{ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ } تمر عليه من شدتها ونحسها . فسلطها الله عليهم { سبع ليالي وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية } [ { بِأَمْرِ رَبِّهَا } أي : بإذنه ومشيئته ] . { فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ } قد تلفت مواشيهم وأموالهم وأنفسهم . { كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ } بسبب جرمهم وظلمهم .
ثم وصف - سبحانه - هذا الريح بصفة أخرى فقال : { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا } . أى : هذه الريح التى أرسلها الله - تعالى - عليهم ، من صفاتها أنها تدمر وتهلك كل شئ مرت به يتعلق بهؤلاء الظالمين من نفس أو مال أو غيرهما . .
والتعبير بقوله : { بِأَمْرِ رَبِّهَا } لبيان أنها لم تأتهم من ذاتها ، وإنما أتتهم بأمر الله - تعالى - وبقضائه وبمشيئته .
والفاء فى قوله : { فَأْصْبَحُواْ لاَ يرى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ } فصيحة - أيضا - . أى : هذه الريح أرسلناها عليهم قدمرتهم ، فصار الناظر إليهم لا يرى شيئا من آثارهم سوى مساكنهم ، لتكون هذه المساكن عبرة لغيرهم .
قال الجمل : وقوله : { لاَ يرى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ } قرأ حمزة وعاصم { لاَ يرى } بضم الياء على البناء للمفعول ، ومساكنهم بالرفع لقيامه مقام الفاعل . والباقون من السبعة بفتح تاء الخطاب - على البناء للفاعل - و { مَسَاكِنُهُمْ } بالنصب على أنه مفعول به . .
وقوله : { كَذَلِكَ نَجْزِي القوم المجرمين } أى : مثل ذلك الجزاء المهلك المدمر ، نجازى القوم الذين من دأبهم الإِجرام والطغيان .
وهكذا طوى - سبحانه - صفحة أولئك الظالمين من قوم هود - عليه السلام - وما ظلمهم - سبحانه - ولكن كانوا أنفسهم يظلمون .
والنص القرآني يصور الريح حية مدركة مأمورة بالتدمير : ( تدمر كل شيء بأمر ربها )وهي الحقيقة الكونية التي يحفل القرآن بإشعارها للنفوس . فهذا الوجود حي . وكل قوة من قواه واعية . وكلها تدرك عن ربها وتتوجه لما تكلف به من لدنه . والإنسان أحد هذه القوى . وحين يؤمن حق الإيمان ، ويفتح قلبه للمعرفة الواصلة ، يستطيع أن يعي عن القوى الكونية من حوله ، وأن يتجاوب معها ، وأن تتجاوب معه ، تجاوب الأحياء المدركة ، بغير الصورة الظاهرة التي يعرفها الناس من الحياة والإدراك . ففي كل شيء روح وحياة ، ولكننا لا ندرك هذا لأننا محجوبون بالظواهر والأشكال عن البواطن والحقائق . والكون من حولنا حافل بالأسرار المحجوبة بالأستار ، تدركها البصائر المفتوحة ولا تراها الأبصار .
وقد أدت الريح ما أمرت به ، فدمرت كل شيء ( فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ) . . أما هم وأما أنعامهم وأما أشياؤهم وأما متاعهم فلم يعد شيء منه يرى . إنما هي المساكن قائمة خاوية موحشة ، لا ديار فيها ولا نافخ نار . . ( كذلك نجزي القوم المجرمين ) . . سنة جارية وقدر مطرد في المجرمين .
القول في تأويل قوله تعالى : { تُدَمّرُ كُلّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبّهَا فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىَ إِلاّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ } .
وقوله تُدَمّرُ كُلّ شَيء بأَمْرِ رَبّهَا : يقول تعالى ذكره : تخرّب كلّ شيء ، وترمي بعضه على بعض فتهلكه ، كما قال جرير :
وكانَ لَكُمْ كَبَكْرِ ثَمُودَ لَمّا *** رَغا ظُهْرا فَدَمّرَهُمْ دَمارا
يعني بقوله : دمرهم : ألقى بعضهم على بعض صَرْعى هَلكَى .
