تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلۡجَرَادَ وَٱلۡقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ ءَايَٰتٖ مُّفَصَّلَٰتٖ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمٗا مُّجۡرِمِينَ} (133)

فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ أي : الماء الكثير الذي أغرق أشجارهم وزروعهم ، وأضر بهم ضررا كثيرا وَالْجَرَادَ فأكل ثمارهم وزروعهم ، ونباتهم وَالْقُمَّلَ قيل : إنه الدباء ، أي : صغار الجراد ، والظاهر أنه القمل المعروف وَالضَّفَادِعَ فملأت أوعيتهم ، وأقلقتهم ، وآذتهم أذية شديدة وَالدَّمَ إما أن يكون الرعاف ، أو كما قال كثير من المفسرين ، أن ماءهم الذي يشربون انقلب دما ، فكانوا لا يشربون إلا دما ، ولا يطبخون إلا بدم .

آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ أي : أدلة وبينات على أنهم كانوا كاذبين ظالمين ، وعلى أن ما جاء به موسى ، حق وصدق فَاسْتَكْبَرُوا لما رأوا الآيات وَكَانُوا في سابق أمرهم قَوْمًا مُجْرِمِينَ فلذلك عاقبهم اللّه تعالى ، بأن أبقاهم على الغي والضلال .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلۡجَرَادَ وَٱلۡقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ ءَايَٰتٖ مُّفَصَّلَٰتٖ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمٗا مُّجۡرِمِينَ} (133)

103

عندئذ تتدخل القوة الكبرى سافرة بوسائلها الجبارة :

( فأرسلنا عليهم الطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع والدم . . آيات مفصلات )

للإنذار والابتلاء . . آيات مفصلات . . واضحة الدلالة ، منسقة الخطوات ، تتبع الواحدة منها الأخرى ، وتصدق اللاحقة منها السابقة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلۡجَرَادَ وَٱلۡقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ ءَايَٰتٖ مُّفَصَّلَٰتٖ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمٗا مُّجۡرِمِينَ} (133)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمّلَ وَالضّفَادِعَ وَالدّمَ آيَاتٍ مّفَصّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مّجْرِمِينَ } . .

اختلف أهل التأويل في معنى الطوفان ، فقال بعضهم : هو الماء . ذكر من قال ذلك :

حدثني ابن وكيع ، قال : حدثنا حَبَوية الرازي ، عن يعقوب القُمي ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : لما جاء موسى بالاَيات ، كان أوّل الاَيات الطوفان ، فأرسل الله عليهم السماء .

حدثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : حدثنا ابن يمان ، قال : حدثنا سفيان ، عن إسماعيل ، عن أبي مالك ، قال : الطوفان : الماء .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : الطّوفان : الماء .

قال : ثنا جابر بن نوح ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : الطوفان : الغرق .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : الطوفان الماء والطاعون على كلّ حال .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : الطوفان الموت على كلّ حال .

حدثنا محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : الطوفان : الماء .

وقال آخرون : بل هو الموت . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، قال : حدثنا المنهال بن خليفة ، عن الحجاج ، عن الحَكَم بن ميناء ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الطّوفانُ المَوْتُ » .

حدثني عباس بن محمد ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : سألت عطاء ما الطوفان ؟ قال : الموت .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبد الله بن رجاء ، عن ابن جريج ، عن عطاء عمن حدّثه ، عن مجاهد ، قال : الطوفان : الموت .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عبد الله بن كثير : فَأرْسَلْنا عَلْيهِمُ الطوفانَ قالَ : الموت . قال ابن جريج : وسألت عطاء عن الطوفان ، قال : الموت . قال ابن جريج : وقال مجاهد : الموت على كلّ حال .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن المنهال بن خليفة ، عن حجاج ، عن رجل ، عن عائشة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «الطوفانُ المَوْتُ » .

وقال آخرون : بل ذلك كان أمرا من الله طاف بهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا جرير ، عن قابوس بن أبي ظَبْيان ، عن أبيه ، عن ابن عباس : فَأرْسَلْنا عَلْيهِمْ الطوفانَ قال : أمر الله الطوفان ، ثم قال : فَطافَ عَلَيْها طائفٌ مِن رَبّكَ وَهُمْ نائمُونَ .

وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة ، يزعم أن الطوفان من السيل البُعاق والدّباش ، وهو الشديد ، ومن الموت المتتابع الذريع السريع . وقال بعضهم : هو كثرة المطر والريح . وكان بعض نحويّي الكوفيين يقول : الطوفان مصدر مثل الرّجْحان والنّقْصان لا يجمع . وكان بعض نحويي البصرة يقول : هو جمع ، واحدها في القياس : الطوفانة .

