تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدٗا وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (58)

{ وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }

وهذا أيضا من نعمته عليهم بعد معصيتهم إياه ، فأمرهم بدخول قرية تكون لهم عزا ووطنا ومسكنا ، ويحصل لهم فيها الرزق الرغد ، وأن يكون دخولهم على وجه خاضعين لله فيه بالفعل ، وهو دخول الباب { سجدا } أي : خاضعين ذليلين ، وبالقول وهو أن يقولوا : { حِطَّةٌ } أي أن يحط عنهم خطاياهم بسؤالهم إياه مغفرته .

{ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ } بسؤالكم المغفرة ، { وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ } بأعمالهم ، أي : جزاء عاجل وآجلا .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدٗا وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (58)

تاسعاً : نعمة تمكينهم من دخول بيت المقدس ونكولهم عن ذلك :

ثم ذكرهم - سبحانه - بعد ذلك بمنة عظيمة مكنوا منها فما أحسنوا قبولها وما رعوها حق رعايتها ، وهي تخليصهم من عناء التيه ، والإِذن لهم في دخول بلدة يجدون فيها الراحة والهناء ، وإرشادهم إلى القول الذي يخلصهم مما استوجبوه من عقوبات ولكنهم خالفوه فقال تعالى :

{ وَإِذْ قُلْنَا ادخلوا هذه القرية فَكُلُواْ . . . }

القرية : هي البلدة المشتملة على مساكن ، والمراد بها بيت المقدس على الراجح .

والرغد : الواسع من العيش الهنيء ، الذي لا يتعب صاحبه ، يقال : أرغد فلان : أصاب واسعاً من العيش الهنيء .

الحطة : من حط بمعنى وضع ، وهي مصدر مراد به طلب حط الذنوب .

قال صاحب الكشاف : ( حطة ) فعله من الحط كالجلسة . وهي خبر مبتدأ محذوف ، أي مسألتنا حطة ، والأصل فيها النصب بمعنى : حط عنا ذنوبنا حطة ، وإنما رفعت لتعطي معنى الثبات . . ) ؟

والمعنى : اذكروا يا بني إسرائيل ، لتتعظوا وتعتبروا - وقت أن أمرنا أسلافكم بدخول بيت المقدس بعد خروجهم من التية ، وأبحناهم أن يأكلوا من خيراتها أكلاً هنيئاً ذا سعة وقلنا لهم : ادخلوا من بابها راكعين شكراً لله على ما أنعم به عليكم من نعمة فتح الأرض المقدسة متوسلين إليه - سبحانه - بأن يحط عنكم ذنوبكم ، فإن فعلتم ذلك العمل اليسير وقلتم هذا القول القليل غفرنا لكم ذنوبكم وكفرنا عنكم سيئاتكم ، وزدنا المحسن منهم خيراً جزاء إحسانه ، ولكنهم جحدوا نعم الله وخالفوه أوامره ، فبدلوا بالقول الذي أمرهم الله به قولا آخر أتوابه به من عند أنفسهم على وجه العناد والاستهزاء ، فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون .

قال الإِمام ابن كثير - رحمه الله - : ( وهذا كان لما خرجوا من التيه بعد أربعين سنة مع يوشع . بن نون - عليه السلام - وفتحها الله عليهم عشية جمعة ، وقد حبست لهم الشمس يومئذ قليلا حتى أمكن الفتح ، ولما فتحوها أمروا أن يدخلوا الباب ( باب البلد ) سجداً أي شكراً الله تعالى على ما أنعم به عليهم من الفتح والنصر ورد بلدهم عليهم وإنقاذهم من التيه والضلال ) .

وقوله تعالى : { فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً } فيه إشعار بكمال النعمة عليهم واتساعها وكثرتها . حيث أذن لهم في التمتع بثمرات القرية وأطعمتها من أي مكان شاءوا .

وقوله تعالى : { وادخلوا الباب سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ } إرشاد لهم إلى ما يجب عليهم نحو خالقهم من الشكر والخضوع ، وتوجيههم إلى ما يعينهم على بلوغ غاياتهم . بأيسر الطرق وأسهل السبل ، فكل ما كلفوا به أن يدخلوا من باب المدينة التي فتحها الله لهم خاضعين مخبتين وأن يضرعوا إليه بأن يحط عنهم آثامهم ، ويمحو سيئاتهم .

وقوله تعالى : { نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ } بيان للثمرة التي تترتب على طاعتهم وخضوعهم لخالقهم ، وإغراء لهم على الامتثال والشكر ، لو كانوا يعقلون - لأن غاية ما يتمناه العقلاء غفران الذنوب .

