تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلۡجَرَادَ وَٱلۡقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ ءَايَٰتٖ مُّفَصَّلَٰتٖ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمٗا مُّجۡرِمِينَ} (133)

فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ أي : الماء الكثير الذي أغرق أشجارهم وزروعهم ، وأضر بهم ضررا كثيرا وَالْجَرَادَ فأكل ثمارهم وزروعهم ، ونباتهم وَالْقُمَّلَ قيل : إنه الدباء ، أي : صغار الجراد ، والظاهر أنه القمل المعروف وَالضَّفَادِعَ فملأت أوعيتهم ، وأقلقتهم ، وآذتهم أذية شديدة وَالدَّمَ إما أن يكون الرعاف ، أو كما قال كثير من المفسرين ، أن ماءهم الذي يشربون انقلب دما ، فكانوا لا يشربون إلا دما ، ولا يطبخون إلا بدم .

آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ أي : أدلة وبينات على أنهم كانوا كاذبين ظالمين ، وعلى أن ما جاء به موسى ، حق وصدق فَاسْتَكْبَرُوا لما رأوا الآيات وَكَانُوا في سابق أمرهم قَوْمًا مُجْرِمِينَ فلذلك عاقبهم اللّه تعالى ، بأن أبقاهم على الغي والضلال .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلۡجَرَادَ وَٱلۡقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ ءَايَٰتٖ مُّفَصَّلَٰتٖ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمٗا مُّجۡرِمِينَ} (133)

ثم حكت السورة الكريمة ما حل بهؤلاء الفجرة من عقوبات جزاء عتوهم وعنادهم فقالت : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيَاتٍ مّفَصَّلاَتٍ فاستكبروا وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } .

أى : فأرسلنا على هؤلاء الجاحدين عقوبة لهم الطوفان .

قال الآلوسى : أى : ما طاف بهم ، وغشى أماكنهم وحروثهم من مطر وسيل ، فهو اسم جنس من الطواف . وقد اشتهر في طوفان الماء ، وجاء تفسيره هنا بذلك في عدة روايات عن ابن عباس وجاء عن عطاء ومجاهد تفسيره بالموت ، وفسره بعضهم بالطاعون وكانوا أول من عذبوا به " .

وأرسلنا عليهم { الْجَرَادَ } فأكل زروعهم وثمارهم وأعشابهم ، حتى ترك أرضهم سوداء قاحلة .

وأرسلنا عليهم { القمل } وهو ضرب معروف من الحشرات المؤذية ، وقيل : هو السوس الذي أكل حبوبهم وما اشتملت عليه بيوتهم .

وأرسلنا عليهم { الضفادع } فصعدت من الأنهار والخلجان والمنابع فغطت الأرض وضايقتهم في معاشهم ومنامهم .

وأرسلنا عليهم { الدم } فصارت مياه الأنهار مختلطة به ، فمات السمك فيها ، وقيل المراد بالدم الرعاف الذي كان يسيل من أنوفهم .

تلك هى النقم التي أنزلها الله - تعالى - على هؤلاء المجرمين ، بسبب فسوقهم عن أمر ربهم ، وتكذيبهم لنبيهم - عليه السلام - .

وقوله : { آيَاتٍ } حال من العقوبات الخمس المتقدمة .

وقوله : { مّفَصَّلاَتٍ } أى : مبينات واضحات لا يشك عاقل في كونها آيات إلهية لا مدخل فيها للسحر كما يزعمون .

وقيل { مّفَصَّلاَتٍ } أى : مميزا بعضها عن بعض ، منفصلة بالزمان لامتحان أحوالهم . وكان بين كل اثنين منها شهر ، وكان امتداد كل واحدة منها شهرا ، كما أخرج ذلك ابن المنذر عن ابن عباس .

ثم وضحت الآية في نهايتها موقفهم من هذا الابتلاء وتلك العقوبات فقالت :

{ فاستكبروا وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } أى فاستكبروا عن الإيمان بموسى - عليه السلام - وعما جاء به من معجزات ، وكانوا قوما طبيعتهم الاجرام ودينهم الكفر والفسوق .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلۡجَرَادَ وَٱلۡقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ ءَايَٰتٖ مُّفَصَّلَٰتٖ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمٗا مُّجۡرِمِينَ} (133)

103

عندئذ تتدخل القوة الكبرى سافرة بوسائلها الجبارة :

( فأرسلنا عليهم الطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع والدم . . آيات مفصلات )

للإنذار والابتلاء . . آيات مفصلات . . واضحة الدلالة ، منسقة الخطوات ، تتبع الواحدة منها الأخرى ، وتصدق اللاحقة منها السابقة .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلۡجَرَادَ وَٱلۡقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ ءَايَٰتٖ مُّفَصَّلَٰتٖ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمٗا مُّجۡرِمِينَ} (133)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمّلَ وَالضّفَادِعَ وَالدّمَ آيَاتٍ مّفَصّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مّجْرِمِينَ } . .

