وقوله : { قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذلكمْ . . . }
ثم قال { لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَناتٌ } فرفع الجنات باللام . ولم يجز ردّها على أوّل الكلام ؛ لأنك حُلْت بينهما باللام ، فلم يضمر خافض وقد حالت اللام بينهما . وقد يجوز أن تحول باللام ومثلِها بين الرافع وما رَفَع ، والناصبِ وما نَصَب . فتقول : رأيت لأخيك مالا ، ولأبيك إبلا . وترفع باللام إذا لم تُعمِل الفعل ، وفي الرفع : قد كان لأخيك مال ولأبيك إبل . ولم يجُز أن تقول في الخفض : قد أمرتُ لك بألف بألف ولأخيك ألفين ، وأنت تريد ( بألفين ) لأن إضمار الخفض غير جائز ؛ ألا ترى أنك تقول : مَنْ ضربتَ ؟ فتقول : زيدا ، ومن أتاك ؟ فتقول : زيدٌ . فيضمر الرافع والناصب . ولو قال : بمن مررت ؟ لم تقل : زيدٍ ؛ لأن الخافض مع ما خَفَض بمنزلة الحرف الواحد . فإذا قدّمت الذي أخرته بعد اللام جاز فيه الخفض ؛ لأنه كالمنسوق على ما قبله إذا لم تَحُلْ بينهما بشيء . فلو قُدّمِت الجنات قبل اللام فقيل : ( بخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ جناتٍ للذين اتقوا ) لجاز الخفض والنصب على معنى تكرير الفعل بإسقاط الباء ؛ كما قال الشاعر :
أتيتَ بعبد الله في القِدّ مُوثَقا *** فهلا سعِيدا ذا الخيانةِ والغدرِ
كذلك تفعل بالفعل إذا اكتسب الباء ثم أضمرا جميعا نصب كقولك : أخاك ، وأنت تريد امْرُرْ بأخيك . وقال الشاعر [ في ] استجازة العطف إذا قدّمته ولم تَحُلْ بينهما بشيء :
ألا يا لقومٍ كُلُّ ما حُمَّ واقع *** ولِلطيرِ مَجْرىً والجُنُوبِ مَصَارع
أراد : وللجنوبِ مصارع ، فاستجاز حذف اللام ، وبها ترتفع المصارع إذ لم تحل بينهما بشيء . فلو قلت : ( ومصارعُ الجنوبِ ) لم يجز وأنت تريد إضمار اللام . وقال الآخر :
أوعدني بالسجن والأداهِم *** رِجلِي ورِجلي شَثْنَة المناسِمِ
وقوله : { فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَرَاء إسْحاقَ يَعْقُوبَ } والوجه رفع يعقوب . ومن نصب نوى به النصب ، ولم يجز الخفض إلا بإعادة الباء : ومن وراء إسحاق بيعقوب .
وكلّ شيئين اجتمعا قد تقدم [ أحدهما ] قبل المخفوض الذي ترى أن الإضمار فيه يجوز على هذا . ولا تبالِ أن تفرق بينهما بفاعل أو مفعول به أو بصفة . فمن ذلك أن تقول : مررت بزيد وبعمرو ومحمد [ أو ] وعمرو ومحمد . ولا يجوز مررت بزيد وعمرو وفي الدار محمدٍ ، حتى تقول : بمحمد . وكذلك : أمرت لأخيك بالعبيد ولأبيك بالوِرِق . ولا يجوز : لأبيك الوِرِق . وكذلك : مَُرَّ بعبد الله موثَقا ومطلقا زيدٍ ، وأنت تريد : ومطلقا بزيد . وإن قلت : وزيدٍ مطلقا جاز ذلك على شبيه بالنَسَق إذا لم تَحُل بينهما بشيء .
وقوله : { قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرّ مِن ذَلِكُمُ النارُ وَعَدها الله الَّذِينَ كَفَروا } فيها ثلاثة أوجه أجودها الرفع ، والنصب من جهتين : من وعدها إذ لم تكن النار مبتدأة ، والنصب الآخر بإيقاع الإنباء عليها بسقوط الخفض . جائز لأنك لم تَحُلْ بينهما بمانع . والرفع على الابتداء .
فإن قلت : فما تقول في قول الشاعر :
الآن بعد لجاجتي تَلْحَوْننِي *** هلا التقدّمُ والقلوبُ صِحاحُ
بِم رُفع التقدّم ؟ قلت : بمعنى الواو في قوله : ( والقلوبُ صحاح ) كأنه قال : العِظَة والقلوب فارغة ، والرُطَبُ والحرّ شديد ، ثم أدخلت عليها هلاّ وهي على ما رفعتها ، ولو نصبت التقدّم بنية فِعل كما تقول : أتيتنا بأحاديث لا نعرفها فهلا أحاديثَ معروفة .
ولو جعلت اللام في قوله : { لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ } من صلة الإنباء جاز خفص الجنات والأزواج والرضوان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.