تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{كَيۡفَ وَإِن يَظۡهَرُواْ عَلَيۡكُمۡ لَا يَرۡقُبُواْ فِيكُمۡ إِلّٗا وَلَا ذِمَّةٗۚ يُرۡضُونَكُم بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَتَأۡبَىٰ قُلُوبُهُمۡ وَأَكۡثَرُهُمۡ فَٰسِقُونَ} (8)

المفردات :

يظهروا عليكم : يغلبوكم .

لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة : لا يراعوا فيكم قرابة ولا عهدا .

8 – { كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً } .

في تكرار الاستفهام بكيف ، تكرار وتأكيد لاستبعاد ثباتهم على العهد ، وحذف الفعل ؛ لكونه معلوما ، أي : كيف يكون لهم عهد .

والمعنى : كيف يكون للمشركين عهد معتد به ، ومراعاة لأحكامه عند الله وعند رسوله ، والحال أنهم إن يظهروا عليكم أيها المؤمنون ، ويظفروا بكم ويغلبوكم .

{ لا يرقبوا فيكم } . لا يراعوا في شأنكم .

{ إلا ولا ذمة } . أي : قرابة ولا عهدا .

قال ابن جرير الطبري بعد أن ساق أقوالا في معنى الإلّ : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : والإل : اسم يشتمل على معان ثلاثة وهي : العهد والعقد ، والحلف ، والقرابة . . . .

وإذا كانت الكلمة تشمل هذه المعاني الثلاثة ، ولم يكن الله خص من ذلك معنى دون معنى ، فالصواب أن يعم ذلك معانيها الثلاثة .

وقال الدكتور/ حمد سيد طنطاوي ، في تفسير الآية .

والمعنى : بأية صفة أو بأية كيفية يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله ، والحال المعهود منهم ، أنهم إن يظفروا بكم ويغلبوكم ، لا يراعوا في أمركم لا عهدا ولا حلفا ولا قرابة ، ولا حقا من الحقوق . اه .

وجاء في التفسير الوسيط لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر :

فإذا كانوا لا يرعون عهودهم وقرابتهم معكم ، فكيف تحافظون على عهود ضيعوها ونكثوها ، وشرط وجوب مراعاة حقوق العهد ، أن تكون محترمة من المتعاقدين ، فإن ضيعها أحدهما ؛ حل للآخر معاملته بالمثل .

{ يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون } .

أي : يقولون بألسنتهم ، ما فيه مجاملة ومحاسبة لكم ؛ طلبا لمرضاتكم ، وتطيب قلوبكم ، وقلوبهم تأبى ذلك وتخالفه ، وتود ما فيه مساءتكم ومضرتكم .

قال الزمخشري :

{ وأكثرهم فاسقون } . متمردون خلعاء ، لا مروءة تمنعهم ، ولا شمائل مرضية . تردعهم . اه .

وتخصيص الأكثر بوصف الفسق والغدر ، لما في بعض الكفرة من البعد عن الغدر ، والتعفف عما يؤدى إلى سوء الأحدوثة ، وقبح السيرة .

قال الدكتور محمد سيد طنطاوي :

وبذلك نرى أن الآية الكريمة قد وصفت هؤلاء المشركين ، وصفا في نهاية الذم والقبح ؛ لأنهم إن كانوا أقوياء فجروا ، وأسرفوا في الإيذاء ، نابذين كل عهد وقرابة وعرف . . .

أما إذا شعروا بالضعف فإنهم يقدمون للمؤمنين الكلام اللين ، الذي تنطق به ألسنتهم ، وتأباه قلوبهم الحاقدة الغادرة . أي : أن الغدر ملازم لم في حال قوتهم وضعفهم ؛ لأنهم في حالة قوتهم لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وفي حالة ضعفهم يخادعون ويداهنون حتى تحين لهم الفرصة للانقضاض على المؤمنين14 .