فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُلۡ مَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أَمَّن يَمۡلِكُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَمَن يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَيُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَۚ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُۚ فَقُلۡ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (31)

ثم لما بين الله سبحانه فضائح المشركين اتبعها بإيراد الحجج الدامغة من أحوال الرزق والحواس والموت والحياة والابتداء والإعادة والإرشاد والهدى ، وبنى سبحانه الحجج على الاستفهام وتفويض الجواب إلى المسؤولين ليكون أبلغ في إلزام الحجة وأوقع في النفوس فقال :

{ قل } يا محمد للمشركين احتجاجا لحقيقة التوحيد وبطلان ما هم عليه من الشرك وهذه أسئلة ثمانية جواب الخمسة الأولى منها منهم وجواب الاثنين بعدها منه صلى الله عليه وسلم بتعليم الله إياه لعدم قدرتهم عليه وجواب الأخير لم يذكر لشهرته والعلم به .

{ من يرزقكم من السماء } بالمطر { والأرض } بالنبات والمعادن فإن الأرزاق تحصل بأسباب سماوية ومواد أرضية أو من كل واحدة منهما توسعة عليكم ومن لابتداء الغاية فإن اعترفوا حصل المطلوب وإن لم يعترفوا بأن الله هو الذي خلقهما فقل .

{ أم من يملك السمع والأبصار } أم هي المنقطعة بمعنى بل وفي هذا إضراب انتقال ، انتقال من سؤال إلى سؤال على القاعدة المقررة في القرآن لا إضراب إبطال أي من يستطيع خلقهما وتسويتهما أو من يحفظهما من الآفات مع كثرتها وسرعة انفعالها من أدنى شيء وحقيقة الملك معروفة ويلزمها الاستطاعة لأن المالك لشيء يستطيع التصرف فيه والحفظ له والحماية ، لذلك تجوز به عن كل منهما وخصهما بالذكر لما فيهما من الصنعة العجيبة والخلقة الغريبة حتى ينتفعوا بهما هذا الانتفاع العظيم ويحصلون بهما من الفوائد ما لا يدخل تحت حصر الحاصرين ثم انتقل إلى حجة ثالثة فقال : { ومن يخرج الحي من الميت } أي الإنسان من النطفة والطير من البيضة والنبات من الحبة أو المؤمن من الكافر والأول أقرب إلى الحقيقة { ويخرج الميت من الحي } أي النطفة من الإنسان أو الكافر من المؤمن أو البيضة من الطائر الحي ، والمراد بهذا الاستفهام عمن يحيي ويميت وهذه حجة رابعة ثم انتقل إلى حجة خامسة فقال :

{ ومن يدبر الأمر } بين الخلائق أي يقدره ويقضيه ، وهذا من عطف العام على الخاص لأنه قد عم ما تقدم وغيره { فسيقولون الله } أي سيكون قولهم في جواب هذه الإستفهامات الخمس أن الفاعل لهذه الأمور هو الله سبحانه أن انصفوا وعملوا على ما يوجبه الفكر الصحيح والعقل السليم والمعنى الله يفعل ذلك .

{ فقل } أمره أن يقول لهم ذلك وعظا وتذكيرا بعد أن يجيبوا بهذا الجواب { أفلا تتقون } الاستفهام للإنكار والفاء للعطف على مقدر أي تعلمون ذلك أفلا تتقون وتفعلون ما يوجبه هذا العلم من تقوى الله الذي يفعل هذه الأفعال وتعبدون هذه الأموات والأصنام التي لا تقدر على شيء من هذه الأمور بل ولا تعلم به ، وفي البيضاوي أفلا تتقون عقابه بإشراككم إياه ما لا يشاركه في شيء من ذلك .