وخوفهم بيوم القيامة الذي { لَا تَجْزِي } فيه ، أي : لا تغني { نَفْسٌ } ولو كانت من الأنفس الكريمة كالأنبياء والصالحين { عَنْ نَفْسٍ } ولو كانت من العشيرة الأقربين { شَيْئًا } لا كبيرا ولا صغيرا وإنما ينفع الإنسان عمله الذي قدمه .
{ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا } أي : النفس ، شفاعة لأحد بدون إذن الله ورضاه عن المشفوع له ، ولا يرضى من العمل إلا ما أريد به وجهه ، وكان على السبيل والسنة ، { وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } أي : فداء { ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب } ولا يقبل منهم ذلك { وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ } أي : يدفع عنهم المكروه ، فنفى الانتفاع من الخلق بوجه من الوجوه ، فقوله : { لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا } هذا في تحصيل المنافع ، { وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ } هذا في دفع المضار ، فهذا النفي للأمر المستقل{[89]} به النافع .
{ ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل } هذا نفي للنفع الذي يطلب ممن يملكه بعوض ، كالعدل ، أو بغيره ، كالشفاعة ، فهذا يوجب للعبد أن ينقطع قلبه من التعلق بالمخلوقين ، لعلمه أنهم لا يملكون له مثقال ذرة من النفع ، وأن يعلقه بالله الذي يجلب المنافع ، ويدفع المضار ، فيعبده وحده لا شريك له ويستعينه على عبادته .
{ واتقوا يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ . . . }
بعد أن ذكرهم - سبحانه - في الآية السابعة بنعمة عظمى من نعمه حذرهم في هذه الآية الكريمة من التقصير في العمل الصالح ، وذلك لأن وصفهم بالتفضيل على عالمي زمانهم قد يحملهم على الغرور ، ويجعلهم يتوهمون أنهم مغفور لهم لو أذنبوا . فجاءت هذه الآية الكريمة لتقتلع من أذهانهم تلك الأوهام بأحكم عبارة وأجمع بيان .
والمراد باتقاء اليوم ، وهو يوم القيامة ، الحذر مما يحدث فيه من أهوال وعذاب ، والحذر منه يكون بالتزام حدود الله - تعالى - وعدم تعديها ، فهو من إطلاق الزمان على ما يقع فيه كما تقول " مكان مخيف " وتنكير النفس في الموضعين وهو في حيز النفي يفيد عموم النفس . أي : لا تقضى فيه نفس كائنة من كانت عن نفس أخرى شيئاً من الحقوق .
ووصف اليوم بهذا الوصف ، ولم يقل " يوم القيامة " مثلا ، للإِشعار بأن التصرف في ذلك اليوم لله وحده ، فليس فيه ما اعتاد الناس في هذه الدنيا من دفاع بعضهم عن بعض .
والمعنى : احذروا - يا بني إسرائيل - يوماً عظيماً أمامكم ، سيحصل فيه من الحساب والجزاء مالا منجاة من هوله إلا بتقوى الله في جميع الأحوال والإِخلاص له في كل الأعمال ، فهو يوم لا تقضى فيه نفس مهما كان قدرها عظيما عن نفس شيئاً ما ، مهما يكن ذنباً صغيراً .
ثم وصف القرآن الكريم ذلك اليوم بوصف آخر يناسب المقام . فقال تعالى : { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ } الضمير في ( منها ) يعود إلى النفس المحاسبة في ذلك اليوم . والشفاعة : من الشفع ضد الوتر ، وهي انضمام الغير إلى الشخص ليدفع عنه ، أي لا يقبل منها أن تأتي يشفيع ليحصل لها نفعاً ، أو يدفع عنها ضرراً .
والآية الكريمة قد نفت قبول الشفاعة من أحد نفياً مطلقاً ، ولكن هنالك آيات كريمة تنفى قبول الشفاعة إلا ممن أذن له الرحمن في ذلك ، من هذه الآيات قوله تعالى : { مَن ذَا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } وقوله تعالى : { يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ الشفاعة إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحمن وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً } وللجمع بين هذه الآيات ، تحمل الآيات التي تنفى الشفاعة نفياً مطلقاً على أنها واردة في شأن النفوس الكافرة ، وتحمل الآيات التي تبيح الشفاعة على أنها واردة في شأن المؤمنين إذا أذن الله فيها للشافعين ، وقد وردت أحاديث صحيحة بلغت مبلغ التواتر المعنوي في أن النبي صلى الله عليه وسلم ستكون له شفاعة في دفع العذاب عن أقوام المؤمنين ، وتخفيفه عن أهل الكبائر من المسلمين ، من ذلك ما أخرجه البخاري عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" أعطيت خمساً لم يعطهن نبي قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً وجعلت أمتي خير الأمم ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة " .
قال الإِمام ابن جرير : ( وهذه الآية وإن كان مخرجها عاماً في التلاوة فإن المراد بها خاص في التأويل ، لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . أنه قال : شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ، وأنه قال : ليس من نبي إلا وقد أعطى دعوة ، وإني خبأت دعوتي شفاعة لأمتي ، وهي نائلة إن شاء الله منهم من لا يشرك بالله شيئاً . فقد تبين بذلك أن الله جل ثناؤه قد يصفح لعباده المؤمنين بشفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لهم عن كثير من عقوبة إجرامهم بينه وبينهم ، وأن قوله { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ } إنما هي لمن مات على كفره غير تائب إلى الله - عز وجل - " اه .
ثم وصف اليوم بوصف ثالث فقال تعالى : { وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } .
العدل : العوض والفداء . سمي بالمصدر لأن الفادي يعدل المفدي بمثله في القيمة أو العين .
ويسويه به . يقال : عدل كذا بكذا : أي سواه به .
والمعنى : لا يؤخذ منها فداء أو بدل في ذلك اليوم إن هي استطاعت إحضاره على سبيل الفرض والتقدير .
ثم وصفه بوصف رابع فقال تعالى : { وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ } والنصر هو الإِعانة في الحرب وغيره بقوة الناصر ، وقدم المسند إليه لزيادة التأكيد المفيد أن انتفاء نصرهم محقق . فضلا عما استفيد من نفي العفل وإسناده للمجهول وجاء الضمير في قوله تعالى : { وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ } جمعاً مع أنه عائد على النفس وهو قوله تعالى : { لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ } ؛ لأن النكرة إذا وقعت في سياق النفي تناولت كل فرد من أفرادها ، وبهذا صارت في معنى الجمع ، وصح أن يعود عليها ضمير الجمع وهو ( هم ) .
والمعنى : أنهم لا يجدون من يعينهم ويمنعهم من عذاب الله يوم القيامة .
ولما كان اليهود يعتقدون أنهم شعب مميز ، وأن نسبتهم إلى الأنبياء ستجعلهم في مأمن من العقاب رغم عصيانهم وفسوقهم ، وأن آباءهم سيشفعون لهم . . . لما كانوا كذلك جاءت هذه الآية الكريمة لتبطل ما اعتقدوه ، وتقطع ما أمَّلوه ، ولتنقض كل ما يحتمل أن يكون وسيلة للنجاة يوم القيامة سوى الإِيمان والعمل الصالح .
فقد نفت الآية الكريمة وجود من ينوب عنهم بقولها { لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً } .
ونفت انتفاعهم بشفاعة الشافعين يوم الحساب بقولها { وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ } .
ونفت قبول البدل أو الفداء عما ارتكبوه من خطايا بقولها { وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } .
ونفت وجود من ينتصر لهم أو يدافع عنهم بقولها { وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ } .
وهكذا سدت عليهم الآية الكريمة كل منفذ يتوهمون نجاتهم من عذاب الله بسببه ، ما داموا مصرين على كفرهم وجحودهم .
لما ذكرهم [ الله ]{[1708]} تعالى بنعمه أولا عطف على ذلك التحذير من حُلُول نقمه بهم يوم القيامة فقال : { وَاتَّقُوا يَوْمًا } يعني : يوم القيامة { لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا } أي : لا يغني أحد عن أحد كما قال : { وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } [ الأنعام : 164 ] ، وقال : { لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } [ عبس : 37 ] ، وقال { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا } [ لقمان : 33 ] ، فهذه{[1709]} أبلغ المقامات : أن كلا من الوالد وولده لا يغني أحدهما عن الآخر شيئا ، وقوله تعالى : { وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ } يعني عن الكافرين ، كما قال : { فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ } [ المدثر : 48 ] ، وكما قال عن أهل النار : { فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ } [ الشعراء : 110 ، 111 ] ، وقوله : { وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } أي : لا يقبل منها فداء ، كما قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ } [ آل عمران : 91 ] وقال : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ المائدة : 36 ] وقال تعالى : { وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْهَا } [ الأنعام : 70 ] ، وقال : { فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا } الآية [ الحديد : 15 ] ، فأخبر تعالى أنهم إن لم يؤمنوا برسوله ويتابعوه على ما بعثه به ، ووافوا الله يوم القيامة على ما هم عليه ، فإنه لا ينفعهم قرابة قريب ولا شفاعة ذي جاه ، ولا يقبل منهم فداء ، ولو بملء الأرض ذهبا ، كما قال تعالى : { مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ } [ البقرة : 254 ] ، وقال { لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ } [ إبراهيم : 31 ] .
[ وقال سنيد : حدثني حجاج ، حدثني ابن جريج ، قال : قال مجاهد : قال ابن عباس : { وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } قال : بدل ، والبدل : الفدية ، وقال السدي : أما عدل فيعدلها من العذاب يقول : لو جاءت بملء الأرض ذهبا تفتدي به ما تقبل منها ، وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، ] {[1710]} . وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله : { وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ } يعني : فداء .
