تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خِلَٰلٌ} (31)

{ 31 } { قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ }

أي : قل لعبادي المؤمنين آمرا لهم بما فيه غاية صلاحهم وأن ينتهزوا الفرصة ، قبل أن لا يمكنهم ذلك : { يُقِيمُوا الصَّلَاة } ظاهرا وباطنا { وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ } أي : من النعم التي أنعمنا بها عليهم قليلا أو كثيرا { سِرًّا وَعَلَانِيَةً } وهذا يشمل النفقة الواجبة كالزكاة ونفقة من تجب [ عليه ] نفقته ، والمستحبة كالصدقات ونحوها .

{ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ } أي : لا ينفع فيه شيء ولا سبيل إلى استدراك ما فات لا بمعاوضة بيع وشراء ولا بهبة خليل وصديق ، فكل امرئ له شأن يغنيه ، فليقدم العبد لنفسه ، ولينظر ما قدمه لغد ، وليتفقد أعماله ، ويحاسب نفسه ، قبل الحساب الأكبر .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خِلَٰلٌ} (31)

وبعد هذا الأمر من الله - تعالى - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - بتهديد الكافرين ، وجه - سبحانه - أمرا آخر له - صلى الله عليه وسلم - طلب منه فيه ، مواصلة دعوة المؤمنين إلى الاستمرار فى التزود من العمل الصالح فقال - تعالى - : { قُل لِّعِبَادِيَ الذين آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصلاة وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ } .

قال الجمل : " قوله { قُل لِّعِبَادِيَ . . . إلخ } مفعول قل محذوف يدل عليه جوابه ، أى : قل لهم أقيموا الصلاة وأنفقوا - وقوله - يقيموا وينفقوا مجزومان فى جواب الأمر ، أى : إن قلت لهم أقيموا الصلاة وأنفقوا . . يقيموا وينفقوا .

ويجوز أن يكون قوله " يقيموا وينفقوا " مجزومين بلام الأمر المقدرة .

أى : ليقيموا الصلاة ولينفقوا . . . .

والمراد بإقامة الصلاة : المواظبة على أدائها فى أوقاتها المحددة لها ، مع استيفائها لأركانها وسننها وآدابها وخشوعها ، ومع إخلاص النية عند أدائها الله - تعالى - .

والمراد بالإِنفاق : ما يشمل جميع وجوه الإِنفاق الواجبة والمستحبة .

والمراد بقوله { سِرّاً وَعَلانِيَةً } ما يتنول عموم الأحوال فى الحرص على بذل المال فى وجوهه المشروعة .

والمعنى : قل - أيها الرسول الكريم - لعبادى المخلصين ، الذين آمنوا إيمانا حقا ، قل لهم : ليستزيدوا من المواظبة على أداء الصلاة ، وعلى الإِنفاق مما رزقناهم فى جميع الأحوال ، بأن يجعلوا نفقتهم فى السر إذا كانت آداب الدين وتعاليمه تقتضى ذلك ، وأن يجعلوها فى العلن إذا كانت المنفعة فى ذلك .

والإِضافة فى قوله { لعبادى } للتشريف والتكريم لهؤلاء العباد المخلصين .

ولم تعطف هذه الآية الكريمة على ما قبلها وهو قوله { قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النار } للإِيذان بتباين حال الفريقين ، واختلاف شأنهما .

ومفعول { ينفقوا } محذوف والتقدير ينفقوا شيئا مما رزقناهم .

وعبر - سبحانه - بمن المفيدة للتبعيض فى قوله { مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ } للاشعار بأنهم قوم عقلاء يبتعدون فى إنفاقهم عن الإِسراف والتبذير ، عملا بقوله - تعالى - : { والذين إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً }

وهذا التعبير - أيضا - يشعر بأن هذا المال الذى بين أيدى عباده - سبحانه - ما هو إلا رزق رزقهم الله إياه ، ونعمة أنعم بها عليهم ، فعليهم أن يقابلوا أن يقابلوا هذه النعمة بالشكر ، بأن ينفقوا جزءا منها فى وجوه الخير .

وقوله { سِرّاً وَعَلانِيَةً } منصوبان على الحال أى : مسرين ومعلنين ، أو على المصدر أى : إنفاق سر وإنفاق علانية .

وقدم - سبحانه - إنفاق السر على العلانية للتنبيه على أنه أولى الأمرين فى معظم الأحوال لبعده عن خواطر الرياء ، ولأنه استر للمتصدق عليه .

