تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ فَأَنزَلۡنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ} (59)

{ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا } منهم ، ولم يقل فبدلوا لأنهم لم يكونوا كلهم بدلوا { قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ } فقالوا بدل حطة : حبة في حنطة ، استهانة بأمر الله ، واستهزاء وإذا بدلوا القول مع خفته فتبديلهم للفعل من باب أولى وأحرى ، ولهذا دخلوا يزحفون على أدبارهم ، ولما كان هذا الطغيان أكبر سبب لوقوع عقوبة الله بهم ، قال : { فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا } منهم { رِجْزًا } أي : عذابا { مِنَ السَّمَاءِ } بسبب فسقهم وبغيهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ فَأَنزَلۡنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ} (59)

ولكن ، ماذا كان من بني إسرائيل بعد أن أتم الله لهم نعمة الفتح ؟

إنهم لم يفعلوا ما أمروا بفعله ، ولم يقولوا ما كلفوا بقوله ، بل خالفوا ما أمروا به من قول وفعل ، ولذا قال تعالى : { فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ } .

أخرج البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " قيل لبني إسرائيل : ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة فبدلوا ودخلوا يزحفون على أستاهم ، وقالوا : حبة في شعيرة " .

قال الإِمام ابن كثير : ( وحاصل ما ذكره المفسرون وما دل عليه السياق ، أنهم بدلوا أمر الله لهم من الخضوع بالقول والفعل ، فأمروا أن يدخلوا الباب سجداً ، فدخلوا يزحفون على أستاهم رافعين رؤسهم ، وأمروا أن يقولوا : حطة ، أي احطط عنا ذنوبنا وخطايانا فاستهزءوا وقالوا : حنطة في شعيرة ، وهذا في غاية ما يكون من المخالفة والمعاندة ، ولهذا أنزل الله بهم بأسه وعذابه بفسقهم وخروجهم عن طاعته ) .

فقوله تعالى : { فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ } بيان للسبب الذي من أجله نزل عليهم العذاب ، وتوبيخ لهم على مخالفتهم أوامر الله - تعالى - ، لأن تبديل الشيء معناه تغييره وإزالته عما كان عليه بإعطائه صورة تخالف التي كان عليها .

والفعل ( بدل ) يقتضي بدلا ومبدلا منه ، إلا أن مقام الإِيجاز في الآية استدعى الاكتفاء بذكر البدل - وهو القول الذي لم يقل لهم - دون ذكر المبدل منه - وهو القول الذي قيل لهم - والتقدير : فاختار الذين ظلموا بالقول الذي أمرهم الله به ، قولا آخر اخترعوه من عند أنفسهم على وجه المخالفة والعصيان .

قال صاحب الكشاف : { فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ } أي : وضعوا مكان { حِطَّةٌ } قولا غيرها ، يعني أنهم أمروا بقول معناه التوبة والاستغفار فخالفوه إلى قول ليس معناه معنى ما أمروا به ، ولم يمتثلوا أمر الله ، وليس الغرض أنهم أمروا بلفظ بعينه . وهو لفظ الحطة فجاءوا بلفظ آخر ، لأنهم لو جاءوا بلفظ آخر مستقل ، بمعنى ما أمروا به لم يؤاخذوا به كما لو قالوا مكان حطة : نستغفرك ونتوب إليك . أو اللهم أعف عنا وما أشبه ذلك " .

والعبرة التي تؤخذ من هذه الجملة الكريمة ، أن من أمره الله - تعالى - بقول أو بفعل ، فتركه وأتى بآخر لم يأذن به الله ، دخل في زمرة الظالمين ، وعرض نفسه لسوء المصير .

وقوله تعالى : { فَأَنزَلْنَا عَلَى الذين ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السمآء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } تصريح بأن ما أصابهم من عذاب كان نتيجة عصيانهم وتمردهم وجحودهم لنعم الله - تعالى - والرجز في لغة العرب : هو العذاب سواء أكان بالأمراض المختلفة أو بغيرها .

