الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{كَيۡفَ وَإِن يَظۡهَرُواْ عَلَيۡكُمۡ لَا يَرۡقُبُواْ فِيكُمۡ إِلّٗا وَلَا ذِمَّةٗۚ يُرۡضُونَكُم بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَتَأۡبَىٰ قُلُوبُهُمۡ وَأَكۡثَرُهُمۡ فَٰسِقُونَ} (8)

قوله : { كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا }[ 8 ] ، الآية .

{ كيف } : في موضع نصب ، وكذلك { كيف يكون }[ 7 ]{[28238]} .

والمعنى : كيف يكون لهؤلاء المشركين عهد ، وهم/قد نقضوا العهد ، ومنهم من لا عهد{[28239]} له ، وهم : { إن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة }{[28240]} .

و{ كيف } هذه ، قد حذف الفعل بعدها لدلالة ما تقدم من الكلام عليه{[28241]} .

قال الأخفش المعنى : { كيف } لا تقتلونهم{[28242]} .

وقال أبو إسحاق{[28243]} ، التقدير : كيف يكون لهم عهد{[28244]} ، { وإن يظهروا عليكم } ، وحذف هذا الفعل ؛ لأنه قد تقدم ما يدل عليه ، ومثله قول الشاعر{[28245]} :

وخبّرتماني أنما{[28246]} الموت في القرى *** فكيف وهاتا هضبة وقليب{[28247]}

والمعنى : فكيف يكون الموت في القرى ، وهاتا هضبة وقليب ، لا ينجو فيهما منه أحد{[28248]} ؟

و " الإل " : القرابة و " الذمة " : العهد . قاله ابن عباس{[28249]} .

وقال قتادة " الإل " : الله ، و " الذمة " : العهد{[28250]} .

وقال مجاهد " الإل " : الله{[28251]} ، و " الذمة " : العهد{[28252]} .

وقال ابن زيد : " الإلّ " : العهد ، و " الذمة " : العهد ، لكنهما كررا لما اختلف لفظهما{[28253]} .

وجمع " الإل " الذي هو القرابة : الآل ، بمنزلة " عدل وأعدل " ، وفي الكثير : ألول ألال{[28254]} .

وقوله : { يرضونكم بأفواههم }[ 8 ] .

أي : يعطونكم بألسنتهم خلاف ما يضمرون في نفوسهم{[28255]} .

{ وتابى قلوبهم }[ 8 ] .

أي : تأبى أن تذعن بتصديق ما يبدوا بألسنتهم{[28256]} .

{ وأكثرهم فاسقون }[ 8 ] .

أي : خارجون عن أمر الله عز وجل ، بنقضهم وكفرهم{[28257]} .