قال ابن أبي حاتم : وروي عن أبي مالك ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، نحو ذلك .
وقال عبد الرزاق : أنبأنا الثوري ، عن الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه عن علي ، رضي الله عنه ، في حديث طويل ، قال : والصرف والعدل : التطوع والفريضة .
وكذا قال الوليد بن مسلم ، عن عثمان بن أبي العاتكة{[1711]} ، عن عمير بن هانئ .
وهذا القول غريب هنا ، والقول الأول أظهر في تفسير هذه الآية ، وقد ورد حديث يقويه ، وهو ما قال ابن جرير : حدثني نَجِيح بن إبراهيم ، حدثنا علي بن حكيم ، حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن عَمْرو بن قيس الملائي{[1712]} ، عن رجل من بني أمية - من أهل الشام أحسن عليه الثناء - قال : قيل : يا رسول الله ، ما العدل ؟ قال : " العدل الفدية " {[1713]} .
وقوله تعالى : { وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ } أي : ولا أحد يغضب لهم فينصرهم وينقذهم من عذاب الله ، كما تقدم من أنه لا يعطف عليهم ذو قرابة ولا ذو جاه ولا يقبل منهم فداء . هذا كله من جانب التلطف ، ولا لهم ناصر من أنفسهم ، ولا من غيرهم ، كما قال : { فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ } [ الطارق : 10 ] أي : إنه تعالى لا يقبل فيمن كفر به فِدْيَة ولا شفاعة ، ولا ينقذ أحدا من عذابه منقذ ، ولا يجيره منه أحد ، كما قال تعالى : { وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ } [ المؤمنون : 88 ] . وقال { فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ } [ الفجر : 25 26 ] ، وقال { مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ } [ الصافات : 25 ، 26 ] ، وقال { فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ } الآية [ الأحقاف : 28 ] .
وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله : { مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ } ما لكم اليوم لا تمانعون منا ؟ هيهات ليس ذلك لكم اليوم .
قال{[1714]} ابن جرير : وتأويل قوله : { وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ } يعني : أنهم يومئذ لا ينصرهم ناصر ، كما لا يشفع لهم شافع ، ولا يقبل منهم عدل ولا فدية ، بَطَلت هنالك{[1715]} المحاباة واضمحلت الرَّشى والشفاعات ، وارتفع من القوم التعاون والتناصر ، وصار الحكم إلى عدل{[1716]} الجبار الذي لا ينفع لديه الشفعاء والنصراء ، فيجزي بالسيئة مثلها وبالحسنة{[1717]} أضعافها وذلك نظير قوله تعالى : { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ } [ الصافات : 24 - 26 ] .
{ واتقوا يوما } أي ما فيه من الحساب والعذاب .
{ لا تجزي نفس عن نفس شيئا } لا تقضي عنها شيئا من الحقوق ، أو شيئا من الجزاء فيكون نصبه على المصدر ، وقرئ لا { تجزئ } من أجزأ عنه إذا أغنى وعلى هذا تعين أن يكون مصدرا ، وإيراده منكرا مع تنكير النفسين للتعميم والإقناط الكلي والجملة صفة ليوما ، والعائد فيها محذوف تقديره لا تجزي فيه ، ومن لم يجوز حذف العائد المجرور قال اتسع : فيه فحذف عنه الجار وأجري مجرى المفعول به ثم حذف كما حذف من قوله : أم مال أصابوا .
{ ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل } أي من النفس الثانية العاصية ، أو من الأولى ، وكأنه أريد بالآية نفي أن يدفع العذاب أحد عن أحد من كل وجه محتمل ، فإنه إما أن يكون قهرا أو غيره ، والأول النصرة ، والثاني إما أن يكون مجانا أو غيره . والأول أن يشفع له والثاني إما بأداء ما كان عليه وهو أن يجزي عنه ، أو بغيره وهو أن يعطى عنه عدلا . والشفاعة من الشفع كأن المشفوع له كان فردا فجعله الشفيع شفعا بضم نفسه إليه ، والعدل الفدية . وقيل : البدل وأصله التسوية سمي به الفدية لأنها سميت بالمفدى ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ولا تقبل بالتاء .
{ ولا هم ينصرون } يمنعون من عذاب الله ، والضمير لما دلت عليه النفس الثانية المنكرة الواقعة في سياق النفس من النفوس الكثيرة ، وتذكيره بمعنى العباد . أو الأناسي والنصر أخص من المعونة لاختصاصه بدفع الضر . وقد تمسكت المعتزلة بهذه الآية على نفي الشفاعة لأهل الكبائر ، وأجيب بأنها مخصوصة بالكفار للآيات والأحاديث الواردة في الشفاعة ، ويؤيده أن الخطاب معهم ، والآية نزلت ردا لما كانت اليهود تزعم أن آباءهم تشفع لهم .