تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ثُمَّ لَتُسۡـَٔلُنَّ يَوۡمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ} (8)

{ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } الذي تنعمتم به في دار الدنيا ، هل قمتم بشكره ، وأديتم حق الله فيه ، ولم تستعينوا به ، على معاصيه ، فينعمكم نعيمًا أعلى منه وأفضل ، أم اغتررتم به ، ولم تقوموا بشكره ؟ بل ربما استعنتم به على معاصي الله فيعاقبكم على ذلك ، قال تعالى : { وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ } الآية .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ثُمَّ لَتُسۡـَٔلُنَّ يَوۡمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ} (8)

ثم ختم - سبحانه - السورة بقوله : { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم } ، والمراد بالنعيم هنا : ما يتنعم به الإِنسان خلال حياته الدنيوية من مال وولد ، ومن طعام وشراب ، ومن متعه وشهوة . . من النعومة التى هى ضد الخشونة .

أى : ثم إنكم بعد ذلك - أيها الناس - والله لتسألن يوم القيامة عن ألوان النعم التى منحكم الله - تعالى - إياها ، فمن أدى ما يجب عليه نحوها من شكر الله - تعالى - عليها كان من السعداء ، ومن جحدها وغمطها وشغلته عن طاعة ربه ، وتباهى وتفاخر بها . . كان من الأشقياء ، كما قال - تعالى - : { وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } فالمراد بالسؤال إنما هو سؤال التكريم والتبشير للمؤمنين الشاكرين ، وسؤال الإِهانة والتوبيخ للفاسقين الجاحدين .

والآية الكريمة دعوة حارة للناس ، إلى شكر نعمة - تعالى - واستعمالها فيما خلقت له .

قال القرطبى ما ملخصه : والسؤال يكون للمؤمن والكافر . . والجمع بين الأخبار التى وردت فى ذلك : أن الكل يسألون ، ولكن سؤال الكافر توبيخ ؛ لأنه قد ترك الشكر ، وسؤال المؤمن سؤال تشريف ؛ لأنه قد شكر ، وهذا النعيم فى كل نعمة .

نسأل الله - تعالى - أن يجعلنا من عباده الشاكرين .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ثُمَّ لَتُسۡـَٔلُنَّ يَوۡمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ} (8)

( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) !

لتسألن عنه من أين نلتموه ? وفيم أنفقتموه ? أمن طاعة وفي طاعة ? أم من معصية وفي معصية ? أمن حلال وفي حلال ? أم من حرام وفي حرام ? هل شكرتم ? هل أديتم ? هل شاركتم ? هل استأثرتم ?

( لتسألن )عما تتكاثرون به وتتفاخرون . . فهو عبء تستخفونه في غمرتكم ولهوكم ولكن وراءه ما وراءه من هم ثقيل !

ختام السورة:

إنها سورة تعبر بذاتها عن ذاتها . وتلقي في الحس ما تلقي بمعناها وإيقاعها . وتدع القلب مثقلا مشغولا بهم الآخرة عن سفساف الحياة الدنيا وصغائر اهتماماتها التي يهش لها الفارغون !

إنها تصور الحياة الدنيا كالومضة الخاطفة في الشريط الطويل . . ( ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ) . . وتنتهي ومضة الحياة الدنيا وتنطوي صفحتها الصغيرة . . ثم يمتد الزمن بعد ذلك وتمتد الأثقال ؛ ويقوم الأداء التعبيري ذاته بهذا الإيحاء . فتتسق الحقيقة مع النسق التعبيري الفريد . .

وما يقرأ الإنسان هذه السورة الجليلة الرهيبة العميقة ، بإيقاعاتها الصاعدة الذاهبة في الفضاء إلى بعيد في مطلعها ، الرصينة الذاهبة إلى القرار العميق في نهايتها . . حتى يشعر بثقل ما على عاتقه من أعقاب هذه الحياة الوامضة التي يحياها على الأرض ثم يحمل ما يحمل منها ويمضي به مثقلا في الطريق !

