فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{كَيۡفَ وَإِن يَظۡهَرُواْ عَلَيۡكُمۡ لَا يَرۡقُبُواْ فِيكُمۡ إِلّٗا وَلَا ذِمَّةٗۚ يُرۡضُونَكُم بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَتَأۡبَىٰ قُلُوبُهُمۡ وَأَكۡثَرُهُمۡ فَٰسِقُونَ} (8)

قوله : { كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ } أعاد الاستفهام التعجيبي للتأكيد والتقرير ، والتقدير : كيف يكون لهم عهد عند الله وعند رسوله ؟ والحال أنهم إن يظهروا عليكم بالغلبة لكم { لاَ يَرْقُبُواْ } أي : لا يراعوا فيكم { إِلا } : أي عهداً { وَلاَ ذِمَّةً } . قال في الصحاح : الإلّ العهد والقرابة : ومنه قول حسان :

لعمرك أن إلك من قريش *** كإلّ السقب من رئل النعام

قال الزجاج : الإلّ عندي على ما توجبه اللغة يدور على معنى الحدة ، ومنه الإلة للحربة ، ومنه أذن مؤلفة : أي محددة ، ومنه قوله طرفة بن العبد يصف أذني ناقته بالحدة والانتصاب :

مؤلتان يعرف العنق منهما . . . كسامعتي شاة بحومل مفرد

قال أبو عبيدة : الإلّ العهد ، والذمة والنديم . وقال الأزهري : هو اسم لله بالعبرانية ، وأصله من الأليل ، وهو البريق ، يقال ألّ لونه يوّلّ إلا : أي صفا ولمع ، والذمة العهد ، وجمعها ذمم ، فمن فسر الإلّ بالعهد كان التكرير للتأكيد مع اختلاف اللفظين . وقال أبو عبيدة : الذمة : التذمم . وقال أبو عبيدة : الذمة : الأمان ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : " ويسعى بذمتهم أدناهم " وروي عن أبي عبيدة أيضاً أن الذمة ما يتذمم به : أي ما يجتنب فيه الذمّ . قوله : { يُرْضُونَكُم بأفواههم } أي : يقولون بألسنتهم ما فيه مجاملة ومحاسنة لكم ، طلباً [ لمرضاتكم ] وتطييب قلوبكم ، وقلوبهم تأبى ذلك وتخالفه ، وتودّ ما فيه مساءتكم ومضرتكم ، كما يفعله أهل النفاق وذوو الوجهين ، ثم حكم عليهم بالفسق ، وهو التمرّد والتجري ، والخروج عن الحق لنقضهم العهود ، وعدم مراعاتهم للعقود .

/خ11