ثم قال : { وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ } أي : نصر وغنيمة { لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا } أي : يتمنى أنه حاضر لينال من المغانم ، ليس له رغبة ولا قصد في غير ذلك ، كأنه ليس منكم يا معشر المؤمنين ولا بينكم وبينه المودة الإيمانية التي{[214]} من مقتضاها أن المؤمنين مشتركون في جميع مصالحهم ودفع مضارهم ، يفرحون بحصولها ولو على يد غيرهم من إخوانهم المؤمنين{[215]} ويألمون بفقدها ، ويسعون جميعا في كل أمر يصلحون به دينهم ودنياهم ، فهذا الذي يتمنى الدنيا فقط ، ليست معه الروح الإيمانية المذكورة .
{ وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله لَيَقُولَنّ كَأَن لّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدّةٌ يَلَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً } . .
يقول جلّ ثناؤه : { وَلَئِنْ أصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللّهِ } : ولئن أظفركم الله بعدوّكم ، فأصبتم منهم غنيمة¹ { لَيَقُولَنّ } هذا المبطىء المسلمين عن الجهاد معكم في سبيل الله المنافق { كأنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَودّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأفُوزَ } بما أصيب معهم من الغنيمة { فَوْزا عَظِيما } . وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء المنافقين أن شهودهم الحرب مع المسلمين إن شهدوها لطلب الغنيمة ، وإن تخلفوا عنها فللشكّ الذي في قوبلهم ، وأنهم لا يرجون لحضورها ثوابا ولا يخافون بالتخلف عنها من الله عقابا . وكان قتادة وابن جريج يقولان : إنما قال من قال من المنافقين إذا كان الظفر للمسلمين : يا ليتني كنت معهم ، حسدا منهم لهم .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَلَئِنْ أصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللّهِ لَيَقُولَنّ كأنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فأفُوزَ فَوْزا عَظِيما } قال : قول حاسد .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { وَلَئِنْ أصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللّهِ } قال : ظهور المسلمين على عدوّهم ، فأصابوا الغنيمة { لَيَقُولَنّ } { يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأفُوزَ فَوْزا عَظِيما } قال : قول الحاسد .
{ ولئن أصابكم فضل من الله } كفتح وغنيمة . { ليقولن } أكده تنبيها على فرط تحسره ، وقرئ بضم اللام إعادة للضمير إلى معنى { من } . { كأن لم تكن بينكم وبينه مودة } اعتراض بين الفعل ومفعوله وهو . { يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما } للتنبيه على ضعف عقيدتهم ، وأن قولهم هذا قول من لا مواصلة بينكم وبينه ، وإنما يريد أن يكون معكم لمجرد المال ، أو حال من الضمير في ليقولن أو داخل في المقول أي يقول المبطئ لمن يبطئه من المنافقين ، وضعفه المسلمين تضريبا وحسدا ، كأن لم يكن بينكم وبين محمد صلى الله عليه وسلم مودة حيث لم يستعن بكم فتفوزوا بما فازيا ليتني كنت معهم . وقيل : إنه متصل بالجملة الأولى وهو ضعيف ، إذ لا يفصل أبعاض الجملة بما لا يتعلق بها لفظا ومعنى وكأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وهو محذوف . وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم ورويس عن يعقوب { تكن } بالتاء لتأنيث لفظ المودة ، والمنادى في يا ليتني محذوف أي : يا قوم وقيل يا أطلق للتنبيه على الاتساع فأفوز نصب على جواب التمني وقرئ بالرفع على قدير فأنا أفوز في ذلك الوقت ، أو العطف على كنت .
أكّد قوله : { ولئن أصابكم فضل من الله ليَقولنّ } ، باللام الموطّئة للقسم وبلام جواب القسم وبنون التوكيد ، تنبيهاً على غريب حالته حتّى ينزَّل سامعها منزلة المنكر لوقوع ذلك منه .
والمراد من الفضل الفتح والغنيمة . وهذا المبطّىء يتمنّى أن لو كان مع الجيش ليفوز فوزاً عظيماً ، وهو الفوز بالغنيمة والفوْز بأجر الجهاد ، حيث وقعت السلامة والفوز برضا الرسول ، ولذلك أتبع { أفوز } بالمصدر والوصف بعظيم . ووجه غريب حاله أنّه أصبح متلهّفاً على ما فاته بنفسه ، وأنّه يودّ أن تجري المقادير على وفق مراده ، فإذا قعَد عن الخروج لا يصيبُ المسلمين فضل من الله .
وجملة { كَأنْ لم يكن بينكم وبينه مودة } معترضة بين فعل القول ومَقُولِه . والمودّة الصحبة والمحبّة ؛ وإمّا أن يكون إطلاق المودّة على سبيل الاستعارة الصورية إن كان المراد به المنافق ، وإمّا أن تكون حقيقة إن أريد ضعفة المؤمنين .
وشبّه حالهم في حين هذا القول بحال من لم تسبق بينه وبين المخاطبين مودّة حقيقية أو صوريّة ، فاقتضى التشبيه أنّه كان بينه وبينهم مودّة من قبل هذا القول .
ووجه هذا التشبيه أنّه لمّا تمنّى أن لو كان معهم وتحسّر على فوات فوزه لو حضر معهم ، كان حاله في تفريطه رفقتهم يشبه حال من لم يكن له اتّصال بهم بحيث لا يشهد ما أزمَعوا عليه من الخروج للجهاد ، فهذا التشبيه مسوق مساق زيادة تنديمه وتحسيره ، أي أنّه الذي أضاع على نفسه سببَ الانتفاع بما حصل لرفقته من الخير ، أي أنّه قد كان له من الخلطة مع الغانمين ما شأنه أن يكون سبباً في خروجه معهم ، وانتفاعه بثواب النصر وفخره ونعمة الغنيمة .
وقرأ الجمهور { لم يكن } بياء الغيبة وهو طريقة في إسناد الفعل لما لفظه مؤنّث غير حقيقيّ التأنيث ، مثل لفظ { مودَّة } هنا ، ولا سيما إذا كان فصْل بين الفعل وفاعله . وقرأ ابن كثير ، وحفص ، ورويس عن يعقوب بالتاء الفوقية علامة المضارع المسند إلى المؤنّث اعتباراً بتأنيث لفظ مودّة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.