تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيۡرٖ مِّن ذَٰلِكُمۡۖ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞ وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (15)

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيۡرٖ مِّن ذَٰلِكُمۡۖ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞ وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (15)

{ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذلكم }

أى قل يا محمد للناس الذين مالوا إلى شهوات الدنيا من النساء والبنين وغيرهما ، قل لهم ألا تحبون أن أخبركم بما هو خير من تلك المشتهيات الدنيوية ؟

والاستفهام للتقرير ، والمراد به التحقيق والتثبيت في نفوس المخاطبين ، أى تحقيق وتثبيت خيرية ما عند الله وأفضليته على شهوات الدنيا ، وحضهم على الاستجابة لما سيلقى عليهم .

وافتتح الكلام بكلمة { قُلْ } للاهتمام بالمقول وتنبيه السامعين إلى أن ما سيلقى عليهم أمر يهمهم ومما يقوى هذا التنبيه هنا : التعبير بقوله

{ أَؤُنَبِّئُكُمْ } لأن الإنباء معناه الخبر العظيم الشأن ، والتعبير بقوله { ذلكم } لاشتماله على الإشارة التى للبعيد الدالة على عظم شأن ما سيخبرهم به ، والتعبير بقوله { بِخَيْرٍ } الذى يدل على الأفضلية ، لأن نعيم الآخرة خير محض ونعيم الدنيا مشوب بالشرور والأضرار . ثم بين - سبحانه - المخبر عنه بعد أن مهد له بتلك التنبيهات التي تشوق إلى سماعه وتغرى بالاستجابة له فقال : { لِلَّذِينَ اتقوا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله } .

هذه هى اللذائذ والمتع التى أعدها الله - تعالى - لمن اتقاه ، أى أدى ما أمره به ، وابتعد عما نهاه عنه .

وأول هذه النعم : { جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار } أى بساتين تجرى من تحت أشجارها الأنهار ، وفى هذه الجنات مالا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .

وقوله { لِلَّذِينَ اتقوا } ، خبر مقدم ، وقوله { جَنَّاتٌ } مبتدأ مؤخر ، وقوله { عِندَ رَبِّهِمْ } في محل نصب على الحال من جنات . وقوله { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار } صفة لجنات .

وعلى هذا يكون منتهى الاستفهام عند قوله { مِّن ذلكم } وهذا هو المشهور عند العلماء . ومنهم من يجعل الاستفهام منتهيا عند قوله { لِلَّذِينَ اتقوا } ثم يبتدأ فيقال : عند ربهم جنات تجرى من تحتها الأنهار . ومنهم من يجعل الاستفهام منتهيا عند قوله - تعالى - { عِندَ رَبِّهِمْ } ثم يبدأ فيقال : جنات تجرى من تحتها الأنهار .

قال ابن جرير : وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من جعل الاستفهام منتهيا عند قوله - تعالى - { بِخَيْرٍ مِّن ذلكم } والخبر بعده مبتدأ عمن له الجنات بقوله : { للذِينَ اتقوا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار } فيكون مخرج ذلك مخرج الخير . وهو إبانة عن معنى الخير الذى قال : أنبئكم به ، فلا يكون بالكلام حينئذ حاجة إلى ضمير " .

وثاني هذه النعم عبر عنه - سبحانه - بقوله { خَالِدِينَ فِيهَا } أى أن هؤلاء الذين اتقوا ربهم خالدين في تلك الجنات التي فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين خلوداً أبدياً ، بخلاف أولئك المنعمين بنعم الدنيا فإن نعيمهم إلى فناء وزوال .

وثالث هذه النعم قوله - تعالى - { وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ } .

والأزواج : جمع زوجة وهي المرأة يختص بها الرجل . أى ولهم في تلك الجنات أزواج مطهرة غاية التطهير من كل دنس وقذر حسي ومعنوي ، فقد وصف - سبحانه - هؤلاء الأزواج بصفة واحدة جامعة لكل ما يتمناه الرجل في المرأة .