وإنما عنى بقوله : تُدّمّرُ كُلّ شيْءٍ بأمْرِ رَبها مما أرسلت بهلاكه ، لأنها لم تدمر هودا ومن كان آمن به .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا طلق ، عن زائدة ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : ما أرسل الله على عادٍ من الريح إلا قدر خاتمي هذا ، فنزع خاتمه .
وقوله : فَأصْبَحُوا لا يُرَى إلاّ مَساكِنُهُمْ يقول : فأصبح قوم هود وقد هلكوا وفنوا ، فلا يُرى في بلادهم شيء إلا مساكنهم التي كانوا يسكنونها .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله فأصْبَحُوا لا يُرَى إلاّ مَساكِنُهُمْ فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة «لا تُرَى إلاّ مَساكِنُهُمْ » بالتاء نصبا ، بمعنى : فأصبحوا لا ترى أنت يا محمد إلا مساكنهم وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة لا يُرَى إلاّ مَساكِنُهُمْ بالياء في يُرى ، ورفع المساكن ، بمعنى : ما وصفت قبل أنه لا يرى في بلادهم شيء إلا مساكنهم . وروى الحسن البصري «لا تُرَى » بالتاء ، وبأيّ القراءتين اللتين ذكرت من قراءة أهل المدينة والكوفة قرأ ذلك القارىء فمصيب وهو القراءة برفع المساكن إذا قُرىء قوله يُرَى بالياء وضمها وبنصب المساكن إذا قُرىء قوله : «تَرَى » بالتاء وفتحها ، وأما التي حُكيت عن الحسن ، فهي قبيحة في العربية وإن كانت جائزة ، وإنما قبحت لأن العرب تذكّر الأفعال التي قبل إلا ، وإن كانت الأسماء التي بعدها أسماء إناث ، فتقول : ما قام إلا أختك ، ما جاءني إلا جاريتك ، ولا يكادون يقولون : ما جاءتني إلا جاريتك ، وذلك أن المحذوف قبل إلا أحد ، أو شيء واحد ، وشيء يذكر فعلهما العرب ، وإن عنى بهما المؤنث ، فتقول : إن جاءك منهنّ أحد فأكرمه ، ولا يقولون : إن جاءتك ، وكان الفرّاء يجيزها على الاستكراه ، ويذكر أن المفضل أنشده :
وَنارُنا لَمْ تُرَ نارا مِثْلُها *** قَدْ عَلِمَتْ ذاكَ مَعَدّ أكْرَمَا
فأنث فعل مثل لأنه للنار ، قال : وأجود الكلام أن تقول : ما رؤي مثلها .
وقوله : وكَذَلكَ نَجْزِي القَوْمَ المجرِمينَ يقول تعالى ذكره : كما جزينا عادا بكفرهم بالله من العقاب في عاجل الدنيا ، فأهلكناهم بعذابنا ، كذلك نجزي القوم الكافرين بالله من خلقنا ، إذ تمادوا في غيهم وطَغَوا على ربهم .
وكذا قوله : { تدمر } تهلك . { كل شيء } من نفوسهم وأحوالهم . { بأمر ربها } إذ لا توجد نابضة حركة ولا قابضة سكون إلا بمشيئته ، وفي ذكر الأمر والرب وإضافة إلى الريح فوائد سبق ذكرها مرارا ، وقرئ " يدمر كل شيء " من دمر دمارا إذا هلك فيكون العائد محذوفا أو الهاء في { ربها } ، ويحتمل أن يكون استئنافا للدلالة على أن لكل ممكن فناء مقضيا لا يتقدم ولا يتأخر ، وتكون الهاء لكل شيء فإنه بمعنى الأشياء { فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم } أي فجاءتهم الريح فدمرتهم فأصبحوا بحيث لو حضرت بلادهم لا ترى إلا مساكنهم ، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي " لا يرى إلا مساكنهم " بالياء المضمومة ورفع المساكن . { كذلك نجزي القوم المجرمين } روي أن هودا عليه السلام لما أحس بالريح اعتزل بالمؤمنين في الحظيرة وجاءت الريح فأمالت الأحقاف على الكفرة ، وكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام ، ثم كشفت عنهم واحتملتهم تقذفتهم في البحر .
