نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{كَيۡفَ وَإِن يَظۡهَرُواْ عَلَيۡكُمۡ لَا يَرۡقُبُواْ فِيكُمۡ إِلّٗا وَلَا ذِمَّةٗۚ يُرۡضُونَكُم بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَتَأۡبَىٰ قُلُوبُهُمۡ وَأَكۡثَرُهُمۡ فَٰسِقُونَ} (8)

ولما أنكر سبحانه أن يكون للمشركين غير المستثنين عهد ، بين السبب الموجب للإنكار مكرراً أداة الإنكار تأكيداً للمعنى فقال : { كيف } أي{[35652]} يكون لهم عهد ثابت { وإن } أي والحال أنهم مضمرون لكم الغدر والخيانة فهم إن { يظهروا عليكم } أي إن يعل{[35653]} أمر لهم على أمركم{[35654]} بأن يظفروا بكم بعد العهد والميثاق { لا يرقبوا } أي لا ينظروا ويرعوا { فيكم } أي في أذاكم بكل جليل وحقير { إلاًّ } أي قرابة محققة { ولا ذمة } أي عهداً ، يعني أن الأمر المبيح للنبذ خوف الخيانة ، وعلام الغيوب يخبركم أنهم في غاية الخيانة لكم ، والإل{[35655]} هذا : القرابة - وهو قول ابن عباس ، والمادة تدور على الألة وهي حربة{[35656]} في نصلها عرض ، ويلزمها الصفاء والرقة والبريق ، ويشبه به الإسراع في العدو ، والثبات في نفسها ، ومنه القرابة والعهد والتغير في وصفها ، ومنه تغير رائحة الإناء وفساد الأسنان والصوت ، ومنه الأنين والجؤار في الدعاء مع البكاء و{[35657]}خرير الماء{[35658]} والطعن والقهر-{[35659]} ، ومنه : إن هذا - أي كلام{[35660]} مسيلمة - ما يخرج من إل ، أي من ربوبية ، وفي إل الله ، أي قدرته وإلهيته .

ولما كان ذلك مظنة لأن يقال : قد أكدوا لنا الأيمان وأوثقوا العهود ، ولم يدعوا باباً من أبواب الاستعطاف ، قال معللاً لما مضى مجيباً لمن استبعده : { يرضونكم } وعبر بأقصى ما يمكن الكلام به من القلوب تحقيقاً لأنهم ليس في قلوبهم شيء منه فقال : { بأفواههم } أي بذلك التأكيد ، وصرح بالمقصود بقوله : { وتأبى قلوبهم } أي العمل بما أبدته ألسنتهم ، وقليل منهم من يحمله الخوف ونحوه على الثبات أو{[35661]} يرجع عن هذا الفسق ويؤمن { وأكثرهم فاسقون* } أي راسخو الأقدام في الفسق خارجون - لمخالفة الفعل للقول - عما تريدونه ، وإذا نقض الأكثر{[35662]} اضطر الأقل إلى موافقتهم .


[35652]:زيد بعده في ظ: بأن.
[35653]:في الأصل وظ: يعلو.
[35654]:في ظ: أمرهم.
[35655]:من ظ، وفي الأصل: الإهلال ـ كذا.
[35656]:من ظ والقاموس، وفي الأصل: حرمة.
[35657]:من القاموس، وفي ظ: حزير الهاء ـ كذا.
[35658]:من القاموس، وفي ظ: حزير الهاء ـ كذا.
[35659]:زيد من ظ.
[35660]:في ظ: الكلام.
[35661]:في ظ: أي.
[35662]:من ظ، وفي الأصل: لا كثر.