إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{۞فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلۡأَجَلَ وَسَارَ بِأَهۡلِهِۦٓ ءَانَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَارٗاۖ قَالَ لِأَهۡلِهِ ٱمۡكُثُوٓاْ إِنِّيٓ ءَانَسۡتُ نَارٗا لَّعَلِّيٓ ءَاتِيكُم مِّنۡهَا بِخَبَرٍ أَوۡ جَذۡوَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمۡ تَصۡطَلُونَ} (29)

والفاءُ في قولِه تعالى : { فَلَمَّا قضى مُوسَى الأجل } فصيحةٌ ، أي فعقدا العقدينِ وباشر موسى ما التزمه فلما أتمَّ الأجلَ { وَسَارَ بِأَهْلِهِ } نحوَ مصرَ بإذنٍ من شُعيبٍ عليهما السَّلامُ . رُوي أنَّه عليه الصَّلاة والسَّلام قضَى أبعدَ الأجلينِ ومكثَ عنَدُه بعد ذلك عشرَ سنينَ ثمَّ عزمَ على العودِ إلى مصرَ فاستأذنَه في ذلكَ فأذنَ له فخرجَ بأهلِه { آنَسَ مِن جَانِبِ الطور } أي أبصرَ من الجهةِ التي تلي الطُّورَ { نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ امكثوا إِنّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِي آتِيكُمْ مّنْهَا بِخَبَرٍ } أي بخبرِ الطِّريقِ وقد كانُوا ضلُّوه { أَوْ جَذْوَةٍ } أي عُودٍ غليظٍ سواء كانتْ في رأسِه نارٌ أو لا ، قال قائلُهم :[ البسيط ]

باتتْ حواطبُ لَيْلَى يلتمسنَ لها *** جزلَ الجَذَى غيرَ خوَّارٍ ولا دعِرِ{[630]}

وقال :[ الطويل ]

وألقى على قبْسٍ من النَّار جذوة *** شديداً عليها حرُّها والتهابُها

ولذلك بيَّن بقولِه تعالى { مِنَ النار } وقرئ بكسرِ الجيمِ وبضمِّها ، وكلَّها لغاتٌ { لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } أي تستدفئونَ .


[630]:وهو لتميم بن مقبل ورد في لسان العرب (2/1379) (دعر) وفي (1/581) (جذا) ودعر العود بالكسر دعرا فهو دعر: دخن فلم يتقد وهو الرديء الدخان وقال شمر: العود النخر الذي إذا وضع على النار لم يستوقد ودخن.