{ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ ْ } وهذا من كرمه وإحسانه على أهل الجنة ، أن الغل الذي كان موجودا في قلوبهم ، والتنافس الذي بينهم ، أن اللّه يقلعه ويزيله حتى يكونوا إخوانا متحابين ، وأخلاء متصافين .
قال تعالى : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ْ } ويخلق اللّه لهم من الكرامة ما به يحصل لكل واحد منهم الغبطة والسرور ، ويرى أنه لا فوق ما هو فيه من النعيم نعيم . فبهذا يأمنون من التحاسد والتباغض ، لأنه قد فقدت أسبابه .
وقوله : { تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ ْ } أي : يفجرونها تفجيرا ، حيث شاءوا ، وأين أرادوا ، إن شاءوا في خلال القصور ، أو في تلك الغرف العاليات ، أو في رياض الجنات ، من تحت تلك الحدائق الزاهرات .
أنهار تجري في غير أخدود ، وخيرات ليس لها حد محدود { و ْ } لهذا لما رأوا ما أنعم اللّه عليهم وأكرمهم به { وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا ْ } بأن من علينا وأوحى إلى قلوبنا ، فآمنت به ، وانقادت للأعمال الموصلة إلى هذه الدار ، وحفظ اللّه علينا إيماننا وأعمالنا ، حتى أوصلنا بها إلى هذه الدار ، فنعم الرب الكريم ، الذي ابتدأنا بالنعم ، وأسدى من النعم الظاهرة والباطنة ما لا يحصيه المحصون ، ولا يعده العادون ، { وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ْ } أي : ليس في نفوسنا قابلية للهدى ، لولا أنه تعالى منَّ بهدايته واتباع رسله .
{ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ْ } أي : حين كانوا يتمتعون بالنعيم الذي أخبرت به الرسل ، وصار حق يقين لهم بعد أن كان علم يقين [ لهم ] ، قالوا لقد تحققنا ، ورأينا ما وعدتنا به الرسل ، وأن جميع ما جاءوا به حق اليقين ، لا مرية فيه ولا إشكال ، { وَنُودُوا ْ } تهنئة لهم ، وإكراما ، وتحية واحتراما ، { أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا ْ } أي : كنتم الوارثين لها ، وصارت إقطاعا لكم ، إذ كان إقطاع الكفار النار ، أورثتموها { بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ْ }
قال بعض السلف : أهل الجنة نجوا من النار بعفو اللّه ، وأدخلوا الجنة برحمة اللّه ، واقتسموا المنازل وورثوها بالأعمال الصالحة وهي من رحمته ، بل من أعلى أنواع رحمته .
ثم بين - سبحانه - ما هم عليه في الجنة من صفاء نفسى ونقاء قلبى فقال - تعالى - : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنهار } أى : قلعنا ما في قلوبهم من تحاقد وعداوات في الدنيا ، فهم يدخلون الجنة بقلوب سليمة ، زاخرة بالتواد والتعاطف حالة كونهم تجرى من تحتهم الأنهار فيرونها وهم في غرفات قصورهم فيزداد سرورهم وحبورهم .
{ وَقَالُواْ الحمد للَّهِ الذي هَدَانَا لهذا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لولا أَنْ هَدَانَا الله } . أى : قالوا شاكرين لله أنعمه ومننه : الحمد لله الذي هدانا في الدنيا إلى الإيمان والعمل الصالح ، وأعطانا في الآخرة هذا النعيم الجزيل ، وما كنا لنهتدى إلى ما نحن فيه من نعيم لولا أن هدانا الله إليه بفضله وتوفيقه . وجواب لولا محذوف لدلالة ما قبله عليه ، والتقدير : ولولا هداية الله موجودة ما اهتدينا .
وقوله : { لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بالحق } جملة قسمية ، أى : والله لقد جاءت رسل ربنا في الدنيا بالحق ، لأن ما أخبرونا به قد وجدنا مصداقه في الآخرة .
{ ونودوا أَن تِلْكُمُ الجنة أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أى : ونودوا من قبل الخالق - عز وجل - بأن قيل لهم : تلكم هى الجنة التي كانت الرسل تعدكم بها في الدنيا قد أورثكم الله إياها بسبب ما قدمتموه من عمل صالح .
فالآية الكريمة صريحة في أن الجنة قد ظفر بها المؤمنون بسبب أعمالهم الصالحة .