اختلف أهل التأويل في معنى الطوفان ، فقال بعضهم : هو الماء . ذكر من قال ذلك :

حدثني ابن وكيع ، قال : حدثنا حَبَوية الرازي ، عن يعقوب القُمي ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : لما جاء موسى بالاَيات ، كان أوّل الاَيات الطوفان ، فأرسل الله عليهم السماء .

حدثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : حدثنا ابن يمان ، قال : حدثنا سفيان ، عن إسماعيل ، عن أبي مالك ، قال : الطوفان : الماء .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : الطّوفان : الماء .

قال : ثنا جابر بن نوح ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : الطوفان : الغرق .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : الطوفان الماء والطاعون على كلّ حال .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : الطوفان الموت على كلّ حال .

حدثنا محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : الطوفان : الماء .

وقال آخرون : بل هو الموت . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، قال : حدثنا المنهال بن خليفة ، عن الحجاج ، عن الحَكَم بن ميناء ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الطّوفانُ المَوْتُ » .

حدثني عباس بن محمد ، قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : سألت عطاء ما الطوفان ؟ قال : الموت .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبد الله بن رجاء ، عن ابن جريج ، عن عطاء عمن حدّثه ، عن مجاهد ، قال : الطوفان : الموت .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عبد الله بن كثير : فَأرْسَلْنا عَلْيهِمُ الطوفانَ قالَ : الموت . قال ابن جريج : وسألت عطاء عن الطوفان ، قال : الموت . قال ابن جريج : وقال مجاهد : الموت على كلّ حال .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن المنهال بن خليفة ، عن حجاج ، عن رجل ، عن عائشة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «الطوفانُ المَوْتُ » .

وقال آخرون : بل ذلك كان أمرا من الله طاف بهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا جرير ، عن قابوس بن أبي ظَبْيان ، عن أبيه ، عن ابن عباس : فَأرْسَلْنا عَلْيهِمْ الطوفانَ قال : أمر الله الطوفان ، ثم قال : فَطافَ عَلَيْها طائفٌ مِن رَبّكَ وَهُمْ نائمُونَ .

وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة ، يزعم أن الطوفان من السيل البُعاق والدّباش ، وهو الشديد ، ومن الموت المتتابع الذريع السريع . وقال بعضهم : هو كثرة المطر والريح . وكان بعض نحويّي الكوفيين يقول : الطوفان مصدر مثل الرّجْحان والنّقْصان لا يجمع . وكان بعض نحويي البصرة يقول : هو جمع ، واحدها في القياس : الطوفانة .

والصواب من القول في ذلك عندي ، ما قاله ابن عباس على ما رواه عنه أبو ظَبْيان أنه أمر من الله طاف بهم ، وأنه مصدر من قول القائل : طاف بهم أمر الله يطوف طوفانا ، كما يقال : نقص هذا الشيء ينقص نُقْصانا . وإذا كان ذلك كذلك ، جاز أن يكون الذي طاف بهم المطر الشديد ، وجاز أن يكون الموت الذريع . ومن الدلالة على أن المطر الشديد قد يسمى طوفانا قول الحسن بن عرفطة :

غَيّرَ الجِدّةَ مِنْ آياتِهَا ***خُرُقُ الرّيحِ وَطُوفانُ المَطَرْ

ويروى : «خُرُق الريح بطوفان المطر » وقول الراعي :

تُضْحِي إذا العِيسُ أدْرَكنا نَكائِثَها ***خَرْقاءَ يعْتادُها الطوفانُ والزّؤُدُ

وقول أبي النجم :

قَدْ مَدّ طُوْفانٌ فَبَثّ مَدَدَا ***شَهْرا شَآبِيبَ وشَهْرا بَرَدَا

وأما القُمّل ، فإن أهل التأويل اختلفوا في معنا ، فقال بعضهم : هو السوس الذي يخرج من الحنطة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن يعقوب القُمّي ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : القُمّل : هو السوس الذي يخرج من الحنطة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بنحوه .

وقال آخرون : بل هو الّدبَي ، وهو صغار الجراد الذي لا أجنحة له . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قال : القمل : الدّبي .

حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : الدّبي : القُمّل .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : القمل : هو الدبي .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : القمل : الدبي .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، قال : حدثنا معمر ، عن قتادة ، قال : القمل : هي الدّبَي ، وهي أولاد الجراد .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : القمل : الدبي .

قال ثنا يحيى بن آدم ، عن قيس عمن ذكره ، عن عكرمة ، قال : القمل : بنات الجراد .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : القمل : الدّبي .

وقال آخرون : بل القمل : البراغيث . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَأرْسَلْنا عَلْيهِمْ الطوفانَ والجَرَادَ والقُمّلَ قال : زعم بعض الناس في القمل أنها البراغيث .

وقال بعضهم : هي دوابّ سود صغار . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر ، قال : سمعت سعيد بن جبير والحسن قالا : القمل : دوابّ سود صغار .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر ، قال : سمعت سعيد بن جبير والحسن قالا : القمل : دوابّ سود صغار .

وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يزعم أن " القمل " ، عند العرب : الحَمْنان ، والحمنان ضرب من القِرْدان واحدتها : " حَمْنانة " ، فوق القَمقامة . و " القمَّل " جمع ، واحدتها " قملة " ، وهي دابة تشبه القَمْل تأكلها الإبل فيما بلغني ، وهي التي عناها الأعشى في قوله :

قَوْمٌ تُعَالِجُ قُمَّلا أَبْنَاؤُهُمْ ***وَسَلاسِلا أُجُدًا وَبَابًا مُؤْصَدَا

وكان الفرّاء يقول : لم أسمع فيه شيئا ، فإن لم يكن جمعا فواحده قامل ، مثل ساجد وراكع ، وإن يكن اسما على معنى جمع ، فواحدته : قمّلة .

ذكر المعاني التي حدثت في قوم فرعون بحدوث هذه الاَيات

والسبب الذي من أجله أحدثها الله فيهم

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب القُمي ، عن جعفر بن المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، قال : لما أتى موسى فرعون ، قال له : أرسل معي بني إسرائيل فأبى عليه ، فأرسل الله عليهم الطوفان ، وهو المطر ، فصبّ عليهم منه شيئا ، فخافوا أن يكون عذابا ، فقالوا لموسى : ادع لنا ربك ، لئن كشفت عنا الرجز لنؤمننّ لك ، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل فدعا ربه ، فلم يؤمنوا ، ولم يرسلوا معه بني إسرائيل . فأنبت لهم في تلك السنة شيئا لم ينبته قبل ذلك من الزرع والثمر والكلإ ، فقالوا : هذا ما كنا نتمنى فأرسل الله عليهم الجراد ، فسلّطه على الكلإ . فلما رأوا أثره في الكلإ عرفوا أنه لا يبقى الزرع ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك فيكشف عنا الجراد ، فنؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه ، فكشف عنهم الجراد ، فلم يؤمنوا ، ولم يرسلوا معه بني إسرائيل ، فداسوا وأحرزوا في البيوت ، فقالوا : قد أحرزنا . فأرسل الله عليهم القمل ، وهو السوس الذي يخرج منه ، فكان الرجل يخرج عشرة أجربة إلى الرحى ، فلا يردّ منها ثلاثة أقفزة ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا القمل ، فنؤمَن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه ، فكشف عنهم ، فأبوا أن يرسلوا معه بني إسرائيل . فبينا هو جالس عند فرعون إذ سمع نقيق ضفدع ، فقال لفرعون : ما تلقي أنت وقومك من هذا ؟ فقال : وما عسى أن يكون كيد هذا ؟ فما أمسوا حتى كان الرجل يجلس إلى ذقنه في الضفادع ، ويهمّ أن يتكلم فتثب الضفادع في فيه ، فقالوا لموسى : ادع لنا ربك يكشف عنا هذه الضفادع ، فنؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل فكشف عنهم فلم يؤمنوا فأرسل الله عليهم الدم ، فكان ما استقوا من الأنهار والاَبار ، أو ما كان في أوعيتهم وجدوه دما عبيطا ، فشكوا إلى فرعون فقالوا : إنا قد ابتلينا بالدم ، وليس لنا شراب . فقال : إنه قد سحركم . فقالوا : من أين سحرنا ونحن لا نجد في أوعيتنا شيئا من الماء إلاّ وجدناه دما عبيطا ؟ فأتوه فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا هذا الدم ، فنؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه ، فكشِف عنهم ، فلم يؤمنوا ، ولم يرسلوا معه بني إسرائيل .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حبوية الرازي ، عن يعقوب القمي ، عن جعفر ، عن ابن عباس ، قال : لما خافوا الغرق ، قال فرعون : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا هذا المطر فنؤمن لك ، ثم ذكر نحو حديث ابن حميد ، عن يعقوب .

حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : ثم إن الله أرسل عليهم ، يعني على قوم فرعون الطوفان ، وهو المطر ، فغرق كلّ شيء لهم ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا ، ونحن نؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل فكشف الله عنهم ونبتت به زروعهم ، فقالوا : ما يسرّنا أنا لم نمطرَ . فبعث الله عليهم الجراد ، فأكل حروثهم ، فسألوا موسى أن يدعوَ ربه فيكشفه ويؤمنوا به . فدعا فكشفه ، وقد بقي من زروعهم بقية ، فقالوا : لم تؤمنون وقد بقي من زرعنا بقيّة تكفينا ؟ فبعث الله عليهم الدّبَى ، وهو القمل ، فلحس الأرض كلها ، وكان يدخل بين ثوب أحدهم وبين جلده فيعضّه ، وكان لأحدهم الطعام فيمتلىء دبى ، حتى إن أحدهم ليبنى الأسطوانة بالجصّ فيزلقها ، حتى لا يرتقي فوقها شيء ، يرفع فوقها الطعام ، فإذا صعد إليه ليأكله وجده ملاَن دبى ، فلم يصابوا ببلاء كان أشدّ عليهم من الدبى ، وهو الرجز الذي ذكر الله في القرآن أنه وقع عليهم . فسألوا موسى أن يدعو ربه ، فيكشف عنهم ، ويؤمنوا به . فلما كشف عنهم أبوا أن يؤمنوا ، فأرسل الله عليهم الدم ، فكان الإسرائيلي يأتي هو والقبطي يستقيان من ماء واحد ، فيخرج ماء هذا القبطي دما ، ويخرج للإسرائيلي ماء . فلما اشتدّ ذلك عليهم سألوا موسى أن يكشفه ويؤمنوا به ، فكشف ذلك ، فأبوا أن يؤمنوا ، وذلك حين يقول الله : فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُمُ العَذَابَ إذَا هُمْ يَنْكُثُونَ .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : فَأرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطّوفانَ قال : أرسل الله عليهم الماء حتى قاموا فيه قياما . ثم كشف عنهم ، فلم يؤمنوا ، وأخصبت بلادهم خصبا لم تخصب مثله . فأرسل الله عليه الجراد فأكله إلاّ قليلاً ، فلم يؤمنوا أيضا . فأرسل الله القُمّل وهي الدبى ، وهو أولاد الجراد ، فأكلت ما بقي من زروعهم ، فلم يؤمنوا . فأرسل عليهم الضفادع ، فدخلت عليهم بيوتهم ، ووقعت في آنيتهم وفرشهم ، فلم يؤمنوا . ثم أرسل الله عليهم الدم ، فكان أحدهم إذا أراد أن يشرب تحوّل ذلك الماء دما ، قال الله : آياتٍ مُفَصّلاتٍ .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطّوفانَ حتى بلغ : مُجْرِمِينَ قال : أرسل الله عليهم الماء حتى قاموا فيه قياما ، فدعوا موسى فدعا ربه ، فكشف عنهم ، ثم عادوا بشرّ ما يحضر بهم ، ثم أنبتت أرضهم . ثم أرسل الله عليهم الجراد ، فأكل عامة حروثهم وثمارهم ، ثم دعوا موسى فدعا ربه فكشف عنهم . ثم عادوا بشرّ ما يحضر بهم ، فأرسل الله عليهم القُمّل ، هذا الدبى الذي رأيتم ، فأكل ما أبقى الجراد من حروثهم ، فلحسه . فدعوا موسى ، فدعا ربه ، فكشفه عنهم ، ثم عادوا بشرّ ما يحضر بهم . ثم أرسل الله عليهم الضفادع ، حتى ملأت بيوتهم وأفنيتهم ، فدعوا موسى ، فدعا ربه فكشف عنهم . ثم عادوا بشرّ ما يحضر بهم ، فأرسل الله عليهم الدم ، فكانوا لا يغترفون من مائهم إلاّ دما أحمر ، حتى لقد ذكر أن عدوّ الله فرعون كان يجمع بين الرجلين على الإناء الواحد ، القبطي والإسرائيلي ، فيكون مما يلي الإسرائيلي ماء ، ومما يلي القبطي دما . فدعوا موسى ، فدعا ربه ، فكشفه عنهم في تسع آيات : السنين ، ونقص من الثمرات ، وأراهم يد موسى عليه السلام وعصاه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : فأرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطّوفانَ وهو المطر حتى خافوا الهلاك ، فأتوْا موسى ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا المطر ، فإنا نؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه ، فكشف عنهم المطر ، فأنبت الله به حرثهم ، وأخصب به بلادهم ، فقالوا : ما نحبّ أنا لم نمطر بترك ديننا ، فلن نؤمن لك ولن نرسل معك بني إسرائيل فأرسل الله عليهم الجراد ، فأسرع في فساد ثمارهم وزروعهم ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا الجراد ، فإنا سنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه ، فكشف عنهم الجراد ، وكان قد بقي من زروعهم ومعاشهم بقايا ، فقالوا : قد بقي لنا ما هو كافينا ، فلن نؤمن لك ولن نرسل معك بني إسرائيل فأرسل الله عليهم القُمّل ، وهو الدبى ، فتتبع ما كان ترك الجراد ، فجزعوا وأحسوا بالهلاك ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا الدبى ، فإنا سنؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه ، فكشف عنهم الدبى ، فقالوا : ما نحن لك بمؤمنين ولا مرسلين معك بني إسرائيل . فأرسل الله عليهم الضفادع ، فملأ بيوتهم منها ، ولقوا منها أذى شديدا لم يلقوا مثله فيما كان قبله ، إنها كانت تثب في قدورهم ، فتفسد عليهم طعامهم ، وتطفىء نيرانهم ، قالوا : يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا الضفادع ، فقد لقينا منها بلاء وأذى ، فإنا سنؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه ، فكشف عنهم الضفادع ، فقالوا : لا نؤمن لك ، ولا نرسل معك بني إسرائيل . فأرسل الله عليهم الدم ، فجعلوا لا يأكلون إلاّ الدم ، ولا يشربون إلاّ الدم ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا الدم ، فإنا سنؤمن لك ، ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه فكشف عنهم الدم ، فقالوا : يا موسى لن نؤمن لك ولن نرسل معك بني إسرائيل ، فكانت آيات مفصّلات بعضها على إثر بعض ، ليكون لله عليهم الحجة ، فأخذهم الله بذنوبهم ، فأغرقهم في اليم .

