النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{كَيۡفَ وَإِن يَظۡهَرُواْ عَلَيۡكُمۡ لَا يَرۡقُبُواْ فِيكُمۡ إِلّٗا وَلَا ذِمَّةٗۚ يُرۡضُونَكُم بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَتَأۡبَىٰ قُلُوبُهُمۡ وَأَكۡثَرُهُمۡ فَٰسِقُونَ} (8)

قوله عز وجل : { كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ } يعني يقووا حتى يقدروا على الظفر بكم . وفي الكلام محذوف وتقديره : كيف يكون لهم عهد وإن يظهروا عليكم .

{ لاَ يرْقُبُوا فِيكُمْ } فيه وجهان :

أحدهما : لا يخافوا ، قاله السدي .

الثاني : لا يراعوا .

{ إِلاّ وَلاَ ذِمَّةً } وفي الإلّ سبعة تأويلات .

أحدها : أنه العهد ، وهو قول ابن زيد .

والثاني : أنه اسم الله تعالى ، قاله مجاهد ، ويكون معناه لا يرقبون الله فيكم{[1211]} .

والثالث : أنه الحلف ، وهو قول قتادة .

والرابع : أن الإل اليمين ، والذمة العهد ، قاله أبو عبيدة ، ومنه قول ابن مقبل :

أفسد الناس خلوف خلفوا *** قطعوا الإلَّ وأعراق الرَّحِم

والخامس : أنه الجوار ، قاله الحسن .

والسادس : أنه القرابة ، قاله ابن عباس والسدي ، ومنه قول حسان :

وأُقسم إن إلَّك من قريش *** كإل السّقْبِ{[1212]} من رَأل النعام

والسابع : أن الإل العهد والعقد والميثاق واليمين ، وأن الذمة في هذا الموضع التذمم ممن لا عهد له ، قاله بعض البصريين .

{ وَلاَ ذِمَّةً } فيها ثلاثة أوجه :

أحدها : الجوار ، قاله ابن بحر .

الثاني : أنه التذمم ممن لا عهد له ، قاله بعض البصريين .

والثالث : أنه العهد وهو قول أبي عبيدة .

{ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ } يحتمل ثلاثة أوجه :

أحدها : يرضونك بأفواههم في الوفاء وتأبى قلوبهم إلا الغدر .

والثاني : يرضونكم بأفواههم في الطاعة وتأبى قلوبهم إلا المعصية .

والثالث : يرضونكم بأفواهم في الوعد بالإيمان وتأبى قلوبهم إلا الشرك ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرضيه من المشركين إلا بالإيمان .

{ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ } فيه وجهان :

أحدهما : في نقض العهد وإن كان جميعهم بالشرك فاسقاً .

والثاني : وأكثرهم فاسق في دينه وإن كان كل دينهم فسقاً .


[1211]:سقط من ق.
[1212]:السقب: ولد الناقة. والرال: ولد النعام.