التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{قُلۡ مَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أَمَّن يَمۡلِكُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ وَمَن يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَيُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَۚ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُۚ فَقُلۡ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (31)

قوله تعالى : { قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون 31 فذالكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون 32 كذالك حقت كلمت ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون } .

في هذه الآيات يرد الله على المشركين ليقرر الحجة عليهم : سواء منهم المعترف بوحدانية الله وربوبيته ثم سادر في اتخاذ الأنداد مع الله وعبادة غير الله من مختلف الآيلة ، أو غير المعترف بوحدانيته سبحانه ولا بربوبيته ؛ فقد سيقت من أجلهم البينات والدلائل التي يحتج الله بها عليهم ، وفيها ما يكفي من أدلة البداهة والحس والمنطق على أن الله حق ، وأنه موجود الوجود . ولذلك قال : { قل من يرزقكم من السماء والأرض } وذلك برهان ظاهر على وجود الله وعلى قدرته المطلقة . وذلك يستبين من عملية الزرع برمتها بدءا وبنزول المطر من السماء ليختلط بثرى الأرض فينبث به الزرع والشجر ؛ إذ ينمو رويدا رويدا حتى الإزهار والإثمار ليأكل منه الناس ويستمتعوا بع استمتاعا .

فما كان لمثل هذا الحدث الكوني المدهش أن يقع على هذا النحو المتكامل العجيب لولا الله الذي برأ عملية الإنبات كلها وقدرها تقديرا .

قوله : { أمن يملك السمع والأبصار } وهاتان حاستان عظيمتان ومقدورتان للإنسان جيء بهما على هذه الكيفية الدقيقة المقدورة ، وعلى هذه الصورة التي تليق بالإنسان فتكسبه جمالا وحسنا في الهيئة والمنظر سواء في ذلك السمع وأداته الأذان ، وكذلك البصر وأداته العين الباصرة ، فأنى لهاتين الأداتين وما تفضيان إليه من طاقة السمع والبصر أن تكونا على هذه الصورة البديعة العجيبة لولا الخالق المقتدر الحكيم ؟

قوله : { ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي } وكيفية ذلك موضع تفصيل واختلاف بيناهما سابقا . وجملة ذلك : أن المراد هو إخراج النبات الحي من الأرض الميتة . وقيل : إخراج المؤمن من الكافر ، والكافر من المؤمن ؛ فالإيمان حياة تنبض بالخير والبركة والعطاء . وفي مقابله الكفر فإنه موات لا يفضي إلا للشر والفساد والرذيلة .

وقيل : إخراج العالم من الجاهل ، والجاهل من العالم . ووجه ذلك : أن العلم حياة ؛ فهو يفضي إلى الهدى والرضى والاستقامة . أما الجهل فيفضي إلى العماية والتعثر والزلل . إن الذي أوجد هذا وهذا لهو الله سبحانه . وهل من إله غير الله يقدر أن يخلق من البعاد أناسي ينطقون ويسمعون ويبصرون ويسعون في الأرض ، فضلا عن كونهم صنفين كل واحد منهما جيء به من الصنف الآخر ؟ !

قوله : { ومن يدبر الأمر } أي من يلي تدبير أمر السماء والأرض وما فيهن ، ويدبر أمر العالم من إنس وجن وغيرهما من الخلائق ؟ قوله : { فسيقولون الله } أي سيكون جوابهم أن الذي يفعل كل ذلك هو الله ؛ لأنهم يعلمون أن الله هو الحق ، وهم يعترفون بهذه الحقيقة لكنهم معاندون مكابدون .

قوله : { فقل أفلا تتقون } ما دمتم تقرون وتعترفون أن الله حق ، وأنه خالق كل شيء ثم أنتم تعبدون من دونه آلهة أخرى ، أفلا تخشون عقاب الله وتحذرون على أنفشكم بطشه وانتقامه ؟ .