فإن قيل : إن هناك أحاديث صحيحة تصرح بأن دخول الجنة ليس بالعمل وإنما بفضل الله ، ومن ذلك ما جاء في الصحيحين عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" لن يدخل أحداً عمله الجنة ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدنى الله بفضله ورحمته " .
فالجواب على ذلك أنه لا تنافى في الحقيقة ، لأن المراد أن العمل لا يوجب دخول الجنة ، بل الدخول بمحض فضل الله ، والعمل سبب عادى ظاهرى . وتوضيحه أن الأعمال مهما عظمت فهى ثمن ضئيل بالنسبة لعظمة دخول الجنة ، فإن النعمة الأخروية سلعة غالية جداً فمثل هذه المقابلة كمثل من يبيع قصوراً شاهقة وضياعا واسعة بدرهم واحد .
فإقبال البائع على هذه المبادلة ليس للمساواة بين العمل ونعمة الجنة ، بل لتفضله على المشترى ورحمته به ، فمن رحمته بعباده المؤمنين أن جعل بعض أعمالهم الفانية وأموالهم الزائلة ثمنا لنعيم لا يبلى ، ولذلك قال ابن عباس عندما قرأ قوله - تعالى - : { إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجنة } نعمت الصفقة ، أنفس هو خالقها وأموال هو رازقها ثم يمنحنا عليها الجنة .
على أنه - سبحانه - هو المتفضل في الحقيقة بالثمن والمثمن جميعاً . لا جرم كان دخول الجنة بفضله - سبحانه - وهو الموفق للعمل والمعين عليه .
ويمكن أن يجاب - أيضاً - بأن الفوز بالجنة ونعيمها إنما هو بفضل الله والعمل جميعا ، فقوله : { ونودوا أَن تِلْكُمُ الجنة أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أى : مع فضل الله - تعالى - ، وإنما لم يذكر ذلك لئلا يتكلوا . وقوله صلى الله عليه وسلم : " لن يدخل أحدا عمله الجنة . . . " أى مجردا من فضل الله ، وإنما اقتصر على هذا لئلا يغتروا .
هذا أصح الآراء في الجمع بين الآية والحديث ، وهناك آراء أخرى لم نذكرها لضعفها .
انتساق النّظم يقتضي أن تكون جملة : { تجري من تحتهم الأنهار } حالاً من الضّمير في قوله : { هم فيها خالدون } [ الأعراف : 42 ] ، وتكونَ جملة : { ونزعنا } مُعترضة بين جملة : { أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون } [ الأعراف : 42 ] ، وجملة : { وقالوا الحمد لله } إلخ ، اعترضاً بُيِّنَ به حال نفوسهم في المعاملة في الجنّة ، ليقابِل الاعتراض الذي أُدمِج في أثناءِ وصف عذاب أهل النّار ، والمبيّن به حال نفوسهم في المعاملة بقوله : { كلما دخلت أمة لعنت أختها } [ الأعراف : 38 ] .
والتّعبير عن المستقبل بلفظ الماضي للتّنبيه على تحقّق وقوعه ، أي : وننزع ما في صدورهم من غِل ، وهو تعبير معروف في القرآن كقوله تعالى : { أتى أمر الله } [ النحل : 1 ] .
والنّزْع حقيقته قلع الشّيء من موضعه وقد تقدّم عند قوله تعالى : { وتنزع الملك ممن تشاء } في آل عمران ( 26 ) ، ونَزْع الغِل من قلوب أهل الجنّة : هو إزالة ما كان في قلوبهم في الدّنيا من الغِلّ عند تلقي ما يسوء من الغَيْر ، بحيث طَهّر الله نفوسهم في حياتها الثّانية عن الانفعال بالخواطر الشرّية التي منها الغِلّ ، فزال ما كان في قلوبهم من غِلّ بعضهم من بعض في الدّنيا ، أي أزال ما كان حاصلاً من غلّ وأزال طباع الغلّ التي في النّفوس البشريّة بحيث لا يخطر في نفوسهم .
والغِلّ : الحقد والإحْنَة والضِغْن ، التي تحصل في النّفس عند إدراك ما يسوؤها من عمل غيرها ، وليس الحسد من الغِلّ بل هو إحساس باطني آخر .
وجملة : { تجري من تحتهم الأنهار } في موضع الحال ، أي هم في أمكنة عالية تشرف على أنهار الجنّة .
وجملة : { وقالوا الحمد لله } معطوفة على جملة : { أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون } [ الأعراف : 42 ] .
