تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡجِبۡتِ وَٱلطَّـٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَـٰٓؤُلَآءِ أَهۡدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ سَبِيلًا} (51)

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا * أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا * أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا * فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا }

وهذا من قبائح اليهود وحسدهم للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، أن أخلاقهم الرذيلة وطبعهم الخبيث ، حملهم على ترك الإيمان بالله ورسوله ، والتعوض عنه بالإيمان بالجبت والطاغوت ، وهو الإيمان بكل عبادة لغير الله ، أو حكم بغير شرع الله .

فدخل في ذلك السحر والكهانة ، وعباده غير الله ، وطاعة الشيطان ، كل هذا من الجبت والطاغوت ، وكذلك حَمَلهم الكفر والحسد على أن فضلوا طريقة الكافرين بالله -عبدة الأصنام- على طريق المؤمنين فقال : { وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا } أي : لأجلهم تملقا لهم ومداهنة ، وبغضا للإيمان : { هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا } أي : طريقا . فما أسمجهم وأشد عنادهم وأقل عقولهم " كيف سلكوا هذا المسلك الوخيم والوادي الذميم ؟ " هل ظنوا أن هذا يروج على أحد من العقلاء ، أو يدخل عقلَ أحد من الجهلاء ، فهل يُفَضَّل دين قام على عبادة الأصنام والأوثان ، واستقام على تحريم الطيبات ، وإباحة الخبائث ، وإحلال كثير من المحرمات ، وإقامة الظلم بين الخلق ، وتسوية الخالق بالمخلوقين ، والكفر بالله ورسله وكتبه ، على دين قام على عبادة الرحمن ، والإخلاص لله في السر والإعلان ، والكفر بما يعبد من دونه من الأوثان والأنداد والكاذبين ، وعلى صلة الأرحام والإحسان إلى جميع الخلق ، حتى البهائم ، وإقامة العدل والقسط بين الناس ، وتحريم كل خبيث وظلم ، والصدق في جميع الأقوال والأعمال ، فهل هذا إلا من الهذيان ، وصاحب هذا القول إما من أجهل الناس وأضعفهم عقلا ، وإما من أعظمهم عنادا وتمردا ومراغمة للحق ، وهذا هو الواقع ، ولهذا قال تعالى عنهم : { أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ } أي : طردهم عن رحمته وأحل عليهم نقمته . { وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا } أي : يتولاه ويقوم بمصالحه ويحفظه عن المكاره ، وهذا غاية الخذلان .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡجِبۡتِ وَٱلطَّـٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَـٰٓؤُلَآءِ أَهۡدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ سَبِيلًا} (51)

44

ويمضي السياق في التعجيب من أمر أولئك الذين يزكون أنفسهم . . بينما هم يؤمنون بالباطل وبالأحكام التي لا تستند إلى شرع الله ، وليس لها ضابط منه يعصمها من الطغيان : " الجبت والطاغوت " وبينما هم يشهدون للشرك والمشركين بأنهم أهدى من المؤمنين بكتاب الله ومنهجه وشريعته ، ويحمل عليهم - بعد التعجيب من أمرهم ، وذكر هذه المخازي عنهم - حملة عنيفة ؛ ويرذلهم ترذيلا شديدا ؛ ويظهر كامن طباعهم من الحسد والبخل ؛ والأسباب الحقيقية التي تجعلهم يقفون هذا الموقف إلى جانب انحرافهم عن دين إبراهيم - الذي يفخرون بالانتساب إليه - وينهي هذه الحملة بتهديدهم بجهنم . ( وكفى بجهنم سعيرًا ) .

ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ، يؤمنون بالجبت والطاغوت ، ويقولون للذين كفروا : هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ! أولئك الذين لعنهم الله . ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا . أم لهم نصيب من الملك ؟ فإذا لا يؤتون الناس نقيرا . أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ؟ فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة ؛ وآتيناهم ملكا عظيما . فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه ؛ وكفى بجهنم سعيرًا . .