و : { تدمر } معناه : تهلك . والدمار : الهلاك ، ومنه قول جرير : [ الوافر ]
وكان لهم كبكر ثمود لمّا . . . رغا دهراً فدمرهم دمارا{[10320]}
وقوله : { كل شيء } ظاهره العموم ومعناه الخصوص في كل ما أمرت بتدميره ، وروي أن هذه الريح رمتهم أجمعين في البحر .
وقرأ جمهور القراء : { لا ترى إلا مساكنهم }{[10321]} ، أي لا ترى أيها المخاطب . وقرأ عاصم وحمزة : «لا يُرى » بالياء على بناء الفعل للمفعول «مساكنُهم » رفعاً . التقدير : لا يرى شيء منهم ، وهذه قراءة ابن مسعود وعمرو بن ميمون والحسن بخلاف عنه ، ومجاهد وعيسى وطلحة{[10322]} . وقرأ الحسن بن أبي الحسن والجحدري وقتادة وعمرو بن ميمون والأعمش وابن أبي إسحاق وأبو رجاء ومالك بن دينار بغير خلاف عنهما خاصة ممن ذكر{[10323]} : «لا تُرى » بالتاء منقوطة من فوق مضمومة «مساكُنهم » رفعاً ، ورويت عن ابن عامر ، وهذا نحو قول ذي الرمة : [ البسيط ]
كأنه جمل وهم وما بقيت . . . إلا النحيزة والألواح والعصب{[10324]}
فما بقيت إلا الضلوع الجراشع . . . {[10325]}
وفي هذه القراءة استكراه{[10326]} . وقرأ الأعمش وعيسى الهمداني : إلا مسكنهم «على الإفراد الذي هو اسم الجنس ، والجمهور على الجمع في اللفظة ، ووجه الإفراد تصغير الشأن وتقريبه كما قال تعالى : { ثم يخرجكم طفلاً }{[10327]} [ غافر : 67 ] .
و { كل شيء } مستعمل في كثرة الأشياء فإن ( كُلاَّ ) تأتي كثيراً في كلامهم بمعنى الكثرة . وقد تقدم عند قوله تعالى : { ولو جاءتهم كل آية } في سورة يونس ( 97 ) .
والمعنى : تدمر ما من شأنه أن تُدمره الريح من الإنسان والحيوان والديار .
وقوله : { بأمر ربها } حال من ضمير { تدمر } . وفائدة هذه الحال تقريب كيفية تدميرها كلَّ شيء ، أي تدميراً عجيباً بسبب أمر ربها ، أي تسخيره الأشياء لها فالباء للسببية . وأضيف الرب إلى ضمير الريح لأنها مسخرّة لأمر التكوين الإلهي فالأمر هنا هو أمر التكوين .
{ فأصبحوا } أي صاروا ، وأصبح هنا من أخوات صار . وليس المراد : أن تدميرهم كان ليلاً فإنهم دمّروا أياماً وليالي ، فبعضهم هلك في الصباح وبعضهم هلك مساء وليلاً .
والخطاب في قوله : { لا ترى } لمن تتأتّى منه الرؤية حينئذٍ إتماماً لاستحضار حالة دمارهم العجيبة حتى كأن الآية نازلة في وقت حدوث هذه الحادثة .