والتّعبير بالماضي مراد به المستقبل أيضاً كما في قوله : { ونزعنا } وهذا القول يحتمل أن يكونوا يقولونه في خاصتهم ونفوسهم ، على معنى التّقرب إلى الله بحمده ، ويحتمل أن يكونوا يقولونه بينهم في مجامعهم .
والإشارة في قولهم : { لهذا } إلى جميع ما هو حاضر من النّعيم في وقت ذلك الحمد ، والهداية له هي الإرشاد إلى أسبابه ، وهي الإيمان والعمل الصّالح ، كما دلّ عليه قوله : { والذين آمنوا وعملوا الصالحات } [ الأعراف : 42 ] ، وقال تعالى : { يهديهم ربهم بإيمانهم } [ يونس : 9 ] الآية ، وجعل الهداية لنفس النّعيم لأنّ الدّلالة على ما يوصل إلى الشّيء إنّما هي هداية لأجل ذلك الشّيء ، وتقدّم الكلام على فعل الهداية وتعديته في سورة الفاتحة ( 6 ) .
والمراد بهَدْي الله تعالى إياهم إرساله محمّداً صلى الله عليه وسلم إليهم فأيقظهم من غفلتهم فاتَّبعوه ، ولم يعاندوا ، ولم يستكبروا ، ودلّ عليه قولهم : { لقد جاءت رسل ربنا بالحق } مع ما يسّر الله لهم من قبولهم الدّعوة وامتثالهم الأمر ، فإنّه من تمام المنّة المحمود عليها ، وهذا التّيسير هو الذي حُرمه المكذّبون المستكبرون لأجل ابتدائهم بالتّكذيب والاستكبار ، دون النظر والاعتبار .
وجملة { وما كنا لنهتدي } في موضع الحال من الضّمير المنصوب ، أي هدانا في هذه الحال حال بعدنا عن الاهتداء ، وذلك ممّا يؤذن بكبر منّة الله تعالى عليهم ، وبتعظيم حمدهم وتجزيله ، ولذلك جاءوا بجملة الحمد مشتملة على أقصى ما تشتمل عليه من الخصائص التي تقدّم بيانها في سورة الفاتحة ( 6 ) .
ودلّ قوله : { وما كنا لنهتدي } على بعد حالهم السّالفة عن الاهتداء ، كما أفاده نفي الكَون مع لام الجحود ، حسبما تقدّم عند قوله تعالى : { ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوءة } الآية في سورة آل عمران ( 79 ) ، فإنّهم كانوا منغمسين في ضلالات قديمة قد رسخت في أنفسهم ، فأمّا قادتهم فقد زيّنها الشّيطان لهم حتى اعتقدوها وسنّوها لمن بعدهم ، وأمّا دَهْمَاؤُهم وأخلافهم فقد رأوا قدوتهم على تلك الضّلالات . وتأصّلت فيهم ، فما كان من السّهل اهتداؤُهم ، لولا أنْ هداهم الله ببعثة الرّسل وسياستهم في دعوتهم ، وأن قذف في قلوبهم قبول الدّعوة .
ولذلك عقبوا تحميدهم وثناءهم على الله بقولهم : { لقد جاءت رسل ربنا بالحقّ } فتلك جملة مستأنفة ، استئنافاً ابتدائياً ، لصدورها عن ابتهاج نفوسهم واغتباطهم بما جاءتهم به الرّسل ، فجعلوا يتذكّرون أسباب هدايتهم ويعتبرون بذلك ويغتبطون . تلذذاً بالتّكلّم به ، لأن تذكّر الأمر المحبوب والحديثَ عنه ممّا تلذّ به النّفوس ، مع قصد الثّناء على الرّسل .
وتأكيد الفعل بلام القسم وبقَدْ ، مع أنهم غير منكرين لمجيء الرسل : إما لأنّه كناية عن الإعجاب بمطابقة ما وعدهم به الرّسل من النّعيم لما وجدوه مثل قوله تعالى : { وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين } [ الزخرف : 71 ] وقول النّبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى : « أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر » . وإمّا لأنّهم أرادوا بقولهم هذا الثّناء على الرّسل والشّهادة بصدقهم جمعاً مع الثّناء على الله ، فأتَوا بالخبر في صورة الشّهادة المؤكّدة التي لا تردّد فيها .