والصواب من القول في ذلك عندي ، ما قاله ابن عباس على ما رواه عنه أبو ظَبْيان أنه أمر من الله طاف بهم ، وأنه مصدر من قول القائل : طاف بهم أمر الله يطوف طوفانا ، كما يقال : نقص هذا الشيء ينقص نُقْصانا . وإذا كان ذلك كذلك ، جاز أن يكون الذي طاف بهم المطر الشديد ، وجاز أن يكون الموت الذريع . ومن الدلالة على أن المطر الشديد قد يسمى طوفانا قول الحسن بن عرفطة :

غَيّرَ الجِدّةَ مِنْ آياتِهَا ***خُرُقُ الرّيحِ وَطُوفانُ المَطَرْ

ويروى : «خُرُق الريح بطوفان المطر » وقول الراعي :

تُضْحِي إذا العِيسُ أدْرَكنا نَكائِثَها ***خَرْقاءَ يعْتادُها الطوفانُ والزّؤُدُ

وقول أبي النجم :

قَدْ مَدّ طُوْفانٌ فَبَثّ مَدَدَا ***شَهْرا شَآبِيبَ وشَهْرا بَرَدَا

وأما القُمّل ، فإن أهل التأويل اختلفوا في معنا ، فقال بعضهم : هو السوس الذي يخرج من الحنطة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن يعقوب القُمّي ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : القُمّل : هو السوس الذي يخرج من الحنطة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بنحوه .

وقال آخرون : بل هو الّدبَي ، وهو صغار الجراد الذي لا أجنحة له . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قال : القمل : الدّبي .

حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : الدّبي : القُمّل .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : القمل : هو الدبي .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : القمل : الدبي .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، قال : حدثنا معمر ، عن قتادة ، قال : القمل : هي الدّبَي ، وهي أولاد الجراد .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : القمل : الدبي .

قال ثنا يحيى بن آدم ، عن قيس عمن ذكره ، عن عكرمة ، قال : القمل : بنات الجراد .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : القمل : الدّبي .

وقال آخرون : بل القمل : البراغيث . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَأرْسَلْنا عَلْيهِمْ الطوفانَ والجَرَادَ والقُمّلَ قال : زعم بعض الناس في القمل أنها البراغيث .

وقال بعضهم : هي دوابّ سود صغار . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر ، قال : سمعت سعيد بن جبير والحسن قالا : القمل : دوابّ سود صغار .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر ، قال : سمعت سعيد بن جبير والحسن قالا : القمل : دوابّ سود صغار .

وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يزعم أن " القمل " ، عند العرب : الحَمْنان ، والحمنان ضرب من القِرْدان واحدتها : " حَمْنانة " ، فوق القَمقامة . و " القمَّل " جمع ، واحدتها " قملة " ، وهي دابة تشبه القَمْل تأكلها الإبل فيما بلغني ، وهي التي عناها الأعشى في قوله :

قَوْمٌ تُعَالِجُ قُمَّلا أَبْنَاؤُهُمْ ***وَسَلاسِلا أُجُدًا وَبَابًا مُؤْصَدَا

وكان الفرّاء يقول : لم أسمع فيه شيئا ، فإن لم يكن جمعا فواحده قامل ، مثل ساجد وراكع ، وإن يكن اسما على معنى جمع ، فواحدته : قمّلة .

ذكر المعاني التي حدثت في قوم فرعون بحدوث هذه الاَيات

والسبب الذي من أجله أحدثها الله فيهم

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب القُمي ، عن جعفر بن المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، قال : لما أتى موسى فرعون ، قال له : أرسل معي بني إسرائيل فأبى عليه ، فأرسل الله عليهم الطوفان ، وهو المطر ، فصبّ عليهم منه شيئا ، فخافوا أن يكون عذابا ، فقالوا لموسى : ادع لنا ربك ، لئن كشفت عنا الرجز لنؤمننّ لك ، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل فدعا ربه ، فلم يؤمنوا ، ولم يرسلوا معه بني إسرائيل . فأنبت لهم في تلك السنة شيئا لم ينبته قبل ذلك من الزرع والثمر والكلإ ، فقالوا : هذا ما كنا نتمنى فأرسل الله عليهم الجراد ، فسلّطه على الكلإ . فلما رأوا أثره في الكلإ عرفوا أنه لا يبقى الزرع ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك فيكشف عنا الجراد ، فنؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه ، فكشف عنهم الجراد ، فلم يؤمنوا ، ولم يرسلوا معه بني إسرائيل ، فداسوا وأحرزوا في البيوت ، فقالوا : قد أحرزنا . فأرسل الله عليهم القمل ، وهو السوس الذي يخرج منه ، فكان الرجل يخرج عشرة أجربة إلى الرحى ، فلا يردّ منها ثلاثة أقفزة ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا القمل ، فنؤمَن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه ، فكشف عنهم ، فأبوا أن يرسلوا معه بني إسرائيل . فبينا هو جالس عند فرعون إذ سمع نقيق ضفدع ، فقال لفرعون : ما تلقي أنت وقومك من هذا ؟ فقال : وما عسى أن يكون كيد هذا ؟ فما أمسوا حتى كان الرجل يجلس إلى ذقنه في الضفادع ، ويهمّ أن يتكلم فتثب الضفادع في فيه ، فقالوا لموسى : ادع لنا ربك يكشف عنا هذه الضفادع ، فنؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل فكشف عنهم فلم يؤمنوا فأرسل الله عليهم الدم ، فكان ما استقوا من الأنهار والاَبار ، أو ما كان في أوعيتهم وجدوه دما عبيطا ، فشكوا إلى فرعون فقالوا : إنا قد ابتلينا بالدم ، وليس لنا شراب . فقال : إنه قد سحركم . فقالوا : من أين سحرنا ونحن لا نجد في أوعيتنا شيئا من الماء إلاّ وجدناه دما عبيطا ؟ فأتوه فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا هذا الدم ، فنؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه ، فكشِف عنهم ، فلم يؤمنوا ، ولم يرسلوا معه بني إسرائيل .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حبوية الرازي ، عن يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن ابن عباس ، قال : لما خافوا الغرق ، قال فرعون : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا هذا المطر فنؤمن لك ، ثم ذكر نحو حديث ابن حميد ، عن يعقوب .

حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : ثم إن الله أرسل عليهم ، يعني على قوم فرعون الطوفان ، وهو المطر ، فغرق كلّ شيء لهم ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا ، ونحن نؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل فكشف الله عنهم ونبتت به زروعهم ، فقالوا : ما يسرّنا أنا لم نمطرَ . فبعث الله عليهم الجراد ، فأكل حروثهم ، فسألوا موسى أن يدعوَ ربه فيكشفه ويؤمنوا به . فدعا فكشفه ، وقد بقي من زروعهم بقية ، فقالوا : لم تؤمنون وقد بقي من زرعنا بقيّة تكفينا ؟ فبعث الله عليهم الدّبَى ، وهو القمل ، فلحس الأرض كلها ، وكان يدخل بين ثوب أحدهم وبين جلده فيعضّه ، وكان لأحدهم الطعام فيمتلىء دبى ، حتى إن أحدهم ليبنى الأسطوانة بالجصّ فيزلقها ، حتى لا يرتقي فوقها شيء ، يرفع فوقها الطعام ، فإذا صعد إليه ليأكله وجده ملاَن دبى ، فلم يصابوا ببلاء كان أشدّ عليهم من الدبى ، وهو الرجز الذي ذكر الله في القرآن أنه وقع عليهم . فسألوا موسى أن يدعو ربه ، فيكشف عنهم ، ويؤمنوا به . فلما كشف عنهم أبوا أن يؤمنوا ، فأرسل الله عليهم الدم ، فكان الإسرائيلي يأتي هو والقبطي يستقيان من ماء واحد ، فيخرج ماء هذا القبطي دما ، ويخرج للإسرائيلي ماء . فلما اشتدّ ذلك عليهم سألوا موسى أن يكشفه ويؤمنوا به ، فكشف ذلك ، فأبوا أن يؤمنوا ، وذلك حين يقول الله : فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُمُ العَذَابَ إذَا هُمْ يَنْكُثُونَ .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : فَأرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطّوفانَ قال : أرسل الله عليهم الماء حتى قاموا فيه قياما . ثم كشف عنهم ، فلم يؤمنوا ، وأخصبت بلادهم خصبا لم تخصب مثله . فأرسل الله عليه الجراد فأكله إلاّ قليلاً ، فلم يؤمنوا أيضا . فأرسل الله القُمّل وهي الدبى ، وهو أولاد الجراد ، فأكلت ما بقي من زروعهم ، فلم يؤمنوا . فأرسل عليهم الضفادع ، فدخلت عليهم بيوتهم ، ووقعت في آنيتهم وفرشهم ، فلم يؤمنوا . ثم أرسل الله عليهم الدم ، فكان أحدهم إذا أراد أن يشرب تحوّل ذلك الماء دما ، قال الله : آياتٍ مُفَصّلاتٍ .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطّوفانَ حتى بلغ : مُجْرِمِينَ قال : أرسل الله عليهم الماء حتى قاموا فيه قياما ، فدعوا موسى فدعا ربه ، فكشف عنهم ، ثم عادوا بشرّ ما يحضر بهم ، ثم أنبتت أرضهم . ثم أرسل الله عليهم الجراد ، فأكل عامة حروثهم وثمارهم ، ثم دعوا موسى فدعا ربه فكشف عنهم . ثم عادوا بشرّ ما يحضر بهم ، فأرسل الله عليهم القُمّل ، هذا الدبى الذي رأيتم ، فأكل ما أبقى الجراد من حروثهم ، فلحسه . فدعوا موسى ، فدعا ربه ، فكشفه عنهم ، ثم عادوا بشرّ ما يحضر بهم . ثم أرسل الله عليهم الضفادع ، حتى ملأت بيوتهم وأفنيتهم ، فدعوا موسى ، فدعا ربه فكشف عنهم . ثم عادوا بشرّ ما يحضر بهم ، فأرسل الله عليهم الدم ، فكانوا لا يغترفون من مائهم إلاّ دما أحمر ، حتى لقد ذكر أن عدوّ الله فرعون كان يجمع بين الرجلين على الإناء الواحد ، القبطي والإسرائيلي ، فيكون مما يلي الإسرائيلي ماء ، ومما يلي القبطي دما . فدعوا موسى ، فدعا ربه ، فكشفه عنهم في تسع آيات : السنين ، ونقص من الثمرات ، وأراهم يد موسى عليه السلام وعصاه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : فأرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطّوفانَ وهو المطر حتى خافوا الهلاك ، فأتوْا موسى ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا المطر ، فإنا نؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه ، فكشف عنهم المطر ، فأنبت الله به حرثهم ، وأخصب به بلادهم ، فقالوا : ما نحبّ أنا لم نمطر بترك ديننا ، فلن نؤمن لك ولن نرسل معك بني إسرائيل فأرسل الله عليهم الجراد ، فأسرع في فساد ثمارهم وزروعهم ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا الجراد ، فإنا سنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه ، فكشف عنهم الجراد ، وكان قد بقي من زروعهم ومعاشهم بقايا ، فقالوا : قد بقي لنا ما هو كافينا ، فلن نؤمن لك ولن نرسل معك بني إسرائيل فأرسل الله عليهم القُمّل ، وهو الدبى ، فتتبع ما كان ترك الجراد ، فجزعوا وأحسوا بالهلاك ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا الدبى ، فإنا سنؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه ، فكشف عنهم الدبى ، فقالوا : ما نحن لك بمؤمنين ولا مرسلين معك بني إسرائيل . فأرسل الله عليهم الضفادع ، فملأ بيوتهم منها ، ولقوا منها أذى شديدا لم يلقوا مثله فيما كان قبله ، إنها كانت تثب في قدورهم ، فتفسد عليهم طعامهم ، وتطفىء نيرانهم ، قالوا : يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا الضفادع ، فقد لقينا منها بلاء وأذى ، فإنا سنؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه ، فكشف عنهم الضفادع ، فقالوا : لا نؤمن لك ، ولا نرسل معك بني إسرائيل . فأرسل الله عليهم الدم ، فجعلوا لا يأكلون إلاّ الدم ، ولا يشربون إلاّ الدم ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا الدم ، فإنا سنؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه فكشف عنهم الدم ، فقالوا : يا موسى لن نؤمن لك ولن نرسل معك بني إسرائيل ، فكانت آيات مفصّلات بعضها على إثر بعض ، ليكون لله عليهم الحجة ، فأخذهم الله بذنوبهم ، فأغرقهم في اليم .