والمراد بالمساكن : آثارها وبقاياها وأنقاضها بعد قلع الريح معظمها . والمعنى : أن الريح أتت على جميعهم ولم يبق منهم أحد من ساكني مساكنهم .
وقوله : { كذلك نجزي القوم المجرمين } أي مثل جزاء عاد نجزي القوم المجرمين ، وهو تهديد لمشركي قريش وإنذار لهم وتوطئة لقوله : { ولقد مكناهم فيما إن مكَّنَّاكم فيه } [ الأحقاف : 26 ] .
وقرأ الجمهور { لا ترى } بالمثناة الفوقية مبنياً للفاعل وبنصب { مساكنهم } وقرأه عاصم وحمزة وخلف بياء تحتية مبنياً للمجهول وبرفع { مساكنُهم } وأجرى على الجمع صيغة الغائب المفرد لأن الجمع مستثنى ب { إلاّ } وهي فاصلة بينه وبين الفعل .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله "تُدَمّرُ كُلّ شَيء بأَمْرِ رَبّهَا": يقول تعالى ذكره: تخرّب كلّ شيء، وترمي بعضه على بعض فتهلكه...
وإنما عنى بقوله: "تُدّمّرُ كُلّ شيْءٍ بأمْرِ رَبها "مما أرسلت بهلاكه، لأنها لم تدمر هودا ومن كان آمن به...
وقوله: "فَأصْبَحُوا لا يُرَى إلاّ مَساكِنُهُمْ" يقول: فأصبح قوم هود وقد هلكوا وفنوا، فلا يُرى في بلادهم شيء إلا مساكنهم التي كانوا يسكنونها...
وقوله: "وكَذَلكَ نَجْزِي القَوْمَ المجرِمينَ" يقول تعالى ذكره: كما جزينا عادا بكفرهم بالله من العقاب في عاجل الدنيا، فأهلكناهم بعذابنا، كذلك نجزي القوم الكافرين بالله من خلقنا، إذ تمادوا في غيهم وطَغَوا على ربهم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
ثم وصف ذلك الريح، فقال: كما أخبر الله تعالى بقوله عز وجل: {تُدمِّر كل شيء بأمر ربها} يخرّج قوله: {تُدمِّر كل شيء بأمر ربها} على وجهين:
أحدهما: {تدمّر كل شيء} أُرسلَت، وأُمرَت بتدميره، لا تُجاوز أمر ربها، ولا تدمّر ما لم تُرسَل، وتُؤمَر بتدميره...
.ألا ترى أنها لا تُدمّر هودا وأتباعه، وهم فيهم، وبقرب منه؟...
{فأصبحوا لا يُرى إلا مساكنهم} في ظاهر هذه الآية أنها قد أبقت مساكنهم، ولم تُدمّرها...
قال بعضهم: إنهم لمّا التجأوا إلى مساكنهم، وهربوا منها، كانت تدخل الريح مساكنهم، وتُخرِجهم منها، فتلقيهم في صحاريهم وأفنيتهم موتى...
فدل ما ذكرنا أنها لم تجاوز أمر ربها في الإهلاك، والله أعلم...
{كذلك نجزي القوم المجرمين} كأن المجرم هو الذي يُديم اكتساب الجرم والإثم...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{تُدَمِّرُ كُلَّ شيء} تهلك من نفوس عاد وأموالهم الجم الكثير، فعبر عن الكثرة بالكلية. فإن قلت: ما فائدة إضافة الرب إلى الريح؟ قلت: الدلالة على أن الريح وتصريف أعنتها مما يشهد لعظم قدرته، لأنها من أعاجيب خلقه وأكابر جنوده. وذكر الأمر وكونها مأمورة من جهته عز وجل يعضد ذلك ويقوّيه.
قوله تعالى: {كذلك نجزي القوم المجرمين} والمقصود منه تخويف كفار مكة...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{تدمر} أي تهلك إهلاكاً عظيماً شديداً سريعاً تأتي بغتة على طريق الهجوم {كل شيء} أي أتت عليه-، هذا شأنها فمن سلم منها كهود عليه الصلاة والسلام ومن آمن به رضي الله عنهم فسلامته أمر خارق للعادة كما أن أمرها في إهلاك كل ما مرت عليه أمر خارق للعادة...