وقرأ ابن عامر : { ما كنّا لنهتدي } بدون واو قبل ( ما ) وكذلك كتبت في المصحف الإمام الموجّه إلى الشّام ، وعلى هذه القراءة تكون هذه الجملة مفصولة عن التي قبلها ، على اعتبار كونها كالتّعليل للحمد ، والتّنويه بأنّه حمد عظيم على نعمة عظيمة ، كما تقدّم بيانه .
وجملة : { ونودوا } معطوفة على جملة : { وقالوا } فتكون حالاً أيضاً ، لأنّ هذا النّداء جواب لثنائهم ، يدلّ على قبول ما أثْنَوا به ، وعلى رضى الله عنهم ، والنّداء من قبل الله ، ولذلك بُني فعله إلى المجهول لظهور المقصود . والنّداء إعلان الخطاب ، وهو أصل حقيقته في اللّغة ، ويطلق النّداء غالباً على دعاء أحد ليقبل بذاته أو بفهمه لسماع كلام ، ولو لم يكن برفع صوت : { إذ نادى ربَّه نداء خفياً } [ مريم : 3 ] ولهذا المعنى حروف خاصة تدلّ عليه في العربيّه ، وتقدّم عند قوله تعالى : { وناداهما ربهما } في هذه السّورة ( 22 ) .
و ( أنْ ) تفسير { لنودوا } ، لأنّ النّداء فيه معنى القول . والإشارة إلى الجنّة ب { تلكم } ، الذي حقّه أن يستعمل في المشار إليه البعيد ، مع أنّ الجنّة حاضرة بين يديهم ، لقصد رفعة شأنها وتعظيم المنّة بها .
والإرث حقيقته مصير مال الميت إلى أقرب النّاس إليه ، ويقال : أورثَ الميّت أقرباءه ماله ، بمعنى جعلهم يرثونه عنه ، لأنّه لما لم يصرفه عنهم بالوصيّة لغيره فقد تركه لهم ، ويطلق مجازاً على مصير شيء إلى حد بدون عوض ولا غصب تشبيهاً بإرث الميّت ، فمعنى قوله : { أورثتموها } أعطيتموها عطيّة هنيئة لا تعب فيها ولا منازعة .
والباء في قوله : { بما كنتم تعملون } سببيّة أي بسبب أعمالكم ، وهي الإيمان والعمل الصّالح ، وهذا الكلام ثناء عليهم بأنّ الله شكر لهم أعمالهم ، فأعطاهم هذا النّعيم الخالد لأجل أعمالهم ، وأنّهم لما عملوا ما عملوه من العمل ما كانوا ينوون بعملهم إلا السّلامة من غضب ربّهم وتطلبَ مرضاته شكراً له على نعمائه ، وما كانوا يمُتون بأن توصلهم أعمالهم إلى ما نالوه ، وذلك لا ينافي الطّمع في ثوابه والنّجاة من عقابه ، وقد دلّ على ذلك الجمعُ بين { أورثتموها } وبين باء السّببيّة .
فالإيراث دلّ على أنّها عطيّة بدون قصد تعاوُضٍ ولا تعاقُد ، وأنّها فضلٌ محض من الله تعالى ، لأنّ إيمان العبد بربّه وطاعته إياه لا يوجب عقلاً ولا عدْلاً إلاّ نجاتَه من العقاب الذي من شأنه أن يترتّب على الكفران والعصيان ، وإلاّ حُصولَ رضى ربّه عنه ، ولا يوجب جزاء ولا عطاء ، لأنّ شكر المنعم واجب ، فهذا الجزاء وعظمته مجرّد فضل من الرّب على عبده شكراً لإيمانه به وطاعته ، ولكن لما كان سبب هذا الشّكر عند الرّب الشّاكر هو عمل عبده بما أمره به ، وقد تفضّل الله به فوعد به من قبلِ حصوله . فمن العجب قول المعتزلة بوجوب الثّواب عقلاً ، ولعلّهم أوقعهم فيه اشتباه حصول الثّواب بالسّلامة من العقاب ، مع أنّ الواسطة بين الحالين بيّنة لأولي الألباب . وهذا أحسن ممّا يطيل به أصحابنا معهم في الجواب .
وباء السّببيّة اقتضت الذي أعطاهم منازل الجنّة أراد به شكر أعمالهم وثوابها من غير قصد تعاوض ولا تقابل فجعلها كالشيء الذي استحقّه العامل عوضاً عن عمله فاستعار لها باء السّببيّة .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وأذهبنا من صدور هؤلاء الذين وصف صفتهم وأخبر أنهم أصحاب الجنة، ما فيها من حقد وغل وعداوة كان من بعضهم في الدنيا على بعض، فجعلهم في الجنة إذْ أدخلَهموها على سرر متقابلين، لا يحسد بعضهم بعضا على شيء خصّ الله به بعضهم وفضله من كرامته عليه، تجري من تحتهم أنهار الجنة.