لقد كان الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ، أولى الناس أن يتبعوا الكتاب ؛ وأن يكفروا بالشرك الذي يعتنقه من لم يأتهم من الله هدى ؛ وأن يحكموا كتاب الله في حياتهم ، فلا يتبعوا الطاغوت - وهو كل شرع لم يأذن به الله ، وكل حكم ليس له من شريعة الله سند - ولكن اليهود - الذين كانوا يزكون أنفسهم ، ويتباهون بأنهم أحباء الله - كانوا في الوقت ذاته يتبعون الباطل والشرك باتباعهم للكهانة وتركهم الكهان والأحبار يشرعون لهم ما لم يأذن به الله . وكانوا يؤمنون بالطاغوت ؛ وهو هذا الحكم الذي يقوم على غير شريعة الله . . وهو طاغوت لما فيه من طغيان - بادعاء الإنسان إحدى خصائص الألوهية - وهي الحاكمية - وبعدم انضباطه بحدود من شرع الله ، تلزمه العدل والحق . فهو طغيان ، وهو طاغوت ؛ والمؤمنون به والمتبعون له ، مشركون أو كافرون . . يعجب الله من أمرهم ، وقد أوتوا نصيبا من الكتاب ، فلم يلتزموا بما أوتوه من الكتاب !

ولقد كانوا يضيفون إلى الإيمان بالجبت والطاغوت ، موقفهم في صف المشركين الكفار ، ضد المؤمنين الذين آتاهم الله الكتاب أيضا :

ويقولون للذين كفروا : هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلًا . .

قال ابن إسحاق . حدثني محمد بن أبى محمد ، عن عكرمة - أو عن سعيد بن جبير - عن ابن عباس . قال : " كان الذين حزبوا الأحزاب من قريش وغطفان وبني قريظة ، حيي بن أخطب ، وسلام بن الحقيق ، وأبو رافع ، والربيع بن الحقيق ، وأبو عامر ، ووحوح بن عامر ، وهودة بن قيس . فأما وحوح وأبو عامر وهودة ، فمن بني وائل ، وكان سائرهم من بني النضير . . فلما قدموا على قريش قالوا : هؤلاء أحبار يهود ، وأهل العلم بالكتاب الأول . فاسألوهم : أدينكم خير أم دين محمد ؟ فسألوهم . فقالوا : دينكم خير من دينه ، وأنتم أهدى منه وممن اتبعه . فأنزل الله - عز وجل - : ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ) . . . إلى قوله عز وجل : ( وآتيناهم ملكا عظيما ) . . وهذا لعن لهم ، وإخبار بأنه لا ناصر لهم في الدنيا ولا في الآخرة . لأنهم إنما ذهبوا يستنصرون بالمشركين . وإنما قالوا لهم ذلك ليستميلوهم إلى نصرتهم . وقد أجابوهم ، وجاءوا معهم يوم الأحزاب ؛ حتى حفر النبي [ ص ] وأصحابة حول المدينة الخندق ، وكفى الله شرهم

( ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا . وكفى الله المؤمنين القتال ، وكان الله قويا عزيزا ) .

وكان عجيبا أن يقول اليهود : إن دين المشركين خير من دين محمد ومن معه ، وإن المشركين أهدى سبيلا من الذين آمنوا بكتاب الله ورسوله [ ص ] ولكن هذا ليس بالعجيب من اليهود . . إنه موقفهم دائما من الحق والباطل ، ومن أهل الحق وأهل الباطل . . إنهم ذوو أطماع لا تنتهي ، وذوو أهواء لا تعتدل ، وذوو أحقاد لا تزول ! وهم لا يجدون عند الحق وأهله عونا لهم في شيء من أطماعهم وأهوائهم وأحقادهم . إنما يجدون العون والنصرة - دائما - عند الباطل وأهله . ومن ثم يشهدون للباطل ضد الحق ؛ ولأهل الباطل ضد أهل الحق !

هذه حال دائمة ، سببها كذلك قائم . . وكان طبيعيا منهم ومنطقيا أن يقولوا عن الذين كفروا : هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا !

وهم يقولونها اليوم وغدا . إنهم يشوهون بوسائل الدعاية والإعلام التي في أيديهم كل حركة إسلامية ناجحة على ظهر الأرض ؛ ويعينون عليها أهل الباطل لتشويهها وتحطيمها - بالضبط كما كانوا يعينون مشركي قريش ويستنصرون بهم في الوقت ذاته - لتشويه الحركة الإسلامية الأولى وتحطيمها .