حدثني عبد الكريم ، قال : حدثنا إبراهيم ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا أبو سعد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : أرسل على قوم فرعون الاَيات : الجراد ، والقُمّل ، والضفادع ، والدم آياتٍ مُفَصّلاتٍ . قال : فكان الرجل من بني إسرائيل يركب مع الرجل من قوم فرعون في السفينة ، فيغترف الإسرائيلي ماء ، ويغترف الفرعوني دما . قال : وكان الرجل من قوم فرعون ينام في جانب ، فيكثر عليه القُمّل والضفادع حتى لا يقدر أن ينقلب على الجانب الاَخر . فلم يزالوا كذلك ، حتى أوحى الله إلى موسى : أنْ أسْرِ بِعبادِي إنّكُمْ مُتّبَعُونَ .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : لما أتى موسى فرعون بالرسالة أبى أن يؤمن وأن يرسل معه بني إسرائيل ، فاستكبر ، قال : لن نرسل معك بني إسرائيل فأرسل الله عليهم الطوفان ، وهو الماء ، أمطر عليهم السماء حتى كادوا يهلكون وامتنع منهم كلّ شيء ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا هذا لنؤمننّ لك ، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل ، فدعا الله فكشف عنهم المطر ، فأنبت الله لهم حروثهم ، وأحيا بذلك المطر كلّ شيء من بلادهم ، فقالوا : والله ما نحبّ أنا لم نكن أمطرنا هذا المطر ، ولقد كان خيرا لنا ، فلن نرسل معك بني إسرائيل ، ولن نؤمن لك يا موسى . فبعث الله عليهم الجراد ، فأكل عامّة حروثهم ، فأسرع الجراد في فسادها ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا الجراد ، فإنا مؤمنون لك ، ومرسلون معك بني إسرائيل فكشف الله عنهم الجراد ، وكان الجراد قد أبقى لهم من حروثهم بقية ، فقالوا : قد بقي لنا من حروثنا ما كان كافينا ، فما نحن بتاركي ديننا ، ولن نؤمن لك ، ولن نرسل معك بني إسرائيل فأرسل الله عليهم القُمّل ، والقمل : الدبى ، وهو الجراد الذي ليست له أجنحة ، فتتبع ما بقي من حروثهم وشجرهم وكلّ نبات كان لهم ، فكان القمل أشدّ عليهم من الجراد . فلم يستطيعوا للقمل حيلة ، وجزعوا من ذلك وأتوا موسى ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا القمل ، فإنه لم يُبْق لنا شيئا ، قد أكل ما بقي من حروثنا ، ولئن كشفت عنا القُمّل لنؤمننّ لك ، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل فكشف الله عنهم القُمّل فنكثوا ، وقالوا : لن نؤمن لك ، ولن نرسل معك بني إسرائيل . فأرسل الله عليهم الضفادع ، فامتلأت منها البيوت ، فلم يبق لهم طعام ولا شراب إلاّ وفيه الضفادع ، فلقوا منها شيئا لم يلقوه فيما مضى ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمننّ لك ، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل قال : فكشف الله عنهم فلم يفعلوا ، فأنزل الله : فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرّجْزَ إلى أجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إذَا هُمْ يَنْكُثُونَ . . . إلى : وكانُوا عَنْها غافِلينَ .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا أبو تميلة ، قال : حدثنا الحسن بن واقد ، عن زيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كانت الضفادع برّية ، فلما أرسلها الله على آل فرعون سمعت وأطاعت ، فجعلت تغرق أنفسها في القدور وهي تغلي ، وفي التنانير وهي تفور ، فأثابها الله بحسن طاعتها بردَ الماء .

قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : فرجع عدوّ الله ، يعني فرعون ، حين آمنت السحرة مغلوبا مفلولاً ، ثم أبى إلا الإقامة على الكفر والتماديَ في الشرّ ، فتابع الله عليه بالاَيات ، وأخذه بالسنين ، فأرسل عليه الطّوفان ، ثم الجراد ، ثم القُمّل ، ثم الضفادع ، ثم الدم آياتٍ مُفَصّلاتٍ ، فأرسل الطوفان ، وهو الماء ، ففاض على وجه الأرض ، ثم ركد ، لا يقدرون على أن يحرثوا ، ولا يعملوا شيئا ، حتى جهدوا جوعا فلما بلغهم ذلك ، قالوا : يا موسى ادع لنا ربك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمننّ لك ، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل فدعا موسى ربه ، فكشفه عنهم ، فلم يفو له بشيء مما قالوا . فأرسل الله عليهم الجراد ، فأكل الشجر فيما بلغني ، حتى إن كان ليؤكل مسامير الأبواب من الحديد حتى تقع دورهم ومساكنهم ، فقالوا مثل ما قالوا ، فدعا ربه ، فكشفه عنهم ، فلم يفوا له بشيء مما قالوا . فأرسل الله عليهم القُمّل ، فذكر لي أن موسى أمر أن يمشي إلى كثيب حتى يضربه بعصاه ، فمضى إلى كثيب أهيل عظيم ، فضربه بها ، فانثال عليهم قملاً حتى غلب على البيوت والأطعمة ، ومنعهم النوم والقرار فلما جهدهم قالوا له مثل ما قالوا ، فدعا ربه فكشفه عنهم ، فلم يفوا له بشيء مما قالوا . فأرسل الله عليهم الضفادع ، فملأت البيوت والأطعمة والاَنية ، فلا يكشف أحد ثوبا ولا طعاما ولا إناءً إلاّ وجد فيه الضفادع قد غلبت عليه . فلما جهدهم ذلك قالوا له مثل ما قالوا ، فدعا ربه فكشفه عنهم ، فلم يفوا له بشيء مما قالوا ، فأرسل الله عليهم الدم ، فصارت مياه آل فرعون دما ، لا يستقون من بئر ولا نهر ، ولا يغترفون من إناء إلاّ عاد دما عبيطا .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن محمد بن كعب القرظي ، أنه حدّث : أن المرأة من آل فرعون كانت تأتي المرأة من بني إسرائيل حين جهدهم العطش ، فتقول : اسقيني من مائك فتغرف لها من جرتها ، أو تصبّ لها من قربتها ، فيعود في الإناء دما ، حتى إن كانت لتقول لها : اجعليه في فيك ثم مجّيه في فيّ فتأخذ في فيها ماء ، فإذا مجّته في فيها صار دما ، فمكثوا في ذلك سبعة أيام .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : الجراد يأكل زروعهم ونباتهم ، والضفادع تسقط على فرشهم وأطعمتهم ، والدم يكون في بيوتهم وثيابهم ومائهم وطعامهم .