وفي النص على أن الرجز قد أتاهم من جهة السماء إشعار بأنه عذاب لم يمكن دفعه وأنه لم يكن له سبب أرضي من عدوى أو نحوها ، بل رمتهم به الملائكة من جهة السماء . فأصيب به الذين ظلموا دون غيرهم ، ولم يقل القرآن { فَأَنزَلْنَا عَلَى } بالإِضمار ، وإنما قال { فَأَنزَلْنَا عَلَى الذين ظَلَمُواْ } بالإِظهار ، تأكيداً لوصفهم بأقبح النعوت وهو الظلم ، وإشعاراً بأن ما نزل عليهم كان سبيه بغيهم وظلمهم .

/خ59

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ فَأَنزَلۡنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ} (59)

40

( فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم ) . .

ويخص الذين ظلموا بالذكر . إما لأنهم كانوا فريقا منهم هو الذي بدل وظلم . وإما لتقرير وصف الظلم لهم جميعا ، إذا كان قد وقع منهم جميعا .

( فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ) . .

والرجز : العذاب . والفسوق : المخالفة والخروج . . وكانت هذه واحدة من أفاعيل بني إسرائيل !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ فَأَنزَلۡنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ} (59)

يقول تعالى لائمًا لهم على نكولهم عن الجهاد ودخول{[1839]} الأرض المقدسة ، لما قدموا من بلاد مصر صحبة موسى ، عليه السلام ، فأمروا بدخول الأرض المقدسة التي هي ميراث لهم عن أبيهم إسرائيل ، وقتال من فيها من العماليق الكفرة ، فنكلوا عن قتالهم وضعفوا واستحسروا ، فرماهم الله في التيه عقوبة لهم ، كما ذكره تعالى في سورة المائدة ؛ ولهذا كان أصح القولين أن هذه البلدة هي بيت المقدس ، كما نص على ذلك السدي ، والرّبيع بن أنس ، وقتادة ، [ وأبو مسلم الأصفهاني وغير واحد وقد قال الله تعالى : { يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } الآيات ]{[1840]} . [ المائدة : 21 - 24 ]

وقال آخرون : هي أريحا [ ويحكى عن ابن عباس وعبد الرحمن بن زيد ]{[1841]} وهذا بعيد ؛ لأنها ليست على طريقهم ، وهو قاصدون بيت المقدس لا أريحا [ وأبعد من ذلك قول من ذهب أنها مصر ، حكاه فخر الدين في تفسيره ، والصحيح هو الأول ؛ لأنها بيت المقدس ]{[1842]} . وهذا كان لما خرجوا من التيه بعد أربعين سنة مع يوشع بن نون ، عليه السلام ، وفتحها الله عليهم عشية جمعة ، وقد حبست لهم الشمس يومئذ قليلا حتى أمكن الفتح ، وأما أريحا فقرية ليست مقصودة لبني إسرائيل ، ولما فتحوها أمروا أن يدخلوا الباب - باب البلد - { سُجَّدًا } أي : شكرًا لله تعالى على ما أنعم به عليهم من الفتح والنصر ، وردّ بلدهم{[1843]} إليهم وإنقاذهم من التيه والضلال .

قال العوفي في تفسيره ، عن ابن عباس أنه كان يقول في قوله : { وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا } أي ركعا .

وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا أبو أحمد الزبيري ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، وعن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : { وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا } قال : ركعا{[1844]} من باب صغير .

رواه الحاكم من حديث سفيان ، به . ورواه ابن أبي حاتم من حديث سفيان ، وهو الثوري ، به{[1845]} . وزاد : فدخلوا من قبل أستاههم .

[ وقال الحسن البصري : أمروا أن يسجدوا على وجوههم حال دخولهم ، واستبعده الرازي ، وحكى عن بعضهم : أن المراد بالسجود هاهنا الخضوع لتعذر حمله على حقيقته ]{[1846]} .

وقال خصيف : قال عكرمة ، قال ابن عباس : كان الباب قبل القبلة .

وقال [ ابن عباس و ]{[1847]} مجاهد ، والسدي ، وقتادة ، والضحاك : هو باب الحطة من باب إيلياء ببيت المقدس ، [ وحكى الرازي عن بعضهم أنه عن باب جهة من جهات القرية ]{[1848]} .

وقال خَصِيف : قال عكرمة : قال ابن عباس : فدخلوا على شق ، وقال السدي ، عن أبي سعيد الأزدي ، عن أبي الكنُود ، عن عبد الله بن مسعود : وقيل لهم ادخلوا الباب سجدا ، فدخلوا مقنعي رؤوسهم ، أي : رافعي رؤوسهم خلاف ما أمروا .

