{ 8 - 11 ْ } { كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ * اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ * فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ْ }
أي : { كَيْفَ ْ } يكون للمشركين عند اللّه عهد وميثاق { و ْ } الحال أنهم { وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ ْ } بالقدرة والسلطة ، لا يرحموكم ، و { لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ْ } أي : لا ذمة ولا قرابة ، ولا يخافون اللّه فيكم ، بل يسومونكم سوء العذاب ، فهذه حالكم معهم لو ظهروا .
ولا يغرنكم منهم ما يعاملونكم به وقت الخوف منكم ، فإنهم { يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ ْ } الميل والمحبة لكم ، بل هم الأعداء حقا ، المبغضون لكم صدقا ، { وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ ْ } لا ديانة لهم ولا مروءة .
وقوله - سبحانه - { كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً . . . } لاستبعاد ثبات المشركين على العهد ، ولاستنكار ان يكون لهم عهد حقيق بالمرعاة ، وبيان لما يكون عليه أمرهم عند ظهورهم على المؤمنين .
وفائدة هذا التكرار للفظ { كَيْفَ } : التأكيد والتمهيد لتعداد الأسباب التي تدعو المؤمنين إلى مجاهدتهم والإِغلاظ عليهم ، والحذر منهم .
قال الآلوسى : وحذف الفعل كيف هنا لكونه معلوماً من الآية السابقة ، وللإِيذان بأن النفس مستضحرة له ، مترقبة لورود ما يوجب استنكاره .
وقد كثر الحذف للفعل المستفهم عنه مع كيف ويدل عليه بجملة حالية بعده . ومن ذلك قول كعب الغنوى يرثى أخاه أبا المغوار :
وخبرتمانى أنما الموت بالقرى . . . فيكف وماتا هضبة وقليب
والمراد هنا : كيف يكون لهم عهد معتد به عند الله وعند رسوله وحالهم أنهم { وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً } .
وقوله : { يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ } يظفروا بكم ويغلبوكم . يقال : ظهرت على فلان أى : غلبته ومنه قوله - تعالى - { فَأَيَّدْنَا الذين آمَنُواْ على عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ } أى : غالبين .
وقوله : { لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ } أى : لا يراعوا في شأنكم . يقال : رقب فلان الشئ يرقبه إذا رعاه وحفظه . . ورقيب القوم حارسهم .
والإِل : يطلق على العهد ، وعلى القرابة ، وعلى الحلق .
قال ابن جرير - بعد أن ساق أوالا في معنى الإِل - وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : والإِل : اسم يشتمل على معان ثلاثة : وهى العهد والعقد ، والحلف ، والقرابة . . ومن ادلالة على أنه يكون بمعنى القرابة قول ابن مقبل :
أفسد الناس خلوف خلفوا . . . قطعوا الإِل وأعراق الرحم
ومن الدلالة على أنه يكون بمعنى العهد قول القائل :
وجدناهم كاذبا إلهم . . . وذو الإِل والعهد لا يكذب
وإذا كان الكلمة تشمل هذه المعانى الثلاثة ، ولم يكن الله خص من ذلك معنى دون معنى ، فالصواب أن يعم ذلك كما عم بها - جل ثناؤه - معانيها الثلاثة . .
والذمة : كل أمر لزمك بحيث إذا ضيعته لزمك مذمة أو هي ما يتذمم به أى يجتنب فيه الذم .
والمعنى : بأية صفة أو بأية كيفية يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله ، والحال المعهود منهم أن إن يظفروا بكم ويغلبوكم ، لا يراعوا في أمركم لا عهدا ولا حلفا ولا قرابة ولا حقا من الحقوق .
وقوله - تعالى - { يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وتأبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ } زيادة بيان للأحال القبيحة الملازمة لهؤلاء المشركين .