قال الإِمام ابن جرير : يعني بقوله تعالى : { نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ } نتغمد لكم بالرحمة خطاياكم ، ونسترها عليكم ، فلا نفضحكم بالعقوبة عليها . وأصل الغفر : التغطية والستر ، فكل ساتر شيئاً فهو غافر . . والخطايا : جمع خطية - بغير همز - كالمطايا جمع مطية .

وقوله تعالى : { وَسَنَزِيدُ المحسنين } وعد بالزيادة من خيري الدنيا والآخرة لمن أسلم لله وهو محسن ، أي : من كان منكمو محسناً زيد في إحسانه ومن كان مخطئاً نغفر له خطيئاته .

وقد أمرهم - سبحانه - أن يدخلوا باب المدينة التي فتحوها خاضعين وأن يلتمسوا منه مغفرة خطاياهم ، لأن تغلبهم على أعدائهم ، ودخولهم الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم ، نعمة من أجل النعم ، و هي تستدعي منهم أن يشكروا الله عليها بالقول والفعل لكي يزيدهم من فضله ، فشأن الأخيار أن يقابلوا نعم الله بالشكر .

ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يظهر أقصى درجات الخضوع لله تعالى عند النصر والظفر وبلوغ المطلوب ، فعندما تم له فتح مكة دخل إليها من الثنية العليا ، وإنه لخاضع لربه ، حتى إن رأسه الشريف ليكاد يمس عنق ناقته شكراً لله على نعمة الفتح ، وبعد دخوله مكة اغتسل وصلى ثماني ركعات سماها بعض الفقها صلاة الفتح .

ومن هنا استحِب العلماء للفاتحين من المسلمين إذا فتحوا بلدة أن يصلوا فيها ثماني ركعات عند دخولها شكراً لله - تعالى - وقد فعل ذلك سعد بن أبي وقاص عندما دخل إيوان كسرى ، فقد ثبت أنه صلى بداخله ثماني ركعات .

/خ59

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدٗا وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (58)

40

ويمضي السياق في مواجهتهم بما كان منهم من انحراف ومعصية وجحود : ( وإذ قلنا : ادخلوا هذه القرية ، فكلوا منها حيث شئتم رغدا ، وادخلوا الباب سجدا ، وقولوا : حطة . نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين . فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم ، فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء ، بما كانوا يفسقون ) . .

وتذكر بعض الروايات أن القرية المقصودة هنا هي بيت المقدس ، التي أمر الله بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر أن يدخلوها ، ويخرجوا منها العمالقة الذين كانوا يسكنونها ، والتي نكص بنو إسرائيل عنها وقالوا : ( يا موسى إن فيها قوما جبارين ، وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون ) . . والتي قالوا بشأنها لنبيهم موسى - عليه السلام - : ( إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ! ) . . ومن ثم كتب عليهم ربهم التيه أربعين سنة ، حتى نشأ جيل جديد بقيادة يوشع بن نون ، فتح المدينة ودخلها . . ولكنهم بدلا من أن يدخلوها سجدا كما أمرهم الله ، علامة على التواضع والخشوع ، ويقولوا : حطة . . أي حط عنا ذنوبنا واغفر لنا . . دخلوها على غير الهيئة التي أمروا بها ، وقالوا قولا آخر غير الذي أمروا به . .

والسياق يواجههم بهذا الحادث في تاريخهم ؛ وقد كان مما وقع بعد الفترة التي يدور عنها الحديث هنا - وهي عهد موسى - ذلك أنه يعتبر تاريخهم كله وحدة ، قديمه كحديثه ، ووسطه كطرفيه . . كله مخالفة وتمرد وعصيان وانحراف !

وأيا كان هذا الحادث ، فقد كان القرآن يخاطبهم بأمر يعرفونه ، ويذكرهم بحادث يعلمونه . . فلقد نصرهم الله فدخلوا القرية المعينة ؛ وأمرهم أن يدخلوها في هيئة خشوع وخضوع ، وأن يدعوا الله ليغفر لهم ويحط عنهم ؛ ووعدهم أن يغفر لهم خطاياهم ، وأن يزيد المحسنين من فضله ونعمته . فخالفوا عن هذا كله كعادة يهود .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدٗا وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (58)

{ وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية } يعني بيت المقدس ، وقيل أريحا أمروا به بعد التيه .

{ فكلوا منها حيث شئتم رغدا } واسعا ، ونصبه على المصدر ، أو الحال من الواو .

{ وادخلوا الباب } أي باب القرية ، أو القبة التي كانوا يصلون إليها ، فإنهم لم يدخلوا بيت المقدس في حياة موسى عليه الصلاة والسلام .