وقوله : { وَقُولُوا حِطَّةٌ } قال الثوري عن الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { وَقُولُوا حِطَّةٌ } قال : مغفرة ، استغفروا .

وروي عن عطاء ، والحسن ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، نحوه .

وقال الضحاك عن ابن عباس : { وَقُولُوا حِطَّةٌ } قال : قولوا : هذا الأمر حق ، كما قيل لكم .

وقال عكرمة : قولوا : لا إله إلا الله .

وقال الأوزاعي : كتب ابن عباس إلى رجل قد سماه يسأله عن قوله تعالى : { وَقُولُوا حِطَّةٌ }

فكتب إليه : أن أقروا بالذنب .

وقال الحسن وقتادة : أي احطط عنا خطايانا .

{ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنزيدُ الْمُحْسِنِينَ } هذا جواب الأمر ، أي : إذا فعلتم ما أمرناكم غفرنا لكم الخطيئات وضعفنا لكم الحسنات .

وحاصل الأمر : أنهم أمروا أن يخضعوا لله تعالى عند الفتح بالفعل والقول ، وأن يعترفوا بذنوبهم ويستغفروا منها ، والشكر على النعمة عندها والمبادرة إلى ذلك من المحبوب لله تعالى ، كما قال تعالى : { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا } [ سورة النصر ] فسره بعض الصحابة بكثرة الذكر والاستغفار عند الفتح والنصر ، وفسره ابن عباس بأنه نُعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أجله فيها ، وأقره على ذلك عمر [ بن الخطاب ]{[1849]} رضي الله عنه . ولا منافاة بين أن يكون قد أمر بذلك عند ذلك ، ونعي إليه روحه الكريمة أيضًا ؛ ولهذا كان عليه السلام يظهر عليه الخضوع جدًا عند النصر ، كما روي أنه كان يوم الفتح - فتح مكة - داخلا إليها من الثنية العليا ، وإنَّه الخاضع لربه حتى إن عُثْنونه ليمس مَوْرِك رحله ، يشكر الله على ذلك . ثم لما دخل البلد اغتسل وصلى ثماني ركعات وذلك ضُحى ، فقال بعضهم : هذه صلاة الضحى ، وقال آخرون : بل هي صلاة الفتح ، فاستحبوا للإمام وللأمير إذا فتح بلدًا أن يصلي فيه ثماني ركعات عند أول دخوله ، كما فعل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما دخل إيوان كسرى صلى فيه ثماني ركعات ، والصحيح أنه يفصل بين كل ركعتين بتسليم ؛ وقيل : يصليها كلها بتسليم واحد ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ } قال البخاري : حدثني محمد ، حدثنا{[1850]} عبد الرحمن بن مَهْدي ، عن ابن المبارك ، عن مَعْمَر ، عن هَمَّام بن مُنَبّه ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قيل لبني إسرائيل : { ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ } فدخلوا يزحفون على أستاههم ، فبدّلوا وقالوا : حطة : حبة في شعرة " {[1851]} .

ورواه النسائي ، عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ، عن{[1852]} عبد الرحمن بن مهدي به موقوفا{[1853]} وعن محمد بن عبيد بن محمد ، عن ابن المبارك ببعضه مسندًا ، في قوله تعالى : { حِطَّةٌ } قال : فبدلوا . فقالوا : حبة{[1854]} {[1855]} .

وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر ، عن هَمَّام بن مُنَبه أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله لبني إسرائيل : { وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ } فبدلوا ، ودخلوا الباب يزحفون على أستاههم ، فقالوا : حبة في شعرة{[1856]} " .

وهذا حديث صحيح ، رواه البخاري عن إسحاق بن نصر ، ومسلم عن محمد بن رافع . والترمذي عن عبد بن حميد ، كلهم عن عبد الرزاق ، به{[1857]} . وقال الترمذي : حسن صحيح .

وقال محمد بن إسحاق : كان تبديلهم{[1858]} كما حدثني صالح بن كيسان ، عن صالح مولى التوأمة ، عن أبي هريرة ، وعمن لا أتهم ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " دخلوا الباب - الذي أمروا أن يدخلوا فيه سجدًا - يزحفون على أستاههم ، وهم يقولون : حنطة في شعيرة " {[1859]} .