"وَقَالوُا الحَمْدُ لِلّهِ الّذِي هَدَانا لِهَذَا وَما كُنّا لنَهْتَدِيَ لَوْلا أنْ هَدَانا اللّهُ". يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء الذين وصف جلّ ثناؤه وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات حين أدخلوا الجنة، ورأوا ما أكرمهم الله به من كرامته، وما صُرف عنهم من العذاب المهين الذي ابتلي به أهل النار بكفرهم بربهم وتكذيبهم رسله: "الحَمْدُ لِلّهِ الّذِي هَدَانا لِهَذَا "يقول: الحمد لله الذي وفّقنا للعمل الذي أكسبنا هذا الذي نحن فيه من كرامة الله وفضله وصرف عذابه عنا. "وَما كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أنْ هَدَانا اللّهُ "يقول: وما كنا لنرشد لذلك لولا أن أرشدنا الله له ووفقنا بمنه وطَوْله.
"لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبّنا بالحَقّ وَنُودُوا أنْ تِلْكُمُ الجَنّةُ أُورِثْتُموها بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" يقول تعالى ذكره مخبرا عن هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات أنهم يقولون عند دخولهم الجنة ورؤيتهم كرامة الله التي أكرمهم بها، وهو أن أعداء الله في النار: والله لقد جاءتنا في الدنيا وهؤلاء الذين في النار رسل ربنا بالحقّ من الأخبار، عن وعد الله أهل طاعته والإيمان به وبرسله ووعيده أهل معاصيه والكفر به.
وأما قوله: "وَنُودُوا أنْ تِلْكُمُ الجَنّةُ أُورِثْتُمُوها بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" فإن معناه: ونادى مناد هؤلاء الذين وصف الله صفتهم وأخبر عما أعدّ لهم من كرامته، أنْ يا هؤلاء: هذه تلكم الجنة التي كانت رسلي في الدنيا تخبركم عنها، أورثكموها الله عن الذين كذّبوا رسله، لتصديقكم إياهم وطاعتكم ربكم. وذلك هو معنى قوله: "بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ".
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{ونزعنا ما في صدورهم من غلّ} قال القتبيّ: الغلّ: الحسد والعداوة، وقيل: الغلّ والغش واحد؛ وهو ما يضمر بعضهم لبعض من العداوة والحقد، وقيل: الغل: الحقد. ثم اختلف فيه: قال بعضهم: قوله تعالى: {ونزعنا ما في صدورهم من غلّ} في الدنيا ينزع الله عز وجل من قلوبهم الغل؛ يعني قلوب المؤمنين، ويجعلهم إخوانا بالإيمان كقوله تعالى: {إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا} الآية [آل عمران: 103]؛ أخبر أنهم كانوا أعداء، فألّف بين قلوبهم بالإيمان الذي أكرمهم به حتى صاروا إخوانا بعد ما كانوا أعداء. قال الحسن: ليس في قلوب أهل الجنة الغل والحسد، إذ هما يهمّان ويحزنان، إنما فيها الحب. قال بعضهم: هذا في الآخرة؛ ينزع الله تعالى من قلوبهم الغل الذي كان في ما بينهم في الدنيا، ويصيرون جميعا إخوانا كقوله تعالى: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين} [الحجر: 47].
وقوله تعالى: {لقد جاءت رسل ربنا بالحق} أي بالدين الذي هو حق، أو جاؤوا بالأعمال التي من عمل بها كان صوابا ورشدا. وكل حق هو صواب ورشد. ويحتمل: {لقد جاءت رسل ربنا بالحق} أي بالصدق ونحوه. [وقوله تعالى]: {بالحق} له وجهان: أحدهما: بالحق الذي استحقه على عباده، والثاني: أنهم جاءوا بالذي هو حق في العقول وصواب. وقوله تعالى: {ونودوا أن تلكم الجنة} وقوله: {تلكم} إنما يتكلم عن غائب، وهم فيها. لكن تأويله، والله أعلم، أن تلكم الجنة التي كنتم وعدتم في الدنيا، وأخبرتم عنها، هذه... {أورثتموها بما كنتم تعملون}... ذكر أنهم أورثوا الجنة بما عملوا، وإن كانوا ينالونها بفضل الله جزاء وشكرا بقولهم الذي قالوا {وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله}.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
نزع الغل في الجنة تصفية الطباع، وإسقاط الوساوس، وإعطاء كل نفس مناها، ولا يتمنى أحد ما لغيره...