{ سجدا } متطامنين مخبتين أو ساجدين لله شكرا على إخراجهم من التيه . { وقولوا حطة } أي مسألتنا ، أو أمرك حطة وهي فعلة من الحط كالجلسة ، وقرئ بالنصب على الأصل بمعنى : حط عنا ذنوبنا حطة ، أو على أنه مفعول { قولوا } أي قولوا هذه الكلمة . وقيل معناه أمرنا حطة أي : أن نحط في هذه القرية ونقيم بها .

{ نغفر لكم خطاياكم } بسجودكم ودعائكم . وقرأ نافع بالياء وابن عامر بالتاء على البناء للمفعول . وخطايا أصله خطايئ كخطايع ، فعند سيبويه أنه أبدلت الياء الزائدة همزة لوقوعها بعد الألف ، واجتمعت همزتان فأبدلت الثانية ياء ثم قلبت ألفا ، وكانت الهمزة بين الألفين فأبدلت ياء . وعند الخليل قدمت الهمزة على الياء ثم فعل بهما ما ذكر .

{ وسنزيد المحسنين } ثوابا ، جعل الامتثال توبة للمسيء وسبب زيادة الثواب للمحسن ، وأخرجه عن صورة الجواب إلى الوعد أيهاما بأن المحسن بصدد ذلك وإن لم يفعله ، فكيف إذا فعله ، وأنه تعالى يفعل لا محالة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدٗا وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (58)

وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ( 58 )

و { القرية } المدينة تسمى بذلك لأنها تقرت أي اجتمعت ، ومنه قريت الماء في الحوض أي جمعته( {[640]} ) ، والإشارة بهذه إلى بيت المقدس في قول الجمهور . وقيل إلى أريحا ، وهي قريب من بيت المقدس .

قال عمر بن شبة( {[641]} ) : كانت قاعدة ومسكن ملوك ، ولما خرج ذرية بني إسرائيل من التيه أمروا بدخول القرية المشار إليها ، وأما الشيوخ فماتوا فيه ، وروي أن موسى صلى الله عليه وسلم مات في التيه ، وكذلك هارون عليه السلام .

وحكى الزجاج عن بعضهم أن موسى وهارون لم يكونا في التيه( {[642]} ) لأنه عذاب ، والأول أكثر ، و { كلوا } إباحة ، وقد تقدم معنى الرغد ، وهي( {[643]} ) أرض مباركة عظيمة الغلة ، فلذلك قال { رغداً } .

و { الباب } قال مجاهد : هو باب في مدينة بيت المقدس يعرف إلى اليوم بباب حطة ، وقيل هو باب القبة التي كان يصلي إليها موسى صلى الله عليه وسلم .

وروي عن مجاهد أيضاً : أنه باب في الجبل الذي كلم عليه موسى كالفرضة( {[644]} ) .

و { سجداً } قال ابن عباس رضي الله عنه : معناه ركوعاً( {[645]} ) ، وقيل متواضعين خضوعاً لا على هيئة معينة ، والسجود يعم هذا كله لأنه التواضع ، ومنه قول الشاعر : [ الطويل ]

ترى الأكم فيه سجُّداً للحوافر( {[646]} )

وروي أن الباب خفض لهم ليقصر ويدخلوا عليه متواضعين ، و { حطة } فعلة من حط يحط ، ورفعه على خبر ابتداء ، كأنهم قالوا سؤالنا حطة لذنوبنا ، هذا تقدير الحسن بن أبي الحسن .

وقال الطبري : التقدير دخولنا الباب كما أمرنا حطة ، وقيل أمروا أن يقولوا مرفوعة على هذا اللفظ .

وقال عكرمة وغيره : أمروا أن يقولوا لا إله إلا الله لتحط بها ذنوبهم .

وقال ابن عباس : قيل لهم استغفروا وقولوا ما يحط ذنوبكم .

وقال آخرون : قيل لهم أن يقولوا هذا الأمر حق كما أعلمنا . وهذه الأقوال الثلاثة تقتضي النصب .

وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة : «حطة » بالنصب( {[647]} ) .

وحكي عن ابن مسعود وغيره : أنهم أمروا بالسجود وأن يقولوا { حطة } فدخلوا يزحفون على أستاههم( {[648]} ) ويقولون حنطة حبة حمراء في شعرة ، ويروى غير هذا من الألفاظ .

وقرأ نافع : «يُغفر » بالياء من تحت مضمومة .

وقرأ ابن عامر : «تُغفر » بالتاء من فوق مضمومة .

وقرأ أبو بكر عن عاصم : «يَغفر » بفتح الياء على معنى يغفر الله .

وقرأ الباقون : «نغفر » بالنون .