وقوله - سبحانه - { مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ } مؤكد لمضمون ما قبله من الأمر بإقامة الصلاة وبالإِنفاق فى وجوه الخير بدون تردد أو إبطاء .

ولفظ " خلال " مصدر خاللت بمعنى صاحبت وصادقت ، أو جمع خليل بمعنى صديق ، أو جمع خلة بمعنى الصداقة كقلة وقلال .

أى : قل لهم - أيها الرسول الكريم - بأن من الواجب عليهم أن يكثروا ويداوموا على إقامة الصلاة وعلى الإِنفاق مما رزقهم - سبحانه - ، من قبل أن يفاجئهم يوم القيامة ، ذلك اليوم الذى لا تقبل فيه المعاوضات ، ولا تنفع فيه شفاعة الصديق لصديقه ، وإنما الذى يقبل وينفع فى هذا اليوم هو العمل الصالح الذى قدمه المسلم فى دنياه .

فالجملة الكريمة تفيد حضا آخر على إقامة الصلاة وعلى الإِنفاق عن طريق التذكير للناس بهذا اليوم الذى تنتهى فيه الأعمال ، ولا يمكن فيه استدراك ما فاتهم ، ولا تعويض ما فقدوه من طاعات .

كما تفيد أن المواظبة على أداء هاتين الشعيرتين ، من أعظم القربات التى يتقرب بها المسلم إلى خالقه - سبحانه - والتى تكون سببا فى رفع الدرجات يوم القيامة .

وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - { ياأيها الذين آمنوا أَنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ والكافرون هُمُ الظالمون }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خِلَٰلٌ} (31)

28

ودعهم وانصرف عنهم إلى ( عبادي الذين آمنوا ) . انصرف عنهم إلى موعظة الذين تجدي فيهم الموعظة . الذين يتقبلون نعمة الله ولا يردونها ، ولا يستبدلون بها الكفر . انصرف إليهم تعلمهم كيف يشكرون النعمة بالعبادة والطاعة والبر بعباد الله :

( قل لعبادي الذين آمنوا : يقيموا الصلاة ، وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ، من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال ) . .

قل لعبادي الذين آمنوا : يشكروا ربهم بإقامة الصلاة . فالصلاة أخص مظاهر الشكر لله . وينفقوا مما أنعمنا عليهم به من الرزق سرا وعلانية . سرا حيث تصان كرامة الآخذين ومروءة المعطين ، فلا يكون الإنفاق تفاخرا وتظاهرا ومباهاة . وعلانية حيث تعلن الطاعة بالإنفاق وتؤدى الفريضة ، وتكون القدوة الطيبة في المجتمع . وهذا وذلك متروك لحساسية الضمير المؤمن وتقديره للأحوال .

قل لهم : ينفقوا ليربو رصيدهم المدخر من قبل أن يأتي يوم لا تنمو فيه الأموال بتجارة ، ولا تنفع كذلك فيه صداقة ؛ إنما ينفع المدخر من الأعمال :

( من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال ) . .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خِلَٰلٌ} (31)

«العباد » جمع عبد ، وعرفه في التكرمة بخلاف العبيد{[7079]} . وقوله : { يقيموا } قالت فرقة من النحويين : جزمه بإضمار لام الأمر على حد قول الشاعر : [ الوافر ]

محمد تفد نفسك كل نفس{[7080]} . . . أنشده سيبويه - إلا أنه قال : إن هذا لا يجوز إلا في شعر . وقالت فرقة : أبو علي وغيره - هو فعل مضارع بني لما كان في معنى فعل الأمر ، لأن المراد : أقيموا ، وهذا كما بني الاسم المتمكن في النداء في قولك : يا زيد لما شبه بقبل وبعد{[7081]} ، وقال سيبويه : هو جواب شرط مقدر يتضمنه صدر الآية ، تقديره : إن تقل لهم أقيموا يقيموا .

قال القاضي أبو محمد : ويحتمل أن يكون جواب الأمر الذي يعطينا معناه قوله : { قل } ، وذلك أن يجعل { قل } في هذه الآية بمعنى : بلغ وأد الشيعة يقيموا الصلاة{[7082]} ، وهذا كله على أن المقول هو : الأمر بالإقامة والإنفاق . وقيل إن المقول هو : الآية التي بعد ، أعني قوله : { الله الذي خلق السماوات } .

