تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞أَفَتَطۡمَعُونَ أَن يُؤۡمِنُواْ لَكُمۡ وَقَدۡ كَانَ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَسۡمَعُونَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُۥ مِنۢ بَعۡدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (75)

{ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ * وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ }

هذا قطع لأطماع المؤمنين من إيمان أهل الكتاب ، أي : فلا تطمعوا في إيمانهم وحالتهم{[91]}  لا تقتضي الطمع فيهم ، فإنهم كانوا يحرفون كلام الله من بعد ما عقلوه وعلموه ، فيضعون له معاني ما أرادها الله ، ليوهموا الناس أنها من عند الله ، وما هي من عند الله ، فإذا كانت هذه حالهم في كتابهم الذي يرونه شرفهم ودينهم يصدون به الناس عن سبيل الله ، فكيف يرجى منهم إيمان لكم ؟ ! فهذا من أبعد الأشياء .


[91]:- في ب: وأخلاقهم.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞أَفَتَطۡمَعُونَ أَن يُؤۡمِنُواْ لَكُمۡ وَقَدۡ كَانَ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَسۡمَعُونَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُۥ مِنۢ بَعۡدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (75)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمّ يُحَرّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }

يعني بقوله جل ثناؤه : { أفَتَطْمَعُونَ } يا أصحاب محمد ، أي : أفترجون يا معشر المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم والمصدّقين ما جاءكم به من عند الله أن يؤمن لكم يهود بني إسرائيل ؟ .

ويعني بقوله : { أنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ } أن يصدقوكم بما جاءكم به نبيكم صلى الله عليه وسلم محمد من عند ربكم . كما :

حدثت عن عمار بن الحسن ، عن ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : { أفَتَطْمَعُونَ أنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ } يعني : أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يؤمنوا لكم ، يقول : أفتطمعون أن يؤمن لكم اليهود ؟ .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { أفَتَطْمَعُونَ أنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ } الآية ، قال : هم اليهود .

القول في تأويل قوله تعالى : " وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ . " .

قال أبو جعفر : أما الفريق فجمع كالطائفة لا واحد له من لفظه ، وهو فعيل من التفرّق سمي به الجماع كما سميت الجماعة بالحزب من التحزّب وما أشبه ذلك ، ومنه قول أعشى بني ثعلبة :

أَجَدّوا فلَمّا خِفْتُ أنْ يَتَفَرّقُوا *** فَرِيقَيْنِ مِنْهُمْ مُصْعِدٌ وَمُصَوّبُ

يعني بقوله : { مِنْهُمْ } من بني إسرائيل . وإنما جعل الله الذين كانوا على عهد موسى ومن بعدهم من بني إسرائيل من اليهود الذين قال الله لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : { أفتطمعون أن يؤمنوا لكم } لأنهم كانوا آباءهم وأسلافهم ، فجعلهم منهم إذ كانوا عشائرهم وفرطهم وأسلافهم ، كما يذكر الرجل اليوم الرجل وقد مضى على منهاج الذاكر وطريقته وكان من قومه وعشيرته ، فيقول : كان منا فلان يعني أنه كان من أهل طريقته أو مذهبه أو من قومه وعشيرته فكذلك قوله : { وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ } .

القول في تأويل قوله تعالى : { يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمّ يُحَرّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } .

اختلف أهل التأويل في الذي َعنَى الله بقوله : { وَقَدْ كان فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمّ يُحَرّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } . فقال بعضهم بما :

حدثني به محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله :

{ أفَتَطْمَعُونَ أنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللّهِ ثُمّ يُحَرّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } ، فالذين يحرّفونه والذين يكتمونه : هم العلماء منهم .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن أبي نجيح ، عن مجاهد بنحوه .

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { أَفَتَطْمَعُونَ أنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللّهِ ثُمّ يُحَرّفونَهُ منْ بَعْدِ ما عَقَلُوه } قال : هي التوراة حرّفوها .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { يَسْمَعُونَ كَلامَ اللّهِ ثُمّ يُحَرّفُونَهُ } قال : التوراة التي أنزلها عليهم يحرّفونها ، يجعلون الحلال فيها حراما والحرام فيها حلالاً ، والحقّ فيها باطلاً والباطل فيها حقا ، إذا جاءهم المحقّ برشوة أخرجوا له كتاب الله ، وإذا جاءهم المبطل برشوة أخرجوا له ذلك الكتاب فهو فيه محقّ ، وإن جاء أحد يسألهم شيئا ليس فيه حقّ ولا رشوة ولا شيء أمروه بالحقّ ، فقال لهم : { أتأمُرُونَ النّاسَ بالبرّ وتَنْسَوْنَ أنْفُسَكُمْ وأنْتُمْ تَتْلُونَ الكِتابَ أفَلا تَعْقِلُونَ } . وقال آخرون في ذلك بما :

حدثت عن عمار بن الحسن ، قال : أخبرنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : { وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمّ يُحَرّفُونَه مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } ، فكانوا يسمعون من ذلك كما يسمع أهل النبوّة ، ثم يحرّفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق في قوله : { وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ } الآية ، قال : ليس قوله :

{ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ } يسمعون التوراة ، كلهم قد سمعها ولكنهم الذين سألوا موسى رؤية ربهم ، فأخذتهم الصاعقة فيها .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، قال : بلغني عن بعض أهل العلم أنهم قالوا لموسى : يا موسى قد حِيلَ بيننا وبين رؤية الله عز وجل ، فأسمعنا كلامه حين يكلمك ؟ . فطلب ذلك موسى إلى ربه ، فقال : نعم ، فمرهم فليتطهروا وليطهروا ثيابهم ويصوموا ففعلوا ، ثم خرج بهم حتى أتى الطور ، فلما غشيهم الغمام أمرهم موسى عليه السلام ، فوقعوا سجودا ، وكلمه ربه فسمعوا كلامه يأمرهم وينهاهم ، حتى عقلوا ما سمعوا ، ثم انصرف بهم إلى بني إسرائيل ، فلما جاءوهم حرف فريق منهم ما أمرهم به ، وقالوا حين قال موسى لبني إسرائيل : إن الله قد أمركم بكذا وكذا ، قال ذلك الفريق الذي ذكرهم الله : إنما قال كذا وكذا خلافا لما قال الله عز وجل لهم . فهم الذين عنى الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم .

وأولى التأويلين اللذين ذكرت بالآية وأشبههما بما دل عليه ظاهر التلاوة ، ما قاله الربيع بن أنس والذي حكاه ابن إسحاق عن بعض أهل العلم ، من أن الله تعالى ذكره إنما عنى بذلك من سمع كلامه من بني إسرائيل سماع موسى إياه منه ، ثم حرّف ذلك وبدّل من بعد سماعه وعلمه به وفهمه إياه . وذلك أن الله جل ثناؤه إنما أخبر أن التحريف كان من فريق منهم ، كانوا يسمعون كلام الله عزّ وجلّ استعظاما من الله لما كانوا يأتون من البهتان بعد توكيد الحجة عليهم والبرهان ، وإيذانا منه تعالى ذكره عباده المؤمنين وقطع أطماعهم من إيمان بقايا نسلهم بما أتاهم به محمد من الحقّ والنور والهدى ، فقال لهم : كيف تطمعون في تصديق هؤلاء اليهود إياكم وإنما تخبرونهم بالذي تخبرونهم من الإنباء عن الله عزّ وجلّ عن غيب لم يشاهدوه ولم يعاينوه ؟ وقد كان بعضهم يسمع من الله كلامه وأمره ونهيه ، ثم يبدّله ويحرّفه ويجحده ، فهؤلاء الذين بين أظهركم من بقايا نسلهم أحرى أن يجحدوا ما أتيتموهم به من الحقّ وهم لا يسمعونه من الله ، وإنما يسمعونه منكم وأقرب إلى أن يحرّفوا ما في كتبهم من صفة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ونعته ويبدّلوه وهم به عالمون ، فيجحدوه ويكذّبوا من أوائلهم الذين باشروا كلام الله من الله جل ثناؤه ثم حرّفوه من بعد ما عقلوه وعلموه متعمدين التحريف .

ولو كان تأويل الآية على ما قاله الذين زعموا أنه عنى بقوله : { يَسْمَعُونَ كَلامَ اللّهِ } يسمعون التوراة ، لم يكن لذكر قوله : " يَسْمَعُونَ كَلامَ اللّهِ " معنى مفهوم ، لأن ذلك قد سمعه المحرّف منهم وغير المحرّف . فخصوص المحرّف منهم بأنه كان يسمع كلام الله إن كان التأويل على ما قاله الذين ذكرنا قولهم دون غيرهم ممن كان يسمع ذلك سماعهم لا معنى له .

فإن ظن ظانّ إنما صلح أن يقال ذلك لقوله : { يُحَرّفُونَهُ } فقد أغفل وجه الصواب في ذلك . وذلك أن ذلك لو كان كذلك لقيل : أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يحرّفون كلام الله من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ، ولكنه جل ثناؤه أخبر عن خاص من اليهود كانوا أعطوا من مباشرتهم سماع كلام الله تعالى ما لم يعطه أحد غير الأنبياء والرسل ، ثم بدلوا وحرّفوا ما سمعوا من ذلك ، فلذلك وصفهم بما وصفهم به للخصوص الذي كان خصّ به هؤلاء الفريق الذي ذكرهم في كتابه تعالى ذكره .

