نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{۞قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيۡرٖ مِّن ذَٰلِكُمۡۖ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞ وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (15)

ولما ذكر سبحانه وتعالى ما أوجب الإعراض عن هذا العرض فكان السامع جديراً بأن يقول{[15433]} {[15434]}فعلاً أقبل{[15435]} ؟ أمر سبحانه وتعالى أقرب الخلق إليه وأعزهم لديه بجوابه لتكون البشارة داعية إلى حبه فقال : { قل } أي لمن{[15436]} فيه قابلية الإقبال إلينا ، ولما أجرى سبحانه وتعالى هذه البشارة{[15437]} على{[15438]} لسان نبيه{[15439]} صلى الله عليه وسلم لتقوم الحجة على العباد بحاله كما تقوم بمقاله من حيث إنه لا يدعو إلى شيء إلا كان أول فاعل له ، ولا ينهى{[15440]} عن شيء إلا كان أول{[15441]} تارك له ، {[15442]}لإيثاره الغائب المسموع{[15443]} من بناء الآخرة على العاجل المشهود{[15444]} من أثر الدنيا كما قال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله تعالى عنه حين أشفق عليه من تأثير رمال السرير في جنبه فذكر ما فيه فارس والروم من النعيم : " أو في شك أنت يا ابن الخطاب ؟ أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة ؟ " شوق إليها بالاستفهام {[15445]}في قوله{[15446]} : { أؤنبئكم بخير من ذلكم } أي الذي{[15447]} ذكر من الشهوات ، وعظمه بأداة البعد{[15448]} وميم الجمع لعظمته عندهم والزيادة{[15449]} في التعظيم ما يرشد إليه ، ثم استأنف بيان هذا الخير بقوله : { للذين اتقوا } أي اتصفوا بالتقوى فكان مما{[15450]} أثمر لهم اتصافهم بها أن أعرضوا عن هذه الشهوات من حيث إنها شهوات وجعلوها عبادات واقية لهم من عذاب ربهم ، فتلذذوا بالنساء {[15451]}لا لمجرد{[15452]} الشهوة{[15453]} بل لغض البصر{[15454]} من الجانبين وابتغاء ما كتب لهم من الولد{[15455]} إنفاذاً لمراد ربهم{[15456]} من تكثير خلائفهم{[15457]} في الأرض للإصلاح ، ولقوله صلى الله عليه وسلم :

" تناكحوا تناسلوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة " ونحو ذلك ، وفرحوا بالبنين لا لمجرد{[15458]} المكاثرة بل لتعليمهم{[15459]} العلم وحملهم على الذكر والجهاد والشكر وأنواع السعي في رضى السيد ، وحازوا النقدين{[15460]} لا للكنز{[15461]} ، بل للإنفاق في سبيل{[15462]} الخيرات ، وربطوا للجهاد{[15463]} ، لا للفخر{[15464]} والرئاسة على العباد بل لقمع أولياء الشيطان ورفع أولياء{[15465]} الرحمن المسلتزم لظهور الإيمان ، كما بين النبي{[15466]} صلى الله عليه وسلم {[15467]}متشابه اقتنائها{[15468]} فقال : " وهي لرجل أجر{[15469]} ولرجل{[15470]} ستر وعلى{[15471]} رجل وزر " ثم عظم سبحانه وتعالى ما لهم بقوله مرغباً بلفت{[15472]} القول إلى وصف الإحسان المقتضي لتربية{[15473]} الصدقات وغيرها من الأعمال الصالحات : { عند ربهم } أي المحسن إليهم بلباس{[15474]} التقوى الموجب{[15475]} لإيثارهم الآخرة على الدنيا ، وقوله : { جنّات } مرفوع بالابتداء ، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف إذا كان وللذين ، متعلقاً بخير{[15476]} ، ثم وصفها بقوله : { تجري من تحتها الأنهار } أي أن ماءها غير مجلوب{[15477]} ، بل كل مكان منها متهيئ{[15478]} لأن ينبع منه ماء يجري لتثبت بهجتها{[15479]} وتدوم زهرتها ونضرتها ، ثم أشار بقوله : { خالدين فيها } إلى أنها هي المشتملة على جميع الإحسان المغنية عن الحرث والأنعام ، وأن ذلك على وجه لا انقطاع له . قال الحرالي : وفي معنى لفظ الخلود إعلام بسكون الأنفس إليها لما فيها من موافقتها انتهى . ولعله إنما خص من بين{[15480]} ما تقدم من الشهوات ذكر النسوان في قوله :

{ وأزواج } لأنها أعظم المشتهيات{[15481]} ، ولا يكمل التلذذ بها إلا بحصول جميع ما يتوقف ذلك عليه ، فصار ذكرهن على سبيل الامتنان من القادر كناية عن جميع ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين .

ولما كانت التقوى حاملة على تطهير الأنفس من {[15482]}أوضار الأدناس{[15483]} من الأوصاف السيئة وكان الوصف بالمفرد أدل على أنهن في{[15484]} أصل الطهارة كأنهن نفس واحدة قال عادلاً عما هو الأولى من الوصف بالجمع لجمع من يعقل : { مطهرة } لأنهن مقتبسات من أنفسهم{ خلق لكم من أنفسكم أزواجاً{[15485]} }[ الروم :31 ] .