ولكنهم أحيانا - لخبثهم ولتمرسهم بالحيل الماكرة ولملابسات العصر الحديث - قد لا يثنون ثناء مكشوفا على الباطل وأهله . بل يكتفون بتشويه الحق وأهله . ليعينوا الباطل على هدمه وسحقه . ذلك أن ثناءهم المكشوف - في هذا الزمان - أصبح متهما ، وقد يثير الشبهات حول حلفائهم المستورين ، الذين يعملون لحسابهم ، في سحق الحركات الإسلامية في كل مكان . .

بل لقد يبلغ بهم المكر والحذق أحيانا ، أن يتظاهروا بعداوة وحرب حلفائهم ، الذين يسحقون لهم الحق وأهله . ويتظاهروا كذلك بمعركة كاذبة جوفاء من الكلام . ليبعدوا الشبهة تماما عن أخلص حلفائهم ، الذين يحققون لهم أهدافهم البعيدة !

ولكنهم لا يكفون أبدا عن تشويه الإسلام وأهله . . لأن حقدهم على الإسلام ، وعلى كل شبح من بعيد لأى بعث إسلامي ، أضخم من أن يداروه . . ولو للخداع والتمويه !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡجِبۡتِ وَٱلطَّـٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَـٰٓؤُلَآءِ أَهۡدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ سَبِيلًا} (51)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاءِ أَهْدَىَ مِنَ الّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً } . .

يعني بذلك جل ثناؤه : ألم تر بقلبك يا محمد إلى الذين أعطوا حظا من كتاب الله فعلموه يؤمنون بالجبت والطاغوت ، يعني : يصدّقون بالجبت والطاغوت ويكفرون بالله ، وهم يعلمون أن الإيمان بهما كفر والتصديق بهما شرك .

ثم اختلف أهل التأويل في معنى الجبت والطاغوت ، فقال بعضهم : هما صنمان كان المشركون يعبدونهما من دون الله . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، قال : أخبرني أيوب ، عن عكرمة أنه قال : الجبت والطاغوت : صنمان .

وقال آخرون : الجبت : الأصنام ، والطاغوت : تراجمة الأصنام . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { ألَمْ تَرَ إلَى الّذِينَ أُوتُو نَصِيبا مِن الكِتابِ يُؤمِنُونَ بالجِبْتِ وَالطّاغُوتِ } الجبت : الأصنام ، والطاغوت : الذين يكونون بين أيدي الأصنام يعبرون عنها الكذب ليضلوا الناس .

وزعم رجال أن الجبت : الكاهن والطاغوت : رجل من اليهود يدعى كعب بن الأشرف ، وكان سيد اليهود .

وقال آخرون : الجبت : السحر ، والطاغوت : الشيطان . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن أبي عديّ ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن حسان بن فائد ، قال : قال عمر رضي الله عنه : الجبت : السحر ، والطاغوت : الشيطان .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابي ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن حسان بن فائد العنسي ، عن عمر مثله .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا عبد الملك ، عمن حدثه ، عن مجاهد ، قال : الجبت : السحر ، والطاغوت : الشيطان .

حدثني يعقوب ، قال : أخبرنا هشيم ، قال : أخبرنا زكريا ، عن الشعبي ، قال : الجبت : السحر ، والطاغوت : الشيطان .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { يُؤْمِنُونَ بالجِبْتِ وَالطّاغُوتِ } قال : الجبت : السحر ، والطاغوت : الشيطان في صورة إنسان يتحاكمون إليه ، وهو صاحب أمرهم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عبد الملك ، عن قيس ، عن مجاهد ، قال : الجبت : السحر ، والطاغوت : الشيطات والكاهن .

وقال آخرون : الجبت : الساحر ، والطاغوت : الشيطان . ذكر من قال ذلك :

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : كان أبي يقول : الجبت : الساحر ، والطاغوت : الشيطان .

وقال آخرون : الجبت : الساحر ، والطاغوت : الكاهن . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير في هذه الاَية : { الجبت والطاغوت » ، قال : الجبت : الساحر بلسان الحبشة ، والطاغوت : الكاهن .

حدثنا ابن المثنى ، قال : عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود ، عن رفيع ، قال : الجبت : الساحر ، والطاغوت : الكاهن .

حدثنا ابن المثنى ، قال : ثني عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود ، عن أبي العالية ، أنه قال : الطاغوت : الساحر ، والجبت : الكاهن .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن داود ، عن أبي العالية في قوله : { الجِبْتِ وَالطّاغُوتِ } قال : أحدهما السحر ، والاَخر الشيطان .