[28238]:انظر: التبيان 2/636، والدر المصون 3/445، وحاشية الجمل على الجلالين 3/229.
[28239]:في الأصل: عاهد.
[28240]:جامع البيان 14/145، بتصرف.
[28241]:في جامع البيان 14/145: "...وكذلك تفعل العرب، إذا أعادت الحرف، بعد مضي معناه، استجازوا حذف الفعل...". وقد سبقه الفراء إلى هذا، وقال في معاني القرآن 1/424، "اكتفى بـ:{كيف}، ولا فعل معها؛ لأن المعنى فيها تقدم في قوله: {كيف يكون للمشركين عهد}، وإذا أعيد الحرف وقد مضى معناه استجازوا حذف الفعل...".
[28242]:معاني القرآن 1/355، بلفظ: "وقال: {وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم} فأضمر، كأنه: "كيف لا تقتلونهم"، والله أعلم. وأورده النحاس في إعراب القرآن 2/204، وعنه نقل مكي. وساقه في مشكل إعراب القرآن 1/324، من غير نسبة بلفظ: "قوله: المستفهم عنه محذوف تقديره، كيف لا تقتلونهم". وفي المخطوطتين: لا يقتلونكم، وهو تحريف.
[28243]:إبراهيم بن السري الزّجاج.
[28244]:معاني القرآن وإعرابه 2/433.
[28245]:هو كعب بن سعد الغنوي، يرثي أخاه أبا المغوار. قال الشيخ محمود شاكر في هامش تحقيقه لجامع البيان 14/145، "وهي من أشهر المراثي وأنبلها. وكان لكعب بن سعد أخ يقال له: أبو المغوار، فأخذ المدينة وباء، فنصحوه بأن يفر بأخيه من الأرض الوبيئة، لينجو من طوارق الموت، فلما خرج به إلى البادية هلك أخوه، فتفجع عليه تفجع العربي النبيل".
[28246]:إنما، لحق في الأصل.
[28247]:جامع البيان 14/145، برواية:...وهذي هضبة وكشيب، وتخريجه فيه، وأضف إليه: معاني القرآن للزجاج 2/433، وإعراب القرآن للنحاس 2/204، والكشاف 2/237، والمحرر الوجيز 3/9، وتفسير القرطبي 8/51، والبحر المحيط 5/15، والدر المصون 3/446، وانظر: معاجم شواهد العربية 1/40. قال عبد السلام هارون في هامش تحقيقه، الكتاب 3/487:....، والهضبة: الجبل، وأراد بالقليب: القبر، وأصله البئر".
[28248]:جامع البيان 14/145، برواية: وهذي هضبة وكثيب.
[28249]:جامع البيان 14/146، وتفسير ابن أبي حاتم 6/1758، وزاد المسير 3/402، وتفسير ابن كثير 2/338، والدر المنثور 4/135، وفتح القدير 2/388.
[28250]:تفسير عبد الرزاق الصنعاني 2/268، وجامع البيان 14/147، وزاد المسير 3/402.
[28251]:جامع البيان 14/146، وتفسير ابن أبي حاتم 6/1758، وتفسير الماوردي 2/343، وفيه: "ويكون معناه لا يرقبون الله فيكم"، وزاد المسير 3/402، وتفسير ابن كثير 2/338، وفيه: "وفي رواية: لا يرقبون الله ولا غيره"، والدر المنثور 4/134، وفتح القدير 2/388. وقال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه 2/433،:"...وهذا عندنا ليس بالوجه، لأن أسماء الله جل وعز معروفة معلومة كما سُمعت وتليت في الأخبار قال الله جل وعز: {ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها}[الأعراف: آية 180]، فالداعي يقول: يا الله يا رحمن، يا رب، يا مؤمن، يا مهيمن، ولم يسمع: يا إل في الدعاء".
[28252]:جامع البيان 14/148، وتفسير ابن أبي حاتم 6/1758.
[28253]:جامع البيان 14/148، بتصرف وتفسير القرطبي 8/51، وهو في المحرر الوجيز 3/10، والبحر المحيط 5/15، من غير عزو. قال المؤلف في تفسير المشكل من غريب القرآن 185: {إلا}، والإل: العهد، ويقال: القرابة والذمة، وقيل: "الإل" هو الله، جل ذكره"، وهو مأخوذ من غريب ابن قتيبة 183، بتصرف يسير. قال الطبري في جامع البيان 14/148، معقبا على الآثار التي ساقها في تأويل "الإل": "والإل: اسم يشتمل على معان ثلاثة: وهي العهد، والعقد، والحلف، والقرابة، وهو أيضا بمعنى "الله". فإذا كانت الكلمة تشمل هذه المعاني الثلاثة، ولم يكن الله قد خص من ذلك معنى دون معنى، فالصواب أن يُعم ذلك كما عمّ بها جل ثناؤه معانيها الثلاثة فيقال: لا يرقبون في مؤمن الله ولا قرابة ولا عهدا ولا ميثاقا".
[28254]:إعراب القرآن للنحاس 2/204، وتفسير القرطبي 8/51، وفي الأصل: إيلال.
[28255]:جامع البيان 14/150، باختصار يسير.
[28256]:المصدر نفسه، بتصرف.
[28257]:المصدر نفسه بتصرف.