{ 26 } { إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا }
يقول تعالى : { إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ } حيث أنفوا من كتابة { بسم الله الرحمن الرحيم } وأنفوا من دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين إليهم في تلك السنة ، لئلا يقول الناس : { دخلوا مكة قاهرين لقريش } وهذه الأمور ونحوها من أمور الجاهلية ، لم تزل في قلوبهم حتى أوجبت لهم ما أوجبت من كثير من المعاصي ، { فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ } فلم يحملهم الغضب على مقابلة المشركين بما قابلوهم به ، بل صبروا لحكم الله ، والتزموا الشروط التي فيها تعظيم حرمات الله ولو كانت ما كانت ، ولم يبالوا بقول القائلين ، ولا لوم اللائمين .
{ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى } وهي { لا إله إلا الله } وحقوقها ، ألزمهم القيام بها ، فالتزموها وقاموا بها ، { وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا } من غيرهم { و } كانوا { أهلها } الذين استأهلوها لما يعلم الله عندهم وفي قلوبهم من الخير ، ولهذا قال : { وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا }
ثم بين - سبحانه - ما كان عليه المشركون من جهالات وحماقات استولت على نفوسهم فقال : { إِذْ جَعَلَ الذين كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الحمية حَمِيَّةَ الجاهلية } .
والظرف { إِذْ } منصوب بفعل مقدر . والحمية : الأنفة والتكبر والغرور والتعالى بغير حق . يقال : حَمِىَ أنفه من الشئ - كرضى - إذا غضب منه ، وأعرض عنه .
أى : واذكر - أيها العاقل - وقت أن تمسك الكافرون وقيدوا أنفسهم بالحمية الباطلة ، التى هى حمية المِلّة الجاهلية ، حيث منعوا المسلمين من دخول مكة ، ومن الطواف بالمسجد الحرام ، وحيث منعوا الهدى من أن يبلغ محله ، وحيث أبوا أن يكتب فى الصحيفة التى عقدت بينهم وبين المسلمين ، بسم الله الرحمن الرحيم ، أو محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهذا كله من حميتهم الجاهلية التى لا أساس لها من علم أو خلق أو دين .
وقوله : { فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ على رَسُولِهِ وَعَلَى المؤمنين وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التقوى . . . } معطوف على ما قبله ، للمقابلة بين حال الفريقين ، مقابلة تتجلى فيها رعايته - سبحانه - للمؤمنين ، وغضبه على الكافرين . أى : هذا هو حال الكافرين ، رسخت الجهالات فى قلوبهم حتى صرفتهم عن سبيل الرشد ، أما حال المؤمنين فأنهم قابلوا تصرفات هؤلاء الكافرين بالاحتقار والازدراء ومبايعة رسولهم - صلى الله عليه وسلم - على الموت إذا لزم الأمر ذلك .
فأنزل الله - تعالى - طمأنينته وسكينته على قلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى قلوب أصحابه ، حيث لم يجعلهم يقابلون سفاهات المشركين بسفاهات مثلها . .
{ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التقوى } أى : وجعلهم ملتزمين بما تقتضيه كلمة التقوى ، وهى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوا الله ، من أناة وسكون وثبات ووقار وخلق كريم وإخلاص فى الجهاد من أجل إعلاء كلمة الله .
{ وكانوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا } أى : وكان المؤمنين أحق بهذه الكلمة من الكفار ، وكانوا أهلا لها دون الكفار ، لأن المؤمنين استجابوا للحق . أما الكافرون فقد أنفوا منه ، وتطاولوا عليه ، بمقضتى حميتهم الجاهلية . . { وَكَانَ } - سبحانه - وما زال { بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً } لا يخفى عليه أمر ، ولا يغيب عن علمه شئ ، والمتأمل فى هذه الآية الكريمة يرى ألوانا من المقابلات التى تدل على مدح الله - تعالى - للمؤمنين ، وعلى احتقاره للكافرين .
فقد عبر - سبحانه - فى جانب الكافرين بكلمة جعل التى تشعر بأن الكافرين كأنهم قد ألقوا هذه الحمية الجاهلية فى قلوبهم إلقاء بدون تعقل أو تبدر ، بينما عبر فى جانب المؤمنين بكلمة أنزل التى تشعر كأن السكينة كانت فى خزائنه - تعالى - ثم أنزلها بعد ذلك على قلب رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى قلوب المؤمنين ، ليزدادوا إيمانا على إيمانهم . .