ولما ذكر حظ البدن قرر لذة هذا النعيم بما للروح{[15486]} ، وزاده من الأضعاف المضاعفة ما لا حد له بقوله{[15487]} : { و{[15488]}رضوان } قال الحرالي : بكسر الراء وضمها ، اسم{[15489]} مبالغة في معنى الرضى ، وهو على عبرة امتلاء بما تعرب عنه الألف والنون وتشعر ضمة{[15490]} رائه بظاهر إشباعه ، وكسرتها بباطن إحاطته{[15491]} - انتهى .

ولما جرى وعد الجنات على اسم الربوبية الناظر إلى الإحسان بالتربية فخم{[15492]} أمر هذا الجزاء وأعلاه على ذلك بنوطه{[15493]} بالاسم الأعظم فقال : { من الله } أي المحيط بصفات الكمال . ولما كان شاملاً لجميعهم{[15494]} وكان ربما ظن أنهم فيه متساوون أشار إلى التفاوت بقوله مظهراً في موضع الإضمار إشارة إلى الإطلاق عن التقييد{[15495]} بحيثية ما : { والله } أي الذي له الحكمة البالغة { بصير بالعباد } أي بنياتهم ومقادير ما يستحقونه{[15496]} بها{[15497]} على حسب إخلاصها ، وبغير ذلك من أعمالهم وأقوالهم وسائر أحوالهم .


[15433]:زيد من ظ ومد.
[15434]:لأصل: فعلم أقيل، وفي ظ ومد: فعلى م أقبل. في
[15435]:في الأصل: فعلم أقيل، وفي ظ ومد: فعلى م أقبل.
[15436]:ن ظ ومد، وفي الأصل: من.
[15437]:ي مد: البشرى.
[15438]:في مد: لسانه.
[15439]:في مد: لسانه.
[15440]:ن ظ ومد، وفي الأصل: منتهى.
[15441]:إلى هنا من "كان أول" تكررت العبارة في ظ.
[15442]:ن مد، وفي الأصل: لا ساره الغائب المسموح، وفي ظ: لا يناره القلب المسموع.
[15443]:ن مد، وفي الأصل: لا ساره الغائب المسموح، وفي ظ: لا يناره القلب المسموع.
[15444]:ن ظ ومد، وفي الأصل: الشهود.
[15445]:من مد، وفي الأصل: وقوله، وفي ظ: في أوله.
[15446]:من مد، وفي الأصل: وقوله، وفي ظ: في أوله
[15447]:زيد من ظ ومد
[15448]:من ظ ومد، وفي الأصل: البعيد.
[15449]:في مد: وللزيادة.
[15450]:من ومد، وفي الأصل: بما.
[15451]:من مد وظ، وفي الأصل: فتجرد.
[15452]:من مد وظ، وفي الأصل: فتجرد.
[15453]:من مد، وفي الأصل وظ: اللذة.
[15454]:زيد من ظ و مد .
[15455]:من مد وظ، وفي الأصل: إنقاذ للمراد بهم، وفي ظ: أنفا والمراد ربهم.
[15456]:من مد وظ، وفي الأصل: إنقاذ للمراد بهم، وفي ظ: أنفا والمراد ربهم.
[15457]:من مد، وفي الأصل وظ: فلا يقهم.
[15458]:من ظ ومد، وفي الأصل: بمجرد.
[15459]:من ظ ومد، وفي الأصل: لتعليم.
[15460]:في ظ: النقدمى – كذا.
[15461]:من مد، وفي الأصل وظ: لكنز.
[15462]:في مد: سبل.
[15463]:من ظ ومد، وفي الأصل: الجهاد.
[15464]:من ظ و مد، وفي الأصل: تفخر.
[15465]:زيد من ظ ومد.
[15466]:سقط من ظ.
[15467]:من مد، وفي الأصل: متشابهة اقتنابها، وفي ظ: متشابة اقتنابها.
[15468]:من مد، وفي الأصل: متشابهة اقتنابها، وفي ظ: متشابة اقتناب
[15469]:في جميع النسخ : آخرـ كذا.
[15470]:من مد، وفي الأصل وظ: رجل.
[15471]:من ظ ومد، وفي الأصل: وأعلى.
[15472]:من مد، وفي الأصل: ملقب، وفي ظ: بلقب.
[15473]:في ظ: تربية.
[15474]:من مد، وفي الأصل وظ: بلسان.
[15475]:سقط من مد.
[15476]:من مد، وفي الأصل و ظ: بخبر.
[15477]:من مد، وفي الأصل وظ: محلوب.
[15478]:من مد وظ، وفي الأصل: شيء.
[15479]:من ظ ومد، وفي الأصل: نهجتها.
[15480]:ي ظ: بني.
[15481]:ي ظ: المشتهوات.
[15482]:ي ظ: أوضاره إلا الأدناس، وزيد بعده في الأصل الواو، ولم تكن الزيادة في ظ ومد فحذفناها
[15483]:في ظ: أوضاره إلا الأدناس، وزيد بعده في الأصل الواو، ولم تكن الزيادة في ظ ومد فحذفناها.
[15484]:من ظ ومد، وفي الأصل : هي.
[15485]:سورة 30 آية 31.
[15486]:من مد وظ، وفي الأصل: للزوج.
[15487]:زيد من ظ ومد.
[15488]:زيد من ظ ومد.
[15489]:زيد من ظ ومد.
[15490]:في ظ: ضمه.
[15491]:إماطته.
[15492]:من ظ ومد، وفي الأصل: في.
[15493]:من ظ، وفي الأصل: بتوطه، وفي مد: بئوطة.
[15494]:من مد، وفي الأصل وظ: بجميعهم.
[15495]:في مد: التقيد.
[15496]:في ظ ومد: يستحقون.
[15497]:زيد بعده في مد: بفضله.