{ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ } أي : وإذا جاءك المؤمنون ، فحَيِّهم ورحِّب بهم ولَقِّهم منك تحية وسلاما ، وبشرهم بما ينشط عزائمهم وهممهم ، من رحمة الله ، وسَعة جوده وإحسانه ، وحثهم على كل سبب وطريق ، يوصل لذلك .
ورَهِّبْهم من الإقامة على الذنوب ، وأْمُرْهم بالتوبة من المعاصي ، لينالوا مغفرة ربهم وجوده ، ولهذا قال : { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ } أي : فلا بد مع ترك الذنوب والإقلاع ، والندم عليها ، من إصلاح العمل ، وأداء ما أوجب الله ، وإصلاح ما فسد من الأعمال الظاهرة والباطنة .
فإذا وجد ذلك كله { فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } أي : صب عليهم من مغفرته ورحمته ، بحسب ما قاموا به ، مما أمرهم به .
السلام والسلامة مصدران من الثلاثى . يقال سلم فلان من المرض أو من البلاء سلاماً وسلامة ومعناهما البراءة والعافية . ويستعمل السلام فى التحية ، وهو بمعنى الدعاء بالسلامة من كل سوء ، فهو آية المودة والأمان والصفاء .
والمعنى : وإذا حضر إلى مجالسك يا محمد أولئك الذين يؤمنون بآياتنا ويعتقدون صحتها فقل لهم : تحية لكم من خالقكم وبشارة لكم بمغفرته ورضوانه ما دمتم متبعين لهديه ، ومحافظين على فرائضه .
{ كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة } أى أنه سبحانه أوجب على نفسه الرحمة لعباده تفضلا منه وكرما .
ثم بين سبحانه أصلا من أصول الدين فى هذه الرحمة المكتوبة فقال { أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سواءا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .
أى أنه من عمل منكم عملا تسوء عاقبته متلبساً بجهالة دفعته إلى ذلك السوء كغضب شديد ثم تاب من بعد تكل الجهالة وأصلح خطأه وندم على ما بدر منه ، ورد المظالم إلى أهلها ، فالله سبحانه شأنه فى معاملته لهذا التائب النادم " أنه غفور رحيم " .
وقوله : { وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ } أي : فأكرمهم برد السلام عليهم ، وبَشَّرهم برحمة الله الواسعة الشاملة لهم ؛ ولهذا قال : { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } أي : أوجبها على نفسه الكريمة ، تفضلا منه وإحسانًا وامتنانًا { أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ } قال بعض السلف : كل من عصى الله ، فهو جاهل .
وقال معتمر بن سليمان ، عن الحكم بن{[10712]} أبان ، عن عِكْرِمة في قوله : { مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ } قال : الدنيا كلها جهالة . رواه ابن أبي حاتم .
{ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ } أي : رجع عما كان عليه من المعاصي ، وأقلع وعزم على ألا يعود وأصلح العمل في المستقبل ، { فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }
قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق حدثنا مَعْمَر ، عن همَّام بن منبه قال : هذا ما حدثنا أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما قَضَى الله الخَلْقَ ، كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش : إن رحمتي غلبت{[10713]} غضبي " . أخرجاه في الصحيحين{[10714]} وهكذا رواه الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة{[10715]} ورواه موسى بن عقبة عن الأعرج ، عن أبي هريرة . وكذا رواه الليث وغيره ، عن محمد بن عجلان ، عن أبيه ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم{[10716]} بذلك{[10717]}
وقد روى ابن مَرْدُوَيه ، من طريق الحكم بن أبان ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا فرغ الله من القضاء بين الخلق ، أخرج كتابًا من تحت العرش : إن رحمتي سبقت غضبي ، وأنا أرحم الراحمين ، فيقبض قبضة أو قبضتين فيخرج من النار خلقًا لم يعملوا خيرًا ، مكتوب بين أعينهم . عُتَقَاء الله " .
وقال عبد الرزاق : أخبرنا مَعْمَر ، عن عاصم بن سليمان ، عن أبي عثمان النَّهْدِي ، عن سلمان في قوله : { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ } قال : إنا نجد في التوراة عطفتين : أن الله خلق السماوات والأرض ، وخلق مائة رحمة - أو : جعل مائة رحمة - قبل أن يخلق الخلق ، ثم خلق الخلق ، فوضع بينهم رحمة واحدة ، وأمسك عنده تسعًا وتسعين رحمة . قال فبها يتراحمون ، وبها يتعاطفون ، وبها يتباذلون وبها يتزاورون ، وبها تحِنّ الناقة ، وبها تَثِجُّ البقرة ، وبها تثغو الشاة ، وبها تَتَابعُ الطير ، وبها تَتَابع الحيتان في البحر . فإذا كان يوم القيامة ، جمع الله تلك الرحمة إلى ما عنده ، ورحمته أفضل وأوسع .
وقد روي هذا مرفوعا من وجه آخر{[10718]} وسيأتي كثير من الأحاديث الموافقة لهذه عند قوله : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } [ الأعراف : 156 ]
ومما يناسب هذه الآية [ الكريمة ]{[10719]} من الأحاديث أيضا قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل : " أتدري ما حق الله على العباد ؟ أن يعبدوه لا{[10720]} يشركوا به شيئا " ، ثم قال : " أتدري ما حق العباد على الله إذا هم فعلوا ذلك ؟ ألا يعذبهم " {[10721]} وقد رواه الإمام أحمد ، من طريق كميل بن زياد ، عن أبي هريرة [ رضي الله عنه ]{[10722]} {[10723]}
{ وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة } الذين يؤمنون هم الذين يدعون ربهم وصفهم بالإيمان بالقرآن واتباع الحجج بعدما وصفهم بالمواظبة على العبادة ، وأمره بأن يبدأ بالتسليم أو يبلغ سلام الله تعالى إليهم ويبشرهم بسعة رحمة الله تعالى وفضله بعد النهي عن طردهم ، إيذانا بأنهم الجامعون لفضيلتي العلم والعمل ، ومن كان كذلك ينبغي أن يقرب ولا يطرد ، ويعز ولا يذل ، ويبشر من الله بالسلامة في الدنيا والرحمة في الآخرة . وقيل إن قوم جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنا أصبنا ذنوبا عظاما فلم يرد عليهم شيئا فانصرفوا فنزلت . { أنه من عمل منكم سوءا } استئناف بتفسير الرحمة . وقرأ نافع وابن عامر وعاصم ويعقوب بالفتح على البدل منها . { بجهالة } في موضع الحال أي ملتبسا بفعل الجهالة فإن ارتكاب ما يؤدي إلى الضرر من أفعال أهل السفه والجهل . { ثم تاب من بعده } بعد العمل أو السوء . { وأصلح } بالتدارك والعزم على أن لا يعود إليه { فأنه غفور رحيم } فتحه من فتح الأول غير نافع على إضمار مبتدأ أو خبر أي فأمره أو فله غفرانه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.