{ قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد }
المسألة الأولى : قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي { أؤنبئكم } بهمزتين واختلفت الرواية عن نافع وأبي عمرو .
المسألة الثانية : ذكروا في متعلق الاستفهام ثلاثة أوجه الأول : أن يكون المعنى : هل أؤنبئكم بخير من ذلاكم ، ثم يبتدأ فيقال : للذين اتقوا عند ربهم كذا وكذا والثاني : هل أؤنبئكم بخير من ذلاكم للذين اتقوا ، ثم يبتدأ فيقال : عند ربهم جنات تجري والثالث : هل أنبئكم بخير من ذلاكم للذين اتقوا عند ربهم ، ثم يبتدي فيقال : جنات تجري .
المسألة الثالثة : في وجه النظم وجوه الأول : أنه تعالى لما قال : { والله عنده حسن المآب } [ آل عمران : 14 ] بين في هذه الآية أن ذلك المآب ، كما أنه حسن في نفسه فهو أحسن وأفضل من هذه الدنيا ، فقال { قل أؤنبئكم بخير من ذلكم } الثاني : أنه تعالى لما عدد نعم الدنيا بين أن منافع الآخرة خير منها كما قال في آية أخرى { والآخرة خير وأبقى } [ الأعلى : 17 ] الثالث : كأنه تعالى نبه على أن أمرك في الدنيا وإن كان حسنا منتظما إلا أن أمرك في الآخرة خير وأفضل ، والمقصود منه أن يعلم العبد أنه كما أن الدنيا أطيب وأوسع وأفسح من بطن الأم ، فكذلك الآخرة أطيب وأوسع وأفسح من الدنيا .
المسألة الرابعة : إنما قلنا : إن نعم الآخرة خير من نعم الدنيا ، لأن نعم الدنيا مشوبة بالمضرة ، ونعم الآخرة خالية عن شوب المضار بالكلية ، وأيضا فنعم الدنيا منقطعة لا محالة ، ونعم الآخرة باقية لا محالة .
أما قوله تعالى : { للذين اتقوا } فقد بينا في تفسير قوله تعالى : { هدى للمتقين } [ البقرة : 2 ] أن التقوى ما هي وبالجملة ، فإن الإنسان لا يكون متقيا إلا إذا كان آتيا بالواجبات ، متحرزا عن المحظورات ، وقال بعض أصحابنا : التقوى عبارة عن اتقاء الشرك ، وذلك لأن التقوى صارت في عرف القرآن مختصة بالإيمان ، قال تعالى : { وألزمهم كلمة التقوى } [ الفتح : 26 ] وظاهر اللفظ أيضا مطابق له ، لأن الاتقاء عن الشرك أعم من الاتقاء عن جميع المحظورات ، ومن الاتقاء عن بعض المحظورات ، لأن ماهية الاشتراك لا تدل على ماهية الامتياز ، فحقيقة التقوى وماهيتها حاصلة عند حصول الاتقاء عن الشرك ، وعرف القرآن مطابق لذلك ، فوجب حمله عليه فكان قوله { للذين اتقوا } محمولا على كل من اتقى الكفر بالله .
أما قوله تعالى : { للذين اتقوا عند ربهم } ففيه احتمالان الأول : أن يكون ذلك صفة للخير ، والتقدير : هل أنبئكم بخير من ذلاكم عند ربهم للذين اتقوا والثاني : أن يكون ذلك صفة للذين اتقوا والتقدير : للذين اتقوا عند ربهم خير من منافع الدنيا ويكون ذلك إشارة إلى أن هذا الثواب العظيم لا يحصل إلا لمن كان متقيا عند الله تعالى ، فيخرج عنه المنافق ، ويدخل فيه من كان مؤمنا في علم الله .
وأما قوله { جنات } فالتقدير : هو جنات ، وقرأ بعضهم { جنات } بالجر على البدل من خير ، واعلم أن قوله { جنات تجرى من تحتها الأنهار } وصف لطيب الجنة ودخل تحته جميع النعم الموجودة فيها من المطعم والمشرب والملبس والمفرش والمنظر ، وبالجملة فالجنة مشتملة على جميع المطالب ، كما قال تعالى : { فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين } [ الزخرف : 71 ] .
ثم قال : { خالدين فيها } والمراد كون تلك النعم دائمة .
ثم قال : { وأزواج مطهرة ورضوان من الله } وقد ذكرنا لطائفها عند قوله تعالى في سورة البقرة : { ولهم فيها أزواج مطهرة } [ البقرة : 25 ] وتحقيق القول فيه أن النعمة وإن عظمت فلن تتكامل إلا بالأزواج اللواتي لا يحصل الأنس إلا بهن ، ثم وصف الأزواج بصفة واحدة جامعة لكل مطلوب ، فقال { مطهرة } ويدخل في ذلك : الطهارة من الحيض والنفاس وسائر الأحوال التي تظهر عن النساء في الدنيا مما ينفر عنه الطبع ، ويدخل فيه كونهن مطهرات من الأخلاق الذميمة ومن القبح وتشويه الخلقة ، ويدخل فيه كونهن مطهرات من سوء العشرة .
ثم قال تعالى : { ورضوان من الله } وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : قرأ عاصم { ورضوان } بضم الراء ، والباقون بكسرها ، أما الضم فهو لغة قيس وتميم ، وقال الفراء : يقال رضيت رضا ورضوانا ، ومثل الراضون بالكسر الحرمان والقربان وبالضم الطغيان والرجحان والكفران والشكران .
المسألة الثانية : قال المتكلمون : الثواب له ركنان أحدهما : المنفعة ، وهي التي ذكرناها ، والثاني : التعظيم ، وهو المراد بالرضوان ، وذلك لأن معرفة أهل الجنة مع هذا النعيم المقيم بأنه تعالى راض عنهم ، حامد لهم ، مثن عليهم ، أزيد في إيجاب السرور من تلك المنافع ، وأما الحكماء فإنهم قالوا : الجنات بما فيها إشارة إلى الجنة الجسمانية ، والرضوان فهو إشارة إلى الجنة الروحانية وأعلى المقامات إنما هو الجنة الروحانية ، وهو عبارة عن تجلي نور جلال الله تعالى في روح العبد واستغراق العبد في معرفته ، ثم يصير في أول هذه المقامات راضيا عن الله تعالى ، وفي آخرها مرضيا عند الله تعالى ، والله الإشارة بقوله { راضية مرضية } [ الفجر : 28 ] ونظير هذه الآية قوله تعالى : { وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم } [ التوبة : 72 ] .
ثم قال : { والله بصير بالعباد } أي عالم بمصالحهم ، فيجب أن يرضوا لأنفسهم ما اختاره لهم من نعيم الآخرة ، وأن يزهدوا فيما زهدهم فيه من أمور الدنيا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.