في هذه الآية إخبار عما يفعله بالمؤمنين في الجنة بعد أن يخلدهم فيها، بأن ينزع ما في صدورهم من غل، فالنزع: رفع الشيء عن مكانه المتمكن فيه، إما بتحويله وإما بإعدامه. ومعنى نزع الغل -ههنا- إبطاله...
وقيل في ما ينزع الغل من قلوبهم قولان: أحدهما -قال أبو علي: بلطف الله لهم في التوبة حتى تذهب صفة العداوة. الثاني- بخلوص المودة حتى يصير منافيا لغل الطباع. والثاني أقوى،...
والغل: الحقد الذي ينقل بلطفه إلى صميم القلب، والصدر: ما يصدر من جهته التدبير والرأي، ومنه قيل للرئيس: صدر، وقيل صدر المجلس...
وقوله "تجري من تحتهم الأنهار "فالجريان انحدار المائع، فالماء يجري، والدم يجري، وكذلك كل ما يصح أن يجري، فهو مائع.
وقوله "تجري من تحتهم الأنهار" فالنهر: المجرى الواسع من مجاري الماء، ومنه النهار لاتساع ضيائه،...
وقوله "وقالوا الحمد لله الذى هدانا لهذا وماكنا لنهتدي لولا أن هدانا الله" إخبار عن قول أهل الجنة واعترافهم بالشكر لله تعالى الذي عرضهم له بتكليفه إياهم ما يستحقون به الثواب.
" ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون "فالنداء: الدعاء بطريقة يا فلان كأنه قيل لهم: أيها المؤمنون" أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون "جزاء لكم على ذلك، على وجه التهنئة لهم بها...
ويجوز أن يكونوا عاينوها، فقيل لهم -قبل أن يدخلوها- إشارة إليها" تلكم الجنة".
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
في قولهم اعترافٌ منهم وإقرارٌ بأنهم لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من جزيل تلك العطيات، وعظيم تلك الرتب والمقامات بجهدهم واستحقاق فعلهم، وإنما ذلك أجمع ابتداء فضل منه ولطف.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
هذا إخبار من الله عز وجل أنه ينقي قلوب ساكني الجنة من الغل والحقد، وذلك أن صاحب الغل متعذب به ولا عذاب في الجنة... و {هدانا} بمعنى أرشدنا، والإشارة بهذا تتجه أن تكون إلى الإيمان والأعمال الصالحة المؤدية إلى القرآن... {لقد جاءت رسل ربنا بالحق} فقضوا بأن ذلك حق قضاه من يحس وكانوا في الدنيا يقضون بأن ذلك حق قضاه من يستدل... وقوله: {بما كنتم تعملون} لا على طريق وجوب ذلك على الله، لكن بقرينة رحمته وتغمده، والأعمال أمارة من الله وطريق إلى قوة الرجاء، ودخول الجنة إنما هو بمجرد رحمة الله تعالى، والقسم فيها على قدر العمل...
القول الأول: أن يكون المراد أزلنا الأحقاد التي كانت لبعضهم على بعض في دار الدنيا، ومعنى نزع الغل: تصفية الطباع وإسقاط الوساوس ومنعها من أن ترد على القلوب، فإن الشيطان لما كان في العذاب لم يتفرغ لإلقاء الوساوس في القلوب.
والقول الثاني: إن المراد منه أن درجات أهل الجنة متفاوتة بحسب الكمال والنقصان، فالله تعالى أزال الحسد عن قلوبهم حتى أن صاحب الدرجة النازلة لا يحسد صاحب الدرجة الكاملة..
وقوله: {أورثتموها} فيه قولان: القول الأول: وهو قول أهل المعاني أن معناه: صارت إليكم كما يصير الميراث إلى أهله، والإرث قد يستعمل في اللغة، ولا يراد به زوال الملك عن الميت إلى الحي كما يقال: هذا العمل يورثك الشرف، ويورثك العار أي يصيرك إليه، ومنهم من يقول: إنهم أعطوا تلك المنازل من غير تعب في الحال فصار شبيها بالميراث.
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
في صحيح مسلم: (لن يدخل أحدا منكم عمله الجنة) قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: (ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته منه وفضل)...