وقال آخرون : الجبت : الشيطان ، والطاغوت : الكاهن . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : قوله : { يُؤْمِنُونَ بالجِبْتِ وَالطّاغُوتِ } كنا نحدّث أن الجبت شيطان ، والطاغوت الكاهن .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : الجبت : الشيطان ، والطاغوت : الكاهن .

وقال آخرون : الجبت : الكاهن ، والطاغوت : الشيطان . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن رجل ، عن سعيد بن جبير ، قال : الجبت : الكاهن : والطاغوت : الساحر .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا حماد بن مسعدة ، قال : حدثنا عوف ، عن محمد ، قال في الجبت والطاغوت ، قال : الجبت : الكاهن ، والاَخر : الساحر .

وقال آخرون : الجبت : حيي بن أخطب ، والطاغوت : كعب بن الأشرف . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ ، عن ابن عباس قوله : { يُؤْمِنُونَ بالجِبْتِ وَالطّاغُوتِ } الطاغوت : كعب بن الأشرف ، والجبت : حيي بن أخطب .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : الجبت : حيي بن أخطب ، والطاغوت : كعب بن الأشرف .

حدثني يحيى بن أبي طالب ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : { الجِبْتِ والطّاغُوتِ } قال : الجبت : حيي بن أخطب ، والطاغوت . كعب بن الأشرف .

وقال آخرون : الجبت : كعب بن الأشرف ، والطاغوت : الشيطان . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : الجبت كعب بن الأشرف ، والطاغوت : الشيطان كان في صورة إنسان .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في تأويل : { يُؤْمِنُونَ بالجبْتِ وَالطّاغُوتِ } أن يقال : يصدّقون بمعبودين من دون الله يعبدونهما من دون الله ، ويتخذونهما إلهين . وذلك أن الجبت والطاغوت اسمان لكل معظم بعبادة من دون الله ، أو طاعة أو خضوع له ، كائنا ما كان ذلك المعظم من حجر أو إنسان أو شيطان .

وإذ كان ذلك كذلك وكانت الأصنام التي كانت الجاهلية تعبدها كانت معظمة بالعبادة من دون الله فقد كانت جبوتا وطواغيت ، وكذلك الشياطين التي كانت الكفار تطيعها في معصية الله ، وكذلك الساحر والكاهن اللذان كان مقبولاً منهما ما قالا في أهل الشرك بالله ، وكذلك حيي بن أخطب ، وكعب بن الأشرف ، لأنهما كانا مطاعين في أهل ملتهما من اليهود في معصية الله والكفر به وبرسوله ، فكانا جبتين وطاغوتين . وقد بينت الأصل الذي منه قيل للطاغوت طاغوت ، بما أغني عن إعادته في هذا الموضع .

القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَقُولُونَ للّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أهْدَى مِن الّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً } .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : ويقولون للذين جحدوا وحدانية الله ورسالة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم : { هَؤلاء } يعني بذلك : هؤلاء الذين وصفهم الله بالكفر { أهْدَى } يعني أقوم وأعدل { مِنَ الّذِينَ آمَنُوا } يعني من الذين صدّقوا الله ورسوله وأقرّوا بما جاءهم به نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم { سَبِيلاً } يعني : طريقا . وإنما ذلك مثل ، ومعنى الكلام : إن الله وصف الذين أوتوا نصيبا من الكتاب من اليهود بتعظيمهم غير الله بالعبادة والإذعان له بالطاعة في الكفر بالله ورسوله ومعصيتهما ، وأنهم قالوا : إن أهل الكفر بالله أولى بالحق من أهل الإيمان به ، وإن دين أهل التكذيب لله ولرسوله أعدل وأصوب من دين أهل التصديق لله ولرسوله ، وذكر أن ذلك من صفة كعب بن الأشرف ، وأنه قائل ذلك . ذكر الاَثار الواردة بما قلنا :

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لما قدم كعب بن الأشرف مكة ، قالت له قريش : أنت خير أهل المدينة وسيدهم ؟ قال : نعم . قالوا : ألا ترى إلى هذا الصنبور المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا ، ونحن أهل الحجيج وأهل السدانة وأهل السقاية ؟ قال : أنتم خير منه . قال : فأنزلت : { إنّ شانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ } ، وأنزلت : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبا مِنَ الكِتابِ يُؤْمِنُونَ بالجبْتِ والطّاغُوتِ } . . . إلى قوله : { فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرا } .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا داود ، عن عكرمة في هذه الاَية : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ أُوتُوا نَصيبا مِنَ الكِتاب } ثم ذكر نحوه .

