فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{۞قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيۡرٖ مِّن ذَٰلِكُمۡۖ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞ وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (15)

( قل أؤنبئكم ) أي أخبركم استفهام تقريري ، وليس في القرآن همزة مضمومة بعد مفتوحة إلا ها هنا وما في ( ص ءأنزل عليه الذكر ) وما في اقتربت ( أألقي الذكر عليه ) ، ( بخير من ذلكم ) أي بما هو خير لكم من تلك المستلذات ومتاع الدنيا وإبهام الخير للتفخيم .

ثم بينه بقوله ( للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار ) خص المتقين لأنهم المنتفعون بذلك ، ويدخل في هذا الخطاب كل من اتقى الشرك ، وقال ابن عباس يريد المهاجرين والأنصار ، والأول أولى .

( خالدين ) أي مقدرين الخلود ( فيها ) إذا دخلوها ( وأزواج مطهرة ) من الحيض والنفاس والمني والبزاق وغيرها مما يستقذر ( ورضوان ) بكسر أوله وضمه لغتان ، وقد قرئ بهما في السبع في جميع القرآن إلا في المائدة فإنه بالكسر باتفاق السبعة ، وهو قوله ( من اتبع رضوانه ) وهما بمعنى واحد وإن كان الثاني سماعيا والأول قياسيا والتنوين للتكثير أي رضا كثيرا ( من الله ) .

عن أبي سعيد الخدري أن رسول صلى الله عليه وآله وسلم قال : إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة ، فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير كله في يديك ، فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك ، فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون وأي شئ أفضل من ذلك ؟ فيقول : أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا . أخرجه البخاري ومسلم{[309]} ، والعبد إذا علم أن الله قد رضي عنه كان أتم لسروره وأعظم لفرحه .

( والله بصير بالعباد ) أي عالم بمن يؤثر ما عنده ممن يؤثر شهوات الدنيا فيجازي كُلاّ على عمله فيثيب ويعاقب على قدر الأعمال ، وقيل بصير بالذين اتقوا فلذلك أعد لهم الجنات .


[309]:وفي حديث آخر رواه مسلم (2837) في نعيم الجنة:عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ينادي مناد آن لكم ان تصحوا فلا تسقموا أبدا، وآن لكم ان تحيوا فلا تموتون أبدا، وآن لكم ان تشبوا فلا تهرموا أبدا وآن لكم ان تنعموا فلا تيأسوا أبدا".