ونرى الفاعل لجعل هو الذين كفروا ، بينما الفاعل لأنزل هو الله - عز وجل - .
ونرى المفعول لجعل هو الحمية ، وهى كلمة مشتعلة منفرة ، وقد كررها - سبحانه - ليزداد العقلاء نفورا منها . . ونرى المفعول لأنزل هو السكينة وهى كلمة فيها ما فيها من الوقار والسكون والثبات والطمأنينة .
ونرى الحمية قد أضيفت إلى الجاهلية ، بينما السكينة أضيفت إلى الله - تعالى - .
ونرى أن الله - تعالى - قد أضاف كل ذلك مدحا عظيما لعباده المؤمنين حيث ألزمهم كلمة التقوى ، وجعلهم بها وأهلا لها دون أعدائهم الذين آثروا الغى على الرشد ، والباطل على الحق . . وفى ذلك ما فيه من الثناء على المؤمنين والتحقير للكافرين .
ويمضي في وصف الذين كفروا . وصف نفوسهم من الداخل . بعد تسجيل صفتهم وعملهم الظاهر :
( إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ) . .
حمية لا لعقيدة ولا لمنهج . إنما هي حمية الكبر والفخر والبطر والتعنت . الحمية التي جعلتهم يقفون في وجه رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ومن معه ، يمنعونهم من المسجد الحرام ، ويحبسون الهدي الذي ساقوه ، أن يبلغ محله الذي ينحر فيه . مخالفين بذلك عن كل عرف وعن كل عقيدة . كي لا تقول العرب ، إنه دخلها عليهم عنوة . ففي سبيل هذه النعرة الجاهلية يرتكبون هذه الكبيرة الكريهة في كل عرف ودين ؛ وينتهكون حرمة البيت الحرام الذي يعيشون على حساب قداسته ؛ وينتهكون حرمة الأشهر الحرم التي لم تنتهك في جاهلية ولا إسلام ! وهي الحمية التي بدت في تجبيههم لكل من أشار عليهم - أول الأمر - بخطة مسالمة ، وعاب عليهم صد محمد ومن معه عن بيت الله الحرام . وهي كذلك التي تبدت في رد سهيل بن عمرو لاسم الرحمن الرحيم ، ولصفة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في أثناء الكتابة . وهي كلها تنبع من تلك الجاهلية المتعجرفة المتعنتة بغير حق .
وقد جعل الله الحمية في نفوسهم على هذا النحو الجاهلي ، لما يعلمه في نفوسهم من جفوة عن الحق والخضوع له . فأما المؤمنون فحماهم من هذه الحمية . وأحل محلها السكينة ، والتقوى :
( فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين . وألزمهم كلمة التقوى . وكانوا أحق بها وأهلها ) . .
والسكينة الوقورة الهادئة ، كالتقوى المتحرجة المتواضعة كلتاهما تليق بالقلب المؤمن الموصول بربه ، الساكن بهذه الصلة . المطمئن بما فيه من ثقة . المراقب لربه في كل خالجة وكل حركة ، فلا يتبطر ولا يطغى ؛ ولا يغضب لذاته ، إنما يغضب لربه ودينه . فإذا أمر أن يسكن ويهدأ خشع وأطاع . في رضى وطمأنينة .
ومن ثم كان المؤمنون أحق بكلمة التقوى ، وكانوا أهلها . وهذا ثناء آخر من ربهم عليهم . إلى جانب الامتنان عليهم بما أنزل على قلوبهم من سكينة ، وما أودع فيها من تقوى . فهم قد استحقوها في ميزان الله ، وبشهادته ؛ وهو تكريم بعد تكريم ، صادر عن علم وتقدير :
القول في تأويل قوله تعالى : { إِذْ جَعَلَ الّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيّةَ حَمِيّةَ الْجَاهِلِيّةِ فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىَ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التّقْوَىَ وَكَانُوَاْ أَحَقّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللّهُ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيماً } .
يعني تعالى ذكره بقوله : إذْ جَعَلَ الّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِم الْحَمِيّةَ حَمِيّةَ الجاهِلِيّةِ حين جعل سُهيل بن عمرو في قلبه الحمية ، فامتنع أن يكتب في كتاب المقاضاة الذي كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين : بسم الله الرحمن الرحيم ، وأن يكتب فيه : محمد رسول الله ، وامتنع هو وقومه من دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم عامه ذلك . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهريّ ، قال : كانت حميتهم التي ذكر الله ، إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية ، حمية الجاهلية ، أنهم لم يقرّوا «بسم الله الرحمن الرحيم » وحالوا بينهم وبين البيت .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن معمر ، عن الزهري بنحوه .
حدثني عمرو بن محمد العثماني ، قال : حدثنا إسماعيل بن أبي أويس ، قال : ثني أخي ، عن سليمان ، عن يحيى بن سعيد ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، أن أبا هريرة أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «أمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النّاسَ حتى يَقُولُوا لا إلَهَ إلاّ اللّهُ ، فَمَنْ قال لا إلَه إلاّ اللّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنّي مالَهُ وَنَفْسَهُ إلاّ بِحَقّهِ وَحِسابُهُ على الله » . وأنزل الله في كتابه ، فذكر قوما استكبروا فقال : إنّهُمْ كانُوا إذَا قِيلَ لَهُمْ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ يَسْتَكْبِرُون وقال الله : إذْ جَعَلَ الّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيّةَ حَمِيّةَ الجاهِلِيّة فأنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رسَوُلِهِ وَعَلى المُؤْمِنينَ وألْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التّقْوَى وكانُوا أحَقّ بِها وأهْلَها وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله ، استكبر عنها المشركون يوم الحُديبية ، يوم كاتبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على قضية المدّة .
و «إذ » من قوله : إذْ جَعَلَ الّذِينَ كَفَرُوا من صلة قوله : لعذّبنا . وتأويل الكلام : لعذّبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما ، حين جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية ، والحمية فعيلة من قول القائل : حمى فلان أنفه حمية ومحمية ومنه قول المتلمس :
ألا إنّنِي مِنْهُمْ وَعِرْضِي عِرْضُهُمْ *** كَذا الرأس يَحْمي أنْفَهُ أنْ يُكَشّما
يعني بقوله : «يحمي » : يمنع . وقال حَمِيّةَ الجاهِلِيّةِ لأن الذي فعلوا من ذلك كان جميعه من أخلاق أهل الكفر ، ولم يكن شيء منه مما أذن الله لهم به ، ولا أحد من رسله .
وقوله : فَأَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعلى المُؤْمِنِينَ يقول تعالى ذكره فأنزل الله الصبر والطمأنينة والوقار على رسوله وعلى المؤمنين ، إذ حمى الذين كفروا حمية الجاهلية ، ومنعوهم من الطواف بالبيت ، وأبوا أن يكتبوا في الكتاب بينه وبينهم بسم الله الرحمن الرحيم ، ومحمد رسول الله وألْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التّقْوَى يقال : ألزمهم قول لا إله إلا الله التي يتقون بها النار ، وأليم العذاب . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف في ذلك منهم ، ورُوي به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر قائلي ذلك بما قلنا فيه ، والخبر الذي ذكرناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
حدثنا الحسن بن قزعة الباهلي ، قال : حدثنا سفيان بن حبيب ، قال : حدثنا شعبة ، عن ثور بن أبي فاختة ، عن أبيه ، عن الطفيل ، عن أبيه ، سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : وألْزَمَهُمْ كَلمَةَ التّقْوَى قال : «لا إلَهَ إلاّ اللّهُ » .
حدثني محمد بن خالد بن خداش العَتَكِيّ ، قال : سمعت سالما ، سمع شعبة ، سمعَ سَلَمة بن كُهَيل ، سمعِ عبَايَة ، سمع عليا رضي الله عنه في قوله : وألْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التّقْوَى قال : لا إله إلا الله .
حدثني ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى وعبد الرحمن ، قالا : حدثنا سفيان ، عن سلمة ، عن عباية بن ربعي ، عن عليّ رضي الله عنه ، في قوله : وألْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التّقْوَى قال : لا إله إلاّ الله ، والله أكبر .