أى : أن هؤلاء المشركين إن غلبوكم - أيها المؤمنون - فلعوا بكم الأفاعيل ، وتفتنوا في إيذاكم من غير أن يقيموا وزنا لما بينكم وبينهم من عهود وموايثق ، وقرابات وصلات . . أما إذا كانت الغلبة لكم فإنهم في هذه الحالة { يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ } أى : يعطونكم من ألسنتهم كلاما معسولا إرضاء لكم ، وهم في الوقت نفسه { وتأبى قُلُوبُهُمْ } المملوءة حقدا عليكم وبغضا لكم تصديق ألسنتهم ، فهم كما وصفهم - سبحانه - في آية أخرى : { يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } وقوله : { وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ } أى : خارجون عن حدود الحق ، منفصلون عن كل فضيلة ومكرمة ، إذ الفسق هو الخروج والانفصال . يقال : فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرتها وفسق فلان إذا خرج عن حدود الشرع .
وإنما وصف أكرهم بالفسوق ، لأن هؤلاء الاكثرين منهم ، هم الناقضون لعهودهم ، الخارجون على حدود ربهم ، أما الأقلون منهم فهم الذين وفوا بعهودهم ، ولم ينقصوا المؤمنين شيئا ، ولم يظاهروا عليهم أحدا .
وبذلك نرى أن الاية الكريمة قد وصفت هؤلاء المشركين وصفا في نهاية الذم والقبح ، لأنهم إن كانوا أقوياء فجروا واسرفوا في الإِيذاء ، نابذين كل عهد وقراءة وعرف . . أما إذا شعروا بالضعف فإنهم يقدمون للمؤمنين الكلام اللين الذي تنطق به ألسنتهم ، وتأباه قلوبهم الحاقدة الغادرة .
أى أن الغدر ملازم لهم في حالتى قوتهم وضعفهم ، لأنهم في حالة قوتهم { لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً } . وفى حالة ضعفهم يخادعون ويداهون حتى تحين لهم الفرصة للانقضاض على المؤمنين .
ثم يعود لاستنكار مبدأ التعاهد بأسبابه التاريخية والواقعية ؛ بعد استنكاره بأسبابه العقيدية والإيمانية ؛ ويجمع بين هذه وتلك في الآيات التالية :
( كيف ? وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة ، يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون ، اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله ، إنهم ساء ما كانوا يعملون . لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة ، وأولئك هم المعتدون ) . .
كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله ، وهم لا يعاهدونكم إلا في حال عجزهم عن التغلب عليكم . ولو ظهروا عليكم وغلبوكم لفعلوا بكم الأفاعيل في غير مراعاة لعهد قائم بينهم وبينكم ، وفي غير ذمة يرعونها لكم ؛ أو في غير تحرج ولا تذمم من فعل يأتونه معكم ! فهم لا يرعون عهدا ، ولا يقفون كذلك عند حد في التنكيل بكم ؛ ولا حتى الحدود المتعارف عليها في البيئة والتي يذمون لو تجاوزوها . فهم لشدة ما يكنونه لكم من البغضاء يتجاوزون كل حد في التنكيل بكم ، لو أنهم قدروا عليكم . مهما يكن بينكم وبينهم من عهود قائمة . فليس الذي يمنعهم من أي فعل شائن معكم أن تكون بينكم وبينهم عهود ؛ إنما يمنعهم أنهم لا يقدرون عليكم ولا يغلبونكم ! . . وإذا كانوا اليوم - وأنتم أقوياء - يرضونكم بأفواههم بالقول اللين والتظاهر بالوفاء بالعهد . فإن قلوبهم تنغل عليكم بالحقد ؛ وتأبى أن تقيم على العهد ؛ فما بهم من وفاء لكم ولا ود !
( وأكثرهم فاسقون . اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله . إنهم ساء ما كانوا يعملون ) .
القول في تأويل قوله تعالى : { كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاّ وَلاَ ذِمّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىَ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ } .
يعني جلّ ثناؤه بقوله : كيف يكون لهؤلاء المشركين الذين نقضوا عهدهم أو لمن لا عهد له منهم منكم أيها المؤمنون عهد وذمة ، وهم إن يظهروا عليكم يغلبوكم ، لا يرقبوا فيكم إلاّ ولا ذمة . واكتفى ب «كيف » دليلاً على معنى الكلام ، لتقدم ما يراد من المعنى بها قبلها وكذلك تفعل العرب إذا أعادت الحرف بعد مضي معناه استجازوا حذف الفعل ، كما قال الشاعر :
وخَبّرْتُمَانِي أنّمَا المَوْتُ فِي القُرَى *** فَكَيْفَ وَهَذِي هَضْبَةٌ وكَثِيبُ
فحذف الفعل بعد كيف لتقدم ما يراد بعدها قبلها .
ومعنى الكلام : فكيف يكون الموت في القرى وهذي هضبة وكثيب لا ينجو فيهما منه أحد .
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : لاَ يَرْقُبُوا فِيكُمْ إلاّ وَلا ذمّةً فقال بعضهم : معناه : لا يراقبوا الله فيكم ولا عهدا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : لاَ يَرْقَبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إلاّ قال الله .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن سليمان ، عن أبي مجلز ، في قوله : لاَ يَرْقَبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إلاّ وَلا ذِمّةً قال : مثل قوله جبرائيل ميكائيل إسرافيل ، كأته يقال : يضاف «جبر » و «ميكا » و «إسراف » إلى «إيل » ، يقول : عبد الله لاَ يَرْقَبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إلاّ كأنه يقول : لا يرقبون الله .
حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثني محمد بن ثور ، عن معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : إلاّ وَلا ذِمّةً لا يرقبون الله ولا غيره .
وقال آخرون : الإلّ : القرابة . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : لاَ يَرْقَبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إلاّ وَلا ذِمّةً يقول : قرابة ولا عهدا . وقوله : وإنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إلاّ وَلا ذِمّةً قال : الإلّ : يعني القرابة ، والذمة : العهد .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : لاَ يَرْقَبُوا إلاّ وَلا ذِمّةً الإلّ : القرابة ، والذمة : العهد . يعني : أهل العهد من المشركين ، يقول : ذمتهم .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو معاوية ، وعبدة عن حوشب ، عن الضحاك : الإلّ : القرابة .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله ، عن سلمة بن كهيل ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : لاَ يَرْقَبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إلاّ وَلاَ ذِمّةً قال : الإلّ : القرابة ، والذمة : العهد .
حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : لاَ يَرْقَبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إلاّ وَلاَ ذِمّةً الإلّ : القرابة ، والذمة : الميثاق .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : كَيْفَ وَإنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ المشركون ، لا يرقبوا فيكم عهدا ولا قرابة ولا ميثاقا .
وقال آخرون : معناه : الحلف . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : لاَ يَرْقَبُوا فِيكُمْ إلاّ ولاَ ذِمّةً قال : الإلّ : الحلف ، والذمة : العهد .