قال : ثنا شبل ، عن عبد الله بن كثير ، عن مجاهد ، قال : لما سال النيل دما ، فكان الإسرائيلي يستقي ماء طيبا ، ويستقي الفرعوني دما ويشتركان في إناء واحد ، فيكون ما يلي الإسرائيلي ماء طيبا وما يلي الفرعوني دما .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر ، قال : ثني سعيد بن جبير : أن موسى لما عالج فرعون بالاَيات الأربع : العصا ، واليد ، ونقص من الثمرات ، والسنين ، قال : يا ربّ إن عبدك هذا قد علا في الأرض ، وعتا في الأرض ، وبغى عليّ ، وعلا عليك ، وعالى بقومه ، ربّ خذ عبدك بعقوبة تجعلها له ولقومه نقمة ، وتجعلها لقومي عظة ولمن بعدي آية في الأمم الباقية فبعث الله عليهم الطوفان ، وهو الماء ، وبيوت بني إسرائيل وبيوت القبط مشتبكة مختلطة بعضها في بعض ، فامتلأت بيوت القبط ماء ، حتى قاموا في الماء إلى تراقيهم ، من حبس منهم غرق ، ولم يدخل في بيوت بني إسرائيل قطرة ، فجعلت القبط تنادي : موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك ، لئن كشفت عنا الرجز لنؤمننّ لك ، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل قال : فواثقوا موسى ميثاقا أخذ عليهم به عهودهم ، وكان الماء أخذهم يوم السبت ، فأقام عليهم سبعة أيام إلى السبت الاَخر ، فدعا موسى ربه ، فرفع عنهم الماء ، فأعشبت بلادهم من ذلك الماء ، فأقاموا شهرا في عافية ، ثم جحدوا وقالوا : ما كان هذا الماء إلاّ نعمة علينا وخصبا لبلادنا ، ما نحبّ أنه لم يكن قال : وقد قال قائل لابن عباس : إني سألت ابن عمر عن الطّوفان ، فقال : ما أدري موتا كان أو ماء . فقال ابن عباس : أما يقرأ ابن عمر سورة العنكبوت حين ذكر الله قوم نوح فقال : فَأخَذَهُمُ الطوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ أرأيت لو ماتوا إلى من جاء موسى عليه السلام بالاَيات الأربع بعد الطوفان ؟ قال : فقال موسى : يا ربّ إن عبادك قد نقضوا عهدك ، وأخلفوا وعدي ، ربّ خذهم بعقوبة تجعلها لهم نقمة ، ولقومي عظة ، ولمن بعدهم آية في الأمم الباقية قال : فبعث الله عليهم الجراد فلم يدع لهم ورقة ولا شجرة ولا زهرة ولا ثمرة إلاّ أكلها ، حتى لم يُبق جَنًى . حتى إذا أفنى الخضر كلها أكل الخشب ، حتى أكل الأبواب ، وسقوف البيوت وابتلى الجراد بالجوع ، فجعل لا يشبع ، غير أنه لا يدخل بيوت بني إسرائيل . فعجوا وصاحوا إلى موسى ، فقالوا : يا موسى هذه المرّة ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز ، لنؤمننّ لك ، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل فأعطوه عهد الله وميثاقه ، فدعا لهم ربه ، فكشف الله عنهم الجراد بعد ما أقام عليهم سبعة أيام ، من السبت إلى السبت . ثم أقاموا شهرا في عافية ، ثم عادوا لتكذيبهم ولإنكارهم ، ولأعمالهم أعمال السوء ، قال : فقال موسى : يا ربّ عبادك قد نقضوا عهدي وأخلفوا موعدي ، فخذهم بعقوبة تجعلها لهم نقمة ، ولقومي عظة ، ولمن بعدي آية في الأمم الباقية فأرسل الله عليهم القُمّل قال أبو بكر : سمعت سعيد بن جبير والحسن يقولان : كان إلى جنبهم كثيب أعفر بقرية من قُرى مصر تدعى عين شمس ، فمشى موسى إلى ذلك الكثيب ، فضربه بعصاه ضربة صار قملاً تدبّ إليهم ، وهي دوابّ سود صغار ، فدبّ إليهم القُمّل ، فأخذ أشعارهم وأبشارهم وأشفار عيونهم وحواجبهم ، ولزم جلودهم ، كأنه الجدريّ عليهم ، فصرخوا وصاحوا إلى موسى : إنا نتوب ولا نعود ، فادع لنا ربك فدعا ربه فرفع عنهم القُمّل بعد ما أقام عليهم سبعة أيام من السبت إلى السبت ، فأقاموا شهرا في عافية ، ثم عادوا وقالوا : ما كنا قطّ أحقّ أن نستيقن أنه ساحر منا اليوم ، جعل الرمل دوابّ ، وعزّة فرعون لا نصدّقه أبدا ولا نتبعه فعادوا لتكذيبهم وإنكارهم ، فدعا موسى عليهم ، فقال : يا ربّ إن عبادك نقضوا عهدي ، وأخلفوا وعدي ، فخذهم بعقوبة تجعلها لهم نقمة ، ولقومي عظة ، ولمن بعدي آية في الأمم الباقية فأرسل الله عليهم الضفادع ، فكان أحدهم يضطجع ، فتركبه الضفادع ، فتكون عليه ركاما ، حتى ما يستطيع أن ينصرف إلى الشقّ الاَخر ، ويفتح فاه لأكلته ، فيسبق الضفدع أكلته إلى فيه ، ولا يعجن عجينا إلاّ تسدّختْ فيه ، ولا يطبخ قدرا إلاّ امتلأت ضفادع . فعذّبوا بها أشدّ العذاب ، فشكوا إلى موسى عليه السلام ، وقالوا : هذه المرّة نتوب ولا نعود . فأخذ عهدهم وميثاقهم ، ثم دعا ربه ، فكشف الله عنهم الضفادع بعد ما أقام عليهم سبعا من السبت إلى السبت ، فأقاموا شهرا في عافية ثم عادوا لتكذيبهم وإنكارهم ، وقالوا : قد تبين لكم سحره ، ويجعل التراب دوابّ ، ويجيء بالضفادع في غير ماء فآذوا موسى عليه السلام ، فقال موسى : يا ربّ إن عبادك نقضوا عهدي ، وأخلفوا وعدي ، فخذهم بعقوبة تجعلها لهم عقوبة ، ولقومي عظة ، ولمن بعدي آية في الأمم الباقية فابتلاهم الله بالدم ، فأفسد عليهم معايشهم ، فكان الإسرائيلي والقبطي يأتيان النيل فيستقيان ، فيخرج للإسرائيلي ماء ، ويخرج للقبطي دما ، ويقومان إلى الحُبّ فيه الماء ، فيخرج للإسرائيلي في إنائه ماء ، وللقبطي دما .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا ابن سعد ، قال : سمعت مجاهدا ، في قوله : فأرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطوفانَ قال : الموت والجراد . قال : الجراد يأكل أمتعتهم وثيابهم ومسامير أبوابهم ، والقُمّل هو الدبى ، سلطه الله عليهم بعد الجراد . قال : والضفادع تسقط في أطعمتهم التي في بيوتهم وفي أشربتهم .