ويعني بقوله : { ثُمّ يُحَرّفُونَهُ } ثم يبدلون معناه ، وتأويله : ويغيرونه . وأصله من انحراف الشيء عن جهته ، وهو ميله عنها إلى غيرها . فكذلك قوله : { يُحَرّفُونَهُ } : أي يميلونه عن وجهه ، ومعناه الذي هو معناه إلى غيره . فأخبر الله جل ثناؤه أنهم فعلوا ما فعلوا من ذلك على علم منهم بتأويل ما حرّفوا ، وأنه بخلاف ما حرّفوه إليه ، فقال : { يُحَرّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ } يعني من بعد ما عقلوا تأويله " وَهُمْ يَعْلَمُونَ " أي يعلمون أنهم في تحريفهم ما حرّفوا من ذلك مبطلون كاذبون . وذلك إخبار من الله جل ثناؤه عن إقدامهم على البهت ، ومناصبتهم العداوة له ولرسوله موسى صلى الله عليه وسلم ، وأن بقاياهم من مناصبتهم العداوة لله ولرسوله محمد صلى الله عليه وسلم بغيا وحسدا على مثل الذي كان عليه أوائلهم من ذلك في عصر موسى عليه الصلاة والسلام .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞أَفَتَطۡمَعُونَ أَن يُؤۡمِنُواْ لَكُمۡ وَقَدۡ كَانَ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَسۡمَعُونَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُۥ مِنۢ بَعۡدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (75)

{ أفتطمعون } الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين { أن يؤمنوا لكم } أن يصدقوكم ، أو يؤمنوا لأجل دعوتكم . يعني اليهود . { وقد كان فريق منهم } طائفة من أسلافهم { يسمعون كلام الله } يعني التوراة . { ثم يحرفونه } كنعت محمد صلى الله عليه وسلم ، وآية الرجم . أو تأويله فيفسرونه بما يشتهون . وقيل هؤلاء من السبعين المختارين سمعوا كلام الله تعالى حين كلم موسى عليه السلام بالطور ، ثم قالوا سمعنا الله تعالى يقول في آخره : إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا وإن شئتم فلا تفعلوا . { من بعد ما عقلوه } أي فهموه بعقولهم ولم يبق لهم فيه ريبة . { وهم يعلمون } أنهم مفترون مبطلون ، ومعنى الآية : أن أحبار هؤلاء ومقدميهم كانوا على هذه الحالة ، فما ظنك بسفلتهم وجهالهم ، وأنهم إن كفروا وحرفوا فلهم سابقة في ذلك .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞أَفَتَطۡمَعُونَ أَن يُؤۡمِنُواْ لَكُمۡ وَقَدۡ كَانَ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَسۡمَعُونَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُۥ مِنۢ بَعۡدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (75)

ّ{ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } ( 75 )

وقوله تعالى : { أفتطمعون أن يؤمنوا لكم } الآية ، الخطاب للمؤمنين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك أن الأنصار كان لهم حرص على إسلام اليهود للحلف والجوار الذي كان بينهم ، ومعنى هذا الخطاب : التقرير( {[830]} ) على أمر فيه بعد ، إذ قد سلفت لأسلاف هؤلاء اليهود أفاعيل سوء ، وهؤلاء على ذلك السنن ، والفريق اسم جمع لا واحد له من لفظه كالحزب ، وقال مجاهد والسدي : عني بالفريق هنا الأحبار الذين حرفوا التوراة في صفة محمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل المراد كل من حرف في التوراة شيئاً حكماً أو غيره كفعلهم في آية الرجم ونحوها ، وقال ابن إسحاق والربيع : عُني السبعون الذين سمعوا مع موسى صلى الله عليه وسلم ثم بدلوا بعد ذلك .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وفي هذا القول ضعف ، ومن قال إن السبعين سمعوا ما سمع موسى فقد أخطأ وأذهب فضيلة موسى عليه السلام واختصاصه بالتكليم ، وقرأ الأعمش ، «كَلِمَ الله » ، وتحريف الشيء إحالته من حال إلى حال( {[831]} ) ، وذهب ابن عباس رضي الله عنه إلى أن تحريفهم وتبديلهم إنما هو بالتأويل ولفظ التوراة باقٍ ، وذهب جماعة من العلماء إلى أنهم بدلوا ألفاظاً من تلقائهم وأن ذلك ممكنٌ في التوراة لأنهم استحفظوها ، وغير ممكن في القرآن لأن الله تعالى ضمن حفظه .


[830]:- أي الحمل على الإقرار، والاعتراف بما فيه بعد وهو إيمان اليهود، والمراد أن الاستفهام فيه معنى الإقرار كأنه قيل: قد طمعتم في إيمان هؤلاء وحالهم بعيد عن الإيمان. وقد تجري الهمزة مجرى الإنكار في كثير من المواضع إذا لم يكن معها نفي، فإذا جاءت مع النفي استدعت الإقرار نحو: (أليس الله بكاف عبده)؟ فجوابه: بلى. وجواب (أفتطمعون): لا، على ما أشرنا إليه.
[831]:- التحريف: تغيير الكلام عن مواضعه ومعانيه وإمالته من حال إلى حال، فهو مأخوذ من الانحراف بمعنى الميلان، والتحريف يشمل المعاني وتحريف الألفاظ، إلا أنه لا ينبغي الإفراط في أنهم قد حرفوا الكل أو الجل، فهناك ما قد بدل، وهناك ما لم يبدل، ولكن التحريف والتبديل طبيعة فيهم، وكل ما يصدر عنهم موضع شك.