السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قُلۡ مَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أَمَّن يَمۡلِكُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَمَن يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَيُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَۚ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُۚ فَقُلۡ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (31)

ولما بيّن فضائح عبدة الأوثان أتبعها بذكر الدلائل على فساد هذا المذهب بحجج :

الحجة الأولى : قوله تعالى : { قل } أي : قل يا محمد لهؤلاء المشركين { من يرزقكم من السماء } بالمطر { والأرض } بالنبات فانحصر الرزق في ذلك ، أما من السماء فبتنزل الأمطار ، وأما من الأرض فلأن الغذاء إما أن يكون نباتاً أو حيواناً ، أما النبات فلا ينبت إلا من الأرض ، وأما الحيوان فهو يحتاج أيضاً إلى الغذاء ، ولا يمكن أن يكون غذاء كل حيوان حيواناً آخر ، وإلا لزم الذهاب إلى ما لا نهاية له ، وذلك محال فثبت أنّ أغذية الحيوانات يجب انتهاؤها إلى النبات ، وثبت أن تولد النبات من الأرض ، فثبت القطع بأنّ الأرزاق لا تحصل إلا من السماء والأرض { أمّن يملك السمع } أي : الأسماع { والأبصار } أي : من يستطيع خلقهما وتسويتهما على الحدّ الذي سوّياً عليه من الفطرة العجيبة . عن علي رضي الله تعالى عنه كان يقول : سبحان من بصر بشحم وأسمع بعظم وأنطق بلحم ، أو جمعهما وحفظهما من الآفات مع كثرتها في المدد الطوال وهما لطيفان يؤذيهما أدنى شيء بكلائه وحفظه { ومن يخرج الحيّ من الميت } كأن يخرج الإنسان من النطفة والطائر من البيضة { ويخرج الميت من الحيّ } كأن يخرج النطفة من الإنسان والبيضة من الطائر . وقيل : المراد أن يخرج المؤمن من الكافر ، والكافر من المؤمن . وقرأ نافع وحفص وحمزة والكسائي ميت في الموضعين بعد الميم بكسر الياء المشدّدة ، والباقون بعد الميم بسكون الياء . { ومن يدبر الأمر } أي : ومن يلي تدبير أمر الخلائق ، وهو تعميم بعد تخصيص ، وذلك لأنَّ أقسام تدبير الله تعالى في العالم السفلي وفي العالم العلوي وفي عالم الأرواح والأجساد أمور لا نهاية لها . وذكر كلها كالمتعذر ، فلما ذكر بعض تلك الأفاصيل عقبها بالكلام الكلي ليدل على الباقي ثم بيّن تعالى أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم إذا سألهم عن مدبر هذه الأحوال { فسيقولون الله } إذ لا يقدرون على المكابرة والعناد في ذلك لفرط وضوحه ، وإذا كانوا يقرّون بذلك { فقل } لهم يا محمد { أفلا تتقون } الشرك مع اعترافكم بأنّ كل الخيرات في الدنيا والآخرة إنما تحصل بفضل الله تعالى وإحسانه .