وقال بعضهم : الدم الذي أرسله الله عليهم كان رُعافا . ذكر من قال ذلك .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا أحمد بن خالد ، قال : حدثنا يحيى بن أبي بكير ، قال : حدثنا زهير ، قال : قال زيد بن أسلم : أما القُمّل فالقَمْل وأما الدم : فسلط عليهم الرعاف .

وأما قوله : آياتٍ مُفَصّلاتٍ فإن معناه : علامات ودلالات على صحة نبوّة موسى ، وحقية ما دعاهم إليه مفصلات ، قد فُصِل بينها ، فجعل بعضها يتلو بعضا ، وبعضها في إثر بعض .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قال : فكانت آيات مفصلات بعضها في إثر بعض ، ليكون لله الحجة عليهم ، فأخذهم الله بذنوبهم فأغرقهم في اليم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : آياتٍ مُفَصّلاتٍ قال : يتبع بعضها بعضا ليكون لله الحجة عليهم ، فينتقم منهم بعد ذلك . وكانت الاَية تمكث فيهم من السبت إلى السبت ، وترتفع عنه شهرا ، قال الله عزّ وجلّ : فانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأغْرَقْناهُمْ فِي اليَمّ . . . الاَية .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : قال ابن إسحاق : آياتٍ مُفَصّلاتٍ : أي آية بعد آية يتبع بعضها بعضا .

وكان مجاهد يقول فيما ذكر عنه في معنى المفصّلات ، ما :

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو سعد ، قال : سمعت مجاهدا يقول في «آيات مفصلات » ، قال : معلومات .

القول في تأويل قوله تعالى : فاسْتَكْبَرُوا وكانُوا قَوْما مُجْرِمِينَ .

يقول تعالى ذكره : فاستكبر هؤلاء الذين أرسل الله عليهم ما ذكر في هذه الاَيات من الاَيات والحجج عن الإيمان بالله ، وتصديق رسوله موسى صلى الله عليه وسلم ، واتباعه على ما دعاهم إليه ، وتعظموا على الله وعتوا عليه وكانُوا قَوْما مُجْرِمِينَ يقول : كانوا قوما يعملون بما يكرهه الله من المعاصي والفسق عتوّا وتمرّدا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلۡجَرَادَ وَٱلۡقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ ءَايَٰتٖ مُّفَصَّلَٰتٖ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمٗا مُّجۡرِمِينَ} (133)

{ فأرسلنا عليهم الطوفان } ماء طاف بهم وغشى أماكنهم حروثهم من مطر أو سيل . وقيل الجدري . وقيل الموتان . وقيل الطاعون . { والجراد والقمّل } قيل هو كبار القردان ، وقيل أولاد الجراد قبل نبات أجنحتها . { والضفادع والدّم } روي : أنهم مطروا ثمانية أيام في ظلمة شديدة لا يقدر أحد أن يخرج من بيته ، ودخل الماء بيوتهم حتى قاموا فيه إلى تراقيهم ، وكانت بيوت بني إسرائيل مشتبكة ببيوتهم فلم يدخل فيها قطرة ، وركد على أراضيهم فمنعهم من الحرث والتصرف فيها ، ودام ذلك عليهم أسبوعا فقالوا لموسى : ادع لنا ربك يكشف عنا ونحن نؤمن بك ، فدعا الله فكشف عنهم ونبت لهم من الكلأ والزرع تأكل الأبواب والسقوف والثياب ففزعوا إليه ثانيا فدعا وخرج إلى الصحراء ، وأشار بعصاه نحو المشرق والمغرب فرجعت إلى النواحي التي جاءت منها فلم يؤمنوا ، فسلط الله عليهم القمل فأكل ما أبقاه الجراد وكان يقع في أطعمتهم ويدخل بين أثوابهم وجلودهم فيمصها ، ففزعوا إليه فرفع عنهم فقالوا : قد تحققنا الآن أنك ساحر ، ثم أرسل الله عليهم الضفادع بحيث لا يكشف ثوب ولا طعام إلا وجدت فيه ، وكانت تمتلئ منها مضاجعهم وتثب إلى قدورهم وهي تغلي ، وأفواههم عند التكلم ففزعوا إليه وتضرعوا ، فأخذ عليهم العهود ودعا فكشف الله عنهم ثم نقضوا العهود ، ثم أرسل عليهم الدم فصارت مياههم دما حتى كان يجتمع القبطي مع الإسرائيلي على إناء فيكون ما يلي القبطي دما وما يلي الإسرائيلي ماء ، ويمص الماء من فم الإسرائيلي فيصير دما في فيه . وقيل سلط الله عليهم الرعاف . { آيات } نصب على الحال . { مُفصّلات } مبينات لا تشكل على عاقل أنها آيات الله ونقمته عليهم ، أو مفصلات لامتحان أحوالهم إذ كان بين كل اثنتين منها شهر وكان امتداد كل واحدة أسبوعا ، وقيل أن موسى لبث فيهم بعدما غلب السحرة عشرين سنة يريهم هذه الآيات على مهل . { فاستكبروا } عن الإيمان . { وكانوا قوما مجرمين } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلۡجَرَادَ وَٱلۡقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ ءَايَٰتٖ مُّفَصَّلَٰتٖ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمٗا مُّجۡرِمِينَ} (133)