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
والذي يظهر أنّ النزع للغلّ كناية عن خلقهم في الآخرة سالمي القلوب طاهريها متوادّين متعاطفين،...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كانت الدار لا تطيب إلا بحسن الجوار قال: {ونزعنا} أي بما لنا من العظمة التي لا يعجزها شيء {ما} كان في الدنيا {في صدورهم من غل} أي ضغينة وحقد وغش من بعضهم على بعض يغل، أي يدخل بلطف إلى صميم القلب، ومن الغلول، وهو الوصول بالحيلة إلى الذنوب الدقيقة، ويقال: غل في الشيء وتغلغل فيه -إذا دخل فيه بلطافة كالحب يدخل في صميم الفؤاد، حتى أن صاحب الدرجة السافلة لا يحسد صاحب العالية. ولما كان حسن الجوار لا يلذ إلاّ بطيب القرار بأحكام الدار، وكان الماء سبب العمارة وطيب المنازل، وكان الجاري منه أعم نفعاً وأشد استجلاباً للسرور قال تعالى {تجري من} وأشار إلى علوهم بقوله: {تحتهم الأنهار} فلما تمت لهم النعمة بالماء الذي به حياة كل حياة كل شيء فعرف أنه يكون عنه الرياض والأشجار وكل ما به حسن الدار، أخبر عن تعاطيهم الشكر لله ولرسوله المستجلب للزيادة بقوله: {وقالوا الحمد} أي الإحاطة بأوصاف الكمال {لله} أي المحيط بكل شيء علماً وقدرة لذاته لا لشيء آخر؛ ثم وصفوه بما يقتضي ذلك له لأوصافه أيضاً، فقالوا معلمين أنه لا سبب لهم في الوصول إلى النعيم غير النعيم غير فضله في الأولى والأخرى: {الذي هدانا} أي بالبيان والتوفيق، وأوقعوا الهداية على ما وصلوا إليه إطلاقاً للمسبب على السبب {لهذا} أي للعمل الذي أوصلنا إليه {وما} أي والحال أنا ما {كنا لنهتدي} أصلاً لبناء جبلاتنا على خلاف ذلك {لولا أن هدانا الله} أي الذي له الأمر كله، وقراءة ابن عامر بغير واو على أن الجملة موضحة لما قلبها. ولما كان تصديقهم للرسل في الدنيا إيماناً بالغيب من باب علم اليقين، أخبروا في الآخرة بما وصلوا إليه من عين اليقين سروراً وتبجحاً لا تعبداً، وثناء على الرسل ومن أرسلهم بقولهم مفتتحين بحرف التوقع لأنه محله: {لقد جاءت رسل ربنا} أي المحسن إلينا {بالحق} أي الثابت الذي يطابقه الواقع الذي لا زوال له. ولما غبطوا أنفسهم وحقروها وأثبتوا الفضل لأهله، عطف على قولهم قوله مانّاً عليهم بقبول أعمالهم، ولما كان السار الإخبار عن الإيراث لا كونه من معين، بني للمفعول قوله: {ونودوا} أي إتماماً لنعيمهم {أن} هي المخففة من الثقيلة أو هي المفسرة {تلكم الجنة} العالية {أورثتموها} أي صارت إليكم من غير تعب ولا منازع {بما} أي بسبب ما {كنتم تعملون*} لأنه سبحانه جعله سبباً ظاهرياً بكرمه، والسبب الحقيقي هو ما ذكروه هم من توفيقه.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
تلكم هي الجنة البعيدة المنال لولا فضل ذي الجلال والإكرام التي وعد بوراثتها الأتقياء، أورثتموها بسبب ما كنتم تعملون في الدنيا من الصالحات فعلامة البعد في اسم الإشارة للبعد المعنوي الذي بيناه، إذ السياق دال على أن هذا النداء يكون بعد دخولها، والتبوؤ من غرف قصورها، وجعله بعض المفسرين حسيا على القول بأن النداء يكون عند ما يرويها منصرفين إليها من الموقف وبعضهم زمنيا مرادا به الجنة الموصوفة على ألسنة الرسل في الدنيا، وقد بعد عهد ذكرها، والوعد بها، وهو وجيه...