{بأمر ربها} أي المبدع لها والمربي والمحسن بالانتقام بها من أعدائه. ولما ذكرها بهذا الذكر الهائل، وكان التقدير: جاءتهم فدمرتهم لم تترك منهم أحداً، سبب عن ذلك زيادة في التهويل قوله: {فأصبحوا} ولما اشتد إصغاء السامع إلى كيفية إصباحهم، قال مترجماً لهلاكهم: {لا ترى} أي أيها الرائي، فلما عظمت روعة القلب وهول النفس قال تعالى: {إلا مساكنهم} أي جزاء على إجرامهم، فانطبقت العبارة على المعنى، وعلم أن المراد بالإصباح مطلق الكون، ولكنه عبر به لأن المصيبة فيه أعظم، وعلم أنه لم يبق من المكذبين ديار ولا نافخ نار، وهذا كناية عن عموم الهلاك...
{كذلك} أي مثل هذا الجزاء الهائل في أصله أو جنسه أو نوعه أو شخصه من الإهلاك {نجزي} بعظمتنا دائماً إذا شئنا {القوم} وإن كانوا أقوى ما يكون {المجرمين *} أي العريقين في الإجرام الذين يقطعون ما حقه الوصل فيصلون ما حقه القطع، وذلك الجزاء هو الإهلاك على هذا الوجه الشنيع، فاحذروا أيها العرب مثل ذلك إن لم ترجعوا.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
والنص القرآني يصور الريح حية مدركة مأمورة بالتدمير: (تدمر كل شيء بأمر ربها) وهي الحقيقة الكونية التي يحفل القرآن بإشعارها للنفوس. فهذا الوجود حي. وكل قوة من قواه واعية. وكلها تدرك عن ربها وتتوجه لما تكلف به من لدنه...
وقد أدت الريح ما أمرت به، فدمرت كل شيء (فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم).. أما هم وأما أنعامهم وأما أشياؤهم وأما متاعهم فلم يعد شيء منه يرى. إنما هي المساكن قائمة خاوية موحشة، لا ديار فيها ولا نافخ نار.. (كذلك نجزي القوم المجرمين).. سنة جارية وقدر مطرد في المجرمين...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والخطاب في قوله: {لا ترى} لمن تتأتّى منه الرؤية حينئذٍ إتماماً لاستحضار حالة دمارهم العجيبة حتى كأن الآية نازلة في وقت حدوث هذه الحادثة. وقوله: {بأمر ربها} حال من ضمير {تدمر}. وفائدة هذه الحال تقريب كيفية تدميرها كلَّ شيء، أي تدميراً عجيباً بسبب أمر ربها، أي تسخيره الأشياء لها فالباء للسببية. وأضيف الرب إلى ضمير الريح لأنها مسخرّة لأمر التكوين الإلهي فالأمر هنا هو أمر التكوين. {فأصبحوا} أي صاروا، وأصبح هنا من أخوات صار. وليس المراد: أن تدميرهم كان ليلاً فإنهم دمّروا أياماً وليالي، فبعضهم هلك في الصباح وبعضهم هلك مساء وليلاً. والمراد بالمساكن: آثارها وبقاياها وأنقاضها بعد قلع الريح معظمها. والمعنى: أن الريح أتت على جميعهم ولم يبق منهم أحد من ساكني مساكنهم.
التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :
{تدمر كل شيء بأمر ربها}، إشارة إلى أن الظواهر الكونية على اختلافها – والريح من جملتها- إنما هي كائنات مسخرة بأمر الله، لا تتحرك إلا وفق مراده، طبقا لنواميس كونية معلومة، ولا تنفذ إلا خططا إلهية مرسومة...