا سفيان ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله ، قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة ، قال الله تبارك وتعالى : أعطيكم أفضل من هذا ! فيقولون : أي ربنا أي شيء أفضل من هذا ؟ قال : رضواني .

وقوله : { وَاللّهُ بَصِيرٌ بالعِبادِ } يعني بذلك ، والله ذو بصر بالذي يتقيه من عباده ، فيخافه فيطيعه ، ويؤثر ما عنده مما ذكر أنه أعده للذين اتقوه على حب ما زين له في عاجل الدنيا من شهوات النساء والبنين وسائر ما عدد منها تعالى ذكره ، وبالذي لا يتقيه فيخافه ، ولكنه يعصيه ، ويطيع الشيطان ، ويؤثر ما زين له في الدنيا من حب شهوة النساء والبنين والأموال ، على ما عنده من النعيم المقيم ، عالم تعالى ذكره بكل فريق منهم ، حتى يجازي كلهم عند معادهم إليه جزاءهم ، المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيۡرٖ مِّن ذَٰلِكُمۡۖ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞ وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (15)

في هذه الآية تسلية عن الدنيا وتقوية لنفوس تاركيها ، وذكر تعالى حال الدنيا وكيف استقر تزيين شهواتها ، ثم جاء الإنباء بخير من ذلك ، هازاً للنفوس وجامعاً لها لتسمع هذا النبأ المستغرب النافع لمن عقل ، وأنبىء : معناه أخبر ، وذهبت فرقة من الناس إلى أن الكلام الذي أمر النبي صلى عليه السلام بقوله تم في قوله تعالى : { عند ربهم } و{ جنات } على هذا مرتفع بالابتداء المضمر تقديره : ذلك جنات ، وذهب آخرون إلى أن الكلام تم في قوله : { من ذلكم } وأن قوله { للذين } خبر متقدم ، و{ جنات } رفع بالابتداء ، وعلى التأويل الأول يجوز في { جنات } الخفض بدلاً من خير ، ولا يجوز ذلك على التأويل الثاني ، والتأويلان محتملان ، وقوله { من تحتها } يعني من تحت أشجارها وعلوها من الغرف ونحوها و{ خالدين } نصب على الحال ، وقوله : { وأزواج } عطف على الجنات وهو جمع زوج وهي امرأة الإنسان ، وقد يقال زوجة ، ولم يأت في القرآن ، و { مطهرة } ، معناه من المعهود في الدنيا من الأقذار والريب وكل ما يصم في الخلق والخلق ، ويحتمل أن يكون الأزواج الأنواع والأشباه ، والرضوان ، مصدر من الرضى وفي الحديث عن النبي عليه السلام : أن أهل الجنة إذا استقروا فيها وحصل لكل واحد منهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر قال الله لهم : أتريدون أن أعطيكم ما هو أفضل من هذا ؟ قالوا يا ربنا وأي شيء أفضل من هذا ؟ فيقول الله تعالى : «أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً »{[3019]} ، هذا سياق الحديث ، وقد يجيء مختلف الألفاظ والمعنى قريب بعضه من بعض ، وفي قوله تعالى : { والله بصير بالعباد } وعد ووعيد .


[3019]:- أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري، (الجامع الصغير 1/359).