{ فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ } يحتمل أنه قضى الأجل الواجب ، أو الزائد عليه ، كما هو الظن بموسى ووفائه ، اشتاق إلى الوصول إلى أهله ووالدته وعشيرته ، ووطنه ، وعلم من طول المدة ، أنهم قد تناسوا ما صدر منه . { سَارَ بِأَهْلِهِ } قاصدا مصر ، { آنَسَ } أي : أبصر { مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } وكان قد أصابهم البرد ، وتاهوا الطريق .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمّا قَضَىَ مُوسَى الأجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطّورِ نَاراً قَالَ لأهْلِهِ امْكُثُوَاْ إِنّيَ آنَسْتُ نَاراً لّعَلّيَ آتِيكُمْ مّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مّنَ النّارِ لَعَلّكُمْ تَصْطَلُونَ } .
يقول تعالى ذكره : فلما وفّى موسى صاحبه الأجل الذي فارقه عليه ، عند إنكاحه إياه ابنته ، وذكر أن الذي وفّاه من الأجلين ، أتمهما وأكملهما ، وذلك العشر الحجج ، على أن بعض أهل العلم قد روى عنه أنه قال : زاد مع العشر عَشْرا أخرى . ذكر من قال : الذي قضى من ذلك هو الحِجَج العَشْر :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، قال : سألت ابن عباس : أيّ الأجلين قضى موسى ؟ قال : خيرهما وأوفاهما .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس سئل : أيّ الأجلين قضى موسى ؟ قال : أتمهما وأخيَرَهما .
حدثني محمد بن عمارة ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : حدثنا موسى بن عُبيدة ، عن أخيه ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، قال : قضى موسى آخر الأجلين .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عبيدة ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرِمة ، سئل ابن عباس : أيّ الأجلين قضى موسى ؟ قال : أتمهما وأوفاهما .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني ابن إسحاق ، عن حكيم بن جُبَير ، عن سعيد بن جبير ، قال : قال يهودي بالكوفة وأنا أتجهّز للحجّ : إني أراك رجلاً تتتبع العلم ، أخبرني أيّ الأجلين قضى موسى ؟ قلت : لا أعلم ، وأنا الاَن قادم على حَبْر العرب ، يعني ابن عباس ، فسائله عن ذلك فلما قدِمت مكة سألت ابن عباس عن ذلك وأخبرته بقول اليهوديّ ، فقال ابن عباس : قضى أكثرهما وأطيبهما ، إن النبيّ إذا وعد لم يخلِف ، قال سعيد : فقدمت العراق فلقيت اليهودي ، فأخبرته ، فقال : صدق ، وما أنزل على موسى هذا ، والله العالم .
قال : ثنا يزيد ، قال : حدثنا الأصبغ بن زيد ، عن القاسم بن أبي أيوب ، عن سعيد بن جُبَير ، قال : سألني رجل من أهل النصرانية : أيّ الأجلين قضى موسى ؟ قلت : لا أعلم ، وأنا يومئذٍ لا أعلم ، فلقيت ابن عباس ، فذكرت له الذي سألني عنه النصراني ، فقال : أما كنت تعلم أن ثمانيا واجب عليه ، لم يكن نبيّ الله نقص منها شيئا ، وتعلم أن الله كان قاضيا عن موسى عِدَته التي وعده ، فإنه قضى عشر سنين .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة فَلَمّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ قال : حدّث ابن عباس ، قال : رعى عليه نبيّ الله أكثرها وأطيبها .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن أبي معشر ، عن محمد بن كعب القُرَظيّ ، قال : سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيّ الأجلين قضى موسى ؟ قال : «أوْفاهُما وأتَمّهُما » .