حدثني عبد الكريم ، قال : حدثنا إبراهيم ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا أبو سعد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : أرسل على قوم فرعون الاَيات : الجراد ، والقُمّل ، والضفادع ، والدم آياتٍ مُفَصّلاتٍ . قال : فكان الرجل من بني إسرائيل يركب مع الرجل من قوم فرعون في السفينة ، فيغترف الإسرائيلي ماء ، ويغترف الفرعوني دما . قال : وكان الرجل من قوم فرعون ينام في جانب ، فيكثر عليه القُمّل والضفادع حتى لا يقدر أن ينقلب على الجانب الاَخر . فلم يزالوا كذلك ، حتى أوحى الله إلى موسى : أنْ أسْرِ بِعبادِي إنّكُمْ مُتّبَعُونَ .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : لما أتى موسى فرعون بالرسالة أبى أن يؤمن وأن يرسل معه بني إسرائيل ، فاستكبر ، قال : لن نرسل معك بني إسرائيل فأرسل الله عليهم الطوفان ، وهو الماء ، أمطر عليهم السماء حتى كادوا يهلكون وامتنع منهم كلّ شيء ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا هذا لنؤمننّ لك ، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل ، فدعا الله فكشف عنهم المطر ، فأنبت الله لهم حروثهم ، وأحيا بذلك المطر كلّ شيء من بلادهم ، فقالوا : والله ما نحبّ أنا لم نكن أمطرنا هذا المطر ، ولقد كان خيرا لنا ، فلن نرسل معك بني إسرائيل ، ولن نؤمن لك يا موسى . فبعث الله عليهم الجراد ، فأكل عامّة حروثهم ، فأسرع الجراد في فسادها ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا الجراد ، فإنا مؤمنون لك ، ومرسلون معك بني إسرائيل فكشف الله عنهم الجراد ، وكان الجراد قد أبقى لهم من حروثهم بقية ، فقالوا : قد بقي لنا من حروثنا ما كان كافينا ، فما نحن بتاركي ديننا ، ولن نؤمن لك ، ولن نرسل معك بني إسرائيل فأرسل الله عليهم القُمّل ، والقمل : الدبى ، وهو الجراد الذي ليست له أجنحة ، فتتبع ما بقي من حروثهم وشجرهم وكلّ نبات كان لهم ، فكان القمل أشدّ عليهم من الجراد . فلم يستطيعوا للقمل حيلة ، وجزعوا من ذلك وأتوا موسى ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا القمل ، فإنه لم يُبْق لنا شيئا ، قد أكل ما بقي من حروثنا ، ولئن كشفت عنا القُمّل لنؤمننّ لك ، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل فكشف الله عنهم القُمّل فنكثوا ، وقالوا : لن نؤمن لك ، ولن نرسل معك بني إسرائيل . فأرسل الله عليهم الضفادع ، فامتلأت منها البيوت ، فلم يبق لهم طعام ولا شراب إلاّ وفيه الضفادع ، فلقوا منها شيئا لم يلقوه فيما مضى ، فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمننّ لك ، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل قال : فكشف الله عنهم فلم يفعلوا ، فأنزل الله : فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرّجْزَ إلى أجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إذَا هُمْ يَنْكُثُونَ . . . إلى : وكانُوا عَنْها غافِلينَ .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا أبو تميلة ، قال : حدثنا الحسن بن واقد ، عن زيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كانت الضفادع برّية ، فلما أرسلها الله على آل فرعون سمعت وأطاعت ، فجعلت تغرق أنفسها في القدور وهي تغلي ، وفي التنانير وهي تفور ، فأثابها الله بحسن طاعتها بردَ الماء .

قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : فرجع عدوّ الله ، يعني فرعون ، حين آمنت السحرة مغلوبا مفلولاً ، ثم أبى إلا الإقامة على الكفر والتماديَ في الشرّ ، فتابع الله عليه بالاَيات ، وأخذه بالسنين ، فأرسل عليه الطّوفان ، ثم الجراد ، ثم القُمّل ، ثم الضفادع ، ثم الدم آياتٍ مُفَصّلاتٍ ، فأرسل الطوفان ، وهو الماء ، ففاض على وجه الأرض ، ثم ركد ، لا يقدرون على أن يحرثوا ، ولا يعملوا شيئا ، حتى جهدوا جوعا فلما بلغهم ذلك ، قالوا : يا موسى ادع لنا ربك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمننّ لك ، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل فدعا موسى ربه ، فكشفه عنهم ، فلم يفو له بشيء مما قالوا . فأرسل الله عليهم الجراد ، فأكل الشجر فيما بلغني ، حتى إن كان ليؤكل مسامير الأبواب من الحديد حتى تقع دورهم ومساكنهم ، فقالوا مثل ما قالوا ، فدعا ربه ، فكشفه عنهم ، فلم يفوا له بشيء مما قالوا . فأرسل الله عليهم القُمّل ، فذكر لي أن موسى أمر أن يمشي إلى كثيب حتى يضربه بعصاه ، فمضى إلى كثيب أهيل عظيم ، فضربه بها ، فانثال عليهم قملاً حتى غلب على البيوت والأطعمة ، ومنعهم النوم والقرار فلما جهدهم قالوا له مثل ما قالوا ، فدعا ربه فكشفه عنهم ، فلم يفوا له بشيء مما قالوا . فأرسل الله عليهم الضفادع ، فملأت البيوت والأطعمة والاَنية ، فلا يكشف أحد ثوبا ولا طعاما ولا إناءً إلاّ وجد فيه الضفادع قد غلبت عليه . فلما جهدهم ذلك قالوا له مثل ما قالوا ، فدعا ربه فكشفه عنهم ، فلم يفوا له بشيء مما قالوا ، فأرسل الله عليهم الدم ، فصارت مياه آل فرعون دما ، لا يستقون من بئر ولا نهر ، ولا يغترفون من إناء إلاّ عاد دما عبيطا .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن محمد بن كعب القرظي ، أنه حدّث : أن المرأة من آل فرعون كانت تأتي المرأة من بني إسرائيل حين جهدهم العطش ، فتقول : اسقيني من مائك فتغرف لها من جرتها ، أو تصبّ لها من قربتها ، فيعود في الإناء دما ، حتى إن كانت لتقول لها : اجعليه في فيك ثم مجّيه في فيّ فتأخذ في فيها ماء ، فإذا مجّته في فيها صار دما ، فمكثوا في ذلك سبعة أيام .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : الجراد يأكل زروعهم ونباتهم ، والضفادع تسقط على فرشهم وأطعمتهم ، والدم يكون في بيوتهم وثيابهم ومائهم وطعامهم .

