لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{كَيۡفَ وَإِن يَظۡهَرُواْ عَلَيۡكُمۡ لَا يَرۡقُبُواْ فِيكُمۡ إِلّٗا وَلَا ذِمَّةٗۚ يُرۡضُونَكُم بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَتَأۡبَىٰ قُلُوبُهُمۡ وَأَكۡثَرُهُمۡ فَٰسِقُونَ} (8)

{ كيف وإن يظهروا عليكم } قبل هذا مردود على الآية الأولى تقديره كيف يكون لهم عهد وإن يظهروا عليكم { لا يرقبوا فيكم إلاًّ ولا ذمة } قال الأخفش معناه ، كيف لا تقتلونهم وهم إن يظهروا عليكم أي يظهروا بكم ويغلبوكم ويعلو عليكم لا يرقبوا أي لا يحفظوا وقيل : معناه لا ينتظروا . وقيل : معناه لا يراعوا فيّكم إلاًّ . قال ابن عباس : يعني قرابة . وقيل : رحماً وهذا معنى قول ابن عباس أيضاً . وقال قتادة : الإل الحلف . وقال السدي : هو العهد وكذلك الذمة وإنما كرر للتأكيد أو لاختلاف اللفظين : وقال أبو مجلز ومجاهد : الإل هو الله عز وجل ومن قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه لما سمع كلام مسيلمة الكذاب إن هذا الكلام لم يخرج من إل يعني من الله وعلى هذا القول يكون معنى الآية لا يرقبون الله فيكم ولا يحفظون لا يراعونه { ولا ذمة } يعني ولا يحفظون عهداً { يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم } يعني يطيعونكم بألسنتهم بخلاف ما في قلوبهم { وأكثرهم فاسقون } فإن قلت إن الموصوفين بهذه الصفة كفار والكفر أخبث وأقبح من الفسق فكيف وصفهم بالفسق في معرض الذم وما الفائدة في قوله وأكثرهم فاسقون مع أن الكفار كلهم فاسقون . قلت : قد يكون الكافر عدلاً في دينه وقد يكون فاسقاً خبيث الفسق في دينه فالمراد بوصفهم بكونهم فاسقين أنهم نقضوا العهد وبالغوا في العداوة فوصفهم بكونهم فاسقين مع كفرهم فيكون أبلغ في الذم وإنما قال أكثرهم ولم يقل كلهم فاسقون لأن منهم من وفى بالعهد ولم ينقضه وأكثرهم نقضوا العهد فلهذا قال سبحانه وتعالى وأكثرهم فاسقون .