وقال أبو داود : حدثنا أحمد بن صالح ، وحدثنا سليمان بن داود ، حدثنا عبد الله بن وهب ، حدثنا هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " قال الله لبني إسرائيل : { ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ } ثم قال أبو داود : حدثنا جعفر بن مسافر ، حدثنا ابن أبي فديك ، عن هشام بن سعد ، مثله{[1860]} {[1861]} .

هكذا رواه منفردًا به في كتاب الحروف مختصرًا .

وقال ابن مردويه : حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا إبراهيم بن مهدي ، حدثنا أحمد بن محمد بن المنذر القَزّاز ، حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك ، عن{[1862]} هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان من آخر الليل ، أجَزْنا في ثنية{[1863]} يقال لها : ذات الحنظل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما مثل هذه الثنية الليلة إلا كمثل الباب الذي قال الله لبني إسرائيل : { ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ }{[1864]} .

وقال سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن البراء : { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ } [ البقرة : 142 ] قال اليهود : قيل لهم : ادخلوا الباب سجدًا ، قال : ركعًا ، وقولوا : حطة : أي مغفرة ، فدخلوا على

أستاههم ، وجعلوا يقولون : حنطة حمراء فيها شعيرة{[1865]} ، فذلك قول الله تعالى : { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ } .

وقال الثوري ، عن السدي ، عن أبي سعد الأزدي ، عن أبي الكَنود ، عن ابن مسعود : { وَقُولُوا حِطَّةٌ } فقالوا : حنطة حبة حمراء فيها شعيرة{[1866]} ، فأنزل الله : { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ }

وقال أسباط ، عن السدي ، عن مرة ، عن ابن مسعود أنه قال : إنهم قالوا : " هُطِّي سمعاتا أزبة مزبا " فهي بالعربية : حبة حنطة حمراء مثقوبة{[1867]} فيها شعرة سوداء ، فذلك قوله : { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ }

وقال الثوري ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد ، عن ابن عباس في قوله : { ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا } ركعًا من باب صغير ، فدخلوا{[1868]} من قبل أستاههم ، وقالوا : حنطة ، فهو قوله تعالى : { فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ }

وهكذا روي عن عطاء ، ومجاهد ، وعكرمة ، والضحاك ، والحسن ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، ويحيى بن رافع .

وحاصل ما ذكره المفسرون وما دل عليه السياق أنهم بدلوا أمر{[1869]} الله لهم من الخضوع بالقول والفعل ، فأمروا أن يدخلوا سجدًا ، فدخلوا يزحفون على أستاههم من قبل أستاههم رافعي رؤوسهم ، وأمروا أن يقولوا : حطة ، أي : احطط عنا ذنوبنا ، فاستهزؤوا فقالوا : حنطة في شعرة{[1870]} . وهذا في غاية ما يكون من المخالفة والمعاندة ؛ ولهذا أنزل الله بهم بأسه وعذابه بفسقهم ، وهو خروجهم عن طاعته ؛ ولهذا قال : { فَأَنزلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }

وقال الضحاك عن ابن عباس : كل شيء في كتاب الله من " الرِّجْز " يعني به العذاب .

وهكذا روي عن مجاهد ، وأبي مالك ، والسدي ، والحسن ، وقتادة ، أنه العذاب . وقال أبو العالية : الرجز الغضب . وقال الشعبي : الرجز : إما الطاعون ، وإما البرد . وقال سعيد بن جبير : هو الطاعون .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا وَكِيع ، عن{[1871]} سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن إبراهيم بن سعد - يعني ابن أبي وقاص - عن سعد بن مالك ، وأسامة بن زيد ، وخزيمة بن ثابت ، رضي الله عنهم ، قالوا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الطاعون رجْز عذاب عُذِّب{[1872]} به من كان قبلكم " {[1873]} .

وهكذا رواه النسائي من حديث سفيان الثوري به{[1874]} . وأصل الحديث في الصحيحين من حديث حبيب بن أبي ثابت : " إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها " الحديث{[1875]} .