قال : ثنا شبل ، عن عبد الله بن كثير ، عن مجاهد ، قال : لما سال النيل دما ، فكان الإسرائيلي يستقي ماء طيبا ، ويستقي الفرعوني دما ويشتركان في إناء واحد ، فيكون ما يلي الإسرائيلي ماء طيبا وما يلي الفرعوني دما .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر ، قال : ثني سعيد بن جبير : أن موسى لما عالج فرعون بالاَيات الأربع : العصا ، واليد ، ونقص من الثمرات ، والسنين ، قال : يا ربّ إن عبدك هذا قد علا في الأرض ، وعتا في الأرض ، وبغى عليّ ، وعلا عليك ، وعالى بقومه ، ربّ خذ عبدك بعقوبة تجعلها له ولقومه نقمة ، وتجعلها لقومي عظة ولمن بعدي آية في الأمم الباقية فبعث الله عليهم الطوفان ، وهو الماء ، وبيوت بني إسرائيل وبيوت القبط مشتبكة مختلطة بعضها في بعض ، فامتلأت بيوت القبط ماء ، حتى قاموا في الماء إلى تراقيهم ، من حبس منهم غرق ، ولم يدخل في بيوت بني إسرائيل قطرة ، فجعلت القبط تنادي : موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك ، لئن كشفت عنا الرجز لنؤمننّ لك ، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل قال : فواثقوا موسى ميثاقا أخذ عليهم به عهودهم ، وكان الماء أخذهم يوم السبت ، فأقام عليهم سبعة أيام إلى السبت الاَخر ، فدعا موسى ربه ، فرفع عنهم الماء ، فأعشبت بلادهم من ذلك الماء ، فأقاموا شهرا في عافية ، ثم جحدوا وقالوا : ما كان هذا الماء إلاّ نعمة علينا وخصبا لبلادنا ، ما نحبّ أنه لم يكن قال : وقد قال قائل لابن عباس : إني سألت ابن عمر عن الطّوفان ، فقال : ما أدري موتا كان أو ماء . فقال ابن عباس : أما يقرأ ابن عمر سورة العنكبوت حين ذكر الله قوم نوح فقال : فَأخَذَهُمُ الطوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ أرأيت لو ماتوا إلى من جاء موسى عليه السلام بالاَيات الأربع بعد الطوفان ؟ قال : فقال موسى : يا ربّ إن عبادك قد نقضوا عهدك ، وأخلفوا وعدي ، ربّ خذهم بعقوبة تجعلها لهم نقمة ، ولقومي عظة ، ولمن بعدهم آية في الأمم الباقية قال : فبعث الله عليهم الجراد فلم يدع لهم ورقة ولا شجرة ولا زهرة ولا ثمرة إلاّ أكلها ، حتى لم يُبق جَنًى . حتى إذا أفنى الخضر كلها أكل الخشب ، حتى أكل الأبواب ، وسقوف البيوت وابتلى الجراد بالجوع ، فجعل لا يشبع ، غير أنه لا يدخل بيوت بني إسرائيل . فعجوا وصاحوا إلى موسى ، فقالوا : يا موسى هذه المرّة ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز ، لنؤمننّ لك ، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل فأعطوه عهد الله وميثاقه ، فدعا لهم ربه ، فكشف الله عنهم الجراد بعد ما أقام عليهم سبعة أيام ، من السبت إلى السبت . ثم أقاموا شهرا في عافية ، ثم عادوا لتكذيبهم ولإنكارهم ، ولأعمالهم أعمال السوء ، قال : فقال موسى : يا ربّ عبادك قد نقضوا عهدي وأخلفوا موعدي ، فخذهم بعقوبة تجعلها لهم نقمة ، ولقومي عظة ، ولمن بعدي آية في الأمم الباقية فأرسل الله عليهم القُمّل قال أبو بكر : سمعت سعيد بن جبير والحسن يقولان : كان إلى جنبهم كثيب أعفر بقرية من قُرى مصر تدعى عين شمس ، فمشى موسى إلى ذلك الكثيب ، فضربه بعصاه ضربة صار قملاً تدبّ إليهم ، وهي دوابّ سود صغار ، فدبّ إليهم القُمّل ، فأخذ أشعارهم وأبشارهم وأشفار عيونهم وحواجبهم ، ولزم جلودهم ، كأنه الجدريّ عليهم ، فصرخوا وصاحوا إلى موسى : إنا نتوب ولا نعود ، فادع لنا ربك فدعا ربه فرفع عنهم القُمّل بعد ما أقام عليهم سبعة أيام من السبت إلى السبت ، فأقاموا شهرا في عافية ، ثم عادوا وقالوا : ما كنا قطّ أحقّ أن نستيقن أنه ساحر منا اليوم ، جعل الرمل دوابّ ، وعزّة فرعون لا نصدّقه أبدا ولا نتبعه فعادوا لتكذيبهم وإنكارهم ، فدعا موسى عليهم ، فقال : يا ربّ إن عبادك نقضوا عهدي ، وأخلفوا وعدي ، فخذهم بعقوبة تجعلها لهم نقمة ، ولقومي عظة ، ولمن بعدي آية في الأمم الباقية فأرسل الله عليهم الضفادع ، فكان أحدهم يضطجع ، فتركبه الضفادع ، فتكون عليه ركاما ، حتى ما يستطيع أن ينصرف إلى الشقّ الاَخر ، ويفتح فاه لأكلته ، فيسبق الضفدع أكلته إلى فيه ، ولا يعجن عجينا إلاّ تسدّختْ فيه ، ولا يطبخ قدرا إلاّ امتلأت ضفادع . فعذّبوا بها أشدّ العذاب ، فشكوا إلى موسى عليه السلام ، وقالوا : هذه المرّة نتوب ولا نعود . فأخذ عهدهم وميثاقهم ، ثم دعا ربه ، فكشف الله عنهم الضفادع بعد ما أقام عليهم سبعا من السبت إلى السبت ، فأقاموا شهرا في عافية ثم عادوا لتكذيبهم وإنكارهم ، وقالوا : قد تبين لكم سحره ، ويجعل التراب دوابّ ، ويجيء بالضفادع في غير ماء فآذوا موسى عليه السلام ، فقال موسى : يا ربّ إن عبادك نقضوا عهدي ، وأخلفوا وعدي ، فخذهم بعقوبة تجعلها لهم عقوبة ، ولقومي عظة ، ولمن بعدي آية في الأمم الباقية فابتلاهم الله بالدم ، فأفسد عليهم معايشهم ، فكان الإسرائيلي والقبطي يأتيان النيل فيستقيان ، فيخرج للإسرائيلي ماء ، ويخرج للقبطي دما ، ويقومان إلى الحُبّ فيه الماء ، فيخرج للإسرائيلي في إنائه ماء ، وللقبطي دما .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا ابن سعد ، قال : سمعت مجاهدا ، في قوله : فأرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطوفانَ قال : الموت والجراد . قال : الجراد يأكل أمتعتهم وثيابهم ومسامير أبوابهم ، والقُمّل هو الدبى ، سلطه الله عليهم بعد الجراد . قال : والضفادع تسقط في أطعمتهم التي في بيوتهم وفي أشربتهم .

وقال بعضهم : الدم الذي أرسله الله عليهم كان رُعافا . ذكر من قال ذلك .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا أحمد بن خالد ، قال : حدثنا يحيى بن أبي بكير ، قال : حدثنا زهير ، قال : قال زيد بن أسلم : أما القُمّل فالقَمْل وأما الدم : فسلط عليهم الرعاف .