ورابع هذه النعم قوله - تعالى - { وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله } وهذه النعمة هي أعظم النعم وأجلها أى لهم رضا عظيم من خالق الخلق ، ومبدع الكون ، ومنشىء الوجود . وهو مصدر كالرضا ، ولكن يزيد عليه أنه الرضا العظيم ، لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى ، ولأن التنكير قصد به التفخيم والتعظيم .

وقوله { مِّنَ الله } صفة لرضوان مؤكدة لما أفاده التنكير من الفخامة .

روى الشيخان عن أبي سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله - عزو وجل - يقول لأهل الجنة يوم القيامة : يا أهل الجنة فيقولون : لبيك ربنا وسعديك ، فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ولم تعط أحداً من خلقك ؟ فيقول : أنا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ قالوا : يا ربنا وأي شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول : أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً " .

هذه هى اللذائذ والمتع والنعم التى أعدها الله - تعالى - لعباده المتقين .

ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله : { والله بَصِيرٌ بالعباد } أي أنه - سبحانه - عليم بأحوال عباده ، لا تخفى عليه خافية من شؤونهم . وسيجازى الذين أساؤوا بما عملوا ، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى . ففي هذا التذييل وعد للمتقين ووعيد للمسيئين .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيۡرٖ مِّن ذَٰلِكُمۡۖ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞ وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (15)

1

فأما من أراد الذي هو خير . . خير من ذلك كله . خير لأنه أرفع في ذاته . وخير لأنه يرفع النفس ويصونها من الاستغراق في الشهوات ، والإنكباب على الأرض دون التطلع إلى السماء . . من أراد الذي هو خير فعند الله من المتاع ما هو خير . وفيه عوض كذلك عن تلك الشهوات :

( قل : أؤنبئكم بخير من ذلكم ؟ للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار - خالدين فيها - وأزواج مطهرة ، ورضوان من الله ، والله بصير بالعباد ) . .

وهذا المتاع الأخروي الذي تذكره الآية هنا ، ويؤمر الرسول [ ص ] أن يبشر به المتقين ، هو نعيم حسي في عمومه . . ولكن هنالك فارقا أساسيا بينه وبين متاع الدنيا . . إنه متاع لا يناله إلا الذين اتقوا . الذين كان خوف الله وذكره في قلوبهم . وشعور التقوى شعور مهذب للروح والحس جميعا . شعور ضابط للنفس أن تستغرقها الشهوات ، وأن تنساق فيها كالبهيمة . فالذين اتقوا ربهم حين يتطلعون إلى هذا المتاع الحسي الذي يبشرون به يتطلعون إليه في شفافية مبرأة من غلظة الحس ! وفي حساسية مبرأة من بهيمية الشهوة ! ويرتفعون بالتطلع إليه - وهم في هذه الأرض - قبل أن ينتهي بهم المطاف إلى قرب الله . .

وفي هذا المتاع النظيف العفيف عوض كامل عن متاع الدنيا . . وفيه زيادة . .

فإذا كان متاعهم في الدنيا حرثا معطيا مخصبا ، ففي الآخرة جنات كاملة تجري من تحتها الأنهار . وهي فوق هذا خالدة وهم خالدون فيها ، لا كالحرث المحدود الميقات !

وإذا كان متاعهم في الدنيا نساء وبنين ، ففي الآخرة أزواج مطهرة . وفي طهارتها فضل وارتفاع على شهوات الأرض في الحياة !

فأما الخيل المسومة والأنعام . وأما القناطير المقنطرة من الذهب والفضة . فقد كانت في الدنيا وسائل لتحقيق متاع . فأما في نعيم الآخرة فلا حاجة إلى الوسائل لبلوغ الغايات !