وقال آخرون : الإلّ : هو العهد ولكنه كرّر لما اختلف اللفظان وإن كان معناهما واحدا . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : إلاّ قال : عهدا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : لاَ يَرْقُبُوا فِيْكُمْ إلاّ وَلاَ ذِمّةً قال : لا يرقبوا فيكم عهدا ولا ذمة . قال : إحداهما من صاحبتها كهيئة «غفور رحيم » ، قال : فالكلمة واحدة وهي تفترق ، قال : والعهد هو الذمة .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن خصيف ، عن مجاهد : وَلا ذِمّةً قال : العهد .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا قيس ، عن خصيف ، عن مجاهد : وَلاَ ذِمّةً قال : الذمة العهد .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء المشركين الذين أمر نبيه والمؤمنين بقتلهم بعد انسلاخ الأشهر الحرم وحصرهم والقعود لهم على كلّ موصد أنهم لو ظهروا على المؤمنين لم يرقبوا فيهم إلاّ ، والإلّ : اسم يشتمل على معان ثلاثة : وهي العهد والعقد ، والحلف ، والقرابة ، وهو أيضا بمعنى الله . فإذ كانت الكلمة تشمل هذه المعاني الثلاثة ، ولم يكن الله خص من ذلك معنى دون معنى ، فالصواب أن يعمّ ذلك كما عمّ بها جلّ ثناؤه معانيها الثلاثة ، فيقال : لا يرقبون في مؤمن الله ، ولا قرابة ، ولا عهدا ، ولا ميثاقا . ومن الدلالة على أنه يكون بمعنى القرابة قول ابن مقبل :
أفْسَدَ النّاسَ خُلُوفٌ خَلَفُوا *** قَطَعُوا الإلّ وأعْرَاقَ الرّحِيمْ
بمعنى : قطعوا القرابة وقول حسان بن ثابت :
لَعَمْرُكَ إنّ إلّكَ مِنْ قُرَيْشٍ *** كإلّ السّقْبِ مِنْ رَألِ النّعامِ
وأما معناه : إذا كان بمعنى العهد . فقول القائل :
وَجَدْنَاهُمُ كاذِبا إلّهُمْ *** وذُو الإلّ والعَهْدِ لا يَكْذِبُ
وقد زعم بعض من ينسب إلى معرفة كلام العرب من البصريين ، أن الإلّ والعهد والميثاق واليمين واحد ، وأن الذمة في هذا الموضع : التذمم ممن لا عهد له ، والجمع : ذمم . وكان ابن إسحاق يقول : عنى بهذه الآية : أهل العهد العام .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : كَيْفَ وَإنْ يَظهَرُوا عَلَيْكُمْ أي المشركون الذين لا عهد لهم إلى مدة من أهل العهد العام لاَ يَرْقُبُوا فِيكُمْ إلاّ وَلاَ ذِمّةً .
وأما قوله : يَرْضُونَكُمْ بأفْوَاهِهِمْ فإنه يقول : يعطونكم بألسنتهم من القول خلاف ما يضمرونه لكم في نفوسهم من العداوة والبغضاء . وتَأْبَى قُلُوبُهُمْ : أي تأبى عليهم قلوبهم أن يذعنوا لكم بتصديق ما يبدونه لكم بألسنتهم . يحذر جلّ ثناؤه أمرهم المؤمنين ويشحذهم على قتلهم واجتياحهم حيث وجدوا من أرض الله ، وألا يقصروا في مكروههم بكل ما قدروا عليه . وأكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ يقول : وأكثرهم مخالفون عهدكم ناقصون له ، كافرون بربهم خارجون عن طاعته .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يعني جلّ ثناؤه بقوله: كيف يكون لهؤلاء المشركين الذين نقضوا عهدهم أو لمن لا عهد له منهم منكم أيها المؤمنون عهد وذمة، وهم إن يظهروا عليكم يغلبوكم، لا يرقبوا فيكم إلاّ ولا ذمة. واكتفى ب «كيف» دليلاً على معنى الكلام، لتقدم ما يراد من المعنى بها قبلها وكذلك تفعل العرب إذا أعادت الحرف بعد مضي معناه استجازوا حذف الفعل...
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله:"لاَ يَرْقُبُوا فِيكُمْ إلاّ وَلا ذمّةً"؛ فقال بعضهم: معناه: لا يراقبوا الله فيكم ولا عهدا...عن مجاهد: "لاَ يَرْقَبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إلاّ": قال: الله.
وقال آخرون: الإلّ: القرابة... والذمة: العهد.
