تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلۡ مَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أَمَّن يَمۡلِكُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَمَن يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَيُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَۚ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُۚ فَقُلۡ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (31)

{ 31 - 33 ْ } { قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا * فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ * كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ْ }

أي : { قل ْ } لهؤلاء الذين أشركوا بالله ، ما لم ينزل به سلطانًا - محتجًا عليهم بما أقروا به من توحيد الربوبية ، على ما أنكروه من توحيد الألوهية- { مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ْ } بإنزال الأرزاق من السماء ، وإخراج أنواعها من الأرض ، وتيسير أسبابها فيها ؟

{ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ ْ } أي : من هو الذي خلقهما وهو مالكهما ؟ ، وخصهما بالذكر من باب التنبيه على المفضول بالفاضل ، ولكمال شرفهما ونفعهما .

{ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ْ } كإخراج أنواع الأشجار والنبات من الحبوب والنوى ، وإخراج المؤمن من الكافر ، والطائر من البيضة ، ونحو ذلك ، { وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ْ } عكس هذه المذكورات ، { وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ْ } في العالم العلوي والسفلي ، وهذا شامل لجميع أنواع التدابير الإلهية ، فإنك إذا سألتهم عن ذلك { فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ ْ } لأنهم يعترفون بجميع ذلك ، وأن الله لا شريك له في شيء من المذكورات .

{ فَقُلْ ْ } لهم إلزامًا بالحجة { أَفَلَا تَتَّقُونَ ْ } الله فتخلصون له العبادة وحده لا شريك له ، وتخلعون ما تعبدون من دونه من الأنداد والأوثان .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قُلۡ مَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أَمَّن يَمۡلِكُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَمَن يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَيُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَۚ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُۚ فَقُلۡ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (31)

القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنَ السّمَآءِ وَالأرْضِ أَمّن يَمْلِكُ السّمْعَ والأبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيّتَ مِنَ الْحَيّ وَمَن يُدَبّرُ الأمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتّقُونَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قُلْ يا محمد لهؤلاء المشركين بالله الأوثان والأصنام مَنْ يَرْزُقَكُمْ مِنَ السّماءِ الغيث والقطر ويطلع لكم شمسها ويغطش ليلها ويخرج ضحاها . وَ من الأرْضِ أقواتكم وغذاءكم الذي ينبته لكم وثمار أشجارها . أمْ مَنْ يَمْلِكُ السّمْعَ والأبْصَارَ يقول : أم من ذا الذي يملك أسماعكم وأبصاركم التي تسمعون بها أن يزيد في قواها أو يسلبكموها فيجعلكم صُمّا ، وأبصاركم التي تبصرون بها أن يضيئها لكم وينيرها ، أو يذهب بنورها فيجعلكم عميا لا تبصرون . وَمَنْ يُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ يقول : ومن يخرج الشيء الحيّ من الميت ، ويُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ يقول : ويخرج الشيء الميت من الحيّ .

وقد ذكرنا اختلاف المختلفين من أهل التأويل والصواب من القول عندنا في ذلك بالأدلة الدالة على صحته في سورة آل عمران بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

وَمَنْ يُدَبّرِ الأمْرَ وقل لهم : من يدبر أمر السماء والأرض وما فيهنّ وأمركم وأمر الخلق . فَسَيَقُولُونَ اللّهُ يقول جلّ ثناؤه : فسوف يجيبونك بأن يقولوا الذي يفعل ذلك كله الله . فَقُلْ أفَلا تَتّقُونَ يقول : أفلا تخافون عقاب الله على شرككم وادّعائكم ربّا غير من هذه الصفة صفته ، وعبادتكم معه من لا يرزقكم شيئا ولا يملك لكم ضرّا ولا نفعا .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُلۡ مَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أَمَّن يَمۡلِكُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَمَن يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَيُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَۚ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُۚ فَقُلۡ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (31)

انتقال من غرض إلى غرض في أفانين إبطال الشرك وإثبات توحد الله تعالى بالإلهية . وهذه الجملة تتنزل منزلة الاستدلال لقوله : { مولاهم الحق } [ يونس : 30 ] لأنها برهان على أنه المستحق للولاية .

فاحتج على ذلك بمواهب الرزق الذي به قوام الحياة ، وبموهبة الحواس ، وبنظام التناسل والتوالد الذي به بقاء الأنواع ، وبتدبير نظام العالم وتقدير المقدرات ، فهذه كلها مواهب من الله وهم كانوا يعلمون أن جميع ما ذكر لا يفعله إلا الله إذ لم يكونوا ينسبون إلى أصنامهم هذه الأمور ، فلا جرم أن كان المختص بها هو مستحق الولاية والإلهية .

والاستفهام تقريري . وجاء الاستدلال بطريقة الاستفهام والجوابِ لأن ذلك في صورة الحوار ، فيكون الدليل الحاصل به أوقع في نفوس السامعين ، ولذلك كان من طرق التعليم مما يراد رسوخه من القواعد العلمية أن يؤتى به في صورة السؤال والجواب .