ثم ينشئ يحاسب نفسه على الصغير والزهيد ! ! !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ثُمَّ لَتُسۡـَٔلُنَّ يَوۡمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ} (8)

وقوله : { ثُمّ لَتُسْئَلُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ } يقول : ثم ليسألنكم الله عزّ وجلّ عن النعيم الذي كنتم فيه في الدنيا : ماذا عملتم فيه ؟ من أين وصلتم إليه ؟ وفيم أصبتموه ؟ وماذا عملتم به ؟

واختلف أهل التأويل في ذلك النعيم ما هو ؟ فقال بعضهم : هو الأمن والصحة . ذكر من قال ذلك :

حدثني عباد بن يعقوب ، قال : حدثنا محمد بن سليمان ، عن ابن أبي ليلى ، عن الشعبيّ ، عن ابن مسعود ، في قوله : { ثُمّ لَتُسْئَلُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ } قال : الأمن والصحة .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا حفص ، عن ابن أبي ليلى ، عن الشعبيّ ، عن عبد الله ، مثله .

حدثني عليّ بن سعيد الكنديّ ، قال : حدثنا محمد بن مروان ، عن ليث ، عن مجاهد { ثُمّ لَتُسْئَلُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ } قال : الأمن والصحة .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا سفيان ، قال : بلغني في قوله : { لَتُسْئَلُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ } قال : الأمن والصحة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن إسماعيل بن عياش ، عن عبد العزيز بن عبد الله ، قال : سمعت الشعبيّ يقول : النعيم المسئول عنه يوم القيامة : الأمن والصحة .

قال : ثنا مهران ، عن خالد الزيات ، عن ابن أبي ليلى ، عن عامر الشعبيّ ، عن ابن مسعود ، مثله .

قال : ثنا مهران ، عن سفيان { ثُمّ لَتُسْئَلُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ } قال : الأمن والصحة .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ثم لَيُسْئَلُنّ يومئذٍ عما أنعم الله به عليهم مما وهب لهم من السمع والبصر وصحة البدن . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : { ثُمّ لَتُسْئَلُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ } قال : النعيم : صحة الأبدان والأسماع والأبصار ، قال : يسأل الله العباد فيم استعملوها ، وهو أعلم بذلك منهم ، وهو قوله : { إنّ السّمْعَ والْبَصَرَ والفُؤَادَ كُلّ أُولَئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْئُولاً } .

حدثني إسماعيل بن موسى الفَزاريّ ، قال : أخبرنا عمر بن شاكر ، عن الحسن قال : كان يقول في قوله : { ثُمّ لَتُسْئَلُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ } قال : السمع والبصر ، وصحة البدن .

وقال آخرون : هو العافية . ذكر من قال ذلك :

حدثني عباد بن يعقوب ، قال : حدثنا نوح بن درّاج ، عن سعد بن طريف ، عن أبي جعفر { ثُمّ لَتُسْئَلُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ } قال : العافية .

وقال آخرون : بل عُنِي بذلك : بعض ما يطعمه الإنسان ، أو يشربه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن بكير بن عتيق ، قال : رأيت سعيد بن جُبَير أُتِيَ بشربة عسل ، فشربها ، وقال : هذا النعيم الذي تُسئلون عنه .

حدثني عليّ بن سهل الرمليّ ، قال : حدثنا الحسن بن بلال ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عَمّار بن أبي عمار ، قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : أتانا النبيّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، فأطعمناهم رُطَبا ، وسقيناهم ماء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هَذَا مِنَ النّعِيمِ الّذِي تُسْئَلُونَ عَنْهُ » .

حدثنا جابر بن الكرديّ ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عمار بن أبي عمار ، قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : أتانا النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحوه .

حدثني الحسن بن عليّ الصّدائي ، قال : حدثنا الوليد بن القاسم ، عن يزيد بن كيسان ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، قال : بينما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما جالسان ، إذ جاء النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : «ما أجْلَسَكُما ها هُنا ؟ » قالا : الجوع ، قال : «وَالّذِي بَعَثَنِي بالْحَقّ ما أخْرَجَنِي غَيرُهُ » ، فانطلقوا حتى أتوا بيت رجل من الأنصار ، فاستقبلتهم المرأة ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : «أيْنَ فُلانُ ؟ » فقالت : ذهب يستعذب لنا ماء ، فجاء صاحبهم يحمل قربته ، فقال : مَرْحَبا ، ما زار العِبادَ شَيءٌ أفضلَ من شيء زارني اليوم ، فعلّق قربته بكَرَب نخلة ، وانطلق فجاءهم بعِذْق ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «ألا كُنْتَ اجْتَنَيْتَ ؟ » فقال : أحببت أن تكونوا الذين تختارون على أعينكم ، ثم أخذ الشّفرة ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «إيّاكَ والْحَلُوبَ » ، فذبح لهم يومئذٍ ، فأكلوا ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : «لَتُسْئَلُنّ عَنْ هَذَا يَوْمَ القِيامَةِ ، أخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الجُوعُ ، فَلَمْ تَرْجِعُوا حتّى أصَبْتُمْ هَذَا ، فَهَذَا مِنَ النّعِيمِ » .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا يحيى بن أبي بكير ، قال : حدثنا شيبان بن عبد الرحمن ، عن عبد الملك بن عُمَير ، عن أبي سَلَمة ، عن أبي هريرة ، قال : قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر : «انْطَلِقُوا بِنا إلى أبي الهَيْثَمِ بن التّيّهانِ الأنْصَارِيّ ، » فَأتَوهُ ، فانطلق بهم إلى ظلّ حديقته ، فبسط لهم بساطا ، ثم انطلق إلى نخلة ، فجاء بِقِنْوٍ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فَهَلا تَنَقّيْتَ لَنَا مِنْ رُطَبِهِ ؟ » فقال : أردت أن تَخَيّروا من رطبه وبُسره ، فأكلوا وشربوا من الماء فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : «هَذَا وَالّذِي نَفْسِي بِيدِهِ مِنَ النّعِيمِ الّذِي أنْتُمْ فِيهِ مَسْئُولُونَ عَنْهُ يَوْمَ القِيامَةِ ، هَذَا الظّلّ البارِدُ ، والرّطَبُ البارِدُ ، عَلَيْهِ الماءُ البارِدُ » .

حدثني صالح بن مسمار المروزي ، قال : حدثنا آدم بن أبي إياس ، قال : حدثنا شيبان ، قال : حدثنا عبد الملك بن عمير ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه ، إلا أنه قال في حديثه : «ظِلّ بارِدٌ ، وَرُطَبٌ بارِدٌ ، وَماءٌ بارِدٌ » .

حدثنا عليّ بن عيسى البزاز ، قال : حدثنا سعيد بن سليمان ، عن حشرج بن نباتة ، قال : حدثنا أبو بصيرة عن أبي عسيب ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : مرّ النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى دخل حائطا لبعض الأنصار ، فقال لصاحب الحائط : «أطْعِمْنا بُسْرا » ، فجاءه بِعْذِقٍ فَوَضَعهُ ، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ثم دعا بماء بارد فشرب ، فقال : «لتُسْئَلُنّ عَنْ هَذَا يَوْمَ القِيامَةِ » ، فأخذ عُمَر العِذْق ، فضرب به الأرض ، حتى تناثر البسر ، ثم قال : يا رسول الله ، إنا لمسؤولون عن هذا ؟ قال : «نَعَمْ ، إلاّ مِنْ كِسْرَةٍ يَسَدّ بِها جَوْعَةً ، أوْ جُحْرٍ يُدْخَلُ فِيهِ مِنَ الحَرّ والقَرّ » .

حدثني سعيد بن عمرو السكونيّ ، قال : حدثنا بقية ، عن حشرج بن نباتة ، قال : حدثني أبو بصيرة ، عن أبي عسيب مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : مرّ بي النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فدعاني وخرجت ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، فدخل حائطا لبعض الأنصار ، فأُتِيَ بِبُسْرِ عِذْق منه ، فوضع بين يديه ، فأكل هو وأصحابه ، ثم دعا بما بارد ، فشرب ، ثم قال : «لَتُسْئَلُنّ عَنْ هَذَا يَوْمَ القِيامَةِ » ، فقال عمر : عن هذا يوم القيامة ؟ فقال : «نَعَمْ ، إلاّ مِنْ ثَلاثَةٍ : خِرْقَةٍ كَفّ بِها عَوْرَتَهُ ، أو كِسْرَةٍ سَدّ بِها جَوْعَتَهُ ، أوْ جُحْرِ يَدْخُلُ فِيهِ مِنَ الحَرّ والقَرّ » .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلّية ، عن الجريريّ ، عن أبي بصيرة ، قال : أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وناس من أصحابه أكلة من خبز شعير لم يُنْخَل ، بلحم سمين ، ثم شربوا من جدول ، فقال : «هذا كله من النعيم الذي تُسئلون عنه يوم القيامة » .