وقال آخرون: الإلّ: هو العهد ولكنه كرّر لما اختلف اللفظان وإن كان معناهما واحدا... وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء المشركين الذين أمر نبيه والمؤمنين بقتلهم بعد انسلاخ الأشهر الحرم وحصرهم والقعود لهم على كلّ موصد أنهم لو ظهروا على المؤمنين لم يرقبوا فيهم إلاّ، والإلّ: اسم يشتمل على معان ثلاثة: وهي العهد والعقد، والحلف، والقرابة، وهو أيضا بمعنى: الله. فإذ كانت الكلمة تشمل هذه المعاني الثلاثة، ولم يكن الله خص من ذلك معنى دون معنى، فالصواب أن يعمّ ذلك كما عمّ بها جلّ ثناؤه معانيها الثلاثة، فيقال: لا يرقبون في مؤمن الله، ولا قرابة، ولا عهدا، ولا ميثاقا...
وأما قوله: "يَرْضُونَكُمْ بأفْوَاهِهِمْ "فإنه يقول: يعطونكم بألسنتهم من القول خلاف ما يضمرونه لكم في نفوسهم من العداوة والبغضاء. "وتَأْبَى قُلُوبُهُمْ": أي تأبى عليهم قلوبهم أن يذعنوا لكم بتصديق ما يبدونه لكم بألسنتهم. يحذر جلّ ثناؤه أمرهم المؤمنين ويشحذهم على قتلهم واجتياحهم حيث وجدوا من أرض الله، وألا يقصروا في مكروههم بكل ما قدروا عليه. "وأكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ" يقول: وأكثرهم مخالفون عهدكم ناقضون له، كافرون بربهم خارجون عن طاعته.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
وقوله تعالى: (يرضونكم بأفواههم) بأنهم يوفون العهد، ويحفظونه (وتأبى قلوبهم) إلا النقض. وقوله تعالى: (وأكثرهم فاسقون) في نقض العهد. والفسق هو الخروج عن أمر الله
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
{كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ} مردود على الآية الأُولى تقديره: كيف يكون لهؤلاء عهودٌ وهم إن يظهروا عليكم يظفروا فيقتلوكم. {لاَ يَرْقُبُواْ} قال ابن عباس: لا يحفظوا... وقال الضحاك: لا ينتظروا، وقال قطرب: لا يراعوا...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
وَصَفَهم بلؤم الطبع فقال: كيف يكونون محافظين على عهودهم مع ما أضمروه لكم من سوء الرضا؟ فلو ظَفِرُوا بكم واستولوا عليكم لم يُراعوا لكم حُرْمةً، ولم يحفظوا لكم قرابةً أو ذِمِّةً. وفي هذا إشارة إلى أنَّ الكريمَ إذا ظَفِرَ غَفَرَ، وإذا قدر ما غَدَرَ، فيما أَسرَّ وَجَهَرَ. قوله: {يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ} أي لا عَجَبَ مِنْ طَبْعِهِمْ؛ فإنهم في حقِّنا كذلك يفعلون: يُظْهِرُون لباسَ الإِيمان ويُضْمِرُون الكفر. وإنهم لذلك يعيشون معكم في زِيِّ الوفاق، ويستبطنون عين الشِّقاق وسوءَ النِّفاق.
أحكام القرآن لإلكيا الهراسي 504 هـ :
فبين الله تعالى أن المعلوم من حالهم الغدر عند التمكن، وأنهم ينتهزون فرصة الاغتيال والمجاهرة بسر المكاشفة. وبين أنهم في إظهار التمسك بالعهد منافقون لقوله:"يَرْضُونَكُمْ بِأَفَواهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُم"...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{كَيْفَ} تكرار لاستبعاد ثبات المشركين على العهد... أي: كيف يكون لهم عهد {و} حالهم أنهم {إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ} بعد ما سبق لهم من تأكيد الأيمان والمواثيق، لم ينظروا في حلف ولا عهد ولم يبقوا عليكم {لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ} لا يراعوا حلفاً. وقيل: قرابة...ثم قيل لكل عهد وميثاق: إلّ. وسميت به القرابة، لأن القرابة عقدت بين الرجلين ما لا يعقده الميثاق. {يُرْضُونَكُم} كلام مبتدأ في وصف حالهم من مخالفة الظاهر الباطن، مقرّر لاستبعاد الثبات منهم على العهد، وإباء القلوب مخالفة ما فيها من الأضغان، لما يجرونه على ألسنتهم من الكلام الجميل. {وَأَكْثَرُهُمْ فاسقون} متمرّدون خلعاء لا مروءة تزعهم، ولا شمائل مرضية تردعهم، كما يوجد ذلك في بعض الكفرة، من التفادي عن الكذب والنكث، والتعفف عما يثلم العرض ويجرّ أحدوثة السوء.