وقوله : { من السماء والأرض } تذكير بأحوال الرزق ؛ ليكون أقوى حضوراً في الذهن ، فالرزق من السماء المطر ، والرزق من الأرض النبات كله من حب وثمر وكلأ .

و ( أم ) في قوله : { أم من يملك السمع } للإضراب الانتقالي من استفهام إلى آخر .

ومعنى : { يملك السمع والأبصار } يملك التصرف فيهما ، وهو مِلك إيجاد تينك الحاستين وذلك استدلال وتذكير بأنفع صنع وأدقه .

وأفرد { السمع } لأنه مصدر فهو دال على الجنس الموجود في جميع حواس الناس .

وأما { الأبصار } فجيء به جمعاً لأنه اسم ، فهو ليس نصاً في إفادة العموم لاحتمال توهم بصر مخصوص فكان الجمع أدل على قصد العموم وأنفى لاحتمال العهد ونحوه بخلاف قوله : { إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً } [ الإسراء : 36 ] لأن المراد الواحد لكل مخاطب بقوله : { ولا تقفُ ما ليس لك به علم } [ الإسراء : 36 ] . وقد تقدم عند قوله تعالى : { قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم } في سورة [ الأنعام : 46 ] .

وإخراجُ الحي من الميت : هو تولد أطفال الحيوان من النطف ومن البَيْض ؛ فالنطفة أو البيضة تكون لا حياة فيها ثم تتطور إلى الشكل القابل للحياة ثم تكون فيها الحياة . و ( مِن ) في قوله : مِن الميت } للابتداء . وإخراج الميت من الحي إخراج النطفةِ والبيضِ من الحيوان .

والتعريف في { الحي } و { الميت } في المرتين تعريف الجنس .

وقد نظم هذا الاستدلال على ذلك الصنع العجيب بأسلوب الأحاجي والألغاز وجعل بمحسن التضاد ، كل ذلك لزيادة التعجيب منه . وقد تقدم الكلام على نظيره في قوله : { وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي } في سورة [ آل عمران : 27 ] . غير أن ما هنا ليس فيه رمز إلى شيء .

وقوله : { ومن يدبر الأمر } تقدم القول في نظيره في أوائل هذه السورة . وهو هنا تعميم بعد تخصيص ذكر ما فيه مزيد عبرة في أنفسهم كالعِبرة في قوله : { وفي أنفسكم أفلا تبصرون وفي السماء رزقكم وما توعدون } [ الذاريات : 21 ، 22 ] .

والفاء في قوله : { فسيقولون الله } فاء السببية التي من شأنها أن تقترن بجواب الشرط إذا كان غير صالح لمباشرة أداة الشرط ، وذلك أنه قصد تسبب قولهم : { اللّهُ } على السؤال المأمور به النبيءُ عليه الصلاة والسلام ، فنزل فعل { قل } منزلة الشرط فكأنه قيل : إن تَقل من يرزقكم من السماء والأرض فسيقولون الله ، ومنه قوله تعالى : { قل كونوا حجارة أو حديداً أو خلقاً مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا } [ الإسراء : 51 ، 52 ] . وهذا الاستعمال نظير تنزيل الأمر من القول منزلة الشرط في جزم الفعل المقول بتنزيله منزلة جواب الشرط كقوله تعالى : { قل لعباديَ الذين آمنوا يقيمُوا الصلاة } [ إبراهيم : 31 ] وقوله : { وقل لعبادِي يقولوا التي هي أحسن } [ الإسراء : 53 ] . التقدير : إن تقل لهم أقيموا الصلاة يقيموا وإن تقل لهم قولوا التي هي أحسن يقولوا . وهو كثير في القرآن على رأي المحققين من النحاة وعادة المعربين أن يُخَرّجوه على حذف شرط مقدر دل عليه الكلام . والرأيان متقاربان إلا أن ما سلكه المحققون تقدير معنى والتقدير عندهم اعتبار لا استعمال ، وما سلكه المعربون تقدير إعراب والمقدر عندهم كالمذكور .

ولو لم ينزل الأمر بمنزلة الشرط لما جَاءت الفاء كما في قوله تعالى : { قل لِمَن الأرضُ ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله } [ المؤمنون : 84 ، 85 ] الآيات .

والفاء في قوله : { فقل } فاء الفصيحة ، أي إن قالوا ذلك فقل أفلا تتقون . والفاء في قوله : { أفلا تتقون } فاء التفريع ، أي يتفرع على اعترافكم بأنه الفاعل الواحد إنكار عدم التقوى عليكم . ومفعول { تتقون } محذوف ، تقديره تتقونه ، أي بتنزيهه عن الشريك .

وإنما أخبر الله عنهم بأنهم سيعترفون بأن الرازق والخالق والمدبر هو الله لأنهم لم يكونوا يعتقدون غير ذلك كما تكرر الإخبار بذلك عنهم في آيات كثيرة من القرآن . وفيه تحدّ لهم فإنهم لو استطاعوا لأنكروا أن يكون ما نسب إليهم صحيحاً ، ولكن خوفهم عار الكذب صرفهم عن ذلك فلذلك قامتْ عليهم الحجة بقوله : { فقل أفلا تتقون } .