حدثني محمد بن عيسى الدامغاني ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن سفيان وشعبة ، عن سلمة بن كهيل ، عن رجل ، عن عليّ رضي الله عنه قال : لا إله إلاّ الله ، والله أكبر .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، عن شعبة ، عن سلمة ، عن عبايه ، عن رجل من بني تميم عن عليّ رضي الله عنه وألْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التّقْوَى قال : لا إله إلاّ الله .
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وألْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التّقْوَى يقول : شهادة أن لا إله إلاّ الله ، فهي كلمة التقوى ، يقول : فهي رأس التقوى .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : سمعت أبا إسحاق يحدّث عن عمرو بن ميمون أنه كان يقول في هذه الآية وألْزَمَهُم كَلِمَةَ التّقْوَى قال : لا إله إلاّ الله .
حدثني محمد بن عيسى ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : أخبرني سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، مثله .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون وأَلْزَمَهَمْ كَلِمَةَ التّقْوَى قال : لا إله إلاّ الله .
قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد وألْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التّقْوَى وقال : لا إله إلاّ الله .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وألْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التّقْوَى وهي : شهادة أن لا إله إلا الله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وألْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التّقْوَى قال : هي لا إله إلاّ الله .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله وألْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التّقْوَى هي لا إله إلاّ الله .
حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا حفص بن عمر ، قال : حدثنا الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، في قوله : وألْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التّقْوَى قال : شهادة أن لا إله إلاّ الله .
حدثني ابن البرقيّ ، قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، عن سعيد بن عبد العزيز ، عن عطاء الخراسانيّ وألْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التّقْوَى قال : لا إله إلاّ الله محمد رسول الله .
حدثني الصواريّ محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا محمد بن سوار ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن يزيد بن أبي خالد المكي ، عن عليّ الأزديّ ، قال : كنت مع ابن عمر بين مكة ومنى بالمأزمين ، فسمع الناس يقولون : لا إله إلاّ الله ، والله أكبر ، فقال : هي هي ، فقلت : ما هي ؟ قال : وألْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التّقْوَى الإخلاص وكَانُوا أَحَقّ بِها وَأَهْلَهَا .
وقال آخرون : بل : هي كلمة التقوى ، الإخلاص . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ بن الحسين الأزديّ ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد وألْزَمَهُمْ كَلِمَةً التّقْوَى قال : الإخلاص .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد كَلِمَةَ التّقْوَى كلمة الإخلاص .
وقال آخرون : هي قوله : بسم الله الرحمن الرحيم . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عيسى ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن معمر ، عن الزهريّ ، في قوله : وألْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التّقْوَى قال : بسم الله الرحمن الرحيم .
وقال آخرون : هي قول لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كُرّيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، قال : أخبرنا ابن جُرَيج ، عن مجاهد وعطاء وألْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التّقْوَى قال : أحدهما الإخلاص ، وقال الاَخر : كلمة التقوى : لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له له المُلك وله الحمد ، وهو على كلّ شيء قدير .
وقوله : وكانُوا أحَقّ بِها وأهْلَها يقول تعالى ذكره : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم : والمؤمنون أحقّ بكلمة التقوى من المشركين وأهلها : يقول : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون أهل كلمة التقوى دون المشركين . وذُكر أنها في قراءة عبد الله «وكانُوا أهْلَها وأحَقّ بِها » . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وكانُوا أَحَقّ بها وأهْلَها وكان المسلمون أحقّ بها ، وكانوا أهلها : أي التوحيد ، وشهادة أن لا إله إلاّ الله ، وأن محمدا عبده ورسوله .
وقوله : وكانَ اللّهُ بكُلّ شَيْءٍ عَلِيما يقول تعالى ذكره : ولم يزل الله بكل شيء ذا علم ، لا يخفى عليه شيء هو كائن ، ولعلمه أيها الناس بما يحدث من دخولكم مكة وبها رجال مؤمنون ، ونساء مؤمنات لم تعلموهم ، لم يأذن لكم بدخولكم مكة في سفرتكم هذه .