حدثنا مجاهد بن موسى ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا محمد بن عمرو ، عن صفوان بن سليم ، عن محمد بن محمود بن لبيد ، قال : «لما نزلت ( ألهَاكُمُ التّكاثُرُ ) فقرأها حتى بلغ : { لَتُسْئَلُنّ يَوْمَئِذٍ عنِ النّعِيمِ } قالوا : يا رسول الله عن أيّ النعيم نُسْأل وإنما هو الأسودان : الماء ، والتمر ، وسيوفنا على عواتقنا ، والعدوّ حاضر ، قال : «إنّ ذلكَ سَيَكُونُ » .

حدثني يعقوب بن إبراهيم والحسين بن عليّ الصّدَائي ، قالا : حدثنا شَبَابة بن سوّار ، قال : ثني عبد الله بن العلاء أبو رَزِين الشامي ، قال : حدثنا الضحاك بن عَرْزَم ، قال : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ أوّلَ ما يُسْئَلُ عَنْهُ العَبْدُ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ النّعِيمِ أنْ يُقالَ لَهُ : أَلَمْ نُصِحّ لَكَ جِسْمَكَ ، وَتُرْوَ مِنَ الماءِ البارِدِ » ؟

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، قال : حدثنا ليث ، عن مجاهد ، قال : قال أبو معمر عبد الله بن سخبرة : ما أصبح أحد بالكوفة إلا ناعما ، وإن أهونهم عيشا الذي يأكل خبز البرّ ، ويشرب ماء الفُرات ، ويستظلّ من الظلّ ، وذلك من النعيم .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن إسماعيل بن عياش ، عن عبد الرحمن بن الحرث التميميّ ، عن ثابت البُنَاني ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «النّعِيم المَسْئُولُ عَنْهُ يَوْمَ القِيامَةِ : كِسْرَةٌ تُقَوّيهِ ، وَماءٌ يُرْوِيهِ ، وَثَوْبّ يُوَارِيهِ » .

قال : ثنا مهران ، عن إسماعيل بن عياش ، عن بشر بن عبد الله بن بشار ، قال : سمعت بعض أهل اليمن يقول : سمعت أبا أُمامة يقول : النعيم المسئول عنه يوم القيامة : خبز البُرّ ، والماء العذب .

قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن بكير بن عتيق العامريّ ، قال : أُتِيَ سعيد بن جُبير بشربة عسل ، فقال : أما إن هذا النعيم الذي نُسْأل عنه يوم القيامة { ثُمّ لَتُسْئَلُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ } .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن بكير بن عتيق ، عن سعيد بن جُبير ، أنه أُتِيَ بشربة عسل ، فقال : هذا من النعيم الذي تُسألون عنه .

وقال آخرون : ذلك كلّ ما التذّه الإنسان في الدنيا من شيء . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { ثُمّ لَتُسْئَلَنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ } قال : عن كلّ شيء من لذّة الدنيا .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { ثُمّ لَتُسْئَلُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ } : إن الله عزّ وجلّ سائل كلّ عبد عما استودعه من نِعَمه وحقه .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن مَعْمر ، عن قتادة { لَتُسْئَلُنّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النّعِيمِ } قال : إن الله تعالى ذكره سائل كلّ ذي نعمة فيما أنعم عليه .

وكان الحسن وقتادة يقولان : ثلاث لا يُسئل عنهنّ ابن آدم ، وما خَلاهنّ فيه المسألة والحساب ، إلا ما شاء الله : كسوة يواري بها سَوْءَته ، وكسرة يشدّ بها صُلْبه ، وبيت يظلّه .

والصواب من القول في ذلك : أن يقال : إن الله أخبر أنه سائل هؤلاء القوم عن النعيم ، ولم يخصص في خبره أنه سائلهم عن نوع من النعيم دون نوع ، بل عمّ بالخبر في ذلك عن الجميع ، فهو سائلهم كما قال عن جميع النعيم ، لا عن بعض دون بعض .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ثُمَّ لَتُسۡـَٔلُنَّ يَوۡمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ} (8)

{ ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم } الذي ألهاكم ، والخطاب مخصوص بكل من ألهاه دنياه عن دينه ، والنعيم بما يشغله للقرينة ، والنصوص الكثيرة كقوله { من حرم زينة الله } ، { كلوا من الطيبات } ، وقيل : يعمان ؛ إذ كل يسأل عن شكره ، وقيل : الآية مخصوصة بالكفار .

ختام السورة:

عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من قرأ ( ألهاكم ) لم يحاسبه الله سبحانه وتعالى بالنعيم الذي أنعم به عليه في دار الدنيا ، وأعطي من الأجر كأنما قرأ ألف آية " .