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
وقيل: يرضونكم بأفواههم في العدة بالإيمان، وتأبى قلوبهم إلا الكفر. وقيل: يرضونكم في الطاعة، وتأبى قلوبهم إلا المعصية.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
يقول تعالى محرضا للمؤمنين على معاداة المشركين والتبري منهم، ومبينا أنهم لا يستحقون أن يكون لهم عهد لشركهم بالله وكفرهم برسول الله ولو أنهم إذ ظهروا على المسلمين وأدِيلوا عليهم، لم يبقوا ولم يذروا، ولا راقبوا فيهم إلا ولا ذمة.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما أنكر سبحانه أن يكون للمشركين غير المستثنين عهد، بين السبب الموجب للإنكار مكرراً أداة الإنكار تأكيداً للمعنى فقال: {كيف} أي يكون لهم عهد ثابت {وإن} أي والحال أنهم مضمرون لكم الغدر والخيانة فهم إن {يظهروا عليكم} أي إن يعل أمر لهم على أمركم بأن يظفروا بكم بعد العهد والميثاق {لا يرقبوا} أي لا ينظروا ويرعوا {فيكم} أي في أذاكم بكل جليل وحقير {إلاًّ} أي قرابة محققة {ولا ذمة} أي عهداً، يعني أن الأمر المبيح للنبذ خوف الخيانة، وعلام الغيوب يخبركم أنهم في غاية الخيانة لكم {وأكثرهم فاسقون*} أي راسخو الأقدام في الفسق خارجون -لمخالفة الفعل للقول- عما تريدونه، وإذا نقض الأكثر اضطر الأقل إلى موافقتهم.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة} والمعنى: كيف يكون للمشركين غير هؤلاء الذين جربتم وفاءهم عهد مشروع عند الله مرعي بالوفاء عند رسوله والحال المعهود منهم المعروف من أخلاقهم وأعمالهم أنهم إن يظهروا عليكم في القوة والغلب لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة؟ فالاستفهام واحد ووجه إنكار العهد ونفيه فيه مقيد بهذه الحال، وإنما أعيدت أداة الاستفهام للفصل المذكور.
يقال: ظهر عليه غلبه وظفر به، وأصله علاه، وأظهره عليه أعلاه عليه وجعله فوقه، ومنه {ليظهره على الدين كله} [التوبة:33] وكذا أعلمه به. ورقب الشيء رعاه وحاذره وانتظره، قال في الأساس: ورقبه وراقبه حاذره؛ لأن الخائف يرقب العقاب ويتوقعه، ومنه: فلان لا يراقب الله في أموره لا ينظر إلى عقابه فيركب رأسه في المعصية. وبات يرقب النجوم ويراقبها كقولك يرعاها ويراعيها اه. والإل القرابة. والذمة والذمام العهد الذي يلزم من ضيعه الذم كما في الأساس، وكان خفر الذمام ونقض العهد عندهم من العار، هذا أشهر الأقوال المأثورة في تفسيرهما هنا، وهو مروي عن ابن عباس من عدة طرق عند ابن جرير وغيره. وروي عن مجاهد أن الإل اسم الله عز وجل، والمعنى أنهم لا يرقبون الله في نقض عهدهم، وقد ورد لفظ إل وإيل من أسماء الله تعالى في العربية وشقيقتيها السريانية والعبرانية، وهو اسم إله من آلهة الكلدانيين كما بيناه بالتفصيل في فصل المسائل المتممة للآيات التي وردت في محاجة إبراهيم لقومه في أربابهم وشركهم (ج7 تفسير)، وروي عن قتادة تفسير الإل بالحلف والعقد والعهد وهي متقاربة المعنى...