وحدثني إسحاق بن شاهين ، قال : أخبرنا خالد الواسطي ، عن داود ، عن عكرمة ، قال : قدم كعب بن الأشرف مكة ، فقال له المشركون : احكم بيننا وبين هذا الصنبور الأبتر ، فأنت سيدنا وسيد قومك . فقال كعب : أنتم والله خير منه . فأنزل الله تبارك وتعالى : { ألَمْ تَرَ إلى الّذينَ أُوتُوا نَصيبا مِنَ الكِتاب } . . . إلى آخر الاَية .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، قال : أخبرنا أيوب ، عن عكرمة : أن كعب بن الأشرف انطلق إلى المشركين من كفار قريش ، فاستجاشهم على النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وأمرهم أن يغزوه ، وقال : إنا معك نقاتله ، فقالوا : إنكم أهل كتاب ، وهو صاحب كتاب ، ولا نأمن أن يكون هذا مكرا منكم ، فإن أردت أن نخرج معك فاسجد لهذين الصنمين وآمن بهما ! ففعل . ثم قالوا : نحن أهدى أم محمد ؟ فنحن ننحر الكوماء ، ونسقي اللبن على الماء ، ونصل الرحم ، ونقري الضيف ، ونطوف بهذا البيت ، ومحمد قطع رحمه ، وخرج من بلده . قال : بل أنتم خير وأهدى ! فنزلت فيه : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ أُوتُو نَصِيبا مِنَ الكِتاب يُؤْمِنُونَ بالجِبْتِ والطّاغُوتِ وَيَقُولُونَ للّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أهْدَى مِنَ الّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً } .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : لما كان من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم واليهود بني النضير ما كان حين أتاهم يستعينهم في دية العامريين ، فهمّوا به وبأصحابه ، فأطلع الله ورسوله على ما همّوا به من ذلك ، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فهرب كعب بن الأشرف حتى أتى مكة ، فعاهدهم على محمد ، فقال له أبو سفيان : يا أبا سعد ، إنكم قوم تقرءون الكتاب ، وتعلمون ، ونحن قوم لا نعلم ، فأخبرنا : ديننا خير أم دين محمد ؟ قال كعب : اعرضوا عليّ دينكم ! فقال أبو سفيان : نحن قوم ننحر الكوماء ، ونسقي الحجيج الماء ، ونقري الضيف ، ونعمر بيت ربنا ، ونعبد آلهتنا التي كان يعبد آباؤنا ، ومحمد يأمرنا أن نترك هذا ونتبعه . قال : دينكم خير من دين محمد ، فاثبتوا عليه ! ألا ترون أن محمدا يزعم أنه بعث بالتواضع ، وهو ينكح من النساء ما شاء ؟ وما نعلم ملكا أعظم من ملك النساء ! فذلك حين يقول : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبا مِنَ الكِتابِ يُؤْمِنونَ بالجبتِ وَالطّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أهْدَى مِنَ الّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً } .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : نزلت في كعب بن الأشرف وكفار قريش قال : كفار قريش أهدى من محمد عليه الصلاة والسلام . قال ابن جريج : قدم كعب بن الأشرف ، فجاءته قريش فسألته عن محمد فصغر أمره ويسره وأخبرهم أنه ضالّ . قال : ثم قالوا له : ننشدك الله نحن أهدى أم هو ؟ فإنك قد علمت أنا ننحر الكوم ، ونسقي الحجيج ، ونعمر البيت ، ونطعم ما هبّت الريح ! قال : أنتم أهدى .