{ إذ جعل الذين كفروا } مقدر باذكر أو ظرف { لعذبنا } أو { صدوكم } . { في قلوبهم الحمية } الأنفة . { حمية الجاهلية } التي تمنع إذعان الحق . { فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين } فأنزل عليهم الثبات والوقار وذلك ما روي " أنه عليه الصلاة والسلام لما هم بقتالهم بعثوا سهيل بن عمرو أو حويطب بن عبد العزى ومكرز بن حفص ليسألوه أن يرجع من عامه على أن يخلي له قريش مكة من القابل ثلاثة أيام ، فأجابهم وكتبوا بينهم كتابا ، فقال عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه : " اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، فقالوا ما نعرف هذا اكتب باسمك اللهم ثم قال : اكتب هذا ما صالح عليه رسول الله أهل مكة فقالوا : لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت وما قاتلناك ، اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله أهل مكة ، فقال عليه الصلاة والسلام : " اكتب ما يريدون " فهم المؤمنون أن يأبوا ذلك ويبطشوا عليهم فأنزل الله السكينة عليهم فتوقروا وتحملوا . { وألزمهم كلمة التقوى } كلمة الشهادة أو بسم الله الرحمن الرحيم محمد رسول الله اختارها لهم ، أو الثبات والوفاء بالعهد وإضافة ال { كلمة } إلى { التقوى } لأنها سببها أو كلمة أهلها . { وكانوا أحق بها } من غيرهم . { وأهلها } والمستأهلين لها . { وكان الله بكل شيء عليما } فيعلم أهل كل شيء وييسره له .
والعامل في قوله : { إذ جعل } قوله تعالى : { لعذبنا } ويحتمل أن يكون المعنى : أذكر إذ جعلنا .
و : { الحمية } التي جعلوها هي حمية أهل مكة في الصد ، قال الزهري : وحمية سهيل{[10427]} ومن شاهد عقد الصلح في أن منعوا أن يكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، ولجوا حتى كتب باسمك اللهم ، وكذلك منعوا أن يثبت : هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله . ولجوا حتى قال صلى الله عليه وسلم لعلي : «امح واكتب » هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله الحديث وجعلها تعالى «حمية جاهلية » ، لأنها كانت بغير حجة وفي غير موضعها ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو جاءهم محارباً لعذرهم في حميتهم ، وإنما جاء معظماً للبيت لا يريد حرباً ، فكانت حميتهم جاهلية صرفاً . والسكينة هي الطمأنينة إلى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والثقة بوعد الله والطاعة وزوال الأنفة التي لحقت عمر وغيره .
و : { كلمة التقوى } قال الجمهور : هي لا إله إلا الله ، وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم . وقال عطاء بن أبي رباح : هي لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير . وقال أبو هريرة وعطاء الخراساني : هي لا إله إلا الله محمد رسول الله . وقال علي بن أبي طالب : هي لا إله إلا الله والله أكبر ، وحكاه الثعلبي عن ابن عمر .
قال القاضي أبو محمد : وهذه كلها أقوال متقاربة حسان ، لأن هذه الكلمة تقي النار ، فهي { كلمة التقوى } .
وقال الزهري عن المسور ومروان : { كلمة التقوى } المشار إليها هي بسم الله الرحمن الرحيم وهي التي أباها كفار قريش ، فألزمها الله المؤمنين وجعلهم { أحق بها }
قال القاضي أبو محمد : ولا إله إلا الله أحق باسم : { كلمة التقوى } . من : بسم الله الرحمن الرحيم .
وفي مصحف ابن مسعود : «وكانوا أهلها وأحق بها » . والمعنى : كانوا أهلها على الإطلاق في علم الله وسابق قضائه لهم ، وقيل { أحق بها } من اليهود والنصارى في الدنيا ، وقيل أهلها في الآخرة بالثواب .
وقوله تعالى : { وكان الله بكل شيء عليماً } إشارة إلى علمه بالمؤمنين الذين دفع عن كفار قريش بسببهم وإلى علمه بوجه المصلحة في صلح الحديبية ، فيروى أنه لما انعقد ، أمن الناس في تلك المدة الحرب والفتنة ، وامتزجوا ، وعلت دعوة الإسلام ، وانقاد إليه كل من كان له فهم من العرب ، وزاد عدد الإسلام أضعاف ما كان قبل ذلك .
قال القاضي أبو محمد : ويقتضي ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في عام الحديبية في أربع عشرة مائة ، ثم سار إلى مكة بعد ذلك بعامين في عشرة آلاف فارس صلى الله عليه وسلم .