وأما قوله : آياتٍ مُفَصّلاتٍ فإن معناه : علامات ودلالات على صحة نبوّة موسى ، وحقية ما دعاهم إليه مفصلات ، قد فُصِل بينها ، فجعل بعضها يتلو بعضا ، وبعضها في إثر بعض .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قال : فكانت آيات مفصلات بعضها في إثر بعض ، ليكون لله الحجة عليهم ، فأخذهم الله بذنوبهم فأغرقهم في اليم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : آياتٍ مُفَصّلاتٍ قال : يتبع بعضها بعضا ليكون لله الحجة عليهم ، فينتقم منهم بعد ذلك . وكانت الاَية تمكث فيهم من السبت إلى السبت ، وترتفع عنه شهرا ، قال الله عزّ وجلّ : فانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأغْرَقْناهُمْ فِي اليَمّ . . . الاَية .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : قال ابن إسحاق : آياتٍ مُفَصّلاتٍ : أي آية بعد آية يتبع بعضها بعضا .

وكان مجاهد يقول فيما ذكر عنه في معنى المفصّلات ، ما :

حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو سعد ، قال : سمعت مجاهدا يقول في «آيات مفصلات » ، قال : معلومات .

القول في تأويل قوله تعالى : فاسْتَكْبَرُوا وكانُوا قَوْما مُجْرِمِينَ .

يقول تعالى ذكره : فاستكبر هؤلاء الذين أرسل الله عليهم ما ذكر في هذه الاَيات من الاَيات والحجج عن الإيمان بالله ، وتصديق رسوله موسى صلى الله عليه وسلم ، واتباعه على ما دعاهم إليه ، وتعظموا على الله وعتوا عليه وكانُوا قَوْما مُجْرِمِينَ يقول : كانوا قوما يعملون بما يكرهه الله من المعاصي والفسق عتوّا وتمرّدا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلۡجَرَادَ وَٱلۡقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ ءَايَٰتٖ مُّفَصَّلَٰتٖ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمٗا مُّجۡرِمِينَ} (133)

{ فأرسلنا عليهم الطوفان } ماء طاف بهم وغشى أماكنهم حروثهم من مطر أو سيل . وقيل الجدري . وقيل الموتان . وقيل الطاعون . { والجراد والقمّل } قيل هو كبار القردان ، وقيل أولاد الجراد قبل نبات أجنحتها . { والضفادع والدّم } روي : أنهم مطروا ثمانية أيام في ظلمة شديدة لا يقدر أحد أن يخرج من بيته ، ودخل الماء بيوتهم حتى قاموا فيه إلى تراقيهم ، وكانت بيوت بني إسرائيل مشتبكة ببيوتهم فلم يدخل فيها قطرة ، وركد على أراضيهم فمنعهم من الحرث والتصرف فيها ، ودام ذلك عليهم أسبوعا فقالوا لموسى : ادع لنا ربك يكشف عنا ونحن نؤمن بك ، فدعا الله فكشف عنهم ونبت لهم من الكلأ والزرع تأكل الأبواب والسقوف والثياب ففزعوا إليه ثانيا فدعا وخرج إلى الصحراء ، وأشار بعصاه نحو المشرق والمغرب فرجعت إلى النواحي التي جاءت منها فلم يؤمنوا ، فسلط الله عليهم القمل فأكل ما أبقاه الجراد وكان يقع في أطعمتهم ويدخل بين أثوابهم وجلودهم فيمصها ، ففزعوا إليه فرفع عنهم فقالوا : قد تحققنا الآن أنك ساحر ، ثم أرسل الله عليهم الضفادع بحيث لا يكشف ثوب ولا طعام إلا وجدت فيه ، وكانت تمتلئ منها مضاجعهم وتثب إلى قدورهم وهي تغلي ، وأفواههم عند التكلم ففزعوا إليه وتضرعوا ، فأخذ عليهم العهود ودعا فكشف الله عنهم ثم نقضوا العهود ، ثم أرسل عليهم الدم فصارت مياههم دما حتى كان يجتمع القبطي مع الإسرائيلي على إناء فيكون ما يلي القبطي دما وما يلي الإسرائيلي ماء ، ويمص الماء من فم الإسرائيلي فيصير دما في فيه . وقيل سلط الله عليهم الرعاف . { آيات } نصب على الحال . { مُفصّلات } مبينات لا تشكل على عاقل أنها آيات الله ونقمته عليهم ، أو مفصلات لامتحان أحوالهم إذ كان بين كل اثنتين منها شهر وكان امتداد كل واحدة أسبوعا ، وقيل أن موسى لبث فيهم بعدما غلب السحرة عشرين سنة يريهم هذه الآيات على مهل . { فاستكبروا } عن الإيمان . { وكانوا قوما مجرمين } .