و «السر » : صدقة التنقل ، و «العلانية » المفروضة - وهذا هو مقتضى الأحاديث - وفسر ابن عباس هذه الآية بزكاة الأموال مجملاً ، وكذلك فسر الصلاة بأنها الخمس - وهذا منه - عندي - تقريب للمخاطب .

و { خلال } مصدر من خلل : إذا واد وصافى ، ومنه الخلة والخليل وقال امرؤ القيس : [ الطويل ]

صرفت الهوى عنهن من خشية الردى . . . ولست بمقلي الخلال ولا قال{[7083]}

وقال الأخفش : «الخلال » جمع خلة .

وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي وابن عامر : «لا بيع ولا خلال » بالرفع على إلغاء «لا » وقرأ أبو عمرو والحسن وابن كثير : «ولا بيعَ ولا خلالَ » بالنصب على التبرية ، وقد تقدم هذا . والمراد بهذا اليوم يوم القيامة .


[7079]:في (اللسان): قال الأزهري: "اجتمع العامة على تفرقة ما بين عباد الله والمماليك، فقالوا: هذا عبد من عباد الله، وهؤلاء عبيد مماليك"، وجعل بعضهم العباد لله، وغيره من الجمع لله والمخلوقين.
[7080]:يقال: قد يته فداء وفدى، وافتديته، والبيت نسب إلى أبي طالب، وحسان، والأعشى، وليس في ديوان أحد منهم، وهو في سيبويه، والخزانة، والعيني، والأشموني، و هو بتمامه: محمد تفد نفسك كل نفس إذا ما خفت من شيء تبالا والمعنى: كل النفوس فداء للنبي صلى الله عليه وسلم، والشاهد فيه أن "تفد" مجزوم بإضمار لام الأمر، والتقدير: لتفد نفسك كل نفس. والتبال: سوء العاقبة.
[7081]:رد بعض العلماء هذا بقولهم: لو كان مضارعا بلفظ الخبر و معناه الأمر لبقي على إعرابه بالنون كقوله تعالى: {هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم}، ثم قال: {تؤمنون بالله}، والمعنى: آمنوا بالله.
[7082]:علق عليه أبو حيان في تفسيره (البحر المحيط) بقوله: "هذا الذي ذهب إليه تفكيك للكلام يخالفه ترتيب التركيب، و يكون قوله: {يقيموا الصلاة} كلاما مفلتا من القول و معموله، أو يكون جوابا فصل به بين القول ومعموله، ولا يترتب أن يكون جوابا لأن قوله: {الذي خلق السموات والأرض} لا يستدعي إقامة الصلاة والإنفاق إلا بتقدير بعيد جدا".
[7083]:هذا البيت من قصيدته المشهورة التي بدأها بقوله: ألا عم صباحا أيها الطلل البالي وهل يعمن من كان في العصر الخالي والمقلي: المبغض، والقالي: المبغض، والحلال: الصفات، يقول: إنه لم يدع حب الحسان يتملكه خشية الهلاك، وهو يريد الهلاك بالشهوة والضني والتيتم، فإن هذا يقضي على الحبيب، ثم يقول: إنه لم ينصرف عنهن لسوء في طباعه، بل نجاة من الهلاك.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خِلَٰلٌ} (31)

استئناف نشأ عن ذكر حال الفريق الذي حقت عليه الكلمة الخبيثة بذكر حال مقابله ، وهو الفريق الذي حقت عليه الكلمة الطيبة . فلما ابتدىء بالفريق الأول لقصد الموعظة والتخلي ثُنّي بالفريق الثاني على طريقة الاعتراض بين أغراض الكلام كما سيأتي في الآية عقبها .

ونظيره قوله تعالى في سورة الإسراء : { وقالوا أإذا كنا عظاماً ورفاتاً إنا لمبعوثون خلقاً جديداً قل كونوا حجارة إلى أن قال وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن } [ سورة الإسراء : 50 ، 52 ] .

ولما كانوا متحلين بالكمال صِيغَ الحديث عنهم بعنوان الوصف بالإيمان ، وبصيغة الأمر بما هم فيه من صلاة وإنفاق لقصد الدوام على ذلك ، فحصلت بذلك مناسبة وقع هذه الآية بعد التي قبلها لمناسبة تضاد الحالين .

