تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (104)

{ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

أي : وليكن منكم أيها المؤمنون الذين مَنَّ الله عليهم بالإيمان والاعتصام بحبله { أمة } أي : جماعة { يدعون إلى الخير } وهو اسم جامع لكل ما يقرب إلى الله ويبعد من سخطه { ويأمرون بالمعروف } وهو ما عرف بالعقل والشرع حسنه { وينهون عن المنكر } وهو ما عرف بالشرع والعقل قبحه ، وهذا إرشاد من الله للمؤمنين أن يكون منهم جماعة متصدية للدعوة إلى سبيله وإرشاد الخلق إلى دينه ، ويدخل في ذلك العلماء المعلمون للدين ، والوعاظ الذين يدعون أهل الأديان إلى الدخول في دين الإسلام ، ويدعون المنحرفين إلى الاستقامة ، والمجاهدون في سبيل الله ، والمتصدون لتفقد أحوال الناس وإلزامهم بالشرع كالصلوات الخمس والزكاة والصوم والحج وغير ذلك من شرائع الإسلام ، وكتفقد المكاييل والموازين وتفقد أهل الأسواق ومنعهم من الغش والمعاملات الباطلة ، وكل هذه الأمور من فروض الكفايات كما تدل عليه الآية الكريمة في قوله { ولتكن منكم أمة } إلخ أي : لتكن منكم جماعة يحصل المقصود بهم في هذه الأشياء المذكورة ، ومن المعلوم المتقرر أن الأمر بالشيء أمر به وبما لا يتم إلا به فكل ما تتوقف هذه الأشياء عليه فهو مأمور به ، كالاستعداد للجهاد بأنواع العدد التي يحصل بها نكاية الأعداء وعز الإسلام ، وتعلم العلم الذي يحصل به الدعوة إلى الخير وسائلها ومقاصدها ، وبناء المدارس للإرشاد والعلم ، ومساعدة النواب ومعاونتهم على تنفيذ الشرع في الناس بالقول والفعل والمال ، وغير ذلك مما تتوقف هذه الأمور عليه ، وهذه الطائفة المستعدة للدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هم خواص المؤمنين ، ولهذا قال تعالى عنهم : { وأولئك هم المفلحون } الفائزون بالمطلوب ، الناجون من المرهوب ،

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ} (104)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }

يعني بذلك جلّ ثناؤه : { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ } أيها المؤمنون ، { أُمّةٌ } يقول : جماعة { يَدْعُونَ } الناس { إلى الخَيْرِ } يعني إلى الإسلام وشرائعه التي شرعها الله لعباده ، { وَيأمُرُونَ بالمَعْرُوفِ } يقول : يأمرون الناس باتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، ودينه الذي جاء به من عند الله ، { وَيْنهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ } : يعني وينهون عن الكفر بالله ، والتكذيب بمحمد ، وبما جاء به من عند الله بجهادهم بالأيدي والجوارح ، حتى ينقادوا لكم بالطاعة . وقوله : { وَأُولِئَكَ هُمُ المُفْلِحُونَ } يعني : المنجحون عند الله ، الباقون في جناته ونعيمه . وقد دللنا فيما مضى على معنى الإفلاح في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته ههنا .

حدثنا أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا عيسى بن عمر القارىء ، عن أبي عون الثقفي ، أنه سمع صبيحا ، قال : سمعت عثمان يقرأ : «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمّةٌ يَدْعُونَ إلى الخَيْرِ وَيأْمُرُونَ بالمَعْرُوفِ وَيْنهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ ويستعينون الله على ما أصابهم » .

حدثني أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، قال : سمعت ابن الزبير يقرأ ، فذكر مثل قراءة عثمان التي ذكرناها قبل سواء .

حدثنا يحيى بن أبي طالب ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك : { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمّةٌ يَدْعُونَ إلى الخَيْرِ وَيأمُرُونَ بالمَعْرُوفِ وَيْنهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ } قال : هم خاصة أصحاب رسول الله ، وهم خاصة الرواة .