قال{[1876]} ابن جرير : أخبرني يونس بن عبد الأعلى ، عن ابن وهب ، عن يونس ، عن الزهري ، قال : أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أسامة بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " إن هذا الوجع والسقم رجْز عُذِّب به بعض الأمم قبلكم " {[1877]} . وهذا الحديث أصله مخرَّج في الصحيحين ، من حديث الزهري ، ومن حديث مالك ، عن محمد بن المُنكَدِر ، وسالم أبي النضر ، عن عامر بن سعد ، بنحوه{[1878]} .


[1839]:في ب: "عن دخولهم".
[1840]:زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[1841]:زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[1842]:زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[1843]:في جـ: "بلادهم".
[1844]:في جـ: "أي ركعا".
[1845]:تفسير الطبري (2/113) والمستدرك (2/262) وتفسير ابن أبي حاتم (1/182).
[1846]:زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[1847]:زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[1848]:زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[1849]:زيادة من جـ.
[1850]:في جـ: "حدثني محمد بن".
[1851]:صحيح البخاري برقم (4479).
[1852]:في جـ، ط: "بن".
[1853]:سنن النسائي الكبرى برقم (10989).
[1854]:في جـ: "فقال حنطة".
[1855]:سنن النسائي الكبرى برقم (10990).
[1856]:في جـ، ط: "شعيرة".
[1857]:صحيح البخاري برقم (4641) وصحيح مسلم برقم (3015) وسنن الترمذي برقم (2956).
[1858]:في جـ، ط: "يتذيلهم".
[1859]:ورواه الطبراني في تفسيره (2/112) عن محمد بن إسحاق، عن صالح بن كيسان، عن أبي هريرة، عن محمد بن أبي محمد، عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس.
[1860]:في جـ: "بمثله".
[1861]:سنن أبي داود برقم (4006).
[1862]:في جـ: "حدثنا".
[1863]:في جـ: "ضربة".
[1864]:ورواه البزار في مسنده برقم (1812) عن إسحاق بن بهلول، عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك به نحوه، وقال الهيثمي في المجمع (6/144): "رجاله ثقات".
[1865]:في جـ: "شعرة".
[1866]:في جـ: "شعرة".
[1867]:في جـ: "منقوشة".
[1868]:في جـ: "يدخلون".
[1869]:في جـ: "بدلوا ما أمر".
[1870]:في جـ، أ: "شعيرة".
[1871]:في جـ: "حدثنا".
[1872]:في أ: "عذب الله".
[1873]:تفسير ابن أبي حاتم (1/186).
[1874]:سنن النسائي الكبرى برقم (7523).
[1875]:صحيح البخاري برقم (5728) وصحيح مسلم برقم (2218).
[1876]:في جـ: "وقال".
[1877]:تفسير الطبري (2/116).
[1878]:صحيح البخاري برقم (3473، 6974) وصحيح مسلم برقم (2218).

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ فَأَنزَلۡنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ} (59)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ فَبَدّلَ الّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مّنَ السّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ }

وتأويل قوله : فَبَدّلَ فغير . ويعني بقوله : الّذِينَ ظَلَمُوا الذين فعلوا ما لم يكن لهم فعله . ويعني بقوله : قَوْلاً غَيْرَ الّذِي قِيلَ لَهُمْ بدلوا قولاً غير الذي أمروا أن يقولوه فقالوا خلافه ، وذلك هو التبديل والتغيير الذي كان منهم . وكان تبديلهم بالقول الذي أمروا أن يقولوه قولاً غيره ، ما :

حدثنا به الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قال اللّهُ لِبَنِي إسْرَائِيلَ : ادْخُلُوا البابَ سُجّدا وَقُولُوا حِطّةٌ نَغْفِرُ لَكُمْ خَطاياكُمْ ، فَبدلُوا وَدَخَلُوا البابَ يَزْحَفُونَ على أسْتاهِهِمْ وقالُوا : حَبّةٌ في شَعِيرَةٍ » .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة وعليّ بن مجاهد ، قالا : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن صالح بن كيسان ، عن صالح مولى التوأمة ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم . قال :

حدثت عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن سعيد بن جبير ، أو عن عكرمة ، عن ابن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «دَخَلُوا البابَ الّذِي أُمِرُوا أنْ يَدْخُلُوا مِنْهُ سُجّدا يَزْحُفُونَ على أسْتاهِهِمْ يَقُولُونَ حِنْطَةٌ فِي شَعِيرةٍ » .