وقرأت طائفة «تغفر » كأن الحطة( {[649]} ) تكون سبب الغفران ، والقراء السبعة على { خطاياكم } ، غير أن الكسائي كان يميلها .

وقرأ الجحدري : «تُغفر لكم خطيئتُكُمْ » بضم التاء من فوق وبرفع الخطيئة .

وقرأ الأعمش : «يغفر » بالياء من أسفل مفتوح «خطيئتَكُم » نصباً .

وقرأ قتادة مثل الجحدري ، وروي عنه أنه قرأ بالياء من أسفل مضمومة خطيئتكم رفعاً .

وقرأ الحسن البصري : «يغفر لكم خطيئاتِكم » أي يغفر الله .

وقرأ أبو حيوة : «تغفر » بالتاء من فوق مرفوعة «خطيئاتُكم » بالجمع ورفع التاء .

وحكى الأهوازي( {[650]} ) : أنه قارىء «خطأياكم » يهمز الألف الأولى وسكون الآخرة . وحكي أيضاً أنه قرىء بسكون الأولى وهمز الآخرة .

قال الفراء : خطايا جمع خطية بلا همز كهدية وهدايا ، وركية وركايا .

وقال الخليل( {[651]} ) : هو جمع خطيئة بالهمز ، وأصله خطايىء قدمت الهمزة على الياء فجاء خطائي أبدلت الياء ألفاً بدلاً لازماً فانفتحت الهمزة التي قبلها فجاء خطاءا ، همزة بين ألفين ، وهي من قبيلهما فكأنها ثلاث ألفات ، فقلبت الهمزة فجاء خطايا .

قال سيبويه : «أصله خطايىء همزت الياء كما فعل في مدائن وكتائب فاجتمعت همزتان فقلبت الثانية ياء ، ثم أعلت على ما تقدم » .

وقوله تعالى : { وسنزيد المحسنين } عدة ، المعنى إذا غفرت الخطايا بدخولكم وقولكم زيد بعد ذلك لمن أحسن ، وكان من بني إسرائيل من دخل كما أمر وقال لا إله إلا الله فقيل هم المراد ب { المحسنين } هنا .


[640]:- لأن كل مكان اتصلت به الأبنية واتخذ قرارا يسمى قرية، وتقع على المدن وغيرها.
[641]:- أبو زيد عمر بن شبه، عرف برواية النوادر والأخيار، وصنف تاريخ البصرة، وروى القراءة عن عاصم، وعن جبلة بن مالك- توفي سنة 263هـ. وفيات الأعيان 3/114.
[642]:- قال في (خ) ظاهر قوله تعالى [فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين] يقوي ما قاله الزجاج رحمه الله، وهكذا قال الإمام الفخر رحمه الله.
[643]:- أي: القرية: أو أرض كنعان.
[644]:- فرضة الجبل ما انحدر في وسطه وجانبه.
[645]:- السجود إما أن يراد به الصلاة فيكون السجود كناية عنها- وإما أن يراد به الخضوع والتواضع شكرا لله تعالى.
[646]:- تقدم هذا البيت عن قوله تعالى: [وإذ قلنا للملائكة استجدوا لآدم] الآية، والأكم الجبال الصغار، جعلها تسجد للحوافر لقهر الحوافر إياها، ولكونها لا تمتنع عليها.
[647]:- قال جارالله الزمخشري: الأصل في هذه الكلمة: النص، بمعنى: حط عنا ذنوبنا حطة، وإنما وقعت لتعطي معنى الثبات، قال أبو (ح): وهو حسن، ويؤكده قراءة إبراهيم بن أبي عبلة بالنصب كما روي- ثم إن الأول لأن الذي يناسب تعليق الغفران علبه هو سؤال حط الذنوب لا غير من التقديرات.
[648]:- ثبت في صحيح البخاري ومسلم أنهم دخلوا الباب يزحفون على أستاههم، وأنهم قالوا: حبة في شعرة، فوجب المصير إلى تفسير النبي صلى الله عليه وسلم، واطرح ما سواه من الأقوال.
[649]:- أي مقالتها لا لفظها، ومن المعلوم أن المقالة المذكورة سبب في الغفران.
[650]:- أبو علي الحسن بن علي بن إبراهيم الأهوازي، إمام، محدث. توفي سنة446هـ.
[651]:- هذا يتطلب أربعة أعمال على رأي الخليل: خطائىء – ثم خطائي – ثم خطاءا- ثم خطايا- وعلى ما لسيبويه خمسة أعمال: خطايئ – ثم خطائيْ بهمز الياء- ثم خطائي- ثم خطاءا- ثم خطايا- والحاصل أنهما متفقان أصلا ومختلفان عملا.