ثم . . هنالك ما هو أكبر من كل متاع . . هنالك ( رضوان من الله ) . رضوان يعدل الحياة الدنيا والحياة الأخرى كليهما . . ويرجح . . رضوان . بكل ما في لفظه من نداوة . وبكل ما في ظله من حنان .

( والله بصير بالعباد ) . .

بصير بحقيقة فطرتهم وما ركب فيها من ميول ونوازع . بصير بما يصلح لهذه الفطرة من توجيهات وإيحاءات . بصير بتصريفها في الحياة وما بعد الحياة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيۡرٖ مِّن ذَٰلِكُمۡۖ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞ وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (15)

{ قل أونبئكم بخير من ذلكم } يريد به تقرير أن ثواب الله تعالى خير من مستلذات الدنيا . { للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها } استئناف لبيان ما هو خير ، ويجوز أن يتعلق اللام بخير ويرتفع جنات على ما هو جنات ، ويؤيده قراءة من جرها بدلا من { خير } . { وأزواج مطهرة } مما يستقذر من النساء . { ورضوان من الله } قرأ عاصم في رواية أبي بكر في جميع القرآن بضم الراء ما خلا الحرف الثاني في المائدة وهو قوله تعالى : { رضوانه سبل السلام } بكسر الراء وهما لغتان . { والله بصير بالعباد } أي بأعمالهم فيثيب المحسن ويعاقب المسيء ، أو بأحوال الذين اتقوا فلذلك أعد لهم جنات ، وقد نبه بهذه الآية على نعمه فأدناها متاع الحياة الدنيا وأعلاها رضوان الله تعالى لقوله تعالى :

{ ورضوان من الله أكبر } وأوسطها الجنة ونعيمها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيۡرٖ مِّن ذَٰلِكُمۡۖ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞ وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ} (15)

في هذه الآية تسلية عن الدنيا وتقوية لنفوس تاركيها ، وذكر تعالى حال الدنيا وكيف استقر تزيين شهواتها ، ثم جاء الإنباء بخير من ذلك ، هازاً للنفوس وجامعاً لها لتسمع هذا النبأ المستغرب النافع لمن عقل ، وأنبىء : معناه أخبر ، وذهبت فرقة من الناس إلى أن الكلام الذي أمر النبي صلى عليه السلام بقوله تم في قوله تعالى : { عند ربهم } و{ جنات } على هذا مرتفع بالابتداء المضمر تقديره : ذلك جنات ، وذهب آخرون إلى أن الكلام تم في قوله : { من ذلكم } وأن قوله { للذين } خبر متقدم ، و{ جنات } رفع بالابتداء ، وعلى التأويل الأول يجوز في { جنات } الخفض بدلاً من خير ، ولا يجوز ذلك على التأويل الثاني ، والتأويلان محتملان ، وقوله { من تحتها } يعني من تحت أشجارها وعلوها من الغرف ونحوها و{ خالدين } نصب على الحال ، وقوله : { وأزواج } عطف على الجنات وهو جمع زوج وهي امرأة الإنسان ، وقد يقال زوجة ، ولم يأت في القرآن ، و { مطهرة } ، معناه من المعهود في الدنيا من الأقذار والريب وكل ما يصم في الخلق والخلق ، ويحتمل أن يكون الأزواج الأنواع والأشباه ، والرضوان ، مصدر من الرضى وفي الحديث عن النبي عليه السلام : أن أهل الجنة إذا استقروا فيها وحصل لكل واحد منهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر قال الله لهم : أتريدون أن أعطيكم ما هو أفضل من هذا ؟ قالوا يا ربنا وأي شيء أفضل من هذا ؟ فيقول الله تعالى : «أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً »{[3019]} ، هذا سياق الحديث ، وقد يجيء مختلف الألفاظ والمعنى قريب بعضه من بعض ، وفي قوله تعالى : { والله بصير بالعباد } وعد ووعيد .


[3019]:- أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري، (الجامع الصغير 1/359).