وقال آخرون : بل هذه الصفة جماعة من اليهود منهم حيي بن أخطب ، وهم الذين قالوا للمشركين ما أخبر الله عنهم أنهم قالوه لهم . ذكر الأخبار بذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق عمن قاله ، قال : أخبرني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان الذين حزّبوا الأحزاب من قريش وغطفان وبني قريظة حُيَيّ بن أخطب ، وسلام بن أي الحُقَيق ، وأبو رافع ، والربيع بن أبي الحُقَقيق ، وأبو عامر ، ووحْوح بن عامر ، وهَوْذة بن قيس¹ فأما وحوح ، وأبو عامر ، وهوذة فمن بني وائل ، وكان سائرهم من بني النضير . فلما قدموا على قريش ، قالوا : هؤلاء أحبار يهود وأهل العلم بالكتب الأول ، فاسألوهم أدينكم خير ، أم دين محمد ؟ فسألوهم ، فقالوا : بل دينكم خير من دينه ، وأنتم أهدى منه وممن اتبعه ! فأنزل الله فيهم : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبا مِنَ الكِتابِ يُؤْمِنُونَ بالجِبْتِ والطّاغُوتِ } . . . إلى قوله : { وآتَيْناهُمْ مُلْكا عَظِيما } .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبا مِنَ الكِتابِ يُؤْمِنُونَ بالجِبْتِ والطّاغُوتِ } . . . الاَية ، قال : ذكر لنا أن هذه الاَية أنزلت في كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب ورجلين من اليهود من بني النضير لقيا قريشا بموسم ، فقال لهم المشركون : أنحن أهدى أم محمد وأصحابه ؟ فإنا أهل السدانة والسقاية وأهل الحرم . فقالا : لا ، بل أهدى من محمد وأصحابه ! وهما يعلمان أنهما كاذبان ، إنما حملهما على ذلك حسد محمد وأصحابه .

وقال آخرون : بل هذه صفة حيي بن أخطب وحده ، وإياه عني بقوله : { وَيقُولُونَ للّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أهْدَى مِنَ الّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً } . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبا مِنَ الكِتابِ } . . . إلى آخر الاَية ، قال : جاء حيي بن أخطب إلى المشركين ، فقالوا : يا حيي إنكم أصحاب كتب ، فنحن خير أم محمد وأصحابه ؟ نحن وأنتم خير منهم ! فذلك قوله : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبا مِنَ الكِتابِ } . . . إلى قوله : { وَمَنْ يَلْعَنِ اللّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرا } .

وأولى الأقوال بالصحة في ذلك قول من قال : إن ذلك خبر من الله جلّ ثناؤه عن جماعة من أهل الكتاب من اليهود ، وجائز أن يكون كانت الجماعة الذين سماهم ابن عباس في الخبر الذي رواه محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعد أو يكون حييا وآخر معه ، إما كعبا وإما غيره .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡجِبۡتِ وَٱلطَّـٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَـٰٓؤُلَآءِ أَهۡدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ سَبِيلًا} (51)

{ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت } نزلت في يهود كانوا يقولون إن عبادة الأصنام أرضى عند الله مما يدعوهم إليه محمد . وقيل في حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف في جمع من اليهود خرجوا إلى مكة يحالفون قريشا على محاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : أنتم أهل كتاب وأنتم اقرب إلى محمد منكم إلينا فلا نأمن مكركم فاسجدوا لآلهتنا حتى نطمئن إليكم ففعلوا . والجبت في الأصل اسم صنم فاستعمل في كل ما عبد من دون الله . وقيل أصله الجبس وهو الذي لا خير فيه فقلبت سينه تاء . والطاغوت يطلق لكل باطل من معبود أو غيره . { ويقولون للذين كفروا } لأجلهم وفيهم . { هؤلاء } إشارة إليهم . { أهدى من الذين آمنوا سبيلا } أقوم دينا وأرشد طريقا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبٗا مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡجِبۡتِ وَٱلطَّـٰغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَـٰٓؤُلَآءِ أَهۡدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ سَبِيلًا} (51)

وقوله تعالى : { ألم تر إلى الذين } الآية ، ظاهرها يعم اليهود والنصارى ، ولكن أجمع المتأولون على أن المراد بها طائفة من اليهود ، والقصص يبين ذلك ، واختلف في { الجبت والطاغوت } ، فقال عكرمة وغيره : هما في هذا الموضع صنمان كانا لقريش ، وذلك أن كعب بن الأشرف وجماعة معه وردوا مكة محرضين على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت لهم قريش : إنكم أهل الكتاب ، ومحمد صاحب كتاب ، ونحن لا نأمنكم أن تكونوا معه ، إلا أن تسجدوا لهذين الصنمين اللذين لنا ، ففعلوا ، ففي ذلك نزلت هذه الآية ، وقال ابن عباس : { الجبت } هنا : حيي بن أخطب { والطاغوت } : كعب بن الأشرف .