وأقول: إن ألفاظ الإل والعهد والميثاق واليمين يختلف مفهومها اللغوي، وقد تتوارد مع هذا على حقيقة واحدة بضروب من التخصيص، فالعهد ما يتفق رجلان أو فريقان من الناس على التزامه بينهما لمصلحتهما المشتركة، فإن أكداه ووثقاه بما يقتضي زيادة العناية بحفظه والوفاء به سمي ميثاقا وهو مشتق من الوثاق بالفتح وهو الحبل والقيد، وإن أكداه باليمين خاصة سمي يمينا، وقد يسمى بذلك لوضع كل من المتعاقدين يمينه في يمين الآخر عند عقده، واليمين في الأصل اليد المقابلة للشمال والخلف. والظاهر أن من استعمل الإل بمعنى العهد أراد به المطلق منه، ومن هذه الألفاظ الحلف بالكسر وهو المحالفة، أصله من مادة الحلف أي اليمين. وقول ابن إسحاق: إن الكلام هنا في أهل العهد العام أراد بهم غير من استثناهم الله تعالى في الآية السابقة والآية الرابعة، والصواب أنه يشمل أهل العهد الذين غدروا، ويشمل من لا عهد لهم من المشركين بالأولى؛ لأنهم لشدة عداوتهم للمؤمنين لم يريدوا في وقت من الأوقات أن يقيدوا أنفسهم معهم بعهد سلم مطلق ولا موقت، فإن لم يشملهم بالنص شملهم بالحكم.
{يرضونكم بأفواههم} أي يخادعونكم في حال الضعف بما ينبذون به من الكلام العذب الذي يرون أنه يرضيكم، سواء كان عهدا أو وعدا أو يمينا مؤكدة لهما.
{وتأبى قلوبهم} المملوءة بالحقد والضغن أن تصدق أفواههم: {يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم} [الفتح: 11]، فهم إن ظهروا عليكم نكثوا العهود، وحنثوا بالأيمان، وفتكوا بكم جهد طاقتهم.
{وأكثرهم فاسقون} أي خارجون من قيود العهود والمواثيق، متجاوزون لحدود الصدق والوفاء، فالفسق على معناه في أصل اللغة وهو الخروج والانفصال، يقولون فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرتها، ويفسر في كل مقام بها يناسبه، وإنما وصف أكثرهم بالفسوق لأنهم الناكثون الناقضون لعهودهم، وأقلهم الموفون، وهم الذين استثناهم الله تعالى، وأمر المؤمنين بالاستقامة لهم ما استقاموا لهم.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
ولا يغرنكم منهم ما يعاملونكم به وقت الخوف منكم، فإنهم {يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ ْ} الميل والمحبة لكم، بل هم الأعداء حقا، المبغضون لكم صدقا، {وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ ْ} لا ديانة لهم ولا مروءة.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله، وهم لا يعاهدونكم إلا في حال عجزهم عن التغلب عليكم. ولو ظهروا عليكم وغلبوكم لفعلوا بكم الأفاعيل في غير مراعاة لعهد قائم بينهم وبينكم، وفي غير ذمة يرعونها لكم؛ أو في غير تحرج ولا تذمم من فعل يأتونه معكم! فهم لا يرعون عهدا، ولا يقفون كذلك عند حد في التنكيل بكم؛ ولا حتى الحدود المتعارف عليها في البيئة والتي يذمون لو تجاوزوها. فهم لشدة ما يكنونه لكم من البغضاء يتجاوزون كل حد في التنكيل بكم، لو أنهم قدروا عليكم. مهما يكن بينكم وبينهم من عهود قائمة. فليس الذي يمنعهم من أي فعل شائن معكم أن تكون بينكم وبينهم عهود؛ إنما يمنعهم أنهم لا يقدرون عليكم ولا يغلبونكم!.. وإذا كانوا اليوم -وأنتم أقوياء- يرضونكم بأفواههم بالقول اللين والتظاهر بالوفاء بالعهد. فإن قلوبهم تنغل عليكم بالحقد؛ وتأبى أن تقيم على العهد؛ فما بهم من وفاء لكم ولا ود! (وأكثرهم فاسقون. اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله. إنهم ساء ما كانوا يعملون).