وقوله تعالى : { فأرسلنا عليهم الطوفان } الآية ، قال الأخفش { الطوفان } :جمع طوفانة وهذه عقوبات وأنواع من العذاب بعثها الله عليهم ليزدجروا وينيبوا ، و { الطوفان } مصدر من قولك طاف يطوف فهو عام في كل شيء يطوف إلا أن استعمال العرب له كثر في الماء والمطر الشديد ، ومنه قول الشاعر : [ الرمل ]

غير الجدة من عرفانه*** خرق الريح وطوفان المطر

ومنه قول أبي النجم : [ الرجز ]

ومد طوفان فبث مددا*** شهراً شآبيب وشهراً بردا

وقال ابن عباس ومجاهد والضحاك : إن { الطوفان } في هذه الآية المطر الشديد أصابهم وتوالى عليهم حتى هدم بيوتهم وضيق عليهم ، وقيل طم فيض النيل عليهم وروي في كيفيته قصص كثير ، وقالت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم : إن { الطوفان } المراد في هذه الآية هو الموت ، وقال ابن عباس في بعض ما روي عنه هو مصدر معمى عني به شيء أطافه الله بهم ، و { الجراد } معروف ، قال الأخفش هو جمع جرادة للمذكر والمؤنث فإن أردت الفصل قلت رأيت جرادة ذكراً ، وروي : أن الله عز وجل لما والى عليهم المطر غرقت أرضهم ومنعوا الزراعة ، فقالوا : يا موسى ادع في كشف هذا عنا نحن نؤمن ، فدعا فدفعه الله عنهم فأنبتت الأرض إنباتاً حسناً فطغوا وقالوا ما نود أنا لم نمطر وما هذا الإحسان من الله إلينا ، فبعث الله حينئذ الجراد فأكل جميع ما أنبتت الأرض ، وروى ابن وهب عن مالك أنه روي أنه أكل أبوابهم وأكل الحديد والمسامير وضيق عليهم غاية التضييق وترك الله من نباتهم ما يقوم به الرمق فقالوا لموسى ادع في كشف الجراد ونحن نؤمن ، فدعا فكشف فرجعوا إلى كفرهم ورأوا أن ما أقام رمقهم قد كفاهم ، فبعث الله عليهم القمل وهي الَّدبى صغار الجراد الذي يثب ولا يطير قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة ، وقيل هو الحمنان وهو صغار القردان وقيل هو البراغيث وقال ابن عباس { القمل } السوس الذي يخرج من الحنطة ، وقيل { القمل } الزرع إنه حيوان صغير جداً أسود وإنه بأرض مصر حتى الآن ، قال حبيب بن أبي ثابت : { القمل } الجعلان ، وقرأ الحسن «القَمْل » بفتح القاف وسكون الميم فهي على هذا بينة القمل المعروف ، وروي أن موسى مشى بعصاه إلى كثيب أهيل فضربه فانتشر كله قملاً في مصر ، ثم إنهم قالوا ادع في كشف هذا فدعا ورجعوا إلى طغيانهم وكفرهم ، وبعث الله عليهم الضفادع فكانت تدخل في فرشهم وبين ثيابهم وإذا هم الرجل أن يتكلم وثب الضفدع في فمه ، قال ابن جبير : كان الرجل يجلس إلى دقنه في الضفادع ، وقال ابن عباس : كانت الضفادع برية فلما أرسلت على آل فرعون سمعت وأطاعت فجعلت تقذف أنفسها في القدور وهي تغلي فأثابها الله بحسن طاعتها برد الماء .

فقالوا : ادع في كشف هذا فدعا فكشف فرجعوا إلى كفرهم وعتوهم فبعث الله عليهم الدم فرجع ماؤهم الذي يستقونه ويحصل عندهم دماً ، فروي أن الرجل منهم كان يستقي من البئر فإذا ارتفع إليه الدلو عاد دماً ، وروي أنه كان يستقي القبطي والإسرائيلي بإناء واحد فإذا خرج الماء كان الذي يلي القبطي دماً والذي يلي الإسرائيلي ماء إلى نحو هذا وشبهه من العذاب بالدم المنقلب عن الماء ، هذا قول جماعة المتأولين ، وقال زيد بن أسلم : إنما سلط الله عليهم الرعاف فهذا معنى قوله والدم .

وقوله تعالى : { آيات مفصلات } التفصيل أصله في الأجرام إزالة الاتصال ، فهو تفريق شيئين ، فإذا استعمل في المعاني فيراد أنه فرق بينها وأزيل اشتراكها وإشكالها ، فيجيء من ذلك بيانها وقالت فرقة من المفسرين : { مفصلات } يراد به مفرقات بالزمن ، والمعنى أنه كان العذاب يرتفع ثم يبقون مدة شهر ، وقيل ثمانية أيام ثم يرد الآخر ، فالمراد أن هذه الأنواع من العذاب لم تجىء جملة ولا متصلة ، ثم وصفهم الله عز وجل بالاستكبار عن الآيات والإيمان ، وأنهم كان لهم اجترام على الله تعالى وعلى عباده .