ولما كان المؤمنون يقيمون الصلاة من قبل وينفقون من قبل تعين أن المراد الاستزادة من ذلك ، ولذلك اختير المضارع مع تقدير لام الأمر دون صيغة فعل الأمر لأن المضارع دال على التجدد ، فهو مع لام الأمر يلاقي حال المتلبس بالفعل الذي يؤمر به بخلاف صيغة ( افعل ) فإن أصلها طلب إيجاد الفعل المأمور به من لم يكن ملتبساً به ، فأصل يقيموا الصلاة } ليقيموا ، فحذفت لام الأمر تخفيفاً .

وهذه هي نكتة ورود مثل هذا التركيب في مواضع وروده ، كما في هذه الآية وفي قوله { وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن } في سورة الإسراء ( 52 ) ، أي قل لهم ليقيموا وليقولوا ، فحكي بالمعنى .

وعندي : أن منه قوله تعالى : ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون في سورة الحجر ( 3 ) ، أي ذرهم ليأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل . فهو أمر مستعمل في الإملاء والتهديد ، ولذلك نوقن بأن الأفعال هذه معمولة للام أمر محذوفة . وهذا قول الكسائي إذا وقع الفعل المجزوم بلام الأمر محذوفة بعد تقدم فعل { قل } ، كما في « مغني اللبيب » ووافقه ابن مالك في « شرح الكافية » . وقال بعضهم : جزم الفعل المضارع في جواب الأمر ب { قل } على تقدير فعل محذوف هو المقول دل عليه ما بعده . والتقدير : قل لعبادي أقيموا يقيموا وَأنفقوا ينفقوا . وقال الكسائي وابن مالك إن ذلك خاص بما يقع بعد الأمر بالقول كما في هذه الآية ، وفاتهم نحو آية { ذرهم يأكلوا ويتمتعوا .

وزيادة { مما رزقناهم } للتذكير بالنعمة تحريضاً على الإنفاق ليكون شكراً للنعمة .

و { سراً وعلانية } حالان من ضمير { ينفقوا } ، وهما مصدران . وقد تقدم عند قوله تعالى : { سراً وعلانية } في سورة البقرة ( 274 ) . والمقصود تعميم الأحوال في طلب الإنفاق لكيلا يظنوا أن الإعلان يجر إلى الرياء كما كان حال الجاهلية ، أو أن الإنفاق سراً يفضي إلى إخفاء الغني نعمة الله فيجر إلى كفران النعمة ، فربما توخى المرء أحد الحالين فأفضى إلى ترك الإنفاق في الحال الآخر فتعطل نفع كثير وثواب جزيل ، فبين الله للناس أن الإنفاق بِرّ لا يكدره ما يحف به من الأحوال ، وإنما الأعمال بالنيات .

وقد تقدم شيء من هذا عند قوله : { الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم } [ سورة التوبة : 79 ] الآية .

وقيل المقصود من السر الإنفاق المتطوع به ، ومن العلانية الإنفاق الواجب .

وتقديم السر على العلانية تنبيه على أنه أولى الحالين لبعده عن خواطر الرياء ، ولأن فيه استبقاءً لبعض حياء المتصدق عليه .

وقوله : { من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه } الخ متعلق بفعل { يقيموا الصلوات وينفقوا } ، أي ليفعلوا ذينك الأمرين قبل حلول اليوم الذي تتعذر فيه المعاوضات والإنفاق . وهذا كناية عن عظيم منافع إقامة الصلاة والإنفاق قبل يوم الجزاء عنهما حين يتمنون أن يكونوا ازدادوا من ذينك لما يسرهم من ثوابهما فلا يجدون سبيلاً للاستزادة منهما ، إذ لا بيع يومئذٍ فيشترى الثواب ولا خلال من شأنها الإرفاد والإسعاف بالثواب . فالمراد بالبيع المعاوضة وبالخلال الكناية عن التبرع .

ونظيره قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة } في سورة البقرة ( 254 ) .

وبهذا تبين أن المراد من الخلال هنا آثارها ، بقرينة المقام ، وليس المراد نفي الخلة ، أي الصحبة والمودّة لأن المودّة ثابتة بين المتقين ، قال تعالى : { الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } [ سورة الزخرف : 67 ] . وقد كني بنفي البيع والخلال التي هي وسائل النوال والإرفاد عن انتفاء الاستزادة .

وإدخال حرف الجر على اسم الزمان وهو قبل } لتأكيد القبلية ليفهم معنى المبادرة .

وقرأ الجمهور { لا بيع } بالرفع . وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، ويعقوب بالبناء على الفتح . وهما وجهان في نفي النكرة بحرف { لا } .