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
... وفي إعادة الاستفهام إشعار بأنّ جملة الحال لها مزيد تعلّق بتوجّه الإنكار على دوام العهد للمشركين، حتّى كأنّها مستقلّة بالإنكار، لا مجرّدُ قيد للأمر الذي توجّه إليه الإنكار ابتداء، فيؤول المعنى الحاصل من هذا النظم إلى إنكار دوام العهد مع المشركين في ذاته، ابتداء، لأنّهم ليسوا أهلاً لذلك، وإلى إنكار دوامه بالخصوص في هذه الحالة. وهي حالة ما يبطنونه من نية الغدر إن ظهروا على المسلمين، ممّا قامت عليه القرائن والأمارات، كما فعلت هوازن عقب فتح مكة. فجملة: {وإن يظهروا عليكم} معطوفة على جملة {كيف يكون للمشركين عهد} [التوبة: 7].
وضمير {يظهروا} عائد إلى المشركين في قوله: {كيف يكون للمشركين عهد عند الله} [التوبة: 7] ومعنى {وإن يظهروا} إن ينتصروا. وتقدّم بيان هذا الفعل آنفاً عند قوله تعالى: {ولم يظاهروا عليكم أحدا} [التوبة: 4]. والمعنى: لو انتصر المشركون، بعد ضعفهم، وبعد أن جرّبوا من العهد معكم أنّه كان سبباً في قوتكم، لنقضوا العهد. وضمير {عليكم} خطاب للمؤمنين.
ومعنى {لا يرقبوا} لا يوفوا ولا يراعوا، يقال: رقَب الشيء، إذا نظر إليه نظر تعهّد ومراعاة، ومنه سمّي الرقيب، وسمّي المرْقَبَ مكان الحراسة، وقد أطلق هنا على المراعاة والوفاء بالعهد، لأنّ من أبطل العمل بشيء فكأنّه لم يَره وصرف نظره عنه.
والإلّ: الحلف والعهد؛ ويطلق الإلّ على النسب والقرابة. وقد كانت بين المشركين وبين المسلمين أنساب وقرابات، فيصحّ أن يراد هنا كلا معنييه.
والذمّة ما يمتّ به من الأواصر من صحبة وخلة وجوار ممّا يجب في المروءة أن يحفظ ويحمى، يقال: في ذمّتي كذا، أي ألتزم به وأحفظه.
{يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون}
استئناف ابتدائي، أي هم يقولون لكم ما يرضيكم، كيداً ولو تمكّنوا منكم لم يرقبوا فيكم إلاّ ولا ذمّة. من يسمع كلاماً فيأباه.
والإباية: الامتناع من شيء مطلوب وإسناد الإباية إلى القلوب استعارة، فقلوبهم لمّا نوت الغدر شبّهت بمن يطلب منه شيء فيأبى.
وجملة: {وأكثرهم فاسقون} في موضع الحال من واو الجماعة في {يرضونكم} مقصود منها الذمّ بأن أكثرهم موصوف، مع ذلك، بالخروج عن مهيع المروءة والرُّجلة، إذ نجد أكثرهم خالعين زمام الحياة، فجمعوا المذمة الدينية والمذمّة العرفية. فالفسق هنا الخروج عن الكمال العرفي بين الناس، وليس المراد الخروج عن مهيع الدين لأنّ ذلك وصف لجميعهم لا لأكثرهم، ولأنّه قد عرف من وصفهم بالكفر.