{ 21-26 } { وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ } إلى آخر القصة{[784]}
أي : { وَاذْكُرْ } بالثناء الجميل { أَخَا عَادٍ } وهو هود عليه السلام ، حيث كان من الرسل الكرام الذين فضلهم الله تعالى بالدعوة إلى دينه وإرشاد الخلق إليه .
{ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ } وهم عاد { بِالْأَحْقَافِ } أي : في منازلهم المعروفة بالأحقاف وهي : الرمال الكثيرة في أرض اليمن .
{ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } فلم يكن بدعا منهم ولا مخالفا لهم ، قائلا لهم : { أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }
فأمرهم بعبادة الله الجامعة لكل قول سديد وعمل حميد ، ونهاهم عن الشرك والتنديد وخوفهم -إن لم يطيعوه- العذاب الشديد فلم تفد فيهم تلك الدعوة .
ثم انتقلت السورة الكريمة بعد ذلك إلى الحديث عن مصارع الغابرين الذين كانوا أشد قوة وأكثر جمعا من مشركى قريش ، لكى يعتبروا بهم ، ويقلعوا عن كفرهم ، حتى لا يكون مصيرهم كمصير من سبقوهم فى الكفر والطغيان ، فقال - سبحانه - : { واذكر أَخَا عَادٍ . . . وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } .
والمقصود بقوله - تعالى - : { أَخَا عَادٍ } : هود - عليه السلام - فقد أرسله الله - تعالى - إلى قبيلة عاد ، ليأمرهم بعبادة الله - تعالى - ، وكانوا قوما جبارين ، فلم يستمعوا إلى نصحه ، فكانت عاقبتهم الهلاك والتدمير .
وقد وردت قصته معهم فى سور متعددة ، منها : سورة الأعراف ، وسورة هود ، وسورة الشعراء ، وسورة الحاقة . .
قال القرطبى ما ملخصه : قوله - تعالى - : { واذكر أَخَا عَادٍ } هو هود بن عبد الله بن رباح ، كان أخاهم فى النسب لا فى الدين ، إذ أنذر قومه بالأحقاف ، والأحقاف : ديار عاد . . وهى جمع حقف - بكسر الحاء - ، وهو ما استطال من الرمل العظيم واعوج ، ولم يلغ أن يكون جبلا . .
ويغلب على الظن أن مساكنهم كانت على مرتفعات من الأرض فى شمال حضر موت ، وعلى مقربة من المكان الذى يسمى الآن بالرَّبْع الخالى غربى عُمَان . .
والمعنى : واذكر - أيها الرسول الكريم - لقومك ليعتبروا ويتعظوا قصة هود - عليه السلام - وقت أن أنذر قومه ، وهم يعيشون بتلك الأماكن المرتفعة المسماة بالأحقاف .
وقوله : { وَقَدْ خَلَتِ النذر مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } جملة حالية من محل نصب .
أى : جاد هود إلى قومه فأمرهم بإخلاص العبادة لله - تعالى - وحده ، وخوفهم من سوء عاقبة مخالفته ، والحال أنه قد أخبرهم بأن الرسل الذين سبقوه ، والذين يأتون من بعده ، كليهم قد بعثهم الله - تعالى - لهداية أقوامهم ، ولعبادته - سبحانه - وحده .
فالنذر : جمع نذير ، والمراد بهم الرسل الذين يخوفون أقوامهم من سوء عاقبة الإِشراك مع الله - تعالى - آلهة أخرى فى العبادة .
والمراد بقوله : { مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } الرسل السابقون عليه ، والمتأخرون عنه .
ثم ذكر - سبحانه - جانبا من نصائح هود لقومه فقال : { أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ الله إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } .
أى : أنذرهم قائلا لهم : إنى أحذركم من عبادة أحد سوى الله - تعالى - وآمركم بإخلاص العبادة له - تعالى - وحده ، لأنى أخاف عليكم عذاب يوم هائل عظيم ، وهو يوم القيامة ، { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } فأنت ترى أن هودا - عليه السلام - بجانب أنه قد أمر قومه بما يسعدهم ، فإنه قد بين لهم - أيضا - أنه ما حمله على هذا الأمر إلا خوف عليهم ، وحرصه على نجاتهم من عذاب يوم القيامة .
( واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف - وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه - ألا تعبدوا إلا الله . إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ) . .
وأخو عاد هو هود - عليه السلام - يذكره القرآن هنا بصفته . صفة الأخوة لقومه . ليصور صلة الود بينه وبينهم ، وصلة القرابة التي كانت كفيلة بأن تعطفهم إلى دعوته ، وتحسن ظنهم بها وبه . وهي ذات الصلة بين محمد [ صلى الله عليه وسلم ] وقومه الذين يقفون منه موقف الملاحاة والخصومة .
والأحقاف جمع حقف . وهو الكثيب المرتفع من الرمال . وقد كانت منازل عاد على المرتفعات المتفرقة في جنوب الجزيرة - يقال في حضرموت .
والله - سبحانه - يوجه نبيه [ صلى الله عليه وسلم ] أن يذكر أخا عاد وإنذاره لقومه بالأحقاف . يذكره ليتأسى بأخ له من الرسل لقي مثلما يلقى من إعراض قومه وهو أخوهم . ويذكره ليذكر المشركين في مكة بمصير الغابرين من زملائهم وأمثالهم ، على مقربة منهم ومن حولهم .
وقد أنذر أخو عاد قومه ، ولم يكن أول نذير لقومه . فقد سبقته الرسل إلى أقوامهم . .
( وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ) . .
قريبا منه وبعيدا عنه في الزمان وفي المكان . فالنذارة متصلة ، وسلسلة الرسالة ممتدة . والأمر ليس بدعا ولا غريبا . فهو معهود مألوف .
أنذرهم - ما أنذر به كل رسول قومه - : ( ألا تعبدوا إلا الله . إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ) . . وعبادة الله وحده عقيدة في الضمير ومنهج في الحياة ؛ والمخالفة عنها تنتهي إلى العذاب العظيم في الدنيا أو في الآخرة ، أو فيهما على السواء . والإشارة إلى اليوم ( عذاب يوم عظيم ) . . تعني حين تطلق يوم القيامة وهو أشد وأعظم .
فماذا كان جواب قومه على التوجيه إلى الله ، والإنذار بعذابه ?
{ واذكر أخا عاد } يعني هودا . { إذ أنذر قومه بالأحقاف } جمع حقف وهو رمل مستطيل مرتفع فيه انحناء من احقوقف الشيء إذا اعوج ، وكانوا يسكنون بين رمال مشرفة على البحر بالشحر من اليمن . { وقد خلت النذر } الرسل . { من بين يديه ومن خلفه } قبل هود وبعده والجملة حال أو اعتراض . { ألا تعبدوا إلا الله } أي لا تعبدوا ، أو بأن لا تعبدوا فإن النهي عن الشيء إنذار من مضرته . { إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم } هائل بسبب شرككم .
واختلف الناس في هذه «الأحقاف » أين كانت ؟ فقال ابن عباس والضحاك : هي جبل بالشام ، وقيل كانت بلاد نخيل ، وقيل هي الرمال بين مهرة وعدن . وقال ابن عباس أيضاً : بين عمان ومهرة . وقال قتادة : هي بلاد الشحر المواصلة للبحر اليماني وقال ابن إسحاق هي بين حضرموت وعمان ، والصحيح من الأقوال : أن بلاد عاد كانت باليمن ولهم كانت إرم ذات العماد . و «الأحقاف » : جمع حقف ، و هو الجبل المستطيل والمعوجّ من الرمل . ( قال الخليل : هي الرمال الأحقاف ) وكثيراً ما تحدث هذه الأحقاف في بلاد الرمل في الصحارى ، لأن الريح تصنع ذلك .
وقوله تعالى : { وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه } اعتراض مؤكد مقيم للحجة أثناء قصة هود ، لأن قوله : { ألا تعبدوا إلا الله } هو من نذارة هود . و : { خلت } معناه : مضت إلى الخلاء ومرت أزمانها . وفي مصحف عبد الله : «وقد خلت النذر من قبله وبعده » . وروي أن فيه : «وقد خلت النذر من بين يديه ومن بعده » . و { النذر } : جمع نذير بناء اسم فاعل .