حدثنا أحمد بن محمد الطوسي ، قال : حدثنا الحميدي أبو بكر بن عبد الله بن الزّبير ، قال : حدثنا سفيان ، قال : ثني إبراهيم بن يحيى بن أبي يعقوب ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «سألْتُ جَبْرَائِيلَ : أيّ الأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى ؟ قال : أتَمّهُما وأكمَلَهُما » .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : قال مجاهد : إن النبيّ صلى الله عليه وسلم سأل جبرائيل : «أيّ الأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى ؟ قال سَوْفَ أسأَلُ إسْرَافِيلَ ، فَسألَهُ فَقالَ : سَوْفَ أسأَلُ اللّهَ تَبارَكَ وَتَعالى ، فَسأَلَهُ ، فَقالَ : أبَرّهُما وأوْفاهُما » . ذكر من قال : قضى العَشْر الحِجَج وزاد على العشْر عشرا أخرى :
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : فَلَمّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ قال : عشر سنين ، ثم مكث بعد ذلك عشرا أخرى .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد قَضَى موسَى الأجَلَ عشر سنين ، ثم مكث بعد ذلك عشرا أخرى .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا معاذ بن هشام ، قال : حدثنا أبي ، عن قَتادة ، قال : حدثنا أنس ، قال : لما دعا نبيّ الله موسى صاحبه إلى الأجل الذي كان بينهما ، قال له صاحبه : كلّ شاة ولدت على غير لونها فلك ولد ، فعمد ، فرفع خيالاً على الماء ، فلما رأت الخيال ، فزعت ، فجالت جولة فولدن كلهنّ بُلقا ، إلاّ شاة واحدة ، فذهب بأولادهنّ ذلك العام .
وقوله : وَسارَ بأهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطورِ نارا يقول تعالى ذكره : فَلَمّا قَضَى موسَى الأجَلَ وَسَارَ بِأهْلِهِ شاخصا بهم إلى منزله من مصر آنَسَ مِنْ جانِبِ الطّورِ يعني بقوله : آنس : أبصر وأحسّ كما قال العجّاج :
آنَسَ خِرْبانَ فَضَاءٍ فانْكَدَرْ *** دَانَى جَناحَيْهِ مِنَ الطّورِ فَمَرّ
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . وقد ذكرناالرواية بذلك فيما مضى قبل ، غير أنا نذكر ههنا بعض ما لم نذكر قبل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة آنَسَ مِنْ جانِبِ الطّورِ نارا قالَ لأَهْلِهِ : امْكُثُوا إنّي آنَسْتُ نارا : أي أحسست نارا .
وقد بيّنا معنى الطور فيما مضى بشواهده ، وما فيه من الرواية عن أهل التأويل .
وقوله : لأَهْلِهِ امْكُثُوا إنّي آنَسْتُ نارا يقول : قال موسى لأهله : تمهّلوا وانتظروا : إنّي أبصرت نارا لَعَلّي آتِيكُمْ مِنْها يعني من النار بِخَبرٍ أو جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ يقول : أو آتيكم بقطعة غليظة من الحطب فيها النار ، وهي مثل الجِذْمة من أصل الشجرة ومنه قول ابن مقبل :
باتَتْ حَوَاطِبُ لَيْلَى يَلْتَمِسْنَ لَهَا *** جَزْلَ الجِذَا غيرَ خَوّارٍ وَلا دَعِرِ
وفي الجِذوة لغات للعرب ثلاث : جِذوة بكسر الجيم ، وبها قرأت قرّاء الحجاز والبصرة وبعض أهل الكوفة ، وهي أشهر اللغات الثلاث فيها : وجَذوة بفتج الجيم ، وبها قرأ أيضا بعض قرّاء الكوفة . وهذه اللغات الثلاث وإن كنّ مشهورات في كلام العرب ، فالقراءة بأشهرها أعجب إليّ ، وإن لم أنكر قراءة من قرأ بغير الأشهر منهنّ . وبنحو الذي قلنا في معنى الجَذوة قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية عن علي ، عن ابن عباس ، قوله أوْ جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ يقول شهاب .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة أوْ جَذْوَةٍ والجذوة : أصل شجرة فيها نار .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قَتادة ، قوله إنّي آنَسْتُ نارا لَعَلّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أوْ جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ قال : أصل الشجرة في طَرَفها النار ، فذلك قوله أوْ جَذْوَةٍ قال : السّعف فيه النار . قال مَعْمر ، وقال قتادة أوْ جَذْوَةٍ : أو شُعلة من النار .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله أوْ جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ قال : أصل شجرة .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد أوْ جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ قال : أصل شجرة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله أوْ جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ قال : الجَذوة : العود من الحطب الذي فيه النار ، ذلك الجذوة .
وقوله : لَعَلّكُمْ تَصْطَلُونَ يقول : لعلكم تسخَنون بها من البرد ، وكان في شتاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.