الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{كَيۡفَ وَإِن يَظۡهَرُواْ عَلَيۡكُمۡ لَا يَرۡقُبُواْ فِيكُمۡ إِلّٗا وَلَا ذِمَّةٗۚ يُرۡضُونَكُم بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَتَأۡبَىٰ قُلُوبُهُمۡ وَأَكۡثَرُهُمۡ فَٰسِقُونَ} (8)

{ كَيْفَ } تكرار لاستبعاد ثبات المشركين على العهد ، وحذف الفعل لكونه معلوماً كما قال :

وَخَبَّرْتُمَانِي أَنَّمَا الْمَوْتُ بِالْقُرَى *** فَكَيْف وَهَاتَا هَضْبَة وَقَليبُ

يريد : فكيف مات . أي : كيف يكون لهم عهد { و } حالهم أنهم { إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ } بعد ما سبق لهم من تأكيد الأيمان والمواثيق ، لم ينظروا في حلف ولا عهد ولم يبقوا عليكم { لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ } لا يراعوا حلفاً . وقيل : قرابة . وأنشد لحسان رضي الله عنه :

لَعَمْرُكَ إنَّ إلَّكَ مِنْ قُرَيْش *** كَإلِّ السَّقْبِ مِنْ رَأَلِ النَّعَامِ

وقيل : { إِلاًّ } إلها وقرئ : «إيلا » ، بمعناه وقيل : جبرئيل ، وجبرئل ، من ذلك . وقيل : منه اشتق الآل بمعنى القرابة ، كما اشتقت الرحم من الرحمن ، والوجه ان اشتقاق الإلّ بمعنى الحلف ، لأنهم إذا تماسحوا وتحالفوا رفعوا به أصواتهم وشهروه ، من الأل وهو الجؤار ، وله أليل : أي أنين يرفع به صوته . ودعت ألليها : إذا ولولت ، ثم قيل لكل عهد وميثاق : إلّ . وسميت به القرابة ، لأن القرابة عقدت بين الرجلين ما لا يعقده الميثاق { يُرْضُونَكُم } كلام مبتدأ في وصف حالهم من مخالفة الظاهر الباطن ، مقرّر لاستبعاد الثبات منهم على العهد . وإباء القلوب مخالفة ما فيها من الأضغان ، لما يجرونه على ألسنتهم من الكلام الجميل { وَأَكْثَرُهُمْ فاسقون } متمرّدون خلعاء لا مروءة تزعهم ، ولا شمائل مرضية تردعهم ، كما يوجد ذلك في بعض الكفرة ، من التفادي عن الكذب والنكث ، والتعفف عما يثلم العرض ويجرّ أحدوثة السوء .