وذكر الموانع من وصول الإيمان لقلوبهم ، فقال : { إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا } وهي جمع " غل " و " الغل " ما يغل به العنق ، فهو للعنق بمنزلة القيد للرجل ، وهذه الأغلال التي في الأعناق{[750]} عظيمة قد وصلت إلى أذقانهم ورفعت رءوسهم إلى فوق ، { فَهُمْ مُقْمَحُونَ } أي : رافعو رءوسهم من شدة الغل الذي في أعناقهم ، فلا يستطيعون أن يخفضوها .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّا جَعَلْنَا فِيَ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِىَ إِلَى الأذْقَانِ فَهُم مّقْمَحُونَ * وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } .
يقول تعالى ذكره : إنا جعلنا أيمان هؤلاء الكفار مغلولة إلى أعناقِهم بالأغلال ، فلا تُبْسط بشيء من الخيرات وهي في قراءة عبد الله فيما ذُكر : «إنّا جَعَلْنا فِي أيمَانِهِمْ أغْلالاً فَهِيَ إلى الأَذْقانِ » . وقوله : إلى الأَذْقانِ يعني : فأَيمانهم مجموعة بالأغلال في أعناقهم ، فكُنّي عن الأيمان ، ولم يجر لها ذكر لمعرفة السامعين بمعنى الكلام ، وأن الأغلال إذا كانت في الأعناق لم تكن إلاّ وأيدي المغلولين مجموعة بها إليها فاستغنى بذكر كون الأغلال في الأعناق من ذكر الأيمان ، كما قال الشاعر :
وَما أَدْرِي إذَا يَمّمْتُ وَجْها *** أُرِيدُ الخَيْرَ أيّهُما يَلِينِي
أألْخَيْرُ الّذِي أنا أبْتَغِيهِ *** أمِ الشّرّ الّذِي لا يَأْتَلِينِي
فكنى عن الشرّ ، وإنما ذكر الخير وحده لعلم سامع ذلك بمعنيّ قائله ، إذ كان الشرّ مع الخير يُذكر . والأذقان : جمع ذَقَن ، والذّقَن : مجمع اللّحْيَين .
وقوله : فَهُمْ مُقْمَحُونَ والمُقْمَح : هو المقنع ، وهو أن يحدر الذقن حتى يصير في الصدر ، ثم يرفع رأسه في قول بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة . وفي قول بعض الكوفيين : هو الغاضّ بصره ، بعد رفع رأسه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : إنّا جَعَلْنا فِي أعْناقِهِمْ أغْلاَلاً فَهِيَ إلى الأَذْقان فَهُمْ مُقْمَحُونَ قال : هو كقول الله : وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ يعني بذلك أن أيديهم موثقة إلى أعناقهم ، لا يستطيعون أن يبسُطوها بخير .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : فَهُمْ مُقْمَحُونَ قال : رافعو رؤوسهم ، وأيديهم موضوعة على أفواههم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّا جَعَلْنا فِي أعْناقِهِمْ أغْلالاً فَهِيَ إلى الأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ : أي فهم مغلولون عن كلّ خير .
{ إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا } تقرير لتصميمهم على الكفر والطبع على قلوبهم بحيث لا تغني عنهم الآيات والنذر ، بتمثيلهم بالذين غلت أعناقهم . { فهي إلى الأذقان } فالأغلال واصلة إلى أذقانهم فلا تخليهم يطأطئون رؤوسهم له . { فهم مقمحون } رافعون رؤوسهم غاضون أبصارهم في أنهم لا يلتفتون لفت الحق ولا يعطفون أعناقهم نحوه ولا يطأطئون رؤوسهم له .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.