فالمراد على هذه الآية القوم الذين كانوا معهما من بني إسرائيل لإيمانهم بهما واتباعهم لهما ، وقال ابن عباس : { الجبت } الأصنام ، { والطاغوت } القوم المترجمون عن الأصنام ، الذين يضلون الناس بتعليمهم إياهم عبادة الأصنام ، وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : { الجبت } السحر ، { والطاغوت } : الشيطان ، وقاله مجاهد والشعبي ، وقال زيد بن أسلم : { الجبت } : الساحر ، { والطاغوت } : الشيطان ، وقال سعيد بن جبير ورفيع : { الجبت } : الساحر ، و { الطاغوت } : الكاهن ، وقال قتادة : { الجبت } : الشيطان ، والطاغوت : الكاهن ، وقال سعيد بن جبير أيضاً : الجبت : الكاهن ، والطاغوت : الشيطان ، وقال ابن سيرين : { الجبت } : الكاهن ، { والطاغوت } : الساحر ، وقال مجاهد في كتاب الطبري : { الجبت } : كعب ابن الأشرف ، والطاغوت الشيطان كان في صورة إنسان .

قال ابن عطية : فمجموع هذا يقتضي أن { الجبت والطاغوت } هو كل ما عبد وأُطيع من دون الله تعالى ، وكذلك قال مالك رحمه الله : الطاغوت كل ما عبد من دون الله تعالى ، وذكر بعض الناس أن الجبت : هو من لغة الحبشة ، وقال قطرب : { الجبت } أصله الجبس ، وهو الثقيل الذي لا خير عنده ، وأما { الطاغوت } فهو من طغى ، أصله طغووت وزنه فعلوت ، وتاؤه زائدة ، قلب فرد فلعوت ، أصله طوغوت ، تحركت الواو وفتح ما قبلها فانقلبت ألفاً ، وقوله تعالى : { ويقولون للذين كفروا } الآية سببها ، أن قريشاً قالت لكعب بن الأشرف حين ورد مكة : أنت سيدنا وسيد قومك ، إنّا قوم ننحر الكوماء{[4104]} ، ونقري الضيف ، ونصل الرحم ، ونسقي الحجيج ، ونعبد آلهتنا الذين وجدنا أباءنا يعبدون ، وهذا الصنبور المنبتر من قومه{[4105]} قد قطع الرحم ، فمن أهدى نحن أو هو ؟ فقال كعب : أنتم أهدى منه وأقوم ديناً ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عباس{[4106]} : وحكى السدي : أن أبا سفيان خاطب كعباً بهذه المقالة ، فالضمير في { يقولون } عائد على كعب على ما تقدم - أو على الجماعة من بني إسرائيل التي كانت مع كعب ، لأنها قالت بقوله في جميع ذلك على ما ذكر بعض المتأولين ، و { الذين كفروا } في هذه الآية هم قريش ، والإشارة ب { هؤلاء } إليهم ، و { أهدى } : وزنه أفعل وهو للتفضيل ، و { الذين آمنوا } : هم النبي عليه السلام وأمته ، و { سبيلاً } نصب على التمييز ، وقالت فرقة : بل المراد في الآية من بني إسرائيل هو حيي بن أخطب وهو المقصود من أول الآيات ، والمشار إليه بقوله { أولئك } .


[4104]:- الكوماء: الناقة العظيمة السنام طويلته، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في نعم الصدقة ناقة كوماء وهي الضخمة السنام. (اللسان).
[4105]:- الصنبور المنبتر: صفتان وصف بهما كفار قريش النبي صلى الله عليه وسلم، يقال: رجل صنبور: فرد ضعيف ذليل لا أهل له ولا عقب، وكذلك الأبتر الذي لا عقب له ولا أخ، وأصل الصنبور، سعفة تنبت في جذع النخلة لا في الأرض، وقال أبو عبيدة: الصنبور: النخلة تبقى منفردة ويدق أسفلها وينقشر. (اللسان).
[4106]:- أخرجه الطبراني والبيهقي في الدلائل من طريق عكرمة عن ابن عباس، وأخرجه أحمد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس أيضا مع اختلاف يسير في الألفاظ. (الدر المنثور).