السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلۡأَجَلَ وَسَارَ بِأَهۡلِهِۦٓ ءَانَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَارٗاۖ قَالَ لِأَهۡلِهِ ٱمۡكُثُوٓاْ إِنِّيٓ ءَانَسۡتُ نَارٗا لَّعَلِّيٓ ءَاتِيكُم مِّنۡهَا بِخَبَرٍ أَوۡ جَذۡوَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمۡ تَصۡطَلُونَ} (29)

{ فلما قضى موسى الأجل } أي : أتمه وفرغ منه وزوّجه ابنته ، قال مجاهد مكث بعد ذلك عند صهره عشراً أخرى فأقام عنده عشرين سنة ، ثم إنّ شعيباً عليه السلام أراد أن يجازي موسى على رعيته إكراماً له وصلة لابنته فقال له إني وهبت لك من الجداء التي تضعها أغنامي هذه السنة كل أبلق وبلقاء فأوحى الله تعالى إلى موسى في المنام أن اضرب بعصاك الماء الذي في مستقى الأغنام قال فضرب موسى بعصاه الماء ثم سقى الأغنام منه فما أخطأت واحدة منها إلا وضعت حملها ما بين أبلق وبلقاء فعلم شعيب أنّ ذلك رزق ساقه الله عز وجلّ إلى موسى وامرأته فوفى له بشرطه وسلم الأغنام إليه ، ثم إنّ موسى استأذنه في العود إلى مصر فأذن له فخرج { وسار بأهله } أي : امرأته راجعاً إلى أقاربه بمصر { آنس } أي : أبصر من بعيد { من جانب الطور } اسم جبل { ناراً } آنسته رؤيتها وكان في البرية في ليلة مظلمة شديدة البرد وأخذ امرأته الطلق حينئذ { قال لأهله امكثوا } أي : ههنا ، وقرأ حمزة في الوصل بضم الهاء قبل همزة الوصل ، وعبر موسى عليه السلام بضمير الذكور فلعل كان معه بنون فغلبهم على امرأته ، وقد ذكرت غير ذلك في السورة التي قبل هذه ، ثم علل ذلك بقوله مؤكداً لاستبعاد أن يكون في ذلك المكان القفر وفي ذلك الوقت الشديد البرد ناراً { إني آنست ناراً } فتح الياء نافع وابن كثير وأبو عمرو ، وسكنها الباقون ، كأنه قيل فماذا تعلم بها فقال معبراً بالترجي لأنه أليق بالتواضع { لعلى آتيكم منها } أي : من عندها { بخبر } أي : عن الطريق لأنه كان قد أخطأها { أو جذوة } أي : قطعة وشعلة { من النار } وقال قتادة ومقاتل : هو العود الذي احترق بعضه .

تنبيه : من النار صفة لجذوة ولا يجوز تعلقها بآتيكم كما تعلق به منها لأنّ هذه النار هي النار المذكورة ، والعرب إذا قدمت نكرة وأرادت إعادتها أعادتها مضمرة أو معرفة بأل العهدية وقد جمع الأمرين هنا ، وقرأ عاصم بفتح الجيم وحمزة بضمها ، والباقون بالكسر وكلها لغات وجمعها جذى . ثم استأنف قوله { لعلكم تصطلون } أي : لتكونوا على رجاء من أن تقربوا من النار فتعطفوا عليها للتدفؤ ، وهذا دليل على أنّ الوقت كان شتاء .