تكرر في القرآن التعبير عن نيل أهل الجنة بالإرث. والأصل في الإرث أن يكون انتقالا للشيء من حائز إلى آخر كانتقال مال الميت إلى وارثه وانتقال الممالك من أمة إلى أخرى. وكذا إرث العلم والكتاب قال تعالى: {ورث سليمان داود} (النمل16) وقال: {ورثوا الكتاب} (الأعراف169) وقال {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} (فاطر 32) ولا يظهر شيء من هذا في الجنة وإنما يخرج إيراثها هنا وما في معناه وارثها في قوله: {أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس} (المؤمنون10-11) على وجهين؛
أحدهما: أنهم يعبرون بالإرث عن الملك الذي لا منازع فيه.
ثانيهما: ما ورد من أن الله تعالى جعل لكل أحد من المكلفين مكانا في الجنة هو حقه إذ طلبه بسببه وسعى إليه في صراطه المستقيم، وهو الإيمان والإسلام لله رب العالمين، وهو ما وعد به جميع أفراد أمة الدعوة على ألسنة الرسل (عليهم السلام) وورثتهم الناشرين لدعوتهم بالعلم والعمل، فمن كفر خسر مكانه من الجنة وأعطيه أهل الإيمان والتقوى فما من أحد منهم إلا وله حظ من الإرث. والاستعمالان مجازيان، وهما متفقان لا متباينان...
والآية صريحة في كون الجنة تنال بالعمل وفي معناها آيات كثيرة بباء السببية بعضها بلفظ الإرث وبعضها بلفظ الدخول. وأما حديث أبي هريرة في الصحيحين "لن يدخل أحدا عمله الجنة قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل رحمته "72 وله تتمة وروي بلفظ آخر فمعناه: أن عمل الإنسان مهما يكن عظيما لا يستحق له الجنة لذاته لولا رحمة الله وفضله إذ جعل هذا الجزاء العظيم على هذا العمل القليل فدخول الجنة بالعمل دخول بفضل الله ورحمته، ولذلك قال بعده "فسددوا وقاربوا" أي لا تبالغوا ولا تغلوا في دينكم ولا تتكلفوا من العمل ما لا تطيقون. وقيل معناه يدخلونها بفضله ويقتسمونها بأعمالهم...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وبعد، فإذا كان أولئك المفترون المكذبون المجرمون الظالمون الكافرون المشركون يتلاعنون في النار ويتخاصمون، وتغلي صدورهم بالسخائم والأحقاد، بعد أن كانوا أصفياء أولياء.. فإن الذين آمنوا وعملوا الصالحات في الجنة إخوان متحابون متصافون متوادون، يرف عليهم السلام والولاء... (ونزعنا ما في صدورهم من غل).. فهم بشر. وهم عاشوا بشراً. وقد يثور بينهم في الحياة الدنيا غيظ يكظمونه، وغل يغالبونه ويغلبونه.. ولكن تبقى في القلب منه آثار...
وإذا كان أهل النار يصطلون النار من تحتهم ومن فوقهم. فأهل الجنة تجري من تحتهم الأنهار؛ فترف على الجو كله أنسام: (تجري من تحتهم الأنهار).. وإذا كان أولئك يشتغلون بالتنابز والخصام، فهؤلاء يشتغلون بالحمد والاعتراف: (وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحق).. وإذا كان أولئك ينادون بالتحقير والتأنيب: (ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار).. فإن هؤلاء ينادون بالتأهيل والتكريم: (ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون).. إنه التقابل التام بين أصحاب الجنة وأصحاب النار...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وجعل الهداية لنفس النّعيم لأنّ الدّلالة على ما يوصل إلى الشّيء إنّما هي هداية لأجل ذلك الشّيء، وتقدّم الكلام على فعل الهداية وتعديته في سورة الفاتحة (6). والمراد بهَدْي الله تعالى إياهم إرساله محمّداً صلى الله عليه وسلم إليهم فأيقظهم من غفلتهم فاتَّبعوه، ولم يعاندوا، ولم يستكبروا، ودلّ عليه قولهم: {لقد جاءت رسل ربنا بالحق} مع ما يسّر الله لهم من قبولهم الدّعوة وامتثالهم الأمر، فإنّه من تمام المنّة المحمود عليها، وهذا التّيسير هو الذي حُرمه المكذّبون المستكبرون لأجل ابتدائهم بالتّكذيب والاستكبار، دون النظر والاعتبار.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
فما أسعد من يبني لنفسه في هذه الدنيا جنّة أُخرى، بتطهير صدره من الحقد والحسد ليتخلّص من إفرازاتهما المؤلمة.
ومرّة أُخرى نصل إلى هذه الحقيقة، وهي أنّ النجاة رهن بالعمل الصالح، وليست بالأماني والظنون الخاوية.