وحدثني محمد بن عبد الله المحاربي ، قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : حِطّةٌ قال : «بدّلوا فقالوا : حبة » .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن السدي ، عن أبي سعيد عن أبي الكنود ، عن عبد الله : ادْخُلُوا البابَ سُجّدا وَقُولُوا حِطّة قالوا : حنطة حمراء فيها شعيرة ، فأنزل الله : فَبَدّلَ الّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيرَ الّذِي قِيلَ لَهُمْ .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : ادْخُلُوا البابَ سُجّدا قال : ركوعا من باب صغير . فجعلوا يدخلون من قِبَلِ أستاههم . ويقولون حنطة فذلك قوله : فَبَدّلَ الّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيرَ الّذِي قِيلَ لَهُمْ .

حدثنا الحسن بن الزبرقان النخعي ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد ، عن ابن عباس ، قال : أمروا أن يدخلوا ركعا ، ويقولوا حطة قال : أمروا أن يستغفروا قال : فجعلوا يدخلون من قبل أستاههم من باب صغير ويقولون حنطة يستهزئون ، فذلك قوله : فَبَدّلَ الّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غيرَ الّذِي قِيلَ لَهُمْ .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أنبأنا عبد الرزاق ، قال : أنبأنا معمر ، عن قتادة والحسن : ادْخُلُوا البابَ سُجدا قالا : دخلوها على غير الجهة التي أمروا بها ، فدخلوها متزحفين على أوراكهم ، وبدلوا قولاً غير الذي قيل لهم ، فقالوا : حبة في شعيرة .

حدثني محمد بن عمرو الباهلي ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : أمر موسى قومه أن يدخلوا الباب سجدا ويقولوا حطة ، وطُؤْطِىءَ لهم الباب ليسجدوا فلم يسجدوا ودخلوا على أدبارهم وقالوا حنطة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : أمر موسى قومه أن يدخلوا المسجد ويقولوا حطة ، وطؤطىء لهم الباب ليخفضوا رءوسهم ، فلم يسجدوا ودخلوا على أستاههم إلى الجبل ، وهو الجبل الذي تجلى له ربه وقالوا : حنطة . فذلك التبديل الذي قال الله عز وجل : فَبَدّلَ الّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غيرَ الّذِي قِيلَ لَهُمْ .

حدثني موسى بن هارون الهمداني عن ابن مسعود أنه قال : إنهم قالوا : «هطى سمقا يا ازبة هزبا » ، وهو بالعربية : حبة حنطة حمراء مثقوبة فيها شعيرة سوداء . فذلك قوله : فَبَدّلَ الّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غيرَ الّذِي قِيلَ لَهُمْ .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : وَادْخُلُوا الباب سُجّدا قال : فدخلوا على أستاههم مُقْنِعي رءوسهم .

حدثنا سفيان بن وكيع ، قال : حدثنا أبي النضر بن عديّ ، عن عكرمة : وَادْخُلُوا البابَ سُجّدا فدخلوا مقنعى رءوسهم ، وَقُولُوا حِطّة فقالوا : حنطة حمراء فيها شعيرة ، فذلك قوله : فَبَدّلَ الّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيرَ الّذِي قِيلَ لَهُمْ .

حدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس : وادْخُلُوا البابَ سُجّدا وَقُولُوا حِطّةٌ قال : فكان سجود أحدهم على خده ، وقُولُوا حِطّة نحطّ عنكم خطاياكم ، فقالوا : حنطة ، وقال بعضهم : حبة في شعيرة . فَبَدّلَ الّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غيرَ الّذِي قِيلَ لَهُمْ .

وحدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : وَادْخُلُوا البابَ سُجّدا وَقُولُوا حِطّةٌ يحط الله بها عنكم ذنبكم وخطيئاتكم . قال : فاستهزءوا به يعني بموسى وقالوا : ما يشاء موسى أن يلعب بنا إلا لعب بنا حطة حطة أيّ شيء حطة ؟ وقال بعضهم لبعض : حنطة .

حدثنا القاسم بن الحسن ، قال : حدثني الحسين ، قال : حدثني حجاج عن ابن جريج ، وقال ابن عباس : لما دخلوا قالوا : حبة في شعيرة .

حدثني محمد بن سعيد ، قال : حدثني أبي سعيد بن محمد بن الحسن ، قال : أخبرني عمي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : لما دخلوا الباب قالوا حبة في شعيرة ، فبدلوا قولاً غير الذي قيل لهم .

القول في تأويل قوله تعالى : فأنْزلْنا عَلى الّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزا مِنَ السمّاءِ .

يعني بقوله : فأنْزَلْنا على الّذِينَ ظَلَمُوا على الذين فعلوا ما لم يكن لهم فعله من تبديلهم القول الذي أمرهم الله جل وعزّ أن يقولوه قولاً غيره ، ومعصيتهم إياه فيما أمرهم به وبركوبهم ما قد نهاهم عن ركوبه رِجْزا مِنَ السمّاءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ . والرّجز في لغة العرب : العذاب ، وهو غير الرّجْز ، وذلك أن الرّجز : البَثْر ، ومنه الخبر الذي رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الطاعون أنه قال : «إنّهُ رِجْزٌ عُذّبَ بِهِ بَعْضُ الأمم الّذِينَ قَبْلَكُمْ » .

حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أسامة بن زيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إِنّ هَذا الوَجَعَ أوِ السّقْمَ رِجْزٌ عُذّبَ بِهِ بَعْضُ الأمم قَبْلَكُمْ » .

وحدثني أبو شيبة بن أبي بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا عمر بن حفص ، قال : حدثنا أبي عن الشيباني عن رباح بن عبيدة ، عند عامر بن سعد ، قال : شهدت أسامة بن زيد عند سعد بن مالك يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إِنّ الطّاعُونَ رِجْز أُنْزِلَ على مَنْ كانَ قَبْلَكُمْ أوْ على بَنِي إسْرائيلَ » .

وبمثل الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل : ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أنبأنا عبد الرزاق ، قال : أنبأنا معمر ، عن قتادة في قوله : رِجْزا قال : عذابا .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم العسقلاني ، قال : حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : فأنْزلْنا على الّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزا مِنَ السمّاءِ قال : الرجز : الغضب .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : لما قيل لبني إسرائيل : ادْخُلُوا البابَ سُجّدا وَقُولُوا حِطّةٌ فَبَدّلَ الّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيرَ الّذِي قِيلَ لَهُمْ بعث الله جل وعز عليهم الطاعون ، فلم يبق منهم أحدا . وقرأ : فأنْزَلْنَا على الّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزا مِنَ السمّاءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ . قال : وبقي الأبناء ، ففيهم الفضل والعبادة التي توصف في بني إسرائيل والخير ، وهلك الاَباء كلهم ، أهلكهم الطاعون .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : الرجز : العذاب ، وكل شيء في القرآن رجز فهو عذاب .

حدثت عن المنجاب ، قال : حدثنا بشر ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : رِجْزا قال : كل شيء في كتاب الله من الرجز ، يعني به العذاب .

وقد دللنا على أن تأويل الرجز : العذاب . وعذابُ الله جل ثناؤه أصناف مختلفة . وقد أخبر الله جل ثناؤه أنه أنزل على الذين وصفنا أمرهم الرجز من السماء ، وجائز أن يكون ذلك طاعونا ، وجائز أن يكون غيره ، ولا دلالة في ظاهر القرآن ولا في أثر عن الرسول ثابت أيّ أصناف ذلك كان .

فالصواب من القول في ذلك أن يقال كما قال الله عزّ وجل : فأنْزَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزا مِنَ السّماءِ بفسقهم . غير أنه يغلب على النفس صحة ما قاله ابن زيد للخبر الذي ذكرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إخباره عن الطاعون أنه رجز ، وأنه عذّب به قوم قبلنا . وإن كنت لا أقول إن ذلك كذلك يقينا لأن الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بيان فيه أيّ أمة عذّبت بذلك . وقد يجوز أن يكون الذين عذّبوا به كانوا غير الذين وصف الله صفتهم في قوله : فَبَدّلَ الّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيرَ الذي قِيلَ لَهُمْ .

القول في تأويل قوله تعالى : بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ .

فَبَدّلَ الّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مّنَ السّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ . وقد دللنا فيما مضى من كتابنا هذا على أن معنى الفسق : الخروج من الشيء . فتأويل قوله : بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ إذا بما كانوا يتركون طاعة الله عزّ وجلّ ، فيخرجون عنها إلى معصيته وخلاف أمره .