الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{۞فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلۡأَجَلَ وَسَارَ بِأَهۡلِهِۦٓ ءَانَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَارٗاۖ قَالَ لِأَهۡلِهِ ٱمۡكُثُوٓاْ إِنِّيٓ ءَانَسۡتُ نَارٗا لَّعَلِّيٓ ءَاتِيكُم مِّنۡهَا بِخَبَرٍ أَوۡ جَذۡوَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمۡ تَصۡطَلُونَ} (29)

قوله : { أَوْ جَذْوَةٍ } : قرأ حمزة بضم الجيم . وعاصم بالفتح . والباقون بالكسرِ . وهي لغاتٌ في العُود الذي في رأسِه نارٌ ، هذا هو المشهورُ . قال السُّلمي :

حِمَى حُبِّ هذي النارِ حُبُّ خليلتي *** وحُبُّ الغواني فهو دونَ الحُباحُبِ

وبُدِّلْتُ بعد المِسْكِ والبانِ شِقْوةً *** دخانَ الجُذا في رأسِ أشمطَ شاحبِ

وقيَّده بعضُهم فقال : في رأسِه نارٌ مِنْ غيرِ لَهَبٍ . قال ابن مقبل :

باتَتْ حواطِبُ ليلى يَلْتَمِسْنَ لها *** جَزْلَ الجُذا غَيرَ خَوَّارٍ ولا دَعِرِ

الخَوَّارُ : الذي يتقصَّفُ . والدَّعِرُ : الذي فيه لَهَبٌ ، وقد وَرَدَ ما يقتضي وجودَ اللهبِ فيه . قال الشاعر :

وأَلْقَى على قَبْسٍ من النارِ جَذْوةً *** شديداً عليها حَمْيُها والتهابُها

وقيل : الجَذْوَة : العُوْدُ الغليظُ سواءً كان في رأسه نارٌ أم لم يكنْ ، وليس المرادُ هنا إلاَّ ما في رأسِه نارٌ .

قوله : { مِّنَ النَّارِ } صفةٌ ل جَذْوَةٍ ، ولا يجوزُ تَعَلُّقها ب " آتِيْكُمْ " كما تَعَلَّق به " منها " ؛ لأنَّ هذه النارَ ليسَتْ النارَ المذكورةَ ، والعربُ إذا تقدَّمَتْ نكرةٌ وأرادَتْ إعادَتَها أعادَتْها مضمرةً ، أو معرَّفَةً ب أل العهديةِ